أعلنت شركة “أنجلو جولد أشانتي” في 10 سبتمبر استحواذها على شركة “سنتامين”، المشغلة لمنجم السكري، بقيمة حوالي 2.5 مليار دولار. تأتي هذه الخطوة مع ارتفاع أسعار الذهب عالميًا، إذ تسعى الشركة لتعزيز وجودها في مصر بعد بيع أصولها في جنوب أفريقيا. بموجب الصفقة، سيحصل مساهمو “سنتامين” على 16.4% من رأس مال الشركة الجديدة، بينما ستمتلك “أنجلو جولد” 83.6%. الصفقة تُثير تساؤلات حول حصة مصر في العائدات وأثر ذلك على الاقتصاد المحلي.
تسعى “أنجلو جولد” من خلال استحواذها على منجم السكري إلى تحسين الإنتاج الذي يبلغ حوالي 450 ألف أوقية سنويًا، مع خطط للتوسع في عمليات التنقيب وتطوير مناطق جديدة ضمن الامتياز المحيط بالمنجم. هذه الخطوة تُعد جزءًا من استراتيجية الشركة لتوسيع عملياتها خارج جنوب إفريقيا بعد بيع أصولها هناك، مما يعزز وجودها في مصر ويسهم في تطوير قطاع التعدين في المنطقة.
أنجلو جولد أشانتي” تُعتبر واحدة من أكبر شركات إنتاج الذهب في العالم، ومقرها في جنوب إفريقيا. تأسست الشركة في عام 2004 بعد دمج شركتي “أنجلو جولد” و”أشانتي جولد فيلدز”، وتدير حاليًا أصولًا كبيرة في مجال التنقيب عن الذهب في إفريقيا، أستراليا، الأمريكتين، والآن مصر بعد استحواذها على شركة “سنتامين”. يسهم هذا الاستحواذ في تعزيز تواجد الشركة في سوق الذهب المصري.
أهمية منجم السكري
يُعد منجم السكري أكبر منجم للذهب في مصر وأحد أكبر المناجم المنتجة عالميًا. منذ بدء إنتاجه الفعلي في عام 2009، أصبح المنجم مصدرًا مهمًا للعائدات الاقتصادية، حيث يساهم في تعزيز الدخل القومي وتوفير العملات الأجنبية. ومع الصفقة الأخيرة لبيع “سنتامين”، أثيرت تساؤلات حول مستقبل حصة مصر من هذا المورد الهام، وسط مخاوف من تقليص نصيب الدولة من العائدات.
يقع منجم السكري في الصحراء الشرقية، على بُعد حوالي 30 كيلومترًا من مدينة مرسى علم، ويعود تاريخه إلى العصور المصرية القديمة. أعيد تشغيله في عام 1994 بعد اتفاقية بين الهيئة المصرية والشركة الفرعونية لمناجم الذهب، ويُعد أحد الأعمدة الرئيسية لقطاع التعدين المصري.
يمتد عمر إنتاج منجم السكري إلى 28 عامًا، وهو ضعف متوسط أعمار المناجم في إفريقيا، مما يجعله من بين أكبر 25 منجمًا في العالم. يعمل في المنجم حوالي 4500 شخص، إضافة إلى 1000 مورد و50 شركة مقاولات، مما يعزز دوره في دعم الاقتصاد المصري.
في عام 2023، حقق منجم السكري إيرادات بلغت نحو 850 مليون دولار. وفقًا للاتفاق بين شركة “سنتامين” والحكومة المصرية، تحصل الدولة على 50% من أرباح المنجم بالإضافة إلى 3% كرسوم إتاوة بناءً على صافي المبيعات. و يُنتج المنجم سنويًا بين 470 ألف و500 ألف أوقية من الذهب، مما يجعله مصدرًا حيويًا للعملات الأجنبية والدخل القومي. يُدار المنجم وفق أحدث المعايير التقنية والبيئية، ما يعزز مكانته كمنجم عالمي المستوى ليس فقط من حيث حجم الإنتاج، ولكن أيضًا في تطبيق معايير الاستدامة والمحافظة على البيئة.
الاحتياطات الكبيرة التي لا يزال المنجم يحتوي عليها تجعل منه عنصر جذب رئيسي للاستثمار الأجنبي في قطاع التعدين المصري. هذا ما يبرز أهمية المنجم على المستوى الاستراتيجي والاقتصادي، خاصة في ظل خطط الحكومة لتوسيع نشاط التعدين في السنوات القادمة. في عام 2023، بلغت مساهمة المنجم النقدية 121 مليون دولار، بينما حصلت الحكومة المصرية على 139 مليون دولار من أرباح وإتاوات المنجم.
