أين تذهب مليارات الدولارات لتطوير السكك الحديدية المصرية؟

عمليات تطوير السكك الحديدية المصرية، التي تم الإعلان عنها مرارًا وتكرارًا وخصصت لها الحكومة المصرية مليارات الدولارات من القروض والمنح، لم تؤد إلى تقليل معدل حوادث القطارات أو تحسين الأداء والسلامة
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

ساعات قليلة فصلت بين افتتاح الرئيس عبد الفتاح السيسي محطة قطارات صعيد مصر بمنطقة بشتيل بمحافظة الجيزة الواقعة في نطاق محافظات القاهرة الكبرى، وبين حادث تصادم قطار نوم رقم 1087 بجرار أمام قرية ماقوسة بالمنيا – إحدى محافظات الصعيد- صباح أمس الأحد. أسفر الحادث عن حالتي وفاة -بينهما مجند- وإصابة 22 آخرين حتى كتابة هذه السطور. على إثر الحادث أصدر النائب العام محمد شوقي عياد، قرارًا بالتحفظ على سائق الجرار، لاستجوابه وفحصه للوقوف على مدى تعاطيه المواد المخدرة من عدمه.

سبقت الحادثة أخرى مماثلة منذ نحو شهر؛ ففي منتصف سبتمبر الماضي، قتل أربعة مواطنين وأصيب 49 آخرين، نتيجة تصادم قطارين بالزقازيق في محافظة الشرقية، إحدى محافظات دلتا مصر. لتتصدر حوادث قطارات سكك حديد مصر المشهد مجددًا رغم من عمليات التطوير التي أعلنت عنها حكومة القاهرة.

وقعت حادثة تصادم قطاري الزقازيق بعد أقل من شهرين، على موافقة مجلس النواب المصري بجلسته المنعقدة في 25 يونيو 2024، على القرار الرئاسي رقم 471 لسنة 2023 بشأن الموافقة على اتفاقية قرض بقيمة 250 مليون يورو من البنك الآسيوى، للاستثمار في البنية التحتية لتطوير خط سكة حديد أبو قير الإسكندرية وتحويله إلى مترو كهربائي، ونُشر بالجريدة الرسمية في عددها الصادر يوم الخميس 29 أغسطس الماضي.

وعلى مدار السنوات الماضية، أعلنت الحكومات المصرية المتعاقبة، العمل على تطوير سكك حديد مصر، التي شهدت آلاف من الحوادث وصفت بعضها بـ الكارثية، وهو ما تستند إليه الحكومة الحالية برئاسة مصطفى مدبولي لمواصلة عمليات الاقتراض.

يفترض هذا التحقيق أن عمليات تطوير السكك الحديدية المصرية، التي تم الإعلان عنها مرارًا وتكرارًا وخصصت لها الحكومة المصرية مليارات الدولارات من القروض والمنح، لم تؤد إلى تقليل معدل حوادث القطارات أو تحسين الأداء والسلامة. بل، على العكس، تستمر الحوادث المميتة وتتعاظم الخسائر البشرية والمادية، مما يثير التساؤلات حول فعالية تلك التطويرات وأوجه إنفاق القروض.

جمعتُ الإحصائيات المستند إليها التحقيق من النشرات السنوية الدورية للجهاز المركزي للإحصاء، وكتيب “مصر في أرقام” الصادر عن جهاز الإحصاء مؤخرًا ويغطي الفترة من 2009 حتى 2023. وبالبحث والتدقيق تبين أن هناك تباين واختلاف في إحصائيات حوادث القطارات في عام 2018 وما بعده، وهي السنوات التي تولى فيها كامل الوزير وزارة النقل. فعلى سبيل المثال. رصدت النشرة السنوية لعام 2019 للجهاز الصادرة عام 2020، أن في عام 2018 كانت عدد حوادث القطارات 2044 حادثة، في حين تم تخفيضها في كتيب مصر في أرقام لعام 2023 الصادر في يونيو الماضي إلى 1107 حادثة، وكذلك تم تخفيض عدد حوادث القطارات عام 2019 من 1863 في النشرة السنوية إلى 1442 حادثة، في الكُتّيب الإحصائي.

