البصل يُبكي المائدة المصرية

ارتفعت أسعار البصل في مصر نحو 400 % خلال عام واحد
ميريت أشهد


ارتفعت أسعار البصل في مصر نحو 400 % خلال عام واحد، ووصل سعره إلى 40 جنيهًا (1.29دولار) في الأسواق الشعبية، و 50 جنيهًا (1.62دولار) في منافذ بيع الطبقة الوسطى، وكان سعر كيلو البصل في بداية موسم الحصاد، مارس الماضي، حوالي 10 جنيهات (0.32 دولار)، بينما بلغ سعره 3.5 جنيه (0.11 دولار) في 22 سبتمبر من العام الماضي.

بداية الأزمة كانت في نهاية سبتمبر الماضي، حينما وصل سعر البصل إلى 25 جنيها للكيلوجرام الواحد للمرة الأولى في تاريخ مصر، ما دفع الحكومة حينها لإصدار قرار بوقف تصديره لمدة 3 أشهر.

بعدها تراجعت  أسعار البصل قليلًا خلال الشهرين الماضيين إلى نحو 20 جنيها (0.65 دولار) للكيلوجرام، ولكن مع قرب انتهاء مدة قرار وقف التصدير السابق في 31 ديسمبر الحالي، فإن السعر قفز بشكل جنوني لدرجة دفعت المصريين للبحث عن بدائل واللجوء مثلا للطهي بالبصل الأخضر.


وأعادت الحكومة المصرية من جديد البصل إلى قائمة السلع الممنوع تصديرها إلى الخارج، وفرضت حظرًا على تصديره حتى 30 مارس.

 

 وكان قد حُظر تصدير السكر قبل البصل، في الربع الأول من العام الحالي، وجرى تمديد القرار مرة ثانية، كما استمر حظر تصدير الأرز  من أجل تأمين احتياجات السوق المحلية، مع تشديد وإحكام الرقابة على المنافذ. وأكد وزير التموين والتجارة الداخلية أن الوزارة تقوم بجهودها لتوفير السلع الأساسية وفقًا لتوجيهات القيادة السياسية؛ وفي إطار تعزيز الأمن الغذائي.


تعد الزيادة في أسعار السلع الأساسية إحدى المواضيع التي تشغل الرأي العام، حيث قدم أعضاء في مجلس النواب طلبات إحاطة للدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، ووزيري الزراعة والتموين، بشأن أزمة ارتفاع أسعار البصل والسكر والخضروات. وأكد أحد النواب أن سبب ارتفاع أسعار هذه السلع يعود إلى عدم وجود رقابة فعّالة على الأسواق، مما دفعه للتساؤل عن جدوى وجود وزير التموين.

 

وتشير التقارير إلى أن الحكومة المصرية اتخذت إجراءات لمواجهة هذه الأزمة، حيث شكلت لجنة ضبط الأسواق وأسعار السلع.وكان قد عقد مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، فى أكتوبر الماضي، اجتماعا لمتابعة موقف توافر السلع الغذائية فى الأسواق وضبط الأسعار، بحضور محافظ البنك المركزى ووزير التموين والتجارة الداخلية وزير المالية ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي ووزير التجارة والصناعة ورئيس جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وآخرون من ورؤساء ومسؤولي عدد من الغرف التجارية، وممثلي عدد من الشركات الخاصة بالسلع الغذائية والتجار، واتفقوا على ضرورة وضع حلول جذرية تضمن انخفاض أسعار السلع الأساسية لتخفيف العبء عن المواطنين.


أزمة رغم تصدير البصل

 

رغم هذه الأزمة في أسعار البصل إلا أنه صدّرت مصر العام الماضي 280 ألف طن من البصل، فيما بلغ إجمالي ما صدرته هذا العام وحتى قرار وقف التصدير حوالي 380 ألف طن، حيث يحتل البصل المرتبة الثالثة في صادرات مصر الزراعية.
ووفق الأرقام الرسمية، تأتي مصر في الترتيب الرابع عالميا بعد كل من الصين والهند والولايات المتحدة، من حيث حجم إنتاجه سنويا.
وزادت حاصلات مصر الزراعية خلال الموسم التصديري 2022/2023 لتصل إلى 5.669 مليون طن بقيمة 3.556 مليار دولار مقابل 4.385 مليون طن بقيمة 2.86 مليار دولار خلال الموسم التصديري الماضي بنسبة نمو 29.2% في الكمية، و24.6% في القيمة.

 



أسباب الأزمة

يرجع مسؤول حكومي أزمة غلاء أسعار البصل إلى “تقلص المساحة المزروعة للمحصول في هذا العام، بالإضافة إلى الأضرار الناتجة عن التغيرات المناخية.” ويشير محللون إلى أن المزارعين انخرطوا في خفض المساحة المنزرعة هذا العام نتيجة انخفاض أسعار البصل في الموسم الماضي، حيث وصل سعر الطن إلى 800 جنيه (25 دولار)،  إلى جانب تأثر مصر بتغيرات المناخ، حيث تسببت موجة الحر في تدمير جزء كبير من المحاصيل.

 

وفي سياق متصل، يرى نقيب الفلاحين، حسين أبو صدام، أن أزمة ارتفاع أسعار البصل ليست قضية محلية فقط، بل على مستوى عالمي، مشيرًا إلى قلة الإنتاج في الدول الرئيسية لزراعة البصل مثل الهند وباكستان والصين. وأضاف أبو صدام، في مداخلة هاتفية على قناة “أون”، أن محصول هذا العام من البصل كان محدودًا، نظرًا لأن الفلاحين كانوا يبيعون كيلو البصل بجنيه واحد (0.032 دولار) أو 2 جنيه (0.065 دولار) في العام الماضي. وبالتالي، امتنع العديد من الفلاحين عن زراعته هذا العام. ورغم الإنتاج المحدود، ارتفعت نسب تصدير البصل هذا العام، مما يؤدي إلى قلة المتاح حاليًا في السوق.