منذ بدء الإنتاج في عام 2009، أنتج المنجم حوالي 5.7 مليون أوقية من الذهب، فيما استمرت “سنتامين” في توسيع نطاق التنقيب، حيث أظهرت حملات الحفر نتائج واعدة في مواقع جديدة بالصحراء الشرقية، ومن المتوقع أن تستكمل هذه الأنشطة الشركة الجديدة.
تقييم قبل الاستحواذ
يقول جمال القليوبي – أستاذ هندسة البترول والطاقة، عضو مجلس إدارة جمعية البترول-، إن شركة “أنجلو جولد أشانتي” أجرت تقييمًا شاملاً ومفصلاً قبل استحواذها على شركة “سنتامين”. وقد شمل التقييم جوانب فنية وتجارية وقانونية للتأكد من صحة الصفقة. كما أكد أن الاستحواذ لن يؤثر على حقوق الدولة المصرية في منجم السكري، وستظل الاتفاقية القائمة بشأن حقوق الاستغلال سارية دون تعديل.
يشير في حديثه إلى زاوية ثالثة إلى أن “أنجلو جولد أشانتي” تعتبر منطقة منجم السكري وما حولها واعدة، مع إمكانية اكتشافات جديدة، بناءً على الدراسات التي أجرتها وفق المعايير الدولية. متابعًا بأن الشركة تعتقد أن الصفقة ستعزز عملياتها المالية والتشغيلية، في ظل الترقيات الكبيرة التي شهدها قطاع التعدين المصري مؤخرًا.
يوضح عضو مجلس إدارة جمعية البترول، أيضًا، أن الاتفاقية تنص على تقاسم الأرباح بين الحكومة المصرية وشركة “سنتامين” بنسبة 50% لكل طرف، إضافةً إلى حصول مصر على إتاوة بنسبة تصل إلى 3% من صافي إيرادات مبيعات الذهب. هذه الاتفاقية تمنع أي تغيير في حصة مصر من المنجم وستبقى كما هي؛ ما يعني أن أي زيادة في الاستثمارات من شأنها أن ترفع عائدات مصر من المنجم.
نوصي للقراءة: الحكومة الجديدة بين إرضاء الدائنين ومعيار الولاء والطاعة
خبراء قانون يحذرون
خبير قانون دولي صرح بأن هناك تصريحًا غير دقيق لرئيس الوزراء مصطفى مدبولي، بأن بيع حصة الشركة الأسترالية “سنتامين” لــ الشركة الجنوب إفريقية “أنجلو جولد أشانتي” لا يتطلب موافقة مصر، وأن عملية البيع والشراء تمت بين الشركات المالكة للامتياز في منجم السكري وفقًا لنفس الشروط السابقة. وأشار الخبير إلى أن هذا التصريح قد يثير قلقًا حول فقدان مصر لفرصة إعادة تقييم أو مراجعة الشروط المتعلقة بامتيازات منجم السكري ، إذ ينبغي على الحكومة أن تتنبه لهذه المسألة بجدية.
يتابع خبير القانون الدولي أنه من المفترض أن تخضع جميع حقوق الامتيازات والاستثمارات التي تُبرم مع دول وشركات أجنبية – بما في ذلك الشركات الإماراتية وغيرها-، إلى رقابة دقيقة، في حال قيام الشركة الأصلية ببيع حصتها في بلدها، يجب أن تحصل على موافقة كتابية من القاهرة على استمرار العقد، ويحق لها رفض الصفقة أو فرض شروط جديدة تتعلق بالامتياز، هذا الأمر يمثل حماية مصر وأمنها القومي من مخاطر شراء الشركات الأجنبية أو المعادية للدولة، كما يشكل فرصة لفرض شروط جديدة وفرض رسوم إضافية، تضمن لمصر تحقيق مصالحها المالية وتعزيز رقابتها على الامتيازات والحقوق.
ويستشهد الخبير بنص المادة (21) من اتفاقية البحث عن الذهب في منجم السكري، المنشورة في الجريدة الرسمية عام 1995، والتي تنص على أنه لا يجوز التنازل عن الحقوق أو الامتيازات دون موافقة كتابية من الحكومة المصرية، ما يتنافى مع حديث رئيس الحكومة الذي أكد أن عملية التنازل بين الشركتين لا تتطلب موافقة الحكومة، متسائلًا هل تنازلت الدولة عن حق أصيل من حقوقها في هذه الصفقة؟.
من جانبها، أوضحت وزارة البترول في بيان أن الصفقة بين الشركتين العالميتين المدرجتين في البورصة لا تتطلب موافقة الحكومة المصرية، إذ تشمل جميع أسهم “سنتامين” ومناطق عملها العالمية.
