مستشفى الخانكة: ضرب مرضى، أطباء مزيفون، وفساد إداري

خروقات جسيمة في مستشفى الخانكة للصحة النفسية: ضرب مرضى، انتحال صفة طبيب، احتجاز متعافين دون سند قانوني، واتهامات متكررة بالفساد الإداري وسط غياب للمحاسبة.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

تواجه مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان اتهامات متصاعدة بوجود مخالفات مالية وإدارية، طالت مديرها ونائبه، على خلفية وقائع تضمنت اعتداءات جسدية على مرضى نفسيين، وانتحال صفة طبيب من قبل أحد الأفراد، وتحرير تقارير طبية وعلاجية دون مؤهلات قانونية أو طبية معتمدة، في مخالفة واضحة لقانون رعاية المريض النفسي. وقد دفعت هذه الوقائع أمانة الصحة النفسية بوزارة الصحة إلى إقالة نائب مدير المستشفى، الدكتور بدر عباس، في 9 أبريل، بعد أقل من شهرين على توليه المنصب.

وبحسب ما نشرته صحف محلية، وُجهت إلى د. بدر عباس، نائب المدير المُقال، تهمة التعدي بالضرب على المريض “ف. هـ”، المصاب بالفصام ويعاني من نسبة تأخر عقلي، والمسجل برقم 8013، وذلك عقب محاولته مغادرة المستشفى دون إدراك خلال فترة الزيارات في مارس الماضي. ورغم جسامة الواقعة، لم يُحِل مدير المستشفى الحادثة إلى التحقيق الإداري.

وفي واقعة منفصلة، قدّم نائب المدير نفسه شابًا يُدعى محمد بكر إلى الفرق الطبية بالمستشفى باعتباره أخصائي طب نفسي نُقل حديثًا للعمل بها، وطلب منه مناظرة المريضة “ح. أ. ح” المقيدة برقم 16487، والتي كانت قد تعرضت لحالة من التهيج في 16 مارس، خلال جولة داخلية رافق فيها وكيل وزارة الصحة بالقليوبية. لاحقًا، أثار محتوى التقييم الطبي الذي دونه الشاب في ملف المريضة شكوك الأطباء، خاصة بعد مناقشاتهم له في استراحة الأطباء، ما دفعهم إلى طلب فحص هويته من الأمن، ليكتشفوا أنه مجرد طالب، من مواليد يناير 1996، وانتحل صفة طبيب.

وفي 16 أبريل، أعلن المجلس القومي للصحة النفسية عن تشكيل لجنة من شؤون المرضى توجهت إلى مستشفى الخانكة للتحقيق في هذه الوقائع. إلا أن الاكتفاء بإجراء تحقيق داخلي وعزل نائب المدير، دون إحالة الملف إلى النيابة العامة، أثار انتقادات من بعض المؤسسات الطبية ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالصحة النفسية، التي اعتبرت ذلك إخلالًا بمبدأ المحاسبة وتفريطًا في حقوق المرضى.

في سياق متصل، استدعت الأمانة العامة للصحة النفسية في مايو الماضي، مدير المستشفى د. مصطفى خليل الشريف، الذي كان قد تولى منصبه في فبراير الماضي، للتحقيق معه. ونسبت مواقع صحفية محلية الاستدعاء إلى شكاوى تتعلق بسوء الإدارة، واتهامات بتعاطيه مواد مخدرة، فضلًا عن توقيعه في دفاتر الحضور والانصراف بدلًا من زوجته، التي تعمل أيضًا في المستشفى وتغيبت عن العمل.

وبعد أقل من شهر على هذه التطورات، أعلنت الإدارة المركزية للأمانة العامة للصحة النفسية، في 8 مايو الجاري، استقالة الأمين العام، أ.د. منن عبد المقصود، من منصبها الذي شغلته منذ 17 أكتوبر 2017. وأكدت الإدارة أن عبد المقصود كانت إحدى ركائز تطوير برامج الصحة النفسية وعلاج الإدمان، وساهمت في تعزيز الشراكات المؤسسية ودعم البحث العلمي وبناء قدرات الكوادر العاملة.

وفي 9 مايو، أعلنت الأمانة تعيين د. وسام أبو الفتوح رئيسًا للإدارة المركزية للصحة النفسية وعلاج الإدمان. وتشير المعلومات الواردة على الموقع الرسمي للأمانة إلى أن وسام محمد أبو الفتوح إبراهيم، طبيبة أخصائية، تشغل عضوية إدارة علاج الإدمان ومصالح المرضى، وتشرف على فريق الدعم النفسي والخط الساخن للاستشارات. كما تولت منصب رئيس قسم الإدمان بمستشفى الصحة النفسية ببنها بين عامي 2013 و2018، ورئاسة لجنة حقوق المرضى بالفترة من 2011 إلى 2018.

وكانت مستشفى الخانكة قد شهدت، في 10 فبراير الماضي، واقعة هروب مريض نفسي خلال الفترة بين 11 صباحًا والواحدة ظهرًا، مستغلًا انقطاع التيار الكهربائي. وقد دخل المستشفى في 13 يناير لتشخيص إصابته بالفصام مع نسبة تخلف عقلي، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عن مصادر بأمانة الصحة النفسية.

 

نوصي للقراءة: نقص الأدوية النفسية في مصر: صراع يومي من أجل البقاء


رقابة غائبة تمامًا

في 24 أبريل المنقضي، تقدّمت النائبة البرلمانية عن الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، سناء السعيد، بطلب إحاطة موجه لنائب رئيس الوزراء ووزير الصحة، بشأن ما وصفته بحالة من عدم الاتزان الإداري التي تمر بها مستشفى الخانكة للصحة النفسية، وكشفت النائبة، في طلبها عن حدوث ثلاث وقائع تمثل انتهاكات خطيرة داخل المستشفى، وهي: انتهاك خصوصية المريضات من خلال عرضهن على شخص منتحل صفة طبيب، قام بتحرير تقارير طبية ووصفات علاجية دون أي صفة قانونية أو طبية معتمدة، بجانب تعرض بعض المرضى للضرب من قبل أحد نواب مدير المستشفى، في سلوك يناقض أبسط قواعد الرعاية الإنسانية، إضافة إلى تعيين مدير مالي وإداري على رأس المستشفى، رغم صدور قرارات بمجازاته من قبل النيابة الإدارية في قضايا فساد مالي وإداري.

وتساءلت البرلمانية عن أسباب صمت الأمانة العامة للصحة النفسية تجاه هذه التجاوزات، كما طالبت بتوضيح موقف المجلس القومي للصحة النفسية ودوره الرقابي في مثل هذه القضايا، مؤكدة ضرورة التدخل العاجل لتصحيح الأوضاع وحماية المرضى وحقوقهم، مطالبة بإحالة الإحاطة إلى لجنة الصحة بمجلس النواب لمناقشتها واتخاذ ما يلزم من قرارات رقابية وتشريعية.

وتعتبر سناء السعيد، أن مستشفى الخانكة للصحة النفسية، منسية من الجهات الرقابية والتفتيشية بوزارة الصحة، بينما تعاني من الفساد المالي والإداري وانتهاكات تتعلق بسوء المعاملة للمرضى، مؤكدة، إلى زاوية ثالثة، أنها تلقت مستندات من داخل المستشفى تفيد بأن مديرها المُقال حديثًا كان يباشر منصبه، بينما تعمل زوجته في الوقت نفسه داخل المستشفى بالمخالفة لقانون تعارض المصالح، كما أنه كان يضع اسمه ضمن المجالس الطبية إضافة لعمله كمدير للمستشفى، ليكون بذلك خصمًا وحكمًا، ويستفيد من البدلات المالية المخصصة لأعضاء المجالس الطبية، والتي تقدر بآلاف الجنيهات، مشيرة إلى أن إقالة نائب المدير الذي من منصبه، الشهر الماضي، على خلفية وقفه عن العمل إثر اتهامه بفساد مالي وإداري.

وتكشف النائبة عن تلقيها شكاوى من أهالي بعض المرضى، تتعلق باعتداءات بالضرب وسوء المعاملة للمرضى النفسيين المحالين من المحاكم لتأدية فترة محكومياتهم على خلفية ارتكابهم جرائم، وكذلك المحالين من التجنيد إلى القسم العسكري في المستشفى، لتلقي العلاج النفسي أو تقييم حالتهم النفسية، كما اشتكت أسرة أحد المرضى المودعين فيها تنفيذاً لقرارات وأحكام قضائية، من عدم موافقة الإدارة على إخلاء سبيله بعد انتهاء فترة محكوميته، وترى أن حالته النفسية لا تسمح بخروجه، إلا أن النائبة البرلمانية لم تتمكن من تبين صحة رأي الأهل أو الطاقم الطبي، لكون الأمر يخضع في المقام الأول إلى رؤية المتخصصين في الطب النفسي، وعدم وجود قانون يضع ضوابط لتلك المسألة.

تقول إلى زاوية ثالثة: “لدي اهتمام كبير بقضية مستشفى الخانكة، بعد حصولي على مستندات تثبت وجود الفساد المالي والإداري، وما تلقيته من شكاوى للأهالي وعاملين داخل المستشفى، وبناءًا على ذلك تقدمت بطلب إحاطة إلى رئيس مجلس النواب، في إبريل الماضي، ولم يحدد بعد موعد مناقشة الطلب، وحين سيتم ذلك سأتقدم بما لدي من مستندات وأقوم بمساءلة وزير الصحة حول الرقابة على المستشفى، وبلغني أنه عقب تقديم الإحاطة تم تشكيل لجنة تحقيق وتم وقف بعض المسؤولين في إدارة المستشفى عن عملهم”.

نوصي للقراءة: الصحة النفسية للعمال المصريين: 32 مادة للسلامة البدنية وصفر للنفسية

تجاوزات ومزاعم بوفيات مرضى

 يُبيّن محمود فؤاد، عضو مجلس الإدارة السابق بمستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، ومدير المركز المصري للحق في الدواء، إلى زاوية ثالثة، أن نحو 35% من عدد الأسرّة الخاصة بمستشفيات الصحة النفسية في مصر، موجودة في مستشفى الخانكة، إلاّ أنها تواجه مؤخرًا مشكلات إدارية تسببت في وقوع تجاوزات وانتهاكات لحقوق المرض، كاشفًا عن تلقيه اتصالات قبل فترة تفيد بقيام نائب مدير المستشفى بإدخال طالب في السنة النهائية بقسم علم النفس بكلية الآداب، وتقديمه على أنه طبيب نفسي، وعندما ساور الأطباء الشك بشأنه واكتشفوا حقيقته قاموا بإبلاغ قسم الشرطة، وبناءًا على ذلك قامت الأمانة العامة للصحة النفسية بعزل نائب المدير.

 يقول لزاوية ثالثة: “هناك أزمة أخرى تتعلق بالمرضى الذين قام ذويهم بتسليمهم إلى مستشفيات الصحة النفسية منذ سنوات طويلة، وبعد تماثلهم للشفاء ورغبتهم في الخروج لم يستدل على مكان سكن الأهل أو رفضهم استلام المريض، مما يضطر المستشفى لإبقائهم داخلها، ويوجد نحو 300 شخص تعافى من المرض النفسي لكنهم لا يزالون في مستشفى الخانكة طبقًا لقانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009، وأتذكر أنه كان لدينا في الخانكة متعافِ من المرض النفسي اصطحبه الطبيب إلى بلدته في المنيا ولم يستدل على مكان أهله ورفض مأمور قسم الشرطة بقاؤه في القسم فأعيد للمستشفى، إذ لا يوجد قانون يحدد مصير هؤلاء المرضى المتعافين”.

ولا تعد تلك المرة الأولى التي تواجه فيها مستشفى الخانكة للصحة النفسية، اتهامات بسوء الإدارة ووقوع انتهاكات بحق المرضى؛ إذ سبق أن توفي 10 من المرضى المحجوزين بالمستشفى، والمودعين فيها تنفيذاً لقرارات وأحكام قضائية، خلال الفترة من 1/8/2015 حتى 10/8/2015، بسبب الإهمال الجسيم، الأمر الذي دفع بهيئة النيابة الإدارية، لأن تُحيل 34 متهماً من المسؤولين بالمستشفى إلى المحاكمة العاجلة، من بينهم: مدير مستشفى الصحة النفسية بالخانكة سابقاً، نائبي مدير مستشفى الصحة النفسية بالخانكة، وأربعة أطباء بالمستشفى، ورئيس ووكيل قسم التمريض بالمستشفى، و23 من أفراد طاقم التمريض بالمستشفى، ورئيس قسم شئون المرضى والموظفة بذات القسم بالمستشفى.

وكشفت التحقيقات في القضية رقم 201 لسنة 2015، عن مسئولية المتهمين وتسببهم في وفاة عشرة مرضى، نتيجة عدم اتباع الإجراءات الواجبة لمواجهة حرارة فصل الصيف، إذ يواجه المرضى النفسيين احتمالية مرتفعة لحدوث الاحتباس الحراري، كأحد الآثار الجانبية الشائعة للأدوية الخاصة بالعلاج النفسي، وجاء ذلك تزامنًا مع تأثير موجة الحر الشديد خلال شهر أغسطس عام 2015، ونظرًا لتراخي المتهمين في اتخاذ الإجراءات الطبية؛ فإن الحالة الصحية للمتوفين قد تدهورت على أثر إصابتهم بالإجهاد الحراري الذي نتج عنه الوفاة، إلا أن القائمين على إدارة المستشفى برروا وقتئذٍ الواقعة بنقص الإمكانيات التي توفرها وزارة الصحة للمستشفى، الأمر الذي دفع بعدد من الشباب المتطوعين، لشراء مراوح سقف وتركيبها في المستشفى، كتبرع لتخفيف معاناة المرضى النفسيين بسبب الحرارة الشديدة.

وتشير المعلومات الواردة في أخبار الصحف المصرية إلى تكرار حوادث هروب المرضى من مستشفى الخانكة للصحة النفسية، خلال السنوات الماضية، حيث تعود بعض الحالات إلى أعوام 2008، 2012، 2014؛ إذ شهدت في يوليو عام 2008 هروب ثلاث مرضي من الخانكة، متهمين في قضايا قتل وهتك عرض، ونجحت إدارة المستشفى بمساعدة الشرطة، وقتئذٍ من إعادة اثنين منهم إلى المستشفى فيما هرب المريض الثالث محمد حسن أبو النجا، الذي دخل المستشفى بعد تشخيص إصابته بالفصام غير متميز، عقب اتهامه في قضية قتل عمد في سنة 2005، وفي أغسطس 2012 قام مريض نفسي مصاب بفصام غير مميز، مُودع بقسم 9 مذنبين بالمستشفى بناء على قرار محكمة جنوب الجيزة، يدعى “أحمد ب ع م” 31 سنة، بالهرب، واُتهم الممرضين المسئولين عن القسم بالتسبب فى هروبه، وتحرر عن ذلك المحضر رقم 971 إداري قسم الخانكة لسنة 2012، وتكررت الواقعة في مارس 2014 حين هرب سعدالله عبدالغني طايل، المودع بالمستشفى بناءًا على قرار إيداع نهائي من محكمة إستئناف الإسكندرية بعد حصوله على حكم البراءة في القضية رقم 1936 جنايات وادى النطرون لسنة 2011، والتي أُتهم فيها بالشروع في القتل.

 

نوصي للقراءة: من الاحتراق الوظيفي إلى الهجرة.. لماذا يترك الأطباء النفسيون مصر؟

خطط حكومية لتطوير المستشفى

طبقًا لموقع الأمانة العامة للصحة النفسية فإن مستشفى الخانكة للصحة النفسية بمحافظة القليوبية، تم إنشاؤها سنة 1912 في عهد الخديوي عباس حلمي في منطقة صحراوية وعلى مساحة 570 فدان، تبقى منها الآن ضمن مساحة المستشفى الفعلية تقريباً 171 فدان، ، وقد تم ضمها لديوان عام وزارة الصحة بتاريخ 21/9/1997 بناءً على القرار الجمهوري رقم 331 لسنة 1997، وليتم ضمها للأمانة العامة للصحة النفسية بتاريخ 21/1/1998، بناءاً على قرار وزير الصحة رقم 32 لسنة 1998.

ويحتوي المستشفى على 20 قسماً، وتنقسم إلى 15 قسم نفسي للرجال خارج دائرة المودعين، 4 أقسام إدمان رجال، قسم نفسي للسيدات، إضافة إلى 10 أقسام لدائرة المودعين؛ وهي الأقسام المختصة بعلاج المرضى المودعين بأوامر من السلطات القضائية الذين ارتكبوا لجرائم وهم تحت تأثير المرض العقلي، وذلك بعد فحصهم بمستشفى العباسية للصحة النفسية، وتبلغ السعة التشغيلية للمستشفى 1804 سريرًا، وتقدم المستشفى عدداً من الخدمات للمرضى من خارج المستشفى لتضم عيادات: (الإدمان، النفسية، خفض الضرر، الفيروسات، طب المجتمع، كشف إثبات الاعاقة لمرضى الإعاقة الذهنية والتوحد)، فضلاً عن خدمات الأشعة العادية والسونار ورسم القلب، بالإضافة إلى خدمات وحدة تنظيم إيقاع المخ.

وكانت لجنة من المجلس القومي لحقوق الإنسان، قد زارت المستشفى في مايو 2023، وأوصت باستمرار العمل في تطوير البنية التحتية لمستشفى الخانكة، اتفاقًا مع خطة وزارة الصحة والرامية لدعم قطاع الصحة النفسية في كافة المحافظات، لحماية حقوق المرضى النفسيين وتمكين العاملين في قطاع الطب النفسي من القيام بدورهم.

وفي أغسطس من العام الماضي، وجّه د. خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية البشرية ووزير الصحة والسكان، بوضع تصور لتطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية، ليصبح أول مدينة طبية متكاملة للصحة النفسية وعلاج الإدمان والمسنين، على أن تشمل جميع الخدمات العلاجية والوقائية وعلاج الأورام إلى جانب خدمات الصحة النفسية وعلاج الإدمان، بسعة إجمالية 1800 سرير، منها 300 سرير للخدمات العلاجية والوقائية، واثنان مُعّجل خطي لعلاج الأورام، إضافة إلى 1500 سرير لخدمات الصحة النفسية، وكلّف الوزير آنذاك، بدراسة إنشاء مستشفى طوارئ لتقديم كافة الخدمات الطبية المتقدمة للمرضى دون الحاجة لنقلهم للمستشفيات المحيطة. 

وخلال سبتمبر الماضي أعطى الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، توجيهاته بالتوسع في إقامة منشآت الصحة النفسية، ودعم منظومة العلاج على نفقة الدولة، وقام بتكليف الحكومة بالبدء في إنشاء مستشفى “سكينة” للصحة النفسية وعلاج الإدمان بمدينة العلمين الجديدة، وسرعة الانتهاء من تطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية بمحافظة القليوبية، وإنشاء مراكز طبية للإقامة الممتدة للمرضى وكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.

وبسؤاله حول طلب الإحاطة المقدم من النائبة البرلمانية سناء السعيد، في إبريل الماضي، بشأن مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، أكد د. أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، إلى زاوية ثالثة، أنه لم تتم إحالة الطلب بعد إلى لجنة الصحة في البرلمان لتطلع عليه وتحدد موعدًا لمناقشته.

وبشأن إعلان وزير الصحة في أغسطس الماضي، عن خطة لتطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية وتحويلها إلى أول مدينة طبية متكاملة للصحة النفسية وعلاج الإدمان والمسنين، أفاد رئيس اللجنة، أن الميزانية الجديدة لوزارة الصحة ستتم مناقشتها في البرلمان، خلال الأسبوع المقبل، ومن المنتظر أن تطلع اللجنة على خطط الوزارة في العام المالي الجديد، وسوف يتبين لها وقتئذٍ إذا كانت من بينها خطة تطوير مستشفى الخانكة، أم أن الخطة لم يتم الانتهاء منها بعد.

فيما يُبيّن د. أحمد حسين، المدير السابق لإدارة رعاية حقوق المرضى في الأمانة العامة للصحة النفسية، وعضو مجلس إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية سابقًا، أن قطاع الصحة النفسية في مصر يواجه تحديات كبيرة تتمثل في النقص الشديد في الكوادر الطبية والتمريضية في مستشفيات الصحة النفسية، بسبب ضعف المردود المادي مقارنة مع أجور نظرائهم الذين يسافرون إلى دول الخليج العربي، التي تستقطب العاملين في هذا التخصص، بجانب تخوفات الأطباء والتمريض من المسؤولية القانونية المتعلقة بالمرضى النفسيين والوقوع تحت طائلة التعنت الإداري، وخوفهم من التعرض للاعتداء من المرضى النفسيين الذين يمرون بحالة تهيج، مستشهدًا باعتداء مريض في مستشفى الخانكة على ممرض بالضرب بواسطة “بلطة”، إضافة إلى قلة عدد الأسرّة في هذه المستشفيات، في الوقت الذي يشغل فيه المتعافين من المرض النفسي الذين لم يستدل على أهاليهم أو رفض الأهل استلامهم، لنحو 20٪ من أسرّة مستشفيات الصحة النفسية، مشيرًا إلى مشكلة ضعف المخصصات المالية المقررة لقطاع الصحة النفسية في الموازنة العامة للدولة.

يقول لزاوية ثالثة:“قبل عام 2009 كانت مستشفيات الصحة النفسية تشهد انتهاكات لحقوق المرضى تصل إلى التعدي عليهم بالضرب، إلى أن قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009، ساهم في ندرة حدوث تلك الانتهاكات والتي تعرض مرتكبيها إلى السجن، إلا أن هناك إشكالية تتعرض بعدم وجود قانون ينظم حالات المتعافين من المرض النفسي الذين لم يستدل على أهاليهم أو رفض الأهل استلامهم، فيظلون في المستشفيات لبقية حياتهم، دون أن تتولى جهة حكومية أخرى كوزارة التضامن الاجتماعي مسؤوليتهم، كما تحدث إشكاليات تتعلق بحالات مادة 10، والذين استقرت حالتهم النفسية ولم يعودوا يشكلون خطرًا على أنفسهم أو الغير، ويطلبون من الطبيب المعالج مغادرة المستشفى إلا أن أسرته قد تعارض ذلك، وربما تتجه إلى التقدم بشكاوى ضد المستشفى أو تحاول رشوة التمريض لضمان بقاء المريض النفسي سجينًا مدى الحياة”.

وينص قانون رعاية المريض النفسي رقم 71 لسنة 2009، في المادة (13) على أنه لا يجوز إدخال أي شخص إلزاميًا للعلاج بإحدى منشآت الصحة النفسية إلا بموافقة طبيب متخصص في الطب النفسي، وذلك عند وجود علامات واضحة تدل على وجود مرض نفسي شديد يتطلب علاجه دخول إحدى منشآت الصحة النفسية، وذلك في الحالتين الآتيتين:الأولى قيام احتمال تدهور شديد ووشيك للحالة المرضية النفسية، والثانية إذا كانت أعراض المرض النفسي تمثل تهديدًا جديًا وشيكًا لسلامة أو صحة أو حياة المريض أو سلامة وصحة وحياة الآخرين.

فيما تنص المادة (14) من القانون على أنه يجوز لطبيب غير متخصص في الطب النفسي بإحدى منشآت الصحة النفسية المنصوص عليها في هذا القانون، أن يٌدخل مريضًا دون إرادته لتقييم حالته ولمدة لا تجاوز 48 ساعة وذلك بناءًا على طلب كتابي يقدم إلى المنشأة من أحد أقارب المريض حتى الدرجة الثانية، أحد ضباط قسم الشرطة، الاخصائي الاجتماعي بالمنطقة، مفتش الصحة المختص، قنصل الدولة التي ينتمي إليها المريض الأجنبي، أحد متخصصى الطب النفسي ممن لا يعمل بتلك المنشأة ولا تربطه صلة قرابة بالمريض.

ويