قرار ترامب بوقف التمويل.. مستقبل غامض لمشروعات “إنقاذ الطفولة” في مصر

أعلنت هيئة “إنقاذ الطفل” أنها تعرضت لأضرار جسيمة نتيجة قرار وقف التمويل، مما أدى إلى إغلاق بعض المشروعات والشراكات في مصر
Picture of رشا عمار

رشا عمار

في 28 يناير الماضي، أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بوقف جميع المنح والقروض الاتحادية جدلاً واسعًا على الصعيد الدولي، حيث شمل هذا القرار تمويل برامج التعليم، والرعاية الصحية، والإسكان، والإغاثة من الكوارث، وغيرها من المبادرات التي تعتمد على مليارات الدولارات من التمويل الأمريكي. القرار أدى إلى تعطيل مئات المنظمات وهيئات المجتمع المدني، وتوقف خدمات حيوية يستفيد منها ملايين الأشخاص في أنحاء متفرقة من العالم، إضافة إلى إغلاق مشروعات قائمة وتأجيل أخرى كانت قيد التنفيذ، وألقى هذا القرار بظلال ثقيلة على منظمات وهيئات في الشرق الأوسط وأفريقيا.

مراجعة شاملة لتمويلات المنظمات غير الحكومية في اليوم التالي للإعلان، أكد ماثيو فيث، القائم بأعمال رئيس مكتب الإدارة والميزانية الأمريكي، أن قرار وقف صرف التمويل الاتحادي هو إجراء مؤقت، لحين انتهاء مراجعة شاملة تستهدف المنح والقروض الاتحادية، والتأكد من توافقها مع الأولويات التي حددها الرئيس ترامب. وأوضح فيث أن هذا الإجراء يأتي تطبيقًا للأوامر التنفيذية التي وقعها ترامب منتصف فبراير، والتي نصت على إلغاء برامج التنوع والمساواة والشمول، معتبرًا أن استخدام الموارد الاتحادية في سياسات تخالف أولويات الرئيس يمثل “إهدارًا لأموال دافعي الضرائب الأمريكيين ولا يخدم مصالح المواطنين”.

وتضمنت مذكرة الإدارة والميزانية أن قرار الوقف يشمل الأموال المخصصة للمساعدات الأجنبية والمنظمات غير الحكومية، إلى جانب فئات تمويلية أخرى. وبحسب مراقبين، فإن هذه المراجعة تشير إلى اتجاه الإدارة الأمريكية نحو إعادة هيكلة الإنفاق الاتحادي وفقًا لرؤيتها السياسية، ما يثير مخاوف واسعة حول مستقبل العديد من المشروعات، خاصة في قطاعات حساسة مثل التعليم والصحة والإسكان، التي تعتمد بشكل كبير على التمويل الأمريكي.

إلغاء واسع لبرامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وفي 10 مارس الماضي، أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، عبر حسابه الرسمي على منصة “إكس”، أن إدارة ترامب قامت بالفعل بإلغاء 83% من برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، مع عزمها نقل البرامج المتبقية إلى وزارة الخارجية الأمريكية. وأشار روبيو إلى أن العقود التي تم إلغاؤها والبالغ عددها 5200 عقد، أُنفقت فيها عشرات المليارات من الدولارات، “دون أن تخدم المصالح الوطنية الأمريكية، بل وأضرت بها في بعض الحالات”، دون توضيح تفاصيل محددة بشأن طبيعة العقود وأسباب إلغائها.

وكشف روبيو عن خطة الإدارة الأمريكية، بالتشاور مع الكونغرس، لإدارة النسبة المتبقية من البرامج، والبالغة نحو 18% (حوالي 1000 برنامج)، بشكل أكثر كفاءة تحت إشراف وزارة الخارجية. ووجه روبيو الشكر لموظفي “إدارة الكفاءة الحكومية”، التي يشرف عليها إيلون ماسك، لجهودهم في تنفيذ هذه الإصلاحات التي تستهدف تخفيض الإنفاق الفيدرالي وإعادة هيكلة الوكالات الحكومية.

