بين قيود الإقامة وصعوبات المغادرة: هل أصبحت مصر أقل ترحيبًا بالسوريين؟

قيود جديدة على السوريين تشمل اشتراط تأشيرات وموافقات أمنية مسبقة وزيادة رسوم الإقامة من 2100 جنيه إلى 7000 جنيه. الإجراءات جاءت في سياق تبريرات أمنية بعد سقوط نظام الأسد.
Picture of أسماء حسنين

أسماء حسنين

Picture of مي علي

مي علي

تفاجأ جمهور الفنان سامو زين بخبر منعه من العودة إلى مصر، البلد الذي ارتبطت مسيرته الفنية فيه بالنجاحات الكبيرة وأقام فيه مدة 30 عامًا.  

كان زين أعرب عن صدمته من القرار عبر بيان أصدره على منصات التواصل الاجتماعي، أكد فيه أنه فوجئ بمنعه أثناء محاولته العودة إلى مصر، بعد إتمام جولة حفلات في الخارج. وقال: “مصر ليست مجرد بلد بالنسبة لي، بل هي بيتي الثاني الذي انطلقت منه إلى العالم الفني، ولا أستطيع استيعاب أنني ممنوع من العودة إليها بهذه الطريقة.”

 أثار القرار موجة واسعة من التضامن مع ساموزين بين جمهوره وزملائه في الوسط الفني، الذين طالبوا السلطات بمراجعة القرار، وأشار العديد من الفنانين إلى أهمية مراعاة الظروف الإنسانية والقانونية للفنان، خاصة أن مصر كانت دائمًا مركزًا للإبداع الفني وجذب المواهب من مختلف الدول.

 لم يكن الفنان السوري وحده في هذه الأزمة، إذ تتزايد في الآونة الأخيرة التقارير عن فرض قيود مشددة على دخول السوريين إلى مصر، وخاصة السوريين القادمين من دول أخرى إلى أراضيها، إذ بات يتعين عليهم الحصول على موافقة أمنية مسبقة، إلى جانب تأشيرة الدخول، ما أنهى العمل بالاستثناءات السابقة التي كانت تتيح دخول السوريين القادمين من دول الخليج وأوروبا وأميركا دون تعقيدات إضافية.  

إلى جانب الارتفاع الكبير في رسوم الإقامة وتجديدها حيث كانت ٢١٠٠ ووصلت إلى ٧٠٠٠ جنيها، فضلاً عن ترحيل عددًا من السوريين بالآونة الأخيرة لارتباطهم بمجموعات تؤثر على الأمن القومي المصري، كما أذاعت الحكومة المصرية في سبتمبر الماضي، وهذه التطورات، التي تُبررها السلطات بدواعٍ تتعلق بالأمن العام والأمن القومي، تلقي الضوء على معاناة آلاف السوريين الذين أصبحوا عالقين بين متطلبات قانونية صارمة وظروف معيشية تزداد صعوبة، في بلد كان يومًا ملاذًا آمنًا لهم.

  دفعنا ذلك في زاوية ثالثة للبحث عما هو وراء هذه القرارات، أسبابها وخلفياتها، إذ جاءت مباشرة بعد سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ولكن المعاناة التي تواجه السوريين الآن وحالة الارتباك التي رافقت هذه القرارات، هي التي ربما تحتاج إلى بعض المعالجات من قبل الحكومة. 

 

 نوصي للقراءة: مصريون في سجون الأسد: هل يعودون بعد سقوط النظام؟

 اللاجئين في مصر 

عمار * – صاحب أحد محلات المأكولات السورية بمحافظة الجيزة-  جاء إلى مصر رفقة عائلته  مع بداية عام 2012 بعد احتدام الصراع في سوريا، ومنذ ذلك الوقت لم يرى وطنه، فقد شهدت المنطقة التي كان يسكنها هجومًا كبيرًا من القوات المتصارعة المسلحة، وأجُبر على إثر ذلك على الفرار من سوريا إلى مصر.

يشير خلال حديثه معنا إلى أنه تشارك رفقة العديد من أقاربه في تأسيس ذلك المحل المتخصص في تقديم المأكولات السورية. ويبين عمار أنه منذ قدومه إلى مصر حرص على اتباع كافة القوانين وإصدار التراخيص والأوراق الرسمية لإقامته مع أسرته وأيضًا لتأسيس مشروعه، معربًا عن امتنانه الشديد لمصر وشعبها، التي احتضنته بعدما ضاق عليه وطنه، على حد وصفه.

