بحكم الدستورية العليا..انتهت الحضانة؟ اتركي الشقة فورًا!

تكشف بيانات رسمية حديثة أن أكثر من 265 ألف واقعة طلاق سُجّلت في مصر عام 2023، مع تصدّر الحضر النسبة الأكبر، وانخفاض طفيف مقارنة بعام سابق، بينما يبلغ متوسط عمر المطلقة 34 عامًا، وسط جدل قانوني متصاعد حول مصير الأمهات بعد انتهاء سن الحضانة
Picture of آية ياسر

آية ياسر

منذ تسع سنوات، حصلت أميرة عبد الرحمن (49 عامًا) على الطلاق مقابل الإبراء، وتمكنت بحكم قضائي من البقاء في شقة الزوجية، المؤجرة بنظام الإيجار القديم في أحد أحياء القاهرة، لتكون مسكنًا لحضانة طفليها اللذين كانا لا يزالان في سن الحضانة. ورغم حصولها على نفقة قدرها ألفا جنيه شهريًا، إلا أن هذا المبلغ لم يكن كافيًا لتغطية نفقات المعيشة والتعليم، ما اضطرها للعمل في وظيفتين بالقطاع الخاص، دون أن تنجح في ادخار ما يؤمّن مستقبلها ومستقبل أبنائها.

ومع بلوغ ابنها الأصغر عامه الخامس عشر في الشهر الماضي، دخلت الأم في نزاع جديد مع طليقها الذي بدأ يطالبها بإخلاء الشقة وهددها برفع دعوى استرداد مسكن الزوجية، متذرعًا بأن الأبناء تجاوزوا سن الحضانة، وبأنه يرغب في الإقامة معهم، رغم رفض الولدين لذلك نظرًا لسلوكه العنيف وامتناعه عن الإنفاق عليهم.

أميرة لجأت إلى محاميها الذي أوضح أن الأب يظل ملزمًا بسداد نفقة ولديه حتى يبلغا سنّ العمل، وأن القاضي سيمنحهما حرية اختيار الإقامة مع أحد الأبوين. وفي حال اختارا البقاء مع الأم، فإن ذلك لا يمنحها حق أجر الحضانة أو مسكن الزوجية، لكنه يتيح للأب رفع دعوى استرداد الشقة، مع إمكانية طلب التمديد أمام المحكمة. وأضاف المحامي أن القاضي قد يحكم بالتمديد أو برفضه وفقًا لسلطته التقديرية، وفي حال صدور حكم بطردها، فإن الابنين – اللذين تتراوح أعمارهما بين الخامسة عشرة والسابعة عشرة – يمكنهما التقدم بدعوى تطالب الأب بتوفير نفقة مسكن. غير أن الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، والذي يقضي بانتهاء حق الحاضنة في مسكن الحضانة بمجرد بلوغ الأبناء السن القانونية، أجهض تلك الآمال، وترك أميرة في حالة قلق دائم من تنفيذ الطرد في أي وقت.

وتقول أميرة لـ«زاوية ثالثة»:

“لا أعلم إلى أين أذهب بولديّ في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الإيجارات. أحدهما في المرحلة الإعدادية والآخر يستعد لامتحانات الثانوية العامة، وكلاهما بحاجة إليّ للمذاكرة والرعاية. والدهما يكتفي بإرسال ألفي جنيه شهريًا ويرفض تحمل نفقات الدروس الخصوصية والكتب الخارجية. أتقاضى 6 آلاف جنيه فقط من عملي بفترتي دوام، وليس لي مصدر دخل آخر، إذ أن والديّ توفيا دون أن يتركا معاشًا، ولم أرث سوى شقة باعها أشقائي قبل أعوام، ولم يتجاوز نصيبي منها 40 ألف جنيه، أنفقتها في متطلبات الأبناء وتجديد بعض الأثاث.”

وتضيف أميرة أنها تحاول التفاوض مع طليقها للسماح لها بالبقاء في الشقة حتى يبلغ الولدان سن الرشد، مقابل التنازل عن النفقة، خاصة أن الإيجارات في منطقتها السكنية تبدأ من 5 آلاف جنيه شهريًا. لكنها في حال فشل المفاوضات واضطرت إلى مغادرة الشقة، ستضطر إلى إرسال ولديها للعيش مع والدهما، رغم رفضهما، بينما تنتقل هي إلى منزل خالتها في القاهرة، نظرًا لإقامة أشقائها في محافظات أخرى، وعدم قدرتها على الجمع بين إيجار شقة جديدة وتحمل نفقات دراسة أبنائها.