 

نوصي للقراءة: العبور إلى الموت.. معديات متهالكة وبديل خرساني

 

التطوير دون تقليل الحوادث

في 27 أكتوبر من عام 2009، قدّم محمد منصور – وزير النقل المصري آنذاك- استقالته وقبلها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك على الفور، بعد حادث تصادم قطارين في منطقة العياط جنوب القاهرة. أسفر الحادث حينها عن 18 قتيلًا و36 جريحً، بعد انتقادات عنيفة وجهها البرلمان المصري للوزير، محملين إياه مسؤولية الحادث خلال اجتماع للجنة النقل في مجلس الشعب نوقشت خلاله الأسباب المؤدية لذلك.

جاء الحادث بعد سبع سنوات من وقوع حادثة في العياط عام 2002.، عُرفت إعلاميًا بحادثة قطار الصعيد، بعد أن تحول القطار الذي حمل مواطنين كانوا يحلمون بقضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلاتهم في صعيد مصر إلى مقبرة جماعية لأكثر من 350 راكب، إذ احترقت بهم سبع عربات مكدسة بالركاب المتجهة من القاهرة إلى الأقصر. فاقم من حجم الكارثة عدم توقف السائق إلا بعد احتراق العربات السبعة كاملة بالقرب من العياط، قبل أن يفصل العربات التسع الأخرى ويكمل رحلته حتى أسيوط.

بين حادثي العياط 2002/2009،  وقعت العديد من حوادث القطارات؛ أبرزها حادث تصادم قطارين في مدينة قليوب بـ شمال القاهرة في عام 2006، وأسفر عن مقتل 58 وإصابة العشرات، لتعلن بعدها حكومة القاهرة عن تخصيص خمسة مليارات جنيه لتطوير مرفق السكك الحديدية.

ومنذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر والرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، أُعلن عن ما يقارب عن ست خطط ومشروعات لتطوير وتحديث منظومة سكك حديد مصر، رصدنا ثلاث منها في هذا التحقيق، ورغم من ذلك لم يتوقف نزيف الدم على القضبان. فمنذ عام 2009 وحتى 2023، وقعت أكثر من 16 ألف حادثة قطار بمتوسط 0.1 حادثة لكل 10000 من عدد السكان، إذ تراجع معدل تصادم القطارات بين عامي 2011 و2012 قبل أن يعاود الارتفاع مجددًا.

 

وبحسب البيانات، فإن عام 2016 الأعلى في نسبة عدد الحوادث بالنسبة لعدد السكان، غير أنها انخفضت في الفترة ما بين 2019 وحتى 2021، قبل أن تعاود الارتفاع مجددًا. 

 

عادة ما تحيل السلطة مسؤولية حوادث القطارات إلى العنصر البشري مثل. السائقين وعُمال التحويلات وغيرهم، وهو ما أشار إليه كامل الوزير – نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل- أثناء متابعته لحادثة تصادم قطارين بالشرقية وقبل أن تنتهي النيابة العامة من تحقيقاتها. إذ صرح بأن العنصر البشري سببًا في الحادث، لكن النيابة من تحدد سبب الواقعة، موضحًا أن القطار خرج من محطة الزقازيق ووقف على سكة قطار آخر، مؤكدًا “نعمل على تطوير المنظومة.”

وفق تحليل البيانات الرسمية في الفترة من 2009 حتى 2019، كان “اصطدام القطارات ببوابة المنافذ (المزلقانات) السبب الأبرز في حوادث القطارات، يأتي بعده السقوط الطوالي وغير الطوالي، فيما جاءت بنسبة أقل بكثير تجاوز الأرصفة وتجاوز السيمافورات (الإشارات).

يرى عادل عدلي – سائق متعاقد في السكة الحديد منذ خمس سنوات- أنه دائمًا ما تُلقى المسؤولية على عاتق السائقين والعاملين في السكة الحديد. يصف هذا بالتهرب من البحث في الأسباب الحقيقة وراء الأزمات والعمل على حلها. مضيفًا: “رغم التطوير لازالت الهيئة تعاني من الفكر التقليدي وسوء التنظيم.”