تأثيرات واسعة على برامج مكافحة الفقر والتنمية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية توزع سنويًا مليارات الدولارات في أنحاء العالم، بهدف مكافحة الفقر، والاستجابة للكوارث الطبيعية، وعلاج الأمراض، وتعزيز الديمقراطية والتنمية من خلال دعم منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام المستقلة. وقد توقفت معظم هذه الأنشطة بشكل مفاجئ بسبب قرارات إدارة ترامب الأخيرة، والتي بررتها الإدارة بادعاءات تتعلق بسوء استخدام الأموال وحدوث حالات احتيال، وفق ما نقلته شبكة CNN في تقرير لها حول الأزمة.

 

نوصي للقراءة: النائب فريدي البياضي: مصر تواجه كارثة ديون تاريخية.. أين ذهبت القروض؟ (حوار صحفي)

كيف يؤثر القرار على المنظمات العاملة بمصر؟

بلغ حجم الشراكة بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) والحكومة المصرية، في مختلف المشروعات التي نفذتها الهيئة على مدار 40 عام 30 مليار دولار حتى عام 2024، بحسب تصريحات شون جونز مدير بعثة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مصر، وفي يونيو 2024 أعلنت الحكومة الأمريكية، ووزارة التعاون الدولي، عن استثمارات جديدة في مصر بقيمة 130 مليون دولار، في إطار اتفاقيات تمويل ثنائية مقدمة من الشعب الأمريكي.

ويقول مايكل مكرم نصيف – استشاري عام تنموي، ورئيس مجلس إدارة جمعية الوطنية لتنمية المجتمع وحماية البيئة- إلى زاوية ثالثة إن القرارات الدولية الأخيرة بقطع المساعدات التنموية والإنسانية سيكون لها تداعيات مباشرة على المؤسسات العاملة في هذا المجال، حيث تفقد هذه الهيئات مصادر تمويل رئيسية كانت تتيح لها تنفيذ مشاريع حيوية في مجالات الرعاية الصحية والتعليم والإغاثة الطارئة، مما قد يؤدي إلى تعليق العديد من هذه المشروعات أو حتى إغلاق بعض المكاتب الميدانية، لا سيما في المناطق الأكثر احتياجًا.

إلى جانب ذلك، ستتأثر قدرة المؤسسات على الاحتفاظ بفرق العمل المتخصصة، مما قد يؤدي إلى تقليص الخدمات المقدمة للمستفيدين، وعلى المدى الطويل، قد يتسبب هذا الانقطاع المفاجئ في زعزعة ثقة الشركاء المحليين والدوليين في قدرة المؤسسات على الوفاء بالتزاماتها، مما يزيد من صعوبة جذب تمويل بديل في المستقبل.

أما الفئات الأكثر تضررًا، بحسب نصيف فتشمل اللاجئين والنازحين الذين يعتمدون على المساعدات الغذائية والطبية، إضافة إلى النساء والأطفال الذين قد يفقدون فرصهم في الحماية من العنف أو التعليم، مما قد يدفعهم إلى عمالة الأطفال أو الزواج المبكر. كما أن أصحاب الأمراض المزمنة، الذين يعتمدون على برامج المساعدات الصحية، قد يواجهون خطورة انقطاع الأدوية الأساسية، مما يعرض حياتهم للخطر. وإذا لم يتم توفير بدائل عاجلة، فقد نشهد تفاقمًا في معدلات الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي، وارتفاعًا في الهجرة غير الشرعية نتيجة انسداد آفاق التنمية والعيش الكريم.

ويقول نصيف في حديثه معنا: “أمام هذه الأزمة، لا بد من البحث عن آليات تمويل بديلة لضمان استمرار العمل التنموي، وذلك من خلال التعاون مع مؤسسات إقليمية مثل صناديق التنمية الخليجية أو المؤسسات المالية الآسيوية، إضافة إلى إطلاق حملات تبرعات وطنية وتفعيل المسؤولية الاجتماعية للشركات الكبرى. كما يمكن تبني نماذج تمويل إسلامي، مثل الصكوك الاجتماعية أو الزكاة، لدعم المشاريع الإنسانية وضمان استمراريتها بعيدًا عن التبعية للمساعدات الخارجية.”