وكانت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، قد قضت في 12 إبريل الجاري، بأن حق الحاضنة في الاحتفاظ بمسكن الحضانة ينتهي ببلوغ الصغار السن الإلزامية للحضانة، استنادًا إلى ما ورد في نص المادة (18 مكررًا ثالثًا) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929، المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985.

وتنص المادة (20) من القانون رقم 20 لسنة 1929، المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، على أن ينتهى حق حضانة النساء ببلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشر، ويُخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذا السن البقاء فى يد الحاضنة دون أجر حضانة، وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.

واعتبرت المحكمة الدستورية، في حكمها الصادر حديثًا، أن استمرار الصغار في رعاية الحاضنة بعد هذه السن، بناءً على إذن قضائي، لا يعد تمديدًا لمدة الحضانة الإلزامية، وإنما هو استبقاء يتم بشكل تطوعي من جانب الحاضنة، دون أن يترتب عليه حق في الإقامة بمسكن الزوجية.

نوصي للقراءة: طلاق كل دقيقتين في مصر: ماذا تخبرنا الإحصائيات عن تفكك الأسر؟

ثلاث بنات.. ومصير في مهب القانون

رغم حصول سهى محمد (52 عامًا) على حكم بالطلاق للضرر منذ 12 عامًا، وحكم آخر بحضانة بناتها الثلاث، اللواتي كنّ آنذاك في أعمار تتراوح بين عامين وسبعة أعوام، إلا أن سنوات ما بعد الطلاق لم تحمل لها سوى تحديات قاسية على المستويين المادي والاجتماعي. إذ صدر لصالحها قرار بتمكينها من مسكن الزوجية الكائن في أحد أحياء محافظة الجيزة، لكنها لم تنجح في الحصول على أكثر من 1200 جنيه شهريًا كنفقات للفتيات. اعتمدت سهى لسنوات على دعم والدها المتوفى منذ سبعة أعوام، وبعد وفاته تقاضت معاشًا لا يتجاوز 1500 جنيه، بينما عجز مؤهلها الدراسي المتوسط وخبراتها المحدودة عن تأمين وظيفة دائمة، فاضطرت للقبول بأعمال مؤقتة ذات أجور زهيدة تراوحت بين 1500 و3000 جنيه، شملت البيع في المتاجر، والعمل كمشرفة في حضانة أو عاملة نظافة، ما حال دون قدرتها على ادخار أي مبلغ يضمن الاستقرار المستقبلي لها ولبناتها.

ومع بلوغ ابنتها الصغرى سن الخامسة عشرة في يناير الماضي، بدأ طليقها يطالبها بإخلاء الشقة المملوكة له، معلنًا رغبته في الإقامة بها مع زوجته الجديدة وطفله منها. توسلت إليه للبقاء فيها مع بناتها، معللة ذلك بعدم امتلاكها لأي مأوى بديل، خاصة أنها لم ترث عن والدها سوى شقة قديمة في الجيزة، استحوذ عليها شقيقها وتزوج فيها، بينما رفض الأب أي تفاهم ورفع دعوى استرداد لمسكن الحضانة.

تقول سهى لـ«زاوية ثالثة»:

“بناتي الثلاث لا يزلن في حاجة إليّ، فإحداهن في الشهادة الإعدادية، وأخرى في الصف الثاني الثانوي، والثالثة تدرس بالجامعة. هن لا يحتملن العيش مع والدهن الذي زوّر مفردات مرتبه لخفض النفقة، ويتهرب من الإنفاق، بل تركهن للجوع والحرمان. أبلغن القاضي رفضهن الإقامة مع الأب وزوجته، فاختار القاضي الإبقاء على الحضانة معي، لكني الآن أواجه المجهول، إذ لا أعلم إلى أين أذهب إن طُردنا.”