ويتابع: “على سبيل المثال، الهيئة عملت على الاهتمام بتدريب السائقين ومتابعتهم والكشف الطبي عليهم، إضافة إلى تطوير نظم الإشارات واهتمت بـ تركيب الإشارات الضوئية، رغم ذلك ظلت الإشارات القديمة موجودة في أماكنها جنبًا إلى جنب للإشارات الجديدة؛ ما يربك بعض السائقين”. منبهًا أن الأخطاء البشرية واردة في كل الأحوال.

وأصدرت وزارة النقل بيان في يوليو الماضي، أوضحت فيه وضع خطة شاملة لتطوير عناصر منظومة السكك الحديدية منذ عام 2014 وحتى 2024 بتكلفة 225 مليار جنيه؛ ترتكز على خمسة محاور رئيسة تشمل تطوير الوحدات المتحركة، والبنية الأساسية، ونظم الإشارات، والورش الإنتاجية، وتنمية العنصر البشري، بهدف رفع طاقة النقل وتعظيم نقل الركاب والبضائع على خطوط الشبكة.

وفي نوفمبر عام 2015، كلف الدكتور إبراهيم الدميرى – وزير النقل-، رئيس هيئة السكة الحديدية حينذاك، بوضع خطة جديدة لهيكلة السكة الحديدية، بحيث يجرى تعديل الخطة القديمة الموضوعة في عام 2006، التي بدأ تطبيقها منتصف 2007، إلى جانب إعادة النظر في وضع الشركات المملوكة للهيئة المؤسسة بموجب الخطة القديمة.

كانت وزارة النقل في عام 2006، قد كلفت مكتب الاستشارات الأمريكى “بوز آلن” بإعداد خطة لتطوير وإعادة هيكلة السكة الحديدية، انتهت إلى تقسيم الهيئة إلى سبع شركات تتولى القيام بأنشطتها، وتستهدف السيطرة وإدارة عاملي الهيئة الذين تعدت أعدادهم حينها 70 ألف عاملًا، إلى جانب الاستغلال الأمثل لموارد الهيئة وأصولها وأملاكها. وبعد ثمان سنوات من تطبيق خطة التطوير قررت وزارة النقل وقف تطبيقها، إذ لم تتعدى أرباح هيئة السكك الحديد طوال السنوات الثمانية الـ30 مليون جنيه فقط، ما عُد خسارة مدوية للهيئة.

وفي سبتمبر من 2014، بدأت أولى محاولات التطوير مجددًا خلال مؤتمر “يورو موني” المصري، إذ أعلن المسئولون عن السكك الحديدية المصرية حينها، عن استثمار بقيمة عشرة مليارات دولار أمريكي على مدى عشر سنوات لتحديث وصيانة شبكة السكك الحديدية القديمة، مع 2.2 مليار دولار من البنك الدولي. واستهدف ترقية المعدات الدارجة والبنية التحتية للسكك الحديدية، إضافة إلى التدريب ونقل المعرفة، لكن بعد خمس سنوات فقط من بدء خطة التطوير، اندلع حريق هائل في محطة مصر برمسيس وسط القاهرة، أدى إلى مصرع 20 مواطنًا وإصابة أكثر من 40 آخرين، وفق وزيرة الصحة حينها، هالة زايد. عقب الحادث تقدم وزير النقل حينها، هشام عرفات، باستقالته من منصبه بعد عام واحد فقط من استلامه الحقيبة الوزارية. وفي العام نفسه تولى كامل الوزير – رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية السابق-، كرسي وزارة النقل، خلفًا لعرفات والمستمر إلى الآن في منصبه.