ويضيف: “في الوقت نفسه، يجب تكثيف الجهود للضغط على صناع القرار الأمريكي، من خلال التعاون مع منظمات حقوقية أمريكية لنقل صورة واضحة عن معاناة الفئات المتضررة، وإنتاج حملات إعلامية تُظهر تداعيات القرار على الفئات الأكثر هشاشة، مع التركيز على تأثير ذلك على المصالح الأمريكية نفسها، مثل زيادة الهجرة غير الشرعية وتصاعد التطرف في المناطق المهمشة. كذلك، يمكن الاستفادة من الجالية المصرية في الولايات المتحدة للضغط على ممثليهم في الكونجرس، بالإضافة إلى تنظيم زيارات لوفود أمريكية إلى المناطق المتأثرة لإقناعهم بضرورة مراجعة هذا القرار”، لافتًا إلى أن هذه الأزمة قد تمثل فرصة لإعادة تشكيل نموذج التمويل التنموي بشكل أكثر استدامة واستقلالية، وتحفيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لمواجهة التحديات بفعالية أكبر.

ومن جهته يوضح محمد سعيد – مدير برنامج حقوق اللاجئين في المفوضية المصرية للحقوق والحريات- في حديث إلى زاوية ثالثة أن القرار الأمريكي بوقف التمويل للمنظمات الدولية يمثل صدمة كبيرة، نظرًا لاعتماد جزء كبير من هذه المنظمات على المعونات الأمريكية في تمويل أنشطتها، مشيرًا إلى أن مثل هذه القرارات تؤثر بشكل مباشر على التوجهات العالمية فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتحولات الديمقراطية، حيث أن السياسات الأمريكية غالبًا ما تحدد اتجاهات المجتمع الدولي في هذا المجال.

ويشير سعيد في حديثه معنا إلى أن قرار وقف التمويل سيكون له تداعيات خطيرة، مستشهدًا بما حدث في السابق عندما أوقفت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب دعمها لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وهو ما أدى إلى تقليص التمويل الدولي للمنظمة وتفاقم الأزمة الإنسانية.

ويؤكد سعيد في حديثه معنا أن تأثير هذا القرار على مصر سيكون كبيرًا، خاصة على اللاجئين والمهاجرين، نظرًا لأن معظم المنظمات الدولية العاملة في مصر تعتمد بشكل أساسي على التمويل الأمريكي، موضحًا أن الدولة المصرية تقدم دعمًا محدودًا لهذه الفئات نظرًا لمحدودية الموارد، مما يجعل المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الهجرة الدولية، ومنظمات المرأة والطفولة، هي المصدر الرئيسي للخدمات والدعم.

ويحذر سعيد من أن وقف التمويل سيؤدي إلى تقليص الخدمات الأساسية المقدمة للاجئين والمهاجرين، مثل الدعم الغذائي والرعاية الصحية والسكن، كما سيسفر عن خفض أعداد الموظفين وتقليص الموارد الخدمية المتاحة، وأن هذا الوضع قد يؤدي إلى تفاقم أزمة الهجرة غير الشرعية، حيث لن يكون أمام الأفراد الذين فقدوا الدعم والخدمات أي خيار سوى محاولة الهجرة بطرق غير نظامية، مما قد يزيد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى أوروبا.

 

نوصي للقراءة: الأمهات المعيلات: قوانين على الورق وأعباء حقيقية في سوق العمل

هيئة إنقاذ الطفل أول المتضررين

قبل أيام أعلنت هيئة إنقاذ الطفل تضررها بشكل كبير جراء قرارات تقليص التمويل، وقالت الهيئة في بيان لها إن القرارات الدولية الأخيرة بقطع المساعدات التنموية والإنسانية أثرت بشكل كبير على أنشطتها في مصر، مما أدى إلى إنهاء بعض المشاريع والشراكات.