وأضافت أنها حين حاولت استئجار شقة جديدة اصطدمت بواقع مرير، إذ تتراوح أسعار الإيجارات في حيّها الشعبي بين 2500 و3000 جنيه، وتواجه رفضًا شبه جماعي من ملاك العقارات لتأجير شققهم لسيدات مطلقات. وعند استشارتها لمحامية، أبلغتها الأخيرة بإمكانية حصولها على قرار قضائي يمدد الحضانة مؤقتًا ويمنحها حق البقاء في الشقة إلى حين زواج البنات، لكن الأمر سيخضع لتقدير القاضي، خاصة أن الأب يملك مسكنًا ويريد استعادته.

وتتابع سهى:

“قرأت على مواقع التواصل أن المحكمة الدستورية العليا أقرّت بحق الطليق في استرداد مسكن الزوجية فور انتهاء سن الحضانة، ما يجعل فرصتي في البقاء ضئيلة. بدأت أبحث عن شقة صغيرة داخل حارة كي أتمكن من الانتقال مع بناتي قبل صدور حكم بالطرد. أعرف أننا سنواجه ضائقة مالية، لأنني سأضطر لدفع الإيجار من دخلي المحدود، لكن لحسن الحظ حصلت ابنتي الكبرى مؤخرًا على وظيفة في إحدى شركات الكول سنتر لمساعدتي. أخشى فقط أن يُعيق هذا العمل مسارها الدراسي.”

ووفقًا لقانون الأحوال الشخصية رقم 25 لسنة 1929؛ فإن مسكن الزوجية من حق الزوجة الحاضنة، ويمكن في حالة الطلاق أو الخلافات أن تقيم دعوة تمكين إذا كان لها أبناء لم تتخط أعمارهم الخامسة عشر سنة، ويصبح للزوج الحق في استرجاع الشقة بعد انتهاء سن الحضانة، ويعطي القانون الحق للزوجة في أن تقيم دعوة أجر حضانة ومسكن فإذا حكم لها بأجر مسكن لا يجوز لها المطالبة بأن تبقى في شقة الزوجية سواء بصفتها حاضنة أو بصفتها زوجة.

 

نوصي للقراءة: بين الكنيسة والقانون.. مسيحيات لا يحق لهن الطلاق


نساء بين الطرد والمساومة

في هذا السياق، ترى المحامية الحقوقية انتصار السعيد، مديرة مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا مؤخرًا لم يكرّس عدالة جندرية، بل رسّخ لوضع قانوني غير منصف للنساء، إذ تغلّب على نحو صريح حق الملكية الخاصة – غالبًا ما يكون للزوج – على حساب حق الحاضنة وأطفالها في السكن الآمن بعد انتهاء الحضانة. وتوضح أن الحكم ألغى اجتهادًا قضائيًا سابقًا صادرًا عن محكمة النقض، كان يوفر نوعًا من الحماية الاجتماعية للنساء بعد الطلاق، معتبرًا إياه اعتداءً على الملكية الخاصة، دون النظر في الأعباء التي تخرج بها الأم من تجربة الزواج، من دون ضمانات معيشية كافية.

وتقول السعيد لـ”زاوية ثالثة”: “هذا الحكم كان محاولة جادة لفهم الواقع الاجتماعي للنساء الحاضنات، خاصة أولئك اللواتي يفتقرن إلى سكن بديل أو دعم اقتصادي، وكان بمثابة وسيلة لحمايتهن من التشرد. إلغاؤه يُعد انتكاسة كبيرة، لأنه يفتح الباب لطرد الأمهات من مساكن الحضانة دون أي ضمانات بديلة.”

وتتابع أن الحكم يرجّح كفة الملكية على كفة السكن والرعاية، ما يعكس رؤية قانونية تقليدية تتجاهل الفوارق الاقتصادية بين الرجال والنساء بعد الطلاق. وتطالب بإعادة النظر في هذه التشريعات من منظور العدالة الجندرية والاجتماعية، مشيرة إلى أن الحكم لا يمنع صراحة أجر المسكن، لكنه لا يُلزم الدولة أو الأب بتوفيره تلقائيًا، ما يخلق فراغًا قانونيًا يهدد الأمهات بالتشرد أو الإقامة في بيئات غير آدمية.

وتضيف: “أحكام أجر المسكن غالبًا ما تصدر بتقديرات منخفضة لا تواكب أسعار الإيجارات الواقعية، ومع ضعف الرقابة على تنفيذها، تُضطر كثير من الأمهات إلى القبول بأوضاع معيشية مهينة أو التنازل عن حقوقهن.”

من جهتها، ترى نهى سيد، المديرة التنفيذية لمبادرة “صوت لدعم حقوق المرأة”، أن حكم المحكمة أنصف الرجال على حساب استقرار الأبناء، موضحة أن الأب الذي أنشأ أسرة عليه تحمّل تبعاتها، لا سيما حين يكون الأطفال في سن المراهقة، حيث يواجهون اضطرابًا نفسيًا بسبب التنقّل القسري من منازلهم، بدلاً من أن ينعموا بالثبات والاستقرار في هذه المرحلة الحساسة.

وتشير سيد إلى أن كثيرًا من الفتيات يُجبرن على البقاء مع الأب رغبة في استمرار الإقامة في مسكن الأسرة، أو انتظارًا للزواج الذي يمنحهن مأوى بديلًا، داعية إلى مراجعة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، بما يضمن مصلحة الأبناء دون الإخلال بحقوق الطرفين.

تكشف البيانات الصادرة عن “الكتاب السنوي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء” لعام 2024، أن حالات الطلاق في مصر سجّلت 265,606 واقعة خلال عام 2023، مقارنة بـ269,834 حالة في عام 2022، بما يعكس انخفاضًا طفيفًا قدره 1.6%.

وتركزت أغلب الحالات في المناطق الحضرية، حيث سُجلت 150,488 حالة طلاق في الحضر خلال 2023، بنسبة 56.7% من إجمالي الحالات، مقابل 156,278 حالة في العام السابق، بانخفاض بلغ 3.7%. أما في الريف، فقد بلغ عدد حالات الطلاق 115,118 حالة، بزيادة نسبتها 1.4% مقارنة بـ113,556 حالة في 2022، وهو ما يبرز اتساع الظاهرة تدريجيًا خارج نطاق المدن الكبرى.

وأظهرت الإحصاءات أن الفئة العمرية الأكثر تأثرًا بالطلاق هي النساء بين 25 و30 عامًا، حيث بلغ عدد الإشهادات 44,375 حالة بنسبة 17.4%، فيما سجلت الفئة العمرية من 75 عامًا فأكثر أدنى معدل طلاق، بعدد لم يتجاوز 172 إشهادًا بنسبة 0.1%. وقد بلغ متوسط عمر المطلقة في مصر 34.4 سنة خلال عام 2023.

أما على صعيد المعدلات، فقد انخفض معدل الطلاق على مستوى الجمهورية من 2.6 في الألف عام 2022 إلى 2.5 في الألف عام 2023. وفي توزيع المعدل جغرافيًا، بلغ معدل الطلاق في الحضر 3.3 في الألف، مقابل 1.9 في الألف في الريف.

وسجّلت أحكام الطلاق النهائية خلال عام 2023 عددًا إجماليًا قدره 10,683 حكمًا، مقارنة بـ11,077 حكمًا في العام السابق، بانخفاض نسبته 3.6%. وكان النصيب الأكبر من هذه الأحكام في المناطق الحضرية، بـ10,519 حكمًا بنسبة 98.5% من الإجمالي، مقابل 10,811 حكمًا عام 2022. أما في الريف، فلم تتجاوز الأحكام 164 حكمًا في 2023، أي 1.5% فقط من جملة الأحكام، مقارنة بـ266 حكمًا في 2022، ما يعكس تراجعًا بنسبة 38.3%.