يوضح أنه لم يتخذ قرار العودة إلى سوريا بعد، لا سيما أن الأوضاع السورية مازالت ضبابية، ولم تتضح الأمور حيال الأستقرار وتهدئة الأوضاع، مضيفًا أنه في حالة استقرار الأوضاع سيعمل على الانتظام بين مصر وسوريا إذا أتاحت القوانين والظروف ذلك.

ويبدي المواطن السوري تحفظه في التعليق على الإجراءات والقوانين الجديدة التي تم اتخاذها من قبل الجهات الرسمية فى مصر حيال القيود المفروضة على العودة إلى سوريا أو الدخول إلى مصر. يقول: “كل دولة تعمل على الحفاظ على أمنها وسلامتها باتخاذ الأجراءات التي تراها مناسبة لها وذلك حقها”، متمنيًا أن تهدأ الأوضاع في كافة البلدان العربية، وأن يعود إلى وطنه سوريا رفقة عائلته بعد أن تعود أفضل مما كانت عليه.

أعلنت المنظمة الدولية للهجرة أن العدد الحالي للمهاجرين الدوليين المقيمين في مصر وصل إلى تسعة ملايين مهاجر ولاجئ. وكشف خيرت بركات – رئيس الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء-، عن أن الأرقام الرسمية لأعداد اللاجئين في مصر تشير إلى وجود نحو تسعة ملايين شخص على الأراضي المصرية منهم أربعة ملايين مواطن سوداني يليهم 1.5 مليون مواطن سوري وفق آخر رصد قبل الأزمة السودانية الأخيرة، وهو ما يعادل تعداد من ثلاثة لأربعة دول أوروبية.

 لا توجد إحصائيات رسمية شاملة حول عدد اللاجئين المقيمين في مصر، نظرًا لأن أغلب هؤلاء يعيشون ويعملون خارج النظم الرسمية، لكن التقديرات المحلية  تشير إلى أن الأرقام ربما وصلت إلى 12 مليون لاجئ أو أكثر، وربما تتخطى الأرقام ذلك، مدفوعة بكثير من الأزمات والصراعات والنزاعات الإقليمية التي يشهدها عدد من دول المنطقة المجاورة لمصر.

وأضاف رئيس الإحصاء، على هامش مؤتمر إطلاق الدراسة التشخيصية حول آليات جمع بيانات هجرة اليد العاملة في مصر، أنه من المرجح أن العدد قد يزيد بنحو مليوني لاجئ إضافي بعد الأزمة السودانية، مؤكدًا أن تزايد أعداد اللاجئين يشكل ضغط على الاقتصاد المصري فيما يخص حجم الطلب على السلع والخدمات، إضافة إلى تأثيراتها على سوق العمل المصري.

وبعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على قانون لجوء الأجانب، أعربت لجنة الأمم المتحدة المعنية بحماية حقوق العمال المهاجرين عن قلقها من تأخر مصر عن اعتماد قوانين العمل المتعلقة بالمهاجرين، والافتقار إلى الضمانات القانونية للدخول والإقامة وتصاريح العمل. وفي حين أشادت بجهود مصر في مكافحة الاتجار بالبشر وتعزيز المساءلة عن أعمال العنف ضد المهاجرين .

ودعت اللجنة مصر إلى تحسين تشريعاتها لتتوافق مع الاتفاقية الدولية، وتوضيح الإطار القانوني للعمال المهاجرين وأسرهم. كما أعربت عن قلقها من ما قالت إنه ارتفاع في حالات الاعتقالات التعسفية للمهاجرين وحالات طرد جماعي بعد إصدار لوائح الإقامة الجديدة في عام 2023، وحثّت مصر على منعها وضمان الإجراءات القانونية الواجبة والتحقيق فيها. 

يتواجد السوريون في مصر،  بتأشيرة سياحية مؤقتة، أو بصفة لاجئ، أو دارس، أو برخصة عمل. لا يستطيع حاملو التأشيرة السياحية أو اللاجئون فتح حساب بنكي أو الحصول على رقم هاتف جوال، بينما يواجه من يرغب في الحصول على رخصة عمل إجراءات أمنية وإدارية معقدة.