تعمل الهيئة في مصر منذ عام 1982على تقديم خدمات التعليم والصحة والحماية للأطفال الأكثر احتياجًا، ولها 5 مكاتب ميدانية، بعدد موظفين يبلغ 337 موظفًا من بينهم 5 موظفين دوليين و6 من ذوي الإعاقة، بالإضافة إلى فريق يضم 140 متطوعًا، معظمهم من اللاجئين. إذ استفاد من برامجها أكثر من 51 ألف طفل في عدة محافظات خلال عام 2024 فقط، بحسب بيانات منشورة على موقعها الرسمي. فيما تؤكد خلال البيان أنها ” وضعت سلسلة من التدابير لخفض التكاليف في مواجهة “فجوة غير مسبوقة في التمويل”، إلى جانب بحثها عن مصادر تمويل أخرى لمواصلة أعمالها التنموية والإنسانية.

وتركز برامج الهيئة على زيادة الوصول إلى الخدمات التعليمية الجيدة وتحسين صحة وتغذية الأمهات والمواليد والرضع والأطفال في المدارس وبناء خدمات أقوى للأطفال والمعرضين لخطر العنف والإيذاء وتشجيع مشاركة الأطفال وحمايتهم على المستوى الشخصي والأسري والمجتمعي وتعزيز خيارات اقتصادية وتعليمية ومشاركة آمنة للمراهقين والشباب، ووصل عدد الأطفال الذين دعمتهم الهيئة 211566 طفلًا في عام 2024 فقط.

وتقول الهيئة في بيانها إنها عملت خلال أربعة عقود مع الجمعيات المحلية ومنظمات المجتمع الأهلي في مصر في إطار من الشراكة والتعاون وبناء القدرات، مضيفة أن “هذه الشراكات تقع في قلب التزامنا بتلبية احتياجات الأطفال وكجزء من استراتيجيتنا لدعم شركائنا المحليين”. مشيرة إلى أنها تقدِّر حجم الضرر الواقع على شركائنا من منظمات المجتمع الأهلي من جراء وقف تنفيذ المشروعات المتأثرة بالقطع المفاجئ للمساعدات الخارجية التي تقدمها الحكومة الأمريكية تحديدًا. كذلك تشير إلى اتخاذ مجموعة من التدابير منها “إعادة الهيكلة، ووقف أغلب عمليات التوظيف، وتقييد التنقلات الدولية والمحلية باستخدام الطيران والعمل على تخفيض التكلفة في إطار تنفيذ مشروعاتنا وبرامجنا مع الالتزام بمعايير الجودة”.

وجاء في البيان أن القرارات الدولية الأخيرة بقطع المساعدات التنموية والإنسانية أدت إلى إغلاق خمسة مكاتب دولية للهيئة في دول سريلانكا وبولندا والبرازيل وجورجيا وليبيريا والاستغناء عن أكثر من 2300 موظف وإنهاء العقود من الشركاء من المجتمع المدني المحلي في هذه الدول، وكذلك إجراء تقلصات كبيرة في العديد من المكاتب الأخرى حول العالم، وأن هذا الوضع يأتي في وقت تزداد فيه احتياجات الأطفال عن أي وقت مضى، حسب البيان.

زاوية ثالثة راسلت الهيئة للوقوف على تفاصيل أكثر، لكن لم نتلقى رد حتى كتابة هذا التقرير، إلى جانب ذلك تواصلنا مع عدد من الموظفين العاملين داخل الهيئة، تجنبوا الحديث حول أي تفاصيل، وقالوا إن البيان قد أوضح كل ما يتعلق بالأمر، وفي ضوء حرصنا على استيفاء كافة التفاصيل تحدثنا إلى عدد من الموظفين المتضررين من الأزمة، تحدثوا إلينا وفضلوا عدم ذكر أسماءهم.

يوضح أحد الموظفين المتضررين جراء وقف مشروع “قرية متعلمة” أحد المشروعات التي عملت عليها الهيئة وتوقفت بسبب أزمة التمويل، في حديث مع زاوية ثالثة أن ” المشروع هو تجربة تنموية رائدة استهدفت تحسين حياة الأطفال والأمهات والمجتمع المحلي في عدد من القرى المصرية. نفذته هيئة إنقاذ الطفولة بتمويل من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وبالتعاون مع جمعيات أهلية، بهدف تعزيز جودة التعليم المجتمعي، ودعم تمكين المرأة، وتغيير المفاهيم المجتمعية حول التعليم والمشاركة. إلا أن المشروع، الذي بدا واعدًا في بدايته، انهار بشكل مفاجئ مع توقف التمويل، تاركًا خلفه آثارًا سلبية على المستفيدين والعاملين فيه، بعد أن فقدوا فرصًا أساسية كان يفترض أن تستمر أو تُدمج في منظومة التنمية المحلية.

ويضيف: “ركز المشروع على تحسين بيئة التعليم للأطفال، حيث تضمن أنشطة متعددة مثل صيانة المدارس المجتمعية، وتزويدها بشاشات تفاعلية ومكتبات، وتوفير تدريبات للمعلمين على أساليب تدريس حديثة. كما تم تنظيم معسكرات صيفية لتعزيز التعلم خلال الإجازات، إضافة إلى حملات توعية مثل “بكرة أحلى بالقراءة” و”العودة إلى المدرسة”، التي هدفت إلى تشجيع الأطفال على استكمال تعليمهم. لكن هذه الأنشطة توقفت فجأة مع انتهاء التمويل، تاركة المدارس في حالة من عدم الجاهزية، والطلاب بلا دعم، والمعلمين دون موارد أو إرشاد.

إلى جانب دعم الأطفال، كان المشروع يسعى إلى تمكين النساء من خلال فصول محو الأمية، حيث اجتازت العديد من السيدات امتحانات “هيئة تعليم الكبار”، لكن المفاجأة كانت أنهن لم يحصلن على شهاداتهن، مما أفقدهن فرصة إثبات تحصيلهن العلمي. إلى جانب ذلك تم تدريب منسقات من المجتمع لإدارة هذه الفصول، لكن هؤلاء النساء لم يتقاضين مستحقاتهن رغم الجهود التي بذلنها. لم يقتصر دعم النساء على التعليم، بل امتد إلى تمكينهن اقتصاديًا واجتماعيًا عبر جلسات توعية وتدريبات تهدف إلى تعزيز دورهن في المجتمع، إلا أن كل هذه الجهود باتت معلقة بلا نتائج ملموسة بعد توقف المشروع.

ويتابع في حديثه معنا: “سعى المشروع إلى توعيتهم عبر جلسات “زين الرجال”، التي ركزت على تغيير النظرة التقليدية لدور المرأة في التعليم والعمل، كذلك تم تشكيل فرق تعليم مجتمعية من سكان القرى لضمان استدامة الأنشطة التعليمية بعد انتهاء المشروع، لكن مع توقف التمويل، لم تُستكمل هذه التدريبات، ولم تحصل المجتمعات المحلية على الدعم الذي كان يُفترض أن يجعلها قادرة على الاستمرار ذاتيًا.”

ويقول: “رغم الشعارات التي ترفعها هيئة إنقاذ الطفولة حول الحماية والنزاهة والاستدامة، لم تلتزم بأي منها عند إنهاء المشروع، فقد تُرك العاملون فيه دون إنذار مسبق، وتم إنهاء عقود أكثر من ألفي موظف بلا تعويض أو حتى إشعار، بينما لم يتقاضَ كثيرون منهم مستحقاتهم المالية عن الأشهر الأخيرة من عملهم. أما الأطفال الذين كانوا يستفيدون من المشروع، فوجدوا أنفسهم خارج المنظومة التعليمية التي كانوا يعتمدون عليها، في ظل غياب أي خطة لضمان استمرارية خدمات التعليم البديل التي وفرها المشروع.

ويلف الموظف أن الأضرار لم تكن مقتصرة على الأفراد فقط، بل امتدت إلى الجمعيات القاعدية التي كانت شريكًا أساسيًا في تنفيذ الأنشطة، إذ وجدت نفسها فجأة بلا دعم أو موارد، مما جعل استمرارها في تقديم الخدمات أمرًا مستحيلًا. لم يتم نقل الخبرات أو توفير بدائل تضمن استدامة العمل، فانهار كل ما تم بناؤه خلال السنوات السابقة في لحظة واحدة.

ويضيف: “المشروع الذي كان يمثل بارقة أمل لكثير من القرى انتهى بطريقة تعكس غياب التخطيط والاستدامة في المشروعات التنموية الممولة من الخارج. لم تكن المشكلة فقط في توقف التمويل، بل في غياب أي رؤية لضمان استمرار الفائدة التي تحققت، مما يطرح تساؤلات حول مدى جدية الجهات المانحة والمنفذة في التزامها الحقيقي تجاه التنمية المستدامة، وعن مصير القرى التي أصبحت، بعد أن كانت “متعلمة”، عالقة بين وعود لم تكتمل وواقع أكثر صعوبة مما كان عليه قبل المشروع.”

ولم يتثنى لنا الوصول إلى أحد مسؤولي الهيئة للوقوف على التفاصيل، لكن بيانات منشورة عبر موقع الهيئة وصفحتها على (فيس بوك) تشير إلى استمرار عمل المشروع حتى يوليو 2024، بينما تنهال العديد من التعليقات المطالبة بصرف مستحقات الموظفين الموقوفين عن العمل، وما نعلمه هو استمرار أزمة التمويل قد يؤدي إلى وقف المزيد من المشروعات بحسب الموظفين الذين تحدثوا إلينا.

ويلفت أحد المتضررين من وقف مشروع قرية متعلمة إلى أنه ” وفقًا لقانون العمل المصري رقم 12 لسنة 2003، فإن لنا حقوقًا قانونية لا يمكن تجاوزها، ومنها صرف جميع المستحقات المالية عند إنهاء التعاقد، وتعويضنا عن الفصل التعسفي. كما أن قانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لسنة 2019 يلزم صاحب العمل بتأمين جميع العاملين وتعويضهم في حالة فقدان الوظيفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الاتفاقيات الدولية التي وقّعت عليها مصر تحظر إنهاء العقود دون مبرر وتعطي الموظفين الحق في الطعن والمطالبة بمستحقاتهم.”

 

نوصي للقراءة: المجالس القومية في مصر: للحقوق أم لتجميل السلطة؟


جدل داخل الولايات المتحدة.. هل يثني ترامب؟

قرارات الرئيس الأمريكي أثارت حالة واسعة من الجدل داخل الولايات المتحدة، لاسيما التداعيات القانونية، وقد أصدر أمير علي قاضٍ فيدرالي أمرًا مؤقتًا، منتصف فبراير الماضي، بوقف تنفيذ القرار التنفيذي للرئيس، الذي أدى إلى قطع التمويل عن برامج المساعدات الخارجية التي تديرها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). معربًا عن قناعته بأن “ما لم تُوقف إجراءات الإدارة الأمريكية، فإن حجم الضرر الهائل الذي حدث بالفعل سيزداد بالتأكيد”. وقد جاء القرار القضائي في أعقاب تسريح الوكالة آلاف الموظفين أو إحالتهم إلى إجازات إجبارية، بالإضافة إلى إزالة اسمها من مقرها الرئيسي في واشنطن.

ووفقًا لتقرير صادر عن مكتب المفتش العام للوكالة فإن نحو 500 مليون دولار من المساعدات الغذائية الطارئة، الممولة من دافعي الضرائب الأمريكيين، أصبحت معرضة للعرقلة بسبب قرار الإدارة بتجميد جميع المساعدات الخارجية، بما في ذلك تلك المقدمة عبر “USAID”. وبعد صدور التقرير، أقال البيت الأبيض مفتش الوكالة.

وجاء الحكم بعد رفع دعويين قضائيتين منفصلتين، الأولى من قبل “منظمة تحالف الدعوة للقاح الإيدز” (AIDS Vaccine Advocacy Coalition) و”شبكة تطوير الصحافة” (Journalism Development Network)، اللتين تتلقيان تمويلاً من الوكالة، والثانية من مجموعة من الجمعيات القانونية ومنظمات الصحة العالمية ومجموعات الأعمال الدولية، التي زعمت أن القرار تعسفي وأجبرها على تسريح الموظفين وتقليص الميزانيات، مما أثّر على مهامها الأساسية. ورغم أن القاضي وجد أن المتضررين قدموا “أدلة قوية” على الضرر، إلا أنه رفض طلبهم بوقف مراجعة الإدارة لبرامج الوكالة، كما رفض أيضًا وقف تعديل أو إنهاء العقود المبرمة مع الوكالة، طالما أن ذلك يتم وفق شروط الاتفاقيات القائمة.