نوصي للقراءة: الدعم النقدي للمسيحيات المنفصلات.. قانون يصطدم بواقع كنسي

 الحكم يلغي السلطة التقديرية للقضاة

يُرسّخ الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، في 12 إبريل الجاري، لوجود أوضاع قانونية كان يمكن الإفلات منها أحيانًا أو التغاضي عنها؛ إذ كانت بعض الدوائر القضائية تحكم باستمرار بقاء الحاضنة وأطفالها في مسكن الحضانة، ما داموا قد اختاروا البقاء في حضانتها بعد بلوغهم سن الـ15، في حين كانت دوائر أخرى تقضي بتسليم مسكن الزوجية بعد انتهاء فترة الحضانة، لذا كان هناك تناقضًا في الأحكام القضائية المتعلقة بذلك، وفقًا للسلطة التقديرية للقاضي، الذي قد يراعي مسألة عدم وجود مأوى آخر للحاضنة وأبناءها، أو كون الأم حاضنة لفتيات، بحسب ما توضح مديرة مكاتب المساندة بمؤسسة المرأة الجديدة، المحامية آية حمدي، إلى زاوية ثالثة، معتبرة أن ما جاء به حكم الدستورية أصبح بمثابة قاعدة راسخة لن يحيد عنها القضاء أو يمنح استثناءات، وفقًا لتقديرات القاضي إذا رأى أن وجود الأم وأبناءها في مسكن الحضانة، هو لمصلحة الأطفال المحضونين.

وتُبين مديرة مكاتب المساندة بمؤسسة المرأة الجديدة، أنه ببلوغ الأطفال سن الـ15 لا يصبح من حق الأم الحصول على أجر المسكن، الذي كانت تتحصل عليه نظير حضانتها لهم، وتصبح متبرعة بالحضانة، لكن يمكن أن يتقدم الأبناء بدعوى نفقة مسكن، ضد الأب، بعد تسليم شقة الزوجية، ليقوموا باستئجار سكن لها، إلا أن العقبة تتمثل في انخفاض قيمة نفقات المسكن التي تقضي بها المحاكم.

فيما توضح المحامية الحقوقية هالة دومة، أن حيثيات الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي إسكندر، لم يتم نشرها، وبالتالي لم تكشف المحكمة بعد عن أسباب إصدارها للحكم، إلا أنه طبقًا لما تم نشره في وسائل الإعلام، فيما يتعلق بمنطوق الحكم؛ فإنه قد رسخ لأوضاع قانونية قائمة بالفعل، واعتبرها غير مخالفة للدستور، على النقيض من الدفع الذي كان يدفع به الخصوم في قضايا النزاع على مسكن الزوجية، مبينة أن الأحكام القضائية الصادرة في وقتٍ سابق، والتي أذن خلالها القضاة بالتمديد، ثم ألغاها الحكم طبقًا للقاعدة التي رسخ لها، يعتمد مصيرها على رفع دعاوى بعدم الاعتداد بالأحكام، وحين يتم نظر الدعوى، يقوم المشتكي برفع دعوى بعدم دستورية الحكم الصادر على أساس نص غير دستوري، وبناءًا على ذلك سيتم إبطال تلك الأحكام.

وتشير المحامية الحقوقية إلى أنه في ظل القوانين الحالية ينتهي حق الحاضنة في الحصول على أجر مسكن وأجر حضانة أو التمكين من مسكن الزوجية، بمجرد بلوغ الأبناء سن الـ15، ويصبح ما عدا ذلك من أحكام  قضائية للتمديد هي استثناءات نادرة الحدوث وتخضع لشروط معينة، كأن يحدث تمكين من المسكن بالمشاركة، وبما يحقق مصلحة الطفل المحضون، لافتة إلى أن الأحكام الصادرة بشأن نفقة المسكن عادة تكون قيمتها ضعيفة، لا تتناسب مع أسعار السكن، لكونها تمثل نسبة من أجر المحكوم عليه، والذي كثيرًا ما يصعب إثبات دخله.

نوصي للقراءة: معركة النساء في ريف مصر.. حقوق ضائعة تحت سطوة العادات

 لقمة سائغة للقوانين المنحازة

مي صالح، استشاري النوع الاجتماعي، تعتبر أن معظم القوانين الاجتماعية في مصر تقنن أوضاعًا موجودة بالفعل، قد لا تكون تلك الأوضاع عادلة بالضرورة؛ ففي الوقت الذي تعاني فيه المطلقات في مصر بسبب عملية سير الإجراءات وصولًا إلى الحكم بالتمكين، مما يجعلها تتحمل تكاليف التقاضي وعدم امتلاك مأوى لحين تمكينها من مسكن الحضانة، في ظل غياب منظومة حماية اجتماعية لهن، وبعد انتهاء فترة الحضانة، تعود الأمهات إلى نقطة البداية لتجد نفسها بلا مأوى، وكأن دورها انتهى عند ذلك الحد، دون مراعاة لتضحياتها، محذرة النساء من أن يتركن أنفسهن لقمة سائغة للقوانين المنحازة والأعراف المجتمعية الذكورية، وأن يكون لديهن مورد رزق خاص بهن دون الحاجة لتقاضي معاش تكافل وكرامة أو الاضطرار للعيش في مسكن الحضانة.

