رأس الحكمة في مواجهة جرافات كامل الوزير

بين الهدم والاستثمار، يقود كامل الوزير حملة إخلاء رأس الحكمة وسط احتجاجات الأهالي ومطالباتهم بتعويضات عادلة.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

في الثاني من مارس الجاري تفاجأ أهالي منطقة رأس الحكمة، بزيارة نائب رئيس مجلس الوزراء كامل الوزير، مع محافظ مطروح، اللواء خالد شعيب، والعميد حسام السيسي رئيس الإدارة المركزية للشؤون المالية والإدارية بوزارة النقل، والمُكلف بالتفاوض مع الأهالي،  بصحبة عدد من الجرافات وقوات أمنية، وفق ما أظهرت بعض الفيديوهات، لهدم المنازل، تمهيدًا لتسليم الأراضي للمستثمرين، ضمن مشروع مدينة رأس الحكمة العقاري، في ضوء الصفقة التي أبرمتها مصر مع الإمارات في فبراير العام الماضي، الأمر الذي يرفضه عدد من الأهالي بشكل قاطع، مطالبين بمقابل مادي عادل نظير بيع منازلهم والالتزام بالتعهدات التي أقرتها الحكومة المصرية لضمان حقوقهم إبان توقيع الصفقة الكبرى. 

قبل هذه الواقعة بأسبوعين، التقى الوزير، بعدد من أهالي مدينة رأس الحكمة، وأبلغهم بأن “حملة موسعة ستنطلق اعتبارًا من ثاني أيام شهر رمضان لإزالة جميع المنازل في المنطقة”، وذلك ضمن تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع مدينة رأس الحكمة الجديدة. في المقابل، تمسك الأهالي برفض هذه الخطوة، مستندين إلى القانون وحقهم في ملكية منازلهم وأراضيهم بوثائق وعقود مسجلة. وكانت الحكومة قد عرضت بالفعل تعويضات على الأهالي مقابل استملاك أملاكهم، لكنها كانت تعويضات هزيلة، بحسب تقدير السكان، بلغت 300 ألف جنيه عن كل فدان وما بين ألفين وخمسة آلاف جنيها للمتر السكني في المباني والمنازل.

وأظهرت الفيديوهات المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، اشتباكات بين الأهالي وقوات الأمن، فيما تجمّعت سيارة شرطة من نوع “بوكس”، إلى جانب خمس مدرعات ومصفحات أخرى على الأقل، بينما شرع “لودر” في هدم أحد المنازل وسور إحدى الفلل. في تلك الأثناء، كان الوزير يجلس داخل سيارته برفقة بعض معاونيه، فيما قام عدد من الأهالي برشق المصفحات بالحجارة بحسب ما نشرته منصة التحقق من المعلومات “متصدقش”. وتقع المنازل التي كان من المقرر هدمها ، تحت إشراف الفريق كامل الوزير، ضمن منطقة الهشيمة بمدينة رأس الحكمة، في محافظة مطروح، وهي ضمن نطاق أراضي المرحلة الأولى من رأس الحكمة، التي تمتد بطول 2 كيلو متر مربع، على الشاطئ.

 

زاوية ثالثة تواصلت مع عدد من الأهالي في منطقة رأس الحكمة، بعضهم شهدوا الواقعة، أكدوا أنهم لن يتركوا منازلهم وأراضيهم وأوضحوا أن الحكومة لم تلتزم بصرف التعويضات المتفق عليها مع الأهالي، كما قررت صرف مبالغ زهيدة مقارنة بالسعر الفعلي للأرض. يقول محمد، اسم مستعار لأحد الأهالي، إن الحكومة تريد شراء فدان الأرض على البحر مباشرة بمبلغ 150 ألف جنيه، بينما السعر الحقيقي يتجاوز مليون جنيه وأكثر من ذلك. 