في قضية مرتبطة بالملف ذاته، أصدر القاضي الفيدرالي كارل جي. نيكولز في فبراير قرارًا بتمديد وقف تنفيذ توجيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان يقضي بوضع أكثر من 2000 موظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في إجازة إدارية، وإلزام الموظفين العاملين في الخارج بالعودة إلى الولايات المتحدة، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز.

وفي 6 مارس حكم قاض فدرالي في رود آيلاند بتمديد حظر محاولة إدارة ترامب تجميد المدفوعات للمنح الفيدرالية وغيرها من البرامج الحكومية المعتمدة من الكونجرس من الدخول حيز التنفيذ. وقد مثل انتصارًا للديمقراطيين من 22 ولاية ومقاطعة كولومبيا، الذين رفعوا دعوى قضائية ضد إدارة ترامب. وفي حكمه، قال قاضي المحكمة الجزئية الأمريكية جون ماكونيل إن تجميد الإنفاق “يقوض بشكل أساسيًا الأدوار الدستورية المتميزة لكل فرع من فروع حكومتنا”.

وتعقيبًا على القرارات قالت رينيه ويليس، الرئيسة التنفيذية المؤقتة لمؤسسة NLIHC: “حتى توقف قصير للتمويل قد يُلحق ضررًا بالغًا بالأسر ذات الدخل المحدود ومجتمعاتها. كلما طال أمد التجميد، زاد خطر إخلاء الأسر ذات الدخل المحدود التي تتلقى مساعدات إيجار فيدرالية، وفي أسوأ الحالات، قد تُجبر ملاجئ المشردين على إغلاق أبوابها، وقد تضطر المنظمات غير الربحية إلى تسريح موظفيها”.

ومن جهتها قالت السيناتور باتي موراي، عضو مجلس الشيوخ الديمقراطي عن ولاية واشنطن، وكبيرة الديمقراطيين في لجنة المخصصات بمجلس الشيوخ: “إن نطاق هذا الإجراء غير القانوني غير مسبوق، وقد تكون له عواقب وخيمة في جميع أنحاء البلاد. بالنسبة للناس، قد نشهد توقفًا مفاجئًا للموارد المخصصة لرعاية الأطفال، وأبحاث السرطان، والإسكان، ورجال الشرطة، وعلاج إدمان المواد الأفيونية، وإعادة بناء الطرق والجسور، وحتى جهود الإغاثة من الكوارث”.

وقد حاولت الإدارات الرئاسية السابقة فرض مزيد من الرقابة على الإنفاق، ولجأ الرئيس ريتشارد نيكسون إلى المحكمة العليا الأمريكية لقطع التمويل. لكن إدارته جادلت، دون جدوى، على أسس قانونية. وصرح ديفيد سوبر، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بجامعة جورج تاون، بأنه لم تجد أي إدارة حجة دستورية مقنعة بما يكفي لعرضها على المحكمة العليا الأمريكية.

في ظل التداعيات المتسارعة لقرار وقف التمويل الاتحادي، تواجه المنظمات التنموية والإنسانية في مصر والعالم تحديًا مصيريًا يهدد بوقف مشاريع حيوية يعتمد عليها الملايين. وبينما تسعى بعض الجهات إلى إيجاد بدائل تمويلية، يظل مستقبل هذه المؤسسات مرهونًا بالقدرة على التكيف مع الواقع الجديد، بعيدًا عن التبعية للمساعدات الخارجية. ومع تصاعد التحذيرات من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذا القرار، يصبح الضغط على صناع القرار الأمريكي، والسعي نحو حلول تمويل مستدامة، ضرورة ملحة لضمان استمرار الخدمات الأساسية وعدم ترك الفئات الهشة تواجه مصيرًا مجهولًا.

 

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search