تقول لزاوية ثالثة: “تطبيق القوانين يشهد أساليب تحايل للاستيلاء على منقولات الزوجة أو حرمانها من التمكين، وكنا ننتظر تعديل قانون الأحوال الشخصية رغم توصيات المجلس القومي للمرأة ومؤسسات المجتمع المدني، بما يضمن كرامة النساء والمصلحة الفضلى للأطفال، إلا أن ما شهدناه هو صدور قرار المحكمة الدستورية العليا، دون مراعاة لمصير الأطفال الذين ينتزعون من بيوتهم التي يرتبطون بها نفسيًا، ويقعون ضحايا للمكايدة بالقوانين”.

وتضيف أن كثير من الأمهات يتعرضن عند الطلاق على المساومة بالأطفال ويجبرن على التخلي عنهم نظير الحصول على الطلاق، لاسيما أن كثير من الأهالي يرفضون أن تحضر ابنتهم المطلقة أبناءها للإقامة لديهم ويجبرونها على تركهم لأبيهم، ويتحول الأبناء لمجرد ورقة للابتزار والمساواة بين الزوجين عند انفصالهما، مؤكدة أنه لا ينبغي للأمهات التخلي عن دورهن الأمومي وتحميل أطفالهن مسؤولية اختياراتهن الشخصية، وأنه يجب على الدولة توفير الضمان الاجتماعي للنساء المعيلات وربات البيوت، كي لا تجد الأمهات بعد انتهاء سن الحضانة والمطلقات اللواتي لم ينجبن، أنفسهن بلا مأوى بعد سنوات من الزواج، وتطبيق اتفاقية الثروة المشتركة أو حق الكد والسعاية، الذي أقره الأزهر.

نوصي للقراءة: “تضاعف جرائم قتلهن”.. النساء يسددن فاتورة الفقر مرتين

معاقبة النساء على أمومتهن

تعتقد الناشطة النسوية آية منير، مؤسسة مبادرة سوبر وومان، أن الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، ليس غريبًا على الأوضاع التي تعيشها النساء في مصر؛ إذ تترك مسؤولية رعاية الأطفال للأم ويعتبر الأب عائل مؤقت بشكل جزئي، ولا يتم تحديد الحد الأدنى لنفقة المسكن فتصدر أحكام قضائية بمبالغ هزيلة لا تكفي لاستئجار غرفة، وبمجرد بلوغ الأطفال سن الـ15 يتم تحرير الأب من مسؤوليته تجاه توفير مسكن الحضانة لهم، في حين لا يتم تقدير الجهد الاجتماعي والاقتصادي للأم ودورها الرعائي، عبر إقرار حق الكد والسعاية، بينما يحصل الأب على الامتيازات المتعلقة بالولاية والأمور المالية على أبناءه.

وترى الناشطة أنه يجب أن يكون مسكن الزوجية ملكًا للطفل وليس لأحد أبويه، وأن يعيش معه من يتولى رعايته، داعية إلى نشر ثقافة أن تترك الأم الأطفال لأبيهم بعد الطلاق إذا كانت غير قادرة على تحمل العبء المادي والدور الرعائي لهم لأن والدهم يرفض تحمل المسؤولية ويريد الزواج مرة أخرى، وذلك بسبب الوضع المأساوي للأمهات المعيلات اللواتي تعرضن لأشكال عنف قائم على أساس النوع الاجتماعي، تسببت في حرمانهن من استكمال تعليمهن وتنمية مواهبهن والانقطاع عن سوق العمل، إضافة إلى عدم مراعاة جهات العمل للدور الرعائي الذي تتحمله، وغياب القوانين التي تتسم بالحساسية الجندرية والاجتماعية وتكريس العمل الرعائي والأمومي الذي تقوم به النساء ومكافئتهن عليه بدلًا من معاقبتهم على ذلك الدور، عبر إقصائهن من العمل وفي الأسرة والتمييز ضدهن في الأحكام القضائية عبر الحكم بمبالغ مادية هزيلة أو حرماهن من بدء حياة جديدة بعد الطلاق، بسبب أمومتها.

وتكشف مؤسسة المبادرة النسوية، إلى زاوية ثالثة، عن مواجهة المطلقات لتمييز ضدهن في مسألة الحق في السكن؛ إذ يشترط معظم ملاك العقارات وكذلك المجتمعات السكنية، أن يكون المستأجر زوج وزوجته، وليس سيدة مطلقة حتى لو كان معها أطفالها، بسبب النظرة المجتمعية السلبية للمطلقات والتشكيك في قدرتهن على الالتزام المادي واستباحة البعض للمساحة الشخصية لهن، عبر التدخل في خصوصيتهن وفرض وصاية أخلاقية واجتماعية عليهن، ويصل الأمر إلى التحرش الجنسي بهن.

فيما تُبيّن المحامية هبة عادل، مؤسسة مبادرة المحاميات المصريات لحقوق المرأة، إلى زاوية ثالثة، أن الأم المطلقة لا تحصل على أجر مسكن بعد السن الرسمي للحضانة، وحال اختيار الأبناء استمرار بقائهم في حضانتها كان الأب ملزمًا بتوفير نفقة مسكن، حال استرداده لمسكن الزوجية، إلا أنه عقب الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا؛ فإن الآباء أصبحوا غير ملزمين بتوفير مسكن الحضانة بعد سن الـ15، موضحة أنه رغم كون الحكم لم يأتِ بجديد إلا أنه أنشأ قاعدة دستورية جديدة، بمثابة نص قانوني محصن، يحرم المرأة الحاضنة الحق في المطالبة بمسكن الحضانة أو نفقة المسكن، بعد انتهاء سن الحضانة.

وتضيف مؤسسة المبادرة أن الأمهات الحاضنات لأطفال تجاوزوا سن الـ15، حين سيتقدمن بدعاوى قضائية للمطالبة بنفقة مسكن لأطفالهن، فإن خصومهم سيدفعون بنص الحكم بإعتباره نصًا قانونيًا محصنًا وقاعدة دستورية تجعل مسكن الحضانة ملكًا للأب، معتبرة أن ذلك يمثل إجحافًا في حق الحاضنات وتقليص لحقوق الأطفال المحضونين، إذ تصبح الأم مضطرة لتوفير مسكن للطفل الذي تحتضنه دون أجر حضانة، كما سيخلق فجوة في الفترة العمرية من 15 إلى 18 عامًا، التي يكون خلالها الأطفال لا يزالون في حاجة إلى رعاية الأم وتحمل الأب لمسؤوليته الشرعية والقانونية.

وفي وقت يرى فيه البعض أن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا في 12 إبريل الجاري، والذي نص على أن حق الحاضنة في الاحتفاظ بمسكن الحضانة ينتهي ببلوغ الصغار السن الإلزامية للحضانة، لم يأت بجديد لكونه يستند إلى مواد في قانون الأحوال الشخصية، إلا أن حقوقيون وحقوقيات ومدافعون ومدافعات عن حقوق المرأة أن الحكم يعد بمثابة الترسيخ لقاعدة دستورية تغلق الباب أمام أي أحكام استثنائية كانت تصدرها بعض الدوائر القضائية، وفقًا للسلطة التقديرية للقضاة، حين يرون أن المصلحة الفضلى للأطفال تتحقق ببقائهم في مسكن الحضانة مع والدتهم بعد تمديد فترة حضانتها لهم، وهو ما يعني إمكانية الطعن على الأحكام القضائية السابقة الصادرة بهذا الصدد، وتشريد الأمهات والأطفال الذين ليس لهم مأوى غير شقة الحضانة، في ظل أزمة ارتفاع أسعار إيجارات السكن، وما تعانيه الأمهات المطلقات من ضغوطات اقتصادية ووصم اجتماعي وعنف وتمييز على أساس النوع الاجتماعي.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search