يتفق معه إسلام، وهو اسم مستعار أيضًا لمواطن من رأس الحكمة شهد عدة جلسات بين الأهالي والحكومة في ضوء المناقشات التي جرت على مدار الأشهر الماضية للتوصل إلى اتفاق بخصوص بيع الأراضي للحكومة، أخرها كان اجتماع منتصف فبراير الماضي مع نائب رئيس مجلس الوزراء كامل الوزير وخلاله أكد الأهالي عدم رضاهم عن العروض المقدمة من جانب الحكومة بخصوص التعويضات، لذلك لجأت الحكومة إلى محاولة إجبارهم على إخلاء منازلهم بالقوة، على حد قوله، مؤكدًا أن الثاني من مارس شهد مواجهة مباشرة بين قوات أمنية والوزير وعدد من المسؤولين، لكنها لم ترهب الأهالي، وما زالوا متمسكين بالأرض. 

ويؤكد إسلام أن المواطنين يرغبون في التوصل لاتفاق عادل مع الحكومة، ولا يتنعتون، لكن لابد من توفير تعويضات عادلة للأهالي الذين يملكون الأرض وفق عقود مسجلة بصيغة قانونية، وإلا ستتحول الأزمة إلى إجبار الأهالي على التهجير، ما يمكن أن يثير الغضب ويزعزع الاستقرار.  

ويقول إسلام إن منزله هدم منذ شهر تقريبًا لكنه لم يحصل على قيمة التعويض حتى اللحظة، فيما تماطل الجهات المختصة بمنحهم  مستحقاتهم، ما يخلق حالة من عدم الثقة بين الأهالي والحكومة، خاصة في ضوء تمسك عدد كبير منهم بمنازلهم وتشككهم في جدوى تركها لصالح المشروع، رغم محاولات الحكومة المستمرة لإجبارهم على ذلك. 

كان المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، محمد الحصاني، قال في 25 فبراير 2025، إن إجمالي قيمة تعويضات رأس الحكمة التي تم صرفها تزيد على 6 مليارات جنيه. لافتًا إلى مناقشة الموقف التنفيذي لمنطقة “شمس الحكمة”، موقع السكن البديل للعائلات، من حيث تنفيذ شبكات المرافق التي تشمل المياه والصرف الصحي وكذا شبكة الطرق الرئيسية والفرعية. وتم التأكيد في هذا الشأن على أن التنفيذ قد بلغ نسبًا متقدمة للغاية.

 

نوصي للقراءة: أهالي رأس الحكمة.. سنواجه بيع مدينتنا


إخلاء قسري 

يقول طلعت خليل، -المنسق العام للحركة المدنية وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين-، إن الأزمة تتعلق بألية تعامل الحكومة مع ممتلكات المواطنين وأراضيهم في أكثر من مكان، إذ تقدم على الاستيلاء على بيوتهم وأرضهم ولا تترك لهم خيار سوى الانصياع والحصول على تعويضات زهيدة لا تتناسب مع القيمة الحقيقية للأراضي، لذلك ما يحدث هو “تهجير قسري” حتى لو تم صرف تعويضات للأهالي، لأن المواطن لا يملك خيار بديل، فإما أن يواجه الحكومة، أو أن يرحل من منزله وأرضه ويكتفي بالتعويضات. 

يلفت خليل في حديثه معنا إلى أن الأزمة تكررت في أكثر من مكان، منهم جزيرة الوراق، ومنازل الدائري، ومناطق في محافظتي بورسعيد والإسماعلية، مؤكدًا أن ما يحدث لا يقع تحت إطار المنفعة العامة إذا تستولي الحكومة على منازل وأراضي المواطنين وتمنحها لمستثمر أجنبي بحجة التطوير. ويشدد خليل على أن التهجير القسري يتنافى مع كافة المواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، كما تتنافى مع القانون والدستور المصري، وكان من الأولى بالحكومة التفاوض مع المواطنين ومراعاة مصلحتهم. 

ويقول خليل: “حتى اللحظة يبدو مشروع رأس الحكمة غير واضح المعالم والتفاصيل، لا نعرف هل نمنح دولة أخرى مدينة كاملة؟ نحن لا نعرف طبيعة العقد الموقع، هل هو استثمار مشترك؟ حق انتفاع؟ إدارة؟، لا نعرف، أصبحنا في مصر كمواطنين لا نعرف شيء عن المشروع، كل ما يحدث يتم بطريقة “العصا الغليظة” والخاتمة لن تكون محمودة أبدًا.” 