 

نوصي للقراءة: ارتفاع حوادث الطرق في مصر يُناقض المشاريع العملاقة

قروض للتطوير

في الفترة من 2009 إلى 2023، لجأت حكومة القاهرة للحصول على عدد من القروض تحت عنوان تطوير هيئة سكك حديد مصر؛ ففي أغسطس 2009، وافق البنك الدولي على إقراض هيئة السكك 270 مليون دولار، في إطار الخطة القومية التي وضعتها الحكومة لإعادة هيكلة الهيئة التي استهدفت تحديث إشارات وتركيب نظام تحكّم مركزي على خط (القاهرة/ عرب الرمل – الإسكندرية)، وتجديد 200 كيلومتر من قضبان خط (القاهرة/أسوان) وتحديث خط (بنها/ بورسعيد). ارتفعت قيمة القرض في سبتمبر 2011 لتصل إلى 600 مليون دولار، بعد الموافقة على القرض الإضافي بقيمة 330 مليون دولار، بهدف تطوير نظام الإشارات وتركيب نظام تحكّم مركزي لقطاع (بني سويف/ أسيوط) الذي يعتبر جزءًا من خط (القاهرة/ أسوان). ومنذ 2009 وحتى العام الجاري 2024، اقترضت مصر مليارات الدولارات بغرض تطوير هيئة السكة الحديد.

التمويلات والقروض المتعلقة بتطوير منظومة السكك الحديدة (الجرائد المصرية)
التمويلات والقروض المتعلقة بتطوير منظومة السكك الحديدة (الجرائد المصرية)

 

كانت آخر تلك القروض المقدمة من الشركة الإسبانية “تالجو” بقيمة 200 مليون يورو؛ لتوريد سبعة قطارات نوم لهيئة السكك الحديدية، التي اعترض عليها النائب عن حزب العدل، عبدالمنعم إمام، خلال جلسة مجلس النواب المنعقدة الثالث من يونيو الماضي، لمناقشة اتفاقية القرض الموقعة بين مصر وإسبانيا. مؤكدًا: “الاستدانة والأزمة الحالية يتحمل كامل الوزير 80% من أسبابها.”

رغم مليارات الدولارات من القروض الخارجية التي حصلت عليها سكك حديد مصر بخلاف المنح والقروض الداخلية، استمر نزيف الدم على القضبان؛ فخلال الفترة من 2009 وحتى 2024 حصدت الحوادث أرواح أكثر من 3500 ضحية، فيما أصيب نحو 5500 آخرين، وفقًا للنشرات السنوية للجهاز المركزي للإحصاء.

وكان عام 2016 النقطة الفاصلة، إذ ارتفع معدل الوفيات عام 2017، بمعدل أربعة أضعاف عن عام 2016، كما ارتفع معدل الإصابات كذلك.

في تقرير للبنك الدولي عن مشروع تطوير السكك الحديدية في مصر نشر في 23 سبتمبر 2020، أوضح أن تقادم البنية التحتية للسكك الحديدية وتهالكها وضعف ثقافة السلامة والأمان، يؤدي إلى تكرار وقوع حوادث القطارات وتأخيرها عن مواعيدها. ولا تتوفر إحصاءات كافية عن عدد القتلى أو المصابين بجروح خطيرة، ولا يتم في أحوال كثيرة الإبلاغ عن الحوادث. وتشهد مصر ما يقرب من ألف حادث تصادم بين القطارات كل عام. وتظهر إحصاءات أخرى بشأن السلامة والأمان أن مصر تشهد نحو خمسة أضعاف عدد الحوادث الخطيرة مقارنة بالسكك الحديدية الأوروبية، ونحو سبعة أضعاف ما هو عليه في المملكة المتحدة، و 20 ضعف اليابان. 

تواصلت زاوية ثالثة مع ماجد فرج – المتحدث الرسمي باسم هيئة سكك حديد مصر-، لكنه رفض التعليق على أسباب ارتفاع معدل الحوادث رغم خطة التطوير. يشير: “نحن لا نستطيع إصدار بيانات بدون الاعتماد الرسمي من القطاعات الخاصة بها، من خلال تقديم طلب رسمي للعميد المسؤول عن تجميع البيانات المطلوبة.”