نوصي للقراءة: مصر: مشروع قانون اللجوء يثير عداءً رقميًا منسقًا ضد اللاجئين 

 

معاناة السوريين بعد القرارات الجديدة 

يقول أحمد* سوري الجنسية: “أعيش في مصر، في منطقة أكتوبر، منذ خمس سنوات وأعمل  “عامل” في محل صغير لبيع الملابس، ومنذ بدء تطبيق القرارات الجديدة المتعلقة بالإقامة، أصبحت الحياة أكثر تعقيدًا. عند تجديد الإقامة فوجئت بزيادة الرسوم إلى أرقام لا أستطيع تحملها، ولم يعد بإمكاني العمل بحرية مثل السابق لأن السلطات أصبحت تطلب تصاريح إضافية، وحتى المحل الذي أعمل فيه تعرض لضغوط لتقنين أوضاعه، ما جعلني أشعر أن هذه الإجراءات تُثقل كاهلنا وتجعلنا نعيش تحت ضغط مستمر، وخاصة أننا مازلنا نخاف العودة إلى وطننا الحبيب سوريا، فنرجو أن تعيد السلطات المصرية تفكيرها من أجلنا.”

  الطبيبة روان – تعمل سكرتيرة بأحد العيادات الآن في منطقة الجيزة- بعدما جاءت من سوريا دون أوراق تسمح لها بالعمل في وظيفتها، تروي معاناتها لزاوية ثالثة، وهي أنها كانت تبحث عن مدرسة مناسبة لأطفالها وفوجئت بأن بعض المدارس أصبحت تطلب أوراق إقامة حديثة للقبول، وهو أمر صعب بالنسبة لهم، على حد قولها، بسبب الرسوم المرتفعة والتعقيدات الجديدة.

تشرح: “حاولت الحصول على الإقامة ولكن الإجراءات أصبحت أطول وأصعب، وتحتاج إلى وقت وجهد كبيرين. أشعر بالقلق على مستقبل أطفالي هنا، لأن كل شيء بات معقدًا، من الإقامة إلى التعليم وحتى العلاج في المستشفيات، وخاصة أدوية مرض السكري، التي أصبحت من الصعب الحصول عليها، بعد توقف المفوضية استقبالها من إحدى الشركات وأنهت التعامل معها، وناهيك عن نقص الأدوية الذي أصبح شيء مرعب في مصر.”

 وفي شهادته، يروي سامر  – صاحب مطعم سوري يعيش في الحُصري بأكتوبر-، عن محاولاته العودة لسوريا بعد الأحداث الأخيرة. يقول: “بدأت أفكر جديًا في مغادرة مصر بسبب الصعوبات المتزايدة، لكن عند ذهابي للاستفسار عن الإجراءات المطلوبة للسفر، علمت أن أي سوري يرغب في المغادرة عليه أولاً تسوية كل الغرامات المستحقة عليه، سواء كانت بسبب الإقامة أو أي مخالفات تتعلق بالتجارة أو العمل، ويجب العودة إلى إدارة الجوازات والجنسية والهجرة بالعباسية، لإنهاء كل المستحقات قبل السماح له بالسفر من المطار، وإذا لم يحدث ذلك، لا يستطيع الخروج من مصر، وهذا يعني المزيد من الوقت والمال والإجراءات، وهو أمر يزيد من تعقيد الأمور.”

ساهم ذلك في انتشار شركات وسطاء تسهّل للسوريين السفر والعودة عبر لبنان بأسعار أقل، وبعض الأشخاص يقومون بتقديم هذه الخدمات كحل مؤقت للهروب من الغرامات والإجراءات الصارمة، والمشكلة تكمن في أن هذه الخيارات ليست دائمًا آمنة، وأحيانًا تكون مكلفة أكثر من المتوقع، ما جعلنا نعلق بين خيارات محدودة ولا نملك السيطرة على أوضاعنا.” 

 

نوصي للقراءة: قومية زائفة ووهم اقتصادي: مطالب ترحيل اللاجئين في مصر

 

استثمارات السوريين

هاجر الشامي* واحدة من المصريات اللاتي تزوجن منذ عدة أشهر من أحد الرجال السوريين المقيمين في مصر. “تعرفت عليه بالصدفة، وبعدها تقدم لخطبتي وتزوجنا على وفق العادات السورية بتحمل كافة نفقات الزوج وإعداد مسكن الزوجية أيضًا، فهو يحمل تصريح الإقامة وكافة الأوراق القانونية التى أهلته لإتمام الزواج بشكل رسمي”، تقول هاجر.

وتستطرد خلال حديثها مع زاوية ثالثة أن زوجها جاء إلى مصر رفقة عائلته منذ أكثر من عشر سنوات على إثر قيام الحرب في بلده، ومنذ استقرارهم في مصر حرصوا على توفيق أوضاعهم وتأسيس مشروع خاص لهم حتى يتمكنوا من توفير نفقات حياتهم الأساسية.

وتشير إلى أنه بالرغم من تغير الأوضاع السياسية في سوريا مؤخرًا إلى أن ذلك لم يدفعهم إلى العودة بشكل متسرع ريثما تتضح الأمور هناك، معربة عن قلقها حيال الأمر، إذا قرر زوحها العودة وهو الشأن الذي لم يتفقا عليه قبل الزواج، متمنية أن تستقر في مصر رفقة زوجها وأن يقوم بزيارة بلده من حين لآخر بعد استقرار الأوضاع.

وتعلق على الإجراءات الجديدة التي يتم اتخاذها تجاه اللاجئين السوريين في مصر: “يجب التفرقة في التعامل بين اللاجئين الملتزمين بكافة القوانين والمتواجدين بشكل رسمي وحاصلين على الإقامات وبين المتواجدين بشكل غير نظامي، لا سيما أن الكثير منهم لهم عائلات وأطفال من أشخاص مصريين الجنسية، فلابد من  مراعاة تنسيق أوضاعهم حتى لا تتضرر تلك العائلات  المقيمة منذ سنوات في مصر.”

تشير البيانات الصادرة عن الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة إلى أن استثمارات السوريين في مصر تتجاوز 800 مليون دولار. تنوعت تلك الاستثمارات في العديد من  القطاعات مثل. الصناعات الغذائية، والعقارات، وقطاع المنسوجات والأدوية، وبلغ عدد المستثمرين السوريين في مصر نحو 40 ألف مستثمر، وتبلغ استثماراتهم نحو 23 مليار دولار. وتشمل هذه الاستثمارات المطاعم والأنشطة الخدمية، وبعض الصناعات الغذائية والملابس والأحذية، والأصول الثابتة. كما يشير إلى وجود ما بين ثمانية وعشرة آلاف مصنع يديرها مستثمرون سوريون، تضخ نحو 120 مليون وحدة إنتاجية شهريًا في السوق المصرية.

ورصدت الحكومة تزايد استثمارات اللاجئين في مصر، وعلى رأسهم السوريين، إذ بلغ عدد شركاتهم 818. يليها الشركات المملوكة لأشخاص لـ يمنيين بعدد 180 شركة، وجاءت الشركات الفلسطينية في المرتبة الثالثة بعدد 96 شركة، وبعدها 68 شركة للعراقيين، وأخيرًا 53 شركة لـ الليبيين.

ويمثل المستثمرون السوريون أمام الحكومة المصرية منظمتا أعمال؛ الأولى “تجمع رجال الأعمال السوريين” برئاسة خلدون الموقع، والثانية “جمعية الصداقة المصرية السورية” برئاسة طلال العطار.

وفي هذا الصدد، يقول علاء العسكري – أستاذ الاقتصاد والعلوم الاكتوارية بجامعة الأزهر-، إن القرارات الجديدة المتعلقة بتقنين أوضاع السوريين في مصر، سواء فيما يتعلق بإجراءات الإقامة أو زيادة رسومها، تحمل أبعادًا متعددة تتضمن فوائد كبيرة للدولة.

 وفق تصريح العسكري، “السوريين يعملون في مجالات الاقتصاد غير الرسمي، ما أضر بالاقتصاد المصري وأسهم في رفع أسعار بعض السلع والخدمات، مثل أسعار العقارات، مضيفًا أن السلطة توفر للسوريين الدعم نفسه الذي يحصل عليه المواطن المصري، من كهرباء وغاز وخدمات صحية وتعليمية، في حين أن المواطن المصري يشارك في بناء بلده ويدفع الضرائب، لذلك، يجب على السوريين المشاركة أيضًا في دفع الضرائب طالما أنهم يستفيدون من هذا الدعم”. 

 وعند سؤاله عن تأثير عودة السوريين إلى بلادهم في الاقتصاد المصري، خصوصًا فيما يتعلق بسحب الدولار من السوق ورفع سعره، يؤكد أن ذلك قد يحدث بالفعل، موضحًا أن عمليات الترحيل المفاجئة للسوريين قد تمنعهم من استخدام أموالهم في السوق السوداء، لكن في حال مغادرتهم طواعية، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على الدولار ورفع قيمته في السوق المصرية.

وما بين قرارات يراها السوريون معقدة وشديدة الصرامة، وبين التزامات تراها السلطة المصرية ضرورية لحفظ الأمن والنظام المصري، يبقى ملايين السوريين الذين لم يقرروا بعد مغادرة مصر في حيرة من أمرهم، وسط تساؤلات متصاعدة ومشهد ضبابي.

Search