يتفق معه مالك عدلي، -المحامي الحقوقي ومدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية- إذ يشير في حديث مع زاوية ثالثة إلى وجود أزمة حقيقية في النهج الحكومي المتبع في التصرف في الأراضي المملوكة للمواطنين، حيث باتت الأراضي التي يشغلها مواطنون مصريون تُنتزع لأغراض الاستثمار دون مراعاة لحقوق هؤلاء المواطنين أو التوصل إلى تسويات عادلة معهم قبل إبرام الاتفاقات مع المستثمرين.

يستشهد “عدلي” في حديثه معنا بعدة أمثلة لحالات مشابهة، مثل ما حدث في جزيرة الوراق، ورأس الحكمة، موضحًا أن هناك إساءة واضحة لاستخدام قوانين نزع الملكية للمنفعة العامة، إذ يتم توظيف هذه القوانين بشكل يضر بالمواطنين ويؤدي إلى إجبارهم على ترك أراضيهم لصالح مشروعات استثمارية، دون حصولهم على تعويضات عادلة. مؤكدًا أن الأصل في نزع الملكية هو تحقيق المنفعة العامة الحقيقية، مثل إنشاء بنية تحتية ضرورية، أو إقامة مشروعات تخدم المجتمع ككل، وليس مجرد نقل ملكية الأرض من أيدي المواطنين إلى المستثمرين لتحقيق مكاسب اقتصادية.

حدد قانون نزع الملكية للمنفعة العامة مجموعة من الضمانات لضمان حقوق المواطنين عند نزع ملكية العقارات، حيث يُتخذ قرار المنفعة العامة بقرار من رئيس الجمهورية أو من يفوضه، على أن يُرفق بالتقرير مذكرة تفصيلية عن المشروع تشمل قيمة التعويض المبدئي، بالإضافة إلى رسم تخطيطي للعقارات المطلوبة. يتم تقدير التعويض بواسطة لجنة مختصة في كل محافظة، بحيث يُحدد وفقًا للأسعار السائدة وقت صدور القرار، مع إضافة نسبة 20% إلى القيمة المقدرة. ويلزم القانون الجهة طالبة نزع الملكية بإيداع كامل مبلغ التعويض في حساب مصرفي حكومي خلال ثلاثة أشهر من صدور القرار، وإذا تأخرت عن ذلك، تُلزم بدفع تعويض إضافي وفقًا للفائدة المعلنة من البنك المركزي. وبعد صرف التعويضات، يؤول الفائض إلى الجهة طالبة نزع الملكية، كما يتيح القانون للملاك خيار الحصول على التعويض نقدًا أو عينًا بموافقتهم.

 

نوصي للقراءة: صفقات مصر والخليج.. “رأس بناس” تتبع خطوات رأس جميلة ورأس الحكمة

صفقة مثيرة للجدل

قبل نحو عام، أبرمت مصر اتفاقًا مع الإمارات لتطوير منطقة رأس الحكمة، الواقعة على الساحل الشمالي، وتحويلها إلى وجهة سياحية عالمية تضم منتجعات فاخرة، وفنادق راقية، ومركزًا ماليًا وأعمالًا، إلى جانب مرافئ حديثة لليخوت والسفن السياحية، وذلك على مساحة تقدر بنحو 170 مليون متر مربع. بلغت قيمة الصفقة حينها 35 مليار دولار، وجاءت في وقت حرج كان الاقتصاد المصري يعاني فيه من أزمة مالية خانقة، مما أثار الآمال في أن تسهم هذه العوائد في تخفيف العجز الاقتصادي.  

حينها، وصف رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الاتفاقية بأنها “أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر”، مشيرًا إلى أنها ستجذب استثمارات بقيمة 150 مليار دولار، وتستقطب 8 ملايين سائح إضافي. وعلى الرغم من الترحيب الرسمي بالصفقة، إلا أنها أثارت تساؤلات حول جدواها الاقتصادية، خاصة أن بنودها لم تكن معلنة بشكل كامل، مما أعاد إلى أذهان المصريين الجدل الذي أحاط بصفقة جزيرتي تيران وصنافير. في المقابل، دافع عدد من الوزراء والنواب عن المشروع باعتباره خطوة تاريخية ستؤدي إلى تدفق غير مسبوق للاستثمارات الأجنبية، مما سيفتح قنوات جديدة لجذب العملات الصعبة، ويسهم في تعزيز قيمة الجنيه المصري وكبح جماح التضخم المتصاعد.

رأس الحكمة” قرية تابعة لمدينة مرسى مطروح في محافظة مطروح (يبلغ عدد سكان المحافظة وفق الجهاز المركزي للإحصاء في 2023، نحو 538 ألف و546 مواطنًا. تقع المدينة على الساحل الشمالي شرق مدينة مرسى مطروح، وتبعد عن المحافظة بنحو 85 كيلومترًا، ومن الشرق تبعد 138 كيلومتر عن مدينة العلمين الجديدة. يمتد خليج “رأس الحكمة” من منطقة الضبعة الواقعة في الكيلو 170 على طريق الساحل الغربي وصولًا إلى الكيلو 220 في مطروح. وتقع على بعد حوالي 350 كيلومترًا (217 ميلًا) شمال غرب العاصمة القاهرة. وتغطي مساحة تزيد عن 180 كيلومتر مربع.

في حديثه مع زاوية ثالثة يشير مالك عدلي إلى ممارسات غير منصفة في التعامل مع أصحاب الأراضي، مشيرًا إلى أن التعويضات لا تعكس القيمة الحقيقية للأراضي. ويضيف أن القانون ينص على أن يتم دفع تعويضات عادلة وفقًا لسعر السوق وبعد التوصل إلى تسويات ودية، إلا أن ما يحدث حاليًا هو محاولة فرض تسويات قسرية بأقل من قيمة الأرض الحقيقية، مشددًا على أن الأمر ليس مجرد فرق في السعر، بل إجبار المواطنين على البيع رغمًا عنهم. مشيرًا إلى أنه في حالات معينة، يتم اقتراح تعويضات غير منطقية، مثل إعطاء شخص بدوي يعمل في الرعي والصيد وحدة سكنية داخل مبنى سكني، متسائلًا: كيف يمكن لشخص فقد أرضه، التي كانت مصدر رزقه، أن يعيش في شقة؟ إن ذلك لا يعوضه عن فقدان نمط حياته بالكامل.

وفي فبراير الماضي، أعلنت مجموعة “مُدن القابضة” الإماراتية عن تحقيق تقدم في تصميم المخطط الرئيسي لمدينة “رأس الحكمة” على الساحل الشمالي المصري منذ أكتوبر 2024، وكانت القابضة “إيه.دي.كيو – ADQ”، التابعة لحكومة أبوظبي، قد أعلنت في الشهر نفسه عن تعيين “مُدن القابضة” كمطور رئيسي للمشروع. وجاء ذلك بعدما استحوذت “إيه.دي.كيو القابضة” على حقوق تطوير رأس الحكمة بقيمة 24 مليار دولار، إلى جانب تحويل 11 مليار دولار من الودائع الإماراتية لدى مصر للاستثمار في مشروعات رئيسية بمختلف أنحاء البلاد، مع احتفاظ الحكومة المصرية بنسبة 35% من المشروع.

كانت أراضي “رأس الحكمة” خاضعة لولاية هيئة التنمية السياحية بوزارة السياحة، حتى تم تخصيصها لصالح هيئة المجتمعات العمرانية والقوات المسلحة ووزارة النقل والمواصلات، وفقًا للقرار الجمهوري رقم 226 لسنة 2023. وبموجب القرار، تم إنشاء مجتمع عمراني جديد تحت اسم “مدينة رأس الحكمة الجديدة” على مساحة 40697.59 فدان من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة في منطقة مطروح، ويرمز لها بالرمز (أ)، حيث تم تخصيص هذه المساحة لصالح القوات المسلحة، بعد نقلها من الأراضي المخصصة لهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. كما خصص القرار مساحة 1499.089 فدان، بالرمز (ب)، لصالح محافظة مطروح.