يعلق متحدث السكك الحديدية المصرية على إحصائيات الجهاز المركزي للإحصاء: “غير مسؤول عن تلك الاحصائيات. لا تخص الهيئة ولا نعرف مصدرها ولا أساسها ولا تسري علينا، ولا نعرف إذا كانت واقعية أم من خيالية. أرقام الهيئة تخرج من رئيس الهيئة بعد الموافقة عليها.”

من جهته، يستنكر المحامي الحقوقي والعمالي، ياسر سعد، رفض المتحدث باسم السكك الحديدية على أسئلتنا الخاصة بأسباب ارتفاع معدل حوادث القطارات رغم “التطوير المزعوم”، مشيرًا إلى أن رفضه نتيجة طبيعية لما وصل إليه وضع الجهاز الإداري في مصر والسيطرة عليه من قبل الأجهزة الأمنية، وأن نتائج هذا أن المناصب الحيوية والاستراتيجية في الدولة تم إسنادها إلى أشخاص غير معنية بتطوير المجتمع أو البحث أو حتى الإفصاح عن المعلومات، رغم الحق الدستوري في الحصول على المعلومات وتداولها.

يوضّح في حديثه معنا أن كل البيانات الرسمية التي تخص الدولة ملك الشعب المصري. مشيرًا إلى أن  مهمة الصحافة نشر البيانات الرسمية عن الجهات الرسمية، إضافة إلى تقصي الحقائق وبالتالي حينما يوجد مسؤول يحجب بعض المعلومات أو لديه معلومات مختلفة عما يتم تداوله ولا يتم نشرها؛ يعتبر تقصيرًا في عمله وحجبًا للمعلومات عن الشعب، منبهًا: “ليس لها عقوبة في القانون إلى الآن.”

وعن تضارب الأرقام في النشرات السنوية وكتيب مصر في أرقام جهاز الإحصاء الرسمي، يعتبر أن هذا جزء من سياسة الدولة في التعامل مع الأزمات، من منطلق التجاهل أو الإخفاء وليس المواجهة والعمل على حلها.

تنص المادة 68 من الدستور المصري المعدل في 2019، على أن “المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك للشعب، والإفصاح عنها من مصادرها المختلفة، حق تكفله الدولة لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيرها وإتاحتها للمواطنين بشفافية، وينظم القانون ضوابط الحصول عليها وإتاحتها وسريتها، وقواعد إيداعها وحفظها، والتظلم من رفض إعطائها، كما يحدد عقوبة حجب المعلومات أو إعطاء معلومات مغلوطة عمداً. وتلتزم مؤسسات الدولة بإيداع الوثائق الرسمية بعد الانتهاء من فترة العمل بها بدار الوثائق القومية، وحمايتها وتأمينها من الضياع أو التلف، وترميمها ورقمنتها، بجميع الوسائل والأدوات الحديثة، وفقاً للقانون.”

 

نوصي للقراءة: عمالة الأطفال في مصر: طفولة مسلوبة وحوادث قاتلة خلال رحلات العمل اليومية

القروض تلتهم مظاهر التطوير

على مدار السنوات الماضية تغلبت خدمة الديون على الإنفاق الفعلي لتطوير هيئة السكك الحديدية، فوفقًا لـ البيانات الرسمية، تراجعت الاستخدامات الاستثمارية حتى الحساب الختامي لموازنة الهيئة للسنة المالية 2020/2021؛ التي من شأنها تطوير وتوسيع الخدمة ورفع كفاءتها، بينما سيطرت نسبة التحويلات الاستثمارية (خدمة الديون)، فيما ظلت نسبة المواد الخام وقطع الغيار متراجعة حتى ربط الحساب الختامي للسنة المالية 2021/2022.

يرى أسامة عقيل – أستاذ هندسة النقل بجامعة عين شمس- أن السكة الحديد بريئة من أن يكون قد أنفق عليها المليارات التي تم الحصول عليها من القروض. مستطردًا: “لدينا نوعان من السكك الحديدية؛ واحدة يستخدمها المواطنون وأخرى تنفق عليها الحكومة مثل. القطار السريع والكهربائي.” 