ويعتبر أبو صدام أن الأزمة في سوق البصل هي في الأساس أزمة إدارية، حيث إن إنتاج مصر من البصل يصل إلى 3 مليون طن، وتحققت الاكتفاء الذاتي من هذا المحصول. ويستبعد تحميل وزارة التموين مسؤولية ارتفاع الأسعار، لأن الوزارة لا تشتري البصل من الفلاحين، ولكن يكون البصل في أيدي التجار.

 


الفلاح يتكبد الخسائر على الرغم من ارتفاع الأسعار

 

يلزم زراعة  فدان واحد من البصل تشغيل أكثر من 30 عاملًا خلال فترات الزراعة والخدمة والحصاد، بالإضافة إلى عدد مماثل من مفارش التخزين ومحطات الفرز والتعبئة والتصدير. يعتبر البصل من المحاصيل النقدية في مصر، حيث يُعتبر ثالث أهم المحاصيل التصديرية بعد الموالح والبطاطس، ويتم تصدير نحو 600 ألف طن من البصل الطازج و20 ألف طن من البصل المجفف، الذي يتم إنتاجه من تجفيف 200 ألف طن من البصل الطازج. وبفعل تقليل مساحة زراعة الأرز وتوقف التصدير، وتدهور مكانة القطن، أصبح البصل المحصول التصديري الأهم والوحيد الذي يمكن للفلاح العادي بيعه للمصدرين دون الحاجة إلى تصريح من الحكومة، في حين تتطلب محاصيل أخرى مثل البطاطس والفراولة والعنب تصديرًا تصريحًا من وزير الزراعة، وتكون في يد المستثمرين الذين يتمتعون بعلاقات قريبة مع الحكومة.

 

وعلى الرغم من نقص المعروض في السوق العالمية وارتفاع الطلب الدولي والأسعار، يُعاني مزارعو البصل في مصر، وبشكل خاص، من خسائر كبيرة على مدى العقد الأخير، حيث وصلت في العامين الأخيرين إلى 500 دولار لكل فدان. وتراجع سعر الجملة في الحقل لموسمين متتاليين إلى ما بين نصف جنيه وجنيه واحد للكيلو جرام. يُرجع ذلك إلى التناقض في طريقة الزراعة وتقلبات المساحة المزروعة من عام إلى آخر، وغياب التنظيم في التخطيط الزراعي الذي يحقق التوازن بين الإنتاج والاستهلاك. وغالبًا ما يزيد الإنتاج عن معدل الاستهلاك المحلي.


أهمية البصل في مصر

 

تعتبر زراعة البصل واحدة من أهم المكونات الرئيسية في المطبخ المصري الشعبي، حيث تنتشر في جميع محافظات مصر تقريبًا، ويشكل البصل مكونًا أساسيًا في العديد من الأكلات الشهيرة مثل “الكشري”.  ويزرع البصل ثلاث مرات على مدار العام، حيث تصل مساحة الزراعة في مصر إلى حوالي 200 ألف فدان سنويًا.

 

وتعد زراعة البصل فرصة مهمة لتوفير فرص العمل ومكافحة البطالة، حيث تعتمد زراعة هذه المحصول على الكثير من العمالة الزراعية. وعلى الرغم من التحديات التي تواجه القطاع الزراعي، إلا أن مصر تحتل مكانة رائدة على الساحة العالمية في تجارة البصل الطازج والمجفف، وتحتل مصر المرتبة الثالثة في العالم من حيث الإنتاج بعد الصين والهند.

البصل المصري الطازج يتميز عالميًا بجودته ، مع ميزات مثل الحرارة العالية والقدرة على تحمل عمليات التداول والشحن والنقل، إضافة إلى القدرة على التخزين لفترات طويلة وتوفره طوال العام. كما تمتلك مصر أصناف فريدة من البصل تم تطويرها محليًا في مراكز البحوث الزراعية، وتتميز بالتكيف مع المناخ والبيئة الزراعية المواتية واستفادة من مياه النيل العذبة، بالإضافة إلى الخبرة الهائلة للفلاح المصري.

تحظى صناعة البصل المجفف بشعبية كبيرة على الصعيدين الوطني والعالمي، وتعد واحدة من الصناعات الناجحة في مصر. تحتل مصر المرتبة الثالثة في تصدير البصل المجفف، وتتميز بجودة عالية وأسعار تنافسية. يصدر ما يقرب من 50% من إجمالي صادراتها إلى دول أوروبا، وتوجه النسبة المتبقية إلى اليابان وروسيا والولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة، وكذلك دول أميركا اللاتينية. تتنافس مصر مع الهند والولايات المتحدة والصين كواحدة من أكبر دول العالم في تصدير البصل المجفف.

 

وفيما يتعلق بتوقعات السوق، يرى نقيب الفلاحين أنه من المتوقع أن يشهد سعر البصل انخفاضًا كبيرًا في منتصف مارس أو أبريل من العام المقبل، متوقعًا أن يكون الموسم المقبل مزدهرًا نظرًا لزراعة كميات كبيرة من البصل التي تخطط لها الحكومة المصرية هذا العام.

ميريت أشهد
صحفية مصرية حاصلة على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة

Search