هل تتأثر حصة مصر؟
ردًا على تساؤلات “زاوية ثالثة” عن الاتفاقية وما قد تُشكله من مساس بحصة مصر في منجم السكري، أو بيع المنجم بشكل كامل إلى الشركة الجديدة، يقول مصدر حكومي مُطلع، أن صفقة استحواذ شركة “أنجلو جولد أشانتي” على شركة “سنتامين”، التي تمتلك حصة التحكم في منجم السكري بمصر، كانت عبارة عن مفاوضات قبل عدة أشهر، لكنها مؤخرًا تمت بالفعل.
يوضح المصدر في تصريحاته إلى زاوية ثالثة أن اتفاقية استغلال منجم السكري – بشكل قاطع- لا تمنع التنازل أو الدمج للشركة التي تمتلك حقوق الاستغلال، مشيرًا إلى وجود سوابق في قطاع النفط والغاز بمصر تشير إلى إمكانية حدوث مثل هذه التغييرات.
ويضيف المسؤول أن “أنجلو جولد أشانتي” قامت بتحليل عينات وأرسلت جيولوجيين إلى مصر في السابق، لاستكشاف منجم السكري، والمناطق المحيطة به قبل إتمام الصفقة، مؤكدًا أن التحليل والدراسات البيئية أظهرت توافق المنجم مع محفظة الأصول العالمية للشركة؛ ما يعزز من فرص تحسين عملياتها التشغيلية والمالية.
ينفي المسؤول الحكومي أن تكون قد تمت عملية بيع خفية، مؤكدًا أن حصة مصر لن تتأثر نهائيًا بعملية الاستحواذ التي تمت، مشيرًا إلى أن حصة مصر سوف تزيد بالفعل مع الوقت، فهناك توقعات بتطوير الإنتاج؛ ما سيؤثر بدوره على زيادة إنتاج المنجم، وبالتالي زيادة حصة مصر، وفقًا لأحكام اتفاقية الالتزام الصادرة بموجب القانون رقم (222) لسنة 1994، التي لا تزال بالفعل سارية بكافة بنودها، وتحكم العلاقة بين الأطراف المساهمين “الهيئة العامة للثروة المعدنية، والشركة الفرعونية”، والأخيرة كانت قد استحوذت عليها شركة سنتامين وتنازلت عنها بالفعل للشركة الجديدة.
وفقًا للمسؤول، في السنوات السابقة كان هناك اهتمام من بعض المستثمرين للاستحواذ على منجم السكري، ولكن لم تُثمر تلك المحاولات عن نتيجة، بسبب إصرار المالك السابق على الاستمرار في استثمار المنجم، إذ كانت ترى أن بإمكانها تحقيق المزيد من الأرباح بتكاليف استثمارية وتشغيلية ملائمة لها في ذلك الوقت.
ويشير إلى أن قبول “سنتامين” صفقة الاستحواذ يرجع إلى رغبتها في استثمار رؤوس أموال جديدة في مشاريع بحث واستكشاف في أسواق أخرى. كما أن الشركة قد حققت أرباحًا كبيرة على مدى السنوات السابقة؛ ما جعلها أكثر انفتاحًا على إتمام صفقة الاستحواذ في الوقت الراهن.
واختتم المسؤول تصريحاته بالتأكيد على أن شركة “سنتامين” كانت مُدرجة في بورصة لندن، وكان يتم بيع الذهب المستخرج من منجم السكري هناك.
علاقة المستثمر الجديد بالاحتلال الإسرائيلي
أشار يحيى القزاز، أستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان والسياسي المعارض، إلى وجود مساهمين في شركة “أنجلو جولد أشانتي”، التي استحوذت على عمليات تشغيل منجم السكري، لديهم علاقات قوية مع الاحتلال الإسرائيلي. وأضاف القزاز في منشور له على منصة إكس، أن هؤلاء المساهمين مرتبطون بعلاقات وثيقة مع تل أبيب، ولديهم استثمارات في بنوك تمول بشكل مباشر بناء المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية.
وأوضح القزاز أن المساهمين في شركة “أنجلو جولد أشانتي” ليسوا فقط مرتبطين بالاستثمارات المالية، بل يمتلكون أيضًا علاقات مع شركاء يقدمون تكنولوجيا متطورة لجيش الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الأمنية. هذه العلاقات قد تثير تساؤلات حول طبيعة الاستثمارات وتأثيرها في المنطقة.
من جهة أخرى، ذكرت وكالة “رويترز” أن صفقة الاستحواذ توسع محفظة “أنجلو جولد أشانتي” لتشمل مناطق رئيسية أخرى منتجة للذهب. وتملك الشركة أصولًا في تسع دول مختلفة، منها تنزانيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، غانا، غينيا، أستراليا، الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، الأرجنتين، وكولومبيا.