يوضّح في حديثه مع زاوية ثالثة أن السكك الحديدية التي يستخدمها المواطنون لم يتم تطويرها ولم ينفق عليها – كما المعلن- وإن الإنفاق كما المعتاد لا غير. مشيرًا إلى أن الإنفاق يذهب فقط إلى المشروعات التي تعمل السلطة عليها مؤخرًا مثل القطار السريع، وأنه لا يوجد ما يدل على أن القروض التي تحصل عليها الدولة يتم إنفاقها لتطوير هيئة السكك الحديدية بشكل عام، وإنما يقتصر على مشروعات الحكومة فقط.

أشار تقرير نشرته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في عام 2019، إلى أنه حين تعاقدت هيئة السكك الحديدية مع البنك الدولي في عام 2009 على إصلاحها، اختارت تطوير خطين من القطارات المكيفة، وهي الخطوط التي يستخدمها ميسوري الدخل. ثم لم تلتزم الهيئة بأي من بنود التطوير التي وقعت عليها لمدة تقترب من عشر سنوات، رغم أنها تلقت شرائح من القرض، بل وشرعت في سداده.

وكشف أشرف رسلان – رئيس هيئة السكة الحديد آنذاك-، عن تفاوض الهيئة مع البنك المركزى لإسقاط ديون الهيئة المتراكمة منذ سنوات؛ سواء بسبب العجز السنوي المُرحّل أو فوائد الديون المحلية، لافتًا إلى أن الديون المتراكمة على الهيئة تخطت الـ 70 مليار جنيه. وأوضح أن جزء من الديون بالأساس قروض وفوائد قروض اقترضتها الهيئة من بنك الاستثمار القومى، مستطردًا: “هناك قروض تاريخية من حقبة التسعينات قيمتها الأساسية حوالى عشرة مليارات جنيه، لكن فوائدها نتيجة تأخر السداد تخطت قيمتها الأصلية بكثير. لذا فالجزء الأكبر من ديون المرفق؛ نتيجة فوائد القروض التي اقترضتها الهيئة منذ سنوات طويلة.”

القطار السريع عبء إضافي

منذ عام 2014، أعلنت هيئة السكك الحديدية عن بدء تنفيذ خطة شاملة، لتطوير عناصر منظومتها، ترتكز على خمسة محاور رئيسة؛ تطوير الوحدات المتحركة، والبنية الأساسية، ونظم الإشارات، والورش الإنتاجية، وتنمية العنصر البشرى، بهدف رفع طاقة النقل وتعظيم نقل الركاب والبضائع على خطوط الشبكة ورفع معدلات الأمن والسلامة وتقليل معدل الانبعاثات الكربونية الناتجة عن النقل بالشاحنات.

في نفس العام، كشفت مستندات رسمية عن سعي وزارة النقل للحصول على قرض بقيمة مليار يورو من أحد البنوك التجارية في دولة المجر، بفائدة تتراوح ما بين 2.25% و3.30%، لتمويل شراء 700 عربة درجة ثانية، و16 قطارًا كاملًا، رغم من عدم وجود دراسة فنية، أو اطلاع على المصنع المجري الذى سيصنع تلك العربات، كما أن الهيئة العربية للتصنيع لديها إمكانيات تفوق المصانع المجرية، فى هذا الشأن، وبإمكانها توريد تلك العربات بأسعار أقل كثيرًا.

وفي يناير من عام 2021، وقعّت شركة “سيمنز العالمية موبيليتي” مذكرة تفاهم مع وزارة النقل المصرية، لتطوير أول خط سكة حديد فائق السرعة كهربائيًا في البلاد. وقدرت قيمة الطلب المبدئية بنحو 360 مليار جنيه. وستعمل المرحلة الأولى من المشروع على ربط 460 كيلومتر من السكك الحديدية، لتصل بين مدينة العلمين على البحر المتوسط ومدينة العين السخنة على البحر الأحمر. سيمر هذا الخط بالعاصمة الإدارية الجديدة، التي يتم بناؤها على بعد 45 كيلومتر شرقًا من القاهرة، باستخدام قطارات فائقة السرعة، لم يتم استخدامها في مصر سابقًا.

