أيام قليلة فصلت بين القبض على محمد أبو الديار – مدير حملة المعارض المصري أحمد الطنطاوي- وبين إطلاق سراحه، فيما لا يزال الطنطاوي الذي رُحل إلى سجن العاشر من رمضان قيد الحبس لتنفيذ العقوبة، وذلك بعد تأييد حكم عليه بالسجن لمدة عام في القضية المعروفة إعلاميًا بقضية “التوكيلات الشعبية” التي حُررت أثناء فترة الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر الماضي.
وكانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على المعارض السياسي، أحمد الطنطاوي ومدير حملته في مقر المحكمة الإثنين 27 مايو الجاري، وذلك بعد أن أيدت محكمة مصرية، الحكم بحبسهما رفقة 21 من أعضاء حملته الانتخابية، بتهمة التحريض والمساعدة في جريمة “طبع وتداول أوراق العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة”.
وكانت أحد الشروط التي وضعتها السلطات المصرية للترشح للانتخابات الرئاسية قيام المرشح بتقديم 25 ألف توكيل من 15 محافظة مصرية، أو الحصول على تأييد 20 نائبًا برلمانيًا. تلك التوكيلات التي لم يتمكن من استيفائها إلا الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي – الذي فاز بالفعل في الانتخابات الأخيرة وحصل على فترة رئاسية جديدة.
والجمعة 13 أكتوبر الماضي، أعلن البرلماني السابق في مؤتمر صحفي حضره المئات من أنصار حملته و رموز من المعارضة المصرية، أنه لم يستوف سوى نحو نصف عدد التوكيلات تقريبًا المطلوبة لاستيفاء أوراق ترشحه رسميًا لرئاسة مصر، بعدما جمع 14 ألف توكيل فقط من أصل 25 ألف. وأكد الطنطاوي في المؤتمر أمام أنصاره أنه “لم ينسحب“، مضيفًا أنه تم “منعه بشكل مباشر” من المنافسة من قبل السلطة.
التوكيلات الشعبية وأجواء المحاكمة
في فبراير الماضي، صدر حكم من محكمة مصرية بحبس المعارض المصري الذي لم يُمكن من خوض انتخابات الرئاسة المصرية، بالحبس لمدة عام مع الشغل ومنعه من الترشح للانتخابات لأي انتخابات لمدة خمس سنوات. وفي التاسع من مايو الجاري، أيدت محكمة جنح مستأنف بالقاهرة الحكم نفسه بحق محمد أبو الديار مدير الحملة الانتخابية للطنطاوى.
وجاءت قضية “التوكيلات الشعبية” على خلفية دعوة المعارض المصري والبرلماني السابق الطنطاوي للمواطنين الراغبين في تحرير توكيلات له لأن يقوموا بملء نماذج يدوية لإتمام ترشحه رسميًا خلال الانتخابات الرئاسية. وذلك بعد اتهامه للسلطات المصرية بممارسة “التضيق الممنهج” ضد أنصاره لمنعه من جمع التوكيلات المطلوبة التي تمكنه من الترشح للانتخابات الرئاسية، وعليه أحالت السلطات الطنطاوي ومدير حملته الانتخابية وعددًا من أعضائها في نوفمبر 2023 إلى المحكمة الجنائية.
يقول إسلام سلامة – أحد أعضاء هيئة الدفاع في قضية التوكيلات الشعبية- في حديثه إلى زاوية ثالثة إن الحكم في الدرجة الأولى صدر بعام حبس ووقف التنفيذ لحين الاستئناف، وفي الدرجة الثانية من التقاضي وهي الاستئناف تم تأكيد الحكم ولذلك تم التحفظ عليه في قاعة المحكمة. موضحًا أن لطنطاوي وأعضاء حملته درجة تقاضي ثالثة وهي النقض وسيتم تقديمه بعد تمكين الدفاع من الحصول على صورة رسمية من الحكم المستأنف.
ويشير إلى أن الحكم الذي تم تأكيده يتضمن منع الطنطاوي من الترشح لمدة خمس سنوات على كافة الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية.
وعن أجواء المحاكمة، يضيف:” المحاكمة في درجتيها الأولى والثانية مرت بالكثير من الانتهاكات مثل المنع من تصوير ورق القضية وعدم الاستجابة لسماع شهادة الشهود، أو عدم الاستماع لأي طلب من طلبات الدفاع، فيما تمكن المحامين من المرافعة على جلستين في الدرجة الأولى وجلستين في الدرجة الثانية”.
من جهته، يقول المحامي الحقوقي ياسر سعد، إن الإفراج عن المحامي محمد أبو الديار جاء بعد تدخل نقيب المحامين إلى حين انتهاء المعارضة الاستئنافية التي كان تقدم بها أبو الديار في وقت سابق بعد صدر الحكم في الدرجة الثانية، موضحًا أن أبو الديار كان قد غادر قاعة المحكمة قبل صدور الحكم، وهو ما يجعل الحكم الصادر حضور اعتباري (بحضور المحامين) وليس بحضوره الشخصي.
ويشير “سعد” إلى أن الطنطاوي أصبح لديه درجة ثالثة واحدة فقط للتقاضي وهي النقض والتي من المحتمل أن تصل مدتها شهور ويمكن عام حتى يتم تحديد جلسة نقض، أو أن يتم العفو عنه بموجب قرار رئاسي، مؤكدًا أن هذا الحكم بمثابة حكم على كل شخص يحاول أن يعبر عن رأي مخالف للرأي السائد في هذه الدولة، وأرى أن هذا الحكم سياسي ولم يتم اتباع الإجراءات القانونية لضمان محاكمة عادلة بغض النظر نختلف أو نتفق معه.
ويوضح المحامي الحقوقي أن الحكم قانونًا لا يؤثر على مسيرة الطنطاوي السياسية، إلا إذا تم اعتبار تزوير التوكيلات قضية مخلة بالشرف، وهو ما يمكن استغلاله لمنعه من المنافسة على أي انتخابات مقبلة، مؤكدًا أن الحكم قانونًا لا يعرقل تأسيس حزب تيار الأمل الذي يسعى الطنطاوى لتأسيسه.
من جهتها ترى رشا قنديل المتحدث الإعلامي لحزب تيار الأمل وزوجة المعارض المصري أحمد الطنطاوي أن الحكم بغرض العقاب السياسي بسبب أن الطنطاوي حاول بموجب استخدام حقه القانوني والدستوري في تقديم بديل مدني ديمقراطي بدلًا من السلطة الحالية الفاشلة والفاشية.
وأضافت أن الطنطاوي أقر في الجلسة مسؤوليته عن التوكيلات الشعبية وأنه استشار اللجنة القانونية في الحزب، والذين أكدوا على أنها محررات عرفية لا يجوز الاعتداد بها ولا تعتبر من أوراق العملية الانتخابية.
في السياق نفسه، شددت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على أن قرار تأييد الحكم وتنفيذه، بل والحكم نفسه، يعدّ حلقة جديدة من الاستهداف المنهجي للطنطاوي ومناصريه، بدأت بمجرد إعلان نيته جمع نماذج التأييد المطلوبة لخوض السباق الرئاسي في سبتمبر 2023. ومن وقتها، لم تتوقف الانتهاكات ضد السياسي المعارض بعد سعيه للترشح للانتخابات الرئاسية، ومناصريه وأعضاء حملته بالمخالفة لكافة الضمانات الدستورية والقانونية.
وأوضحت المبادرة في بيانها أن الانتهاكات التي رصدتها ووثقتها مع منظمات إعلامية وحقوقية أخرى اتخذت أشكالًا متعددة منها الاعتقال التعسفي للعشرات من مناصريه، وعرقلة محاولات مواطنين تحرير نماذج التأييد له بمكاتب مأموريات الشهر العقاري والتوثيق بأساليب مختلفة، تضمنت الترهيب واستخدام العنف الجسدي ضد الراغبين في تحرير نماذج التأييد. ونبهت المبادرة في وقتها أن ترهيب مناصري الطنطاوي بهذا الشكل الفج هو في الحقيقة ترهيب لكل الراغبين في العمل السياسي السلمي وممارسة حقوقهم الدستورية في المشاركة السياسية.
الانتقام من المحاولين
اعتبرت عدد من المنظمات الحقوقية التي أدانت تأييد الحكم على الطنطاوي، أن الحكم يبرهن مجددًا على أن أي محاولة مستقلة لتحدي قبضة الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة، ستقابلها السلطات المصرية بانتقام حاسم، إذ ينضم طنطاوي بهذا الحكم إلى قائمة المرشحين الرئاسيين السابقين الآخرين الذين سبق وتم حبسهم أو وضعهم رهن الإقامة الجبرية، لتحديهم الرئيس في انتخابات 2018.
كما أكدت المنظمات في بيانها أن “قرار محكمة الاستئناف يؤكد أيضًا التحذيرات التي كررتها منظماتنا مرارًا وتكرارًا؛ بأن وعود السلطات المصرية بالإصلاح السياسي غير جادة، ولا تسعى إلا إلى تهدئة الانتقادات لسجلها في مجال حقوق الإنسان. إذ لا يزال النشاط السياسي محظورًا فعليًا”.
ولم يكن الحكم الصادر ضد الطنطاوي هو الأول من نوعه، إذ واجه أغلب المرشحين الذين قرروا خوض الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي أحكام أوصلت بعضهم إلى السجن، فيما كانت أحكام أخرى مع إيقاف التنفيذ. إذ حٌكم على المحامي الحقوقي خالد علي بالحبس لمدة ثلاثة أشهر، في محاولة لمنع من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2018، وعقب الانتخابات الرئاسية أيدت محكمة الاستئناف الحكم الصادر. ووَجدت المحكمة أنه مذنب “بالإخلال بالحياء العام” بسبب الصورة التي تظهره وهو يحتفل بانتصاره في حكم المحكمة بعد نجاحه في إبطال قرار الحكومة المصرية بالتنازل على جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر للمملكة العربية السعودية.
وكانت منظمة العفو الدولية أكدت في بيان لها عام 2017، أن إدانة خالد علي بدوافع سياسية هي إشارة واضحة إلى أن السلطات المصرية تعتزم إزاحة أي منافس يمكن أن يقف في طريق فوز الرئيس السيسي في انتخابات العام التالي، كما أنه يوضح تصميم الحكومة الشرس لقمع المعارضة كي تُرسخ سلطتها.
في العام ذاته، وقبيل انتخابات الرئاسة لعام 2018، أصدرت محكمة شمال القاهرة العسكرية حكمًا على المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية العقيد أحمد قنصوة، بالسجن ست سنوات مع الشغل والنفاذ، وذلك بعد ظهوره في تسجيل مصور على وسائل التواصل ببزته العسكرية وهو يعلن قرار ترشحه للرئاسة.
ووجه القضاء العسكري إلى قنصوة تهمة عصيان الأوامر العسكرية بالإعراب عن آرائه السياسية ومخالفة مقتضيات النظام العسكري والأوامر والتعليمات العسكرية من خلال الظهور في مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك يعلن خطته للترشح للرئاسة.
وفي نفس الانتخابات، ألقت قوات الأمن القبض على المرشح الرئاسي المحتمل، ورئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، سامي عنان بعد أن أعلن نيته الترشح.
وفي ديسمبر 2019 أفرجت السلطات المصرية عن عنان بعد نحو عامين من اعتقاله، إذ قضى عنان عدة أشهر من فترة اعتقاله بالسجن الحربي قبل أن ينقل في يوليو 2018 إلى المستشفى العسكري إثر وعكة صحية شديدة. الأمر الذي علقت عليه منظمة العفو الدولية إن السلطات المصرية حريصة على اعتقال ومضايقة أي شخص يواجه الرئيس السيسي. وهذا ما يتماشى مع جهود الحكومة المصرية المستمرة لقمع المعارضة، وتوطيد السلطة من خلال الاعتداء على المجتمع المدني والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد.
حكم سياسي بهدف العرقلة والمنع
يعتبر زهدي الشامي -رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- أن الحكم على الطنطاوي تطورًا سلبيًا للأوضاع في مصر. ورأى أن الحكم عليه جاء في إطار استمرار الأوضاع غير الديمقراطية والتضييق على الحريات والممارسة السياسية الجادة وكافة الحريات العامة.
ويضيف “الشامي”: الطنطاوي كان مرشحًا للرئاسة وتعرض لسلسلة من الانتهاكات والمضايقات نعلمها جميعا ونحن شهود على هذا، مشيرًا إلى تمكنه من إصدار توكيل للطنطاوي بصعوبة شديدة، وأن الكثير من القيادات في حزب التحالف لم تتمكن من تحرير توكيلات له.
ويؤكد رئيس مجلس أمناء حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أن تعرض الطنطاوي وحملته للتضييق في الحركة واعتقال أكثر من 150 من أنصاره، رغم حديث السلطة خلال الفترة الماضية عن الإصلاح السياسي وأهمية الحوار الوطني، مشيرًا إلى أن التحالف الشعبي لم يشارك في الحوار الوطني لأنه غير جاد في ظل ما تفعله السلطة على أرض الواقع من استمرار الحبس الاحتياطي للسياسيين والحقوقيين والتنكيل بآخرين.
من جهته، يرى أكرم إسماعيل – القيادي بحزب العيش والحرية وعضو الحركة المدنية-، أن ما نراه على مدار عشر سنوات أن الصوت الذي ينتصر دائمًا في مصر هو الصوت الحاسم الذي يريد إخراس أي صوت معارض وأى محاولة لحلحلة حالة القمع. مشيرًا إلى رغبة النظام في الانتقام من أصحاب تلك المحاولات (في إشارة إلى المحامي الحقوقي خالد علي وسامي عنان وغيرهم).
ويضيف إسماعيل أن هناك طرف داخل نظام الحكم في مصر يرى أن هذه البلد لا يمكن أن تحكم إلا بمستوى عالي جدا من قمع الأصوات الحرة والمعارضة، وهذا يحدث في كل مرة يكون هناك محاولة لحلحلة الوضع القامع القائم من سنوات، وهذا ما حدث مع الطنطاوي، مشيرًا إلى أن هذا الصوت داخل النظام ينتصر على الأصوات الأخرى التي تتحدث عن انفتاح أو تخفيف القبضة أو ما شابه ذلك.
ويرى القيادي في حزب العيش والحرية أن الحكم على طنطاوي الهدف منه تدابير لمنعه عن ممارسة الحياة السياسية بشكل عام إلى جانب الانتقام منه في جرأه على ممارسة حقه في الترشح للانتخابات الرئاسية وتحدي رغبة النظام.
و أعرب حزب الدستور عن رفضه التام لأساليب تغييب المعارضين السياسيين في السجون كأداة لحسم الخلافات السياسية؛ ويؤكد الحزب أن الديمقراطية ليست ترفًا يمكن الاستغناء عنه في بناء دولة مدنية حديثة لا يعاقب فيها الناس على أفكارهم أو حلمهم بالتغيير، مؤكدًا على أنه لا مستقبل بدون حريات؛ ولا استقرار بدون حفظ كافة حقوق التعبير والتعدد والاختلاف لكل المواطنين على حدٍ سواء.
وفي هذا الإطار، دعا حزب الدستور، الحركة المدنية الديمقراطية وأحزابها أن تضع في مقدمة أولوياتها مناقشة سبل مواجهة خطر استمرار حبس المعارضة السلمية سواء التي تسعى لمكان في الاستحقاقات الانتخابية أو التي ترفض الجرائم الإسرائيلية في فلسطين.
في السياق نفسه، دعا الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي في بيان له السلطة المعنية بإصدار قرار بالعفو عن أحمد الطنطاوي ورفاقه من المحكوم عليهم في قضية تحرير التوكيلات.