أما القوات المسلحة فقد تم تخصيص مساحة 20128.51 فدان لها، بالرمز (ج)، في حين تم تخصيص مساحات أخرى لمشروعات النقل، منها 2421.85 فدان (د) لمسار القطار الكهربائي السريع، و111.88 فدان (هـ) لإقامة محطة رأس الحكمة للقطار الكهربائي السريع، بالإضافة إلى 25.47 فدان (و) لإقامة محطة رأس الحكمة للقطار الديزل، وذلك لصالح وزارة النقل والمواصلات.

 

نوصي للقراءة: لماذا يواجه أهالي جميمة ضغوطًا من الجيش مقابل مشروعات سياحية؟

غياب الحوار المجتمعي 

يشدد مالك عدلي على أن أي خطة تطوير عمراني يجب أن تسبقها حلقات حوار مجتمعي جاد بين ممثلين حقيقيين عن الأهالي وبين الحكومة، بدلًا من فرض قرارات تؤدي إلى احتجاجات وصدامات.

ويحذر من أن الإجراءات الحكومية الحالية ترقى إلى مستوى “الإخلاء القسري”، وهو أمر محظور بموجب القانون الدولي والقانون المصري، مؤكدًا أن الدولة لا تستطيع قانونيًا الاستيلاء على أرض مواطن دون رغبته، ودون تعويض عادل يعكس القيمة الحقيقية لأرضه. موضحًا أن الهدف الأساسي من قوانين نزع الملكية هو تحقيق المنفعة العامة، مثل إنشاء مشاريع للصحة العامة، مكافحة الأوبئة، البنية التحتية، أو الأمن القومي، وليس تمهيد الأرض لمشروعات استثمارية تهدف للربح فقط.

ويشير إلى أن هناك تحولًا خطيرًا في فلسفة نزع الملكية، حيث لم يعد مقتصرًا على الحالات الضرورية، بل أصبح يُستخدم بشكل تعسفي لإخلاء المواطنين لصالح مستثمرين، في غياب أي التزام حقيقي بمعايير العدالة. ويضيف أن قوانين نزع الملكية، مثل القانون رقم 10 لسنة 1990، وقوانين المجتمعات العمرانية الجديدة، هي قوانين محترمة في نصوصها، ولكن المشكلة تكمن في عدم احترام الحكومة نفسها لهذه القوانين، حيث لا يتم الالتزام بالإجراءات التي تضمن حقوق المواطنين.

ويتساءل عدلي عن سبب عدم مشاركة المواطنين في الأرباح التي تحققها الدولة من المشروعات الاستثمارية، موضحًا أن الدولة تمتلك نسبة من المشروعات الكبرى، وكان من الممكن أن تعرض على المواطنين نسبة من أرباح هذه المشروعات مقابل التنازل عن أراضيهم، بدلًا من إجبارهم على المغادرة بتعويضات هزيلة. ويضرب مثالًا بمشروع رأس الحكمة، حيث تم شراء الأراضي من الأهالي بأسعار زهيدة، ثم إعادة بيعها بأسعار خيالية بعد تطويرها، في حين أن الأهالي الذين أجبروا على المغادرة لم يحصلوا على نصيب عادل من هذه الأرباح. 

ويؤكد أن الدولة لها حق في الاستثمار والتطوير، ولكن ليس على حساب حقوق المواطنين، داعيًا إلى إعادة النظر في سياسات نزع الملكية وضمان تعويضات عادلة وإشراك المجتمع في عملية التطوير بشكل منصف.

في ظل تصاعد التوتر بين أهالي رأس الحكمة والحكومة المصرية، تظل الأزمة مفتوحة على سيناريوهات متعددة، ما بين تمسك السكان بحقوقهم القانونية ومطالبهم بتعويضات عادلة، وإصرار الحكومة على تنفيذ المشروع وفق رؤيتها. وبينما ترى السلطات أن تطوير المنطقة سيسهم في دعم الاقتصاد وجذب الاستثمارات، يرى الأهالي أن حقوقهم في الأرض والسكن مهددة بالإجبار لا التفاوض. ومع غياب الوضوح حول تفاصيل الصفقة وطبيعة التعاقد مع المستثمرين، يبقى التساؤل الأهم: هل يمكن تحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والحفاظ على حقوق المواطنين، أم أن الأزمة ستتفاقم لتعيد مشهد النزاعات السابقة حول نزع الملكية والاستثمار؟

Search