ومن المتوقع تشغيل الخط الأول من القطار الكهربائي نهاية العام الجاري 2024، من العين السخنة إلى مرسى مطروح بطول 660 كيلومتر وسرعة 230 كيلومتر/ساعة، عبر 22 محطة. كما أنه من المتوقع تشغيل الخط الثاني نهاية العام المقبل 2025، من حدائق أكتوبر في الجيزة لأبو سمبل في أسوان أقصى جنوب مصر، بطول 1400 كيلومتر وسرعة 160 كيلومتر/ساعة، عبر 35 محطة.

في فبراير الماضي، أعلنت الهيئة تعديل وتركيب بعض القطارات إلى عربات إسبانى مطور و VIP اعتبارًا من أول مارس، وجاءت عمليات التعديل لـ قطارات مكيفة طراز 2008/2009/2010 إلى قطارات إسباني وVIP. وسابقًا، في أكتوبر 2014، أنهى وزير النقل هاني ضاحي، عمل طاقم الخبراء الإيطاليين. مبررًا: “لم يقدموا إضافة ملموسة ضمن خطة التطوير، بل كلّف وجودهم الهيئة 50 مليون جنيه لتوفير خدمات شخصية لهم، منها: حجز فنادق، سيارات خاصة، تأمين طبي، رواتب مترجمين، ومصروفات مدارس لأبنائهم؟” 

بعد تكرار الحوادث، تقدم فريدي البياضي – عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي-، بسؤال برلماني موجه لكل من رئيس الوزراء ووزير النقل والمواصلات عقب حادثة قطار الزقازيق الأخير، وكان السؤال عن أسباب عدم محاسبة المسؤولين عن حوادث القطار المتكررة – بما في ذلك وزير النقل لمسؤوليته السياسية-، كما تساءل عن التريليونات التي اقترضتها وزارة النقل بدعوى تطوير المنظومة؟، مطالبًا بالرد العاجل على هذه الأسئلة.

تعليقًا، يؤكد فريدي لنا عدم تلقيه رد على أسئلته التي طرحها تحت قبة البرلمان حتى اللحظة. يقول: “ليس لدي إجابة عن الأسئلة المطروحة فيما يخص التغيير والتطوير الذي تحدثت عنه وزارة النقل، وعلى أساسه تم الحصول على العديد من القروض. أين ذهبت أموال تلك القروض؟ أم أن هناك أولويات أخرى لصرفها بدلًا عن الميكنة وتقليل الاعتماد على العنصر البشري؟.”

يضيف: “بعد كل حادثة قطار تخرج علينا الحكومة لتتحدث عن التطوير والميكنة والإنذار الإلكتروني وغيرها من عمليات التطوير بحيث تصبح المنظومة آلية وآمنة، لكن حتى الآن لم نرى ذلك، وفي كل حادثة غالبًا ما تضحي بالعاملين والسائقين ولا نرى محاسبة لأي مسؤول كبير؛ فهذه الحوادث لابد من محاسبة المسؤولين بداية من الوزير المسؤول مسؤولية سياسية مرورًا بالموظفين والعاملين إذا كان فعلا هناك تقصير من ناحيتهم، لكن لا يتم تقديم العاملين والسائقين للمحاكمة لمحاسبتهم على أخطاء المسؤولين الكبار، وإذا كان هناك شبهة تقصير أو فساد لابد أن يعلن ويتم محاسبة المسؤولين.”

وتخدم سكك حديد مصر قطاعًا عريضًا من الشعب المصري إذ يستخدمها ما يقارب 500 مليون سنويًا وتنقل بضائع بمعدل ستة ملايين طن سنويًا. وتعتبر ثاني أقدم سكك حديد في العالم، وتمتلك مصر خطوط حديدية بطول تسعة آلاف و 570 كيلومتر عبر 705 محطات ركاب و 1330 مزلقانًا و3500 آلاف عربة ركاب وعشرة آلاف عربة بضائع و 800 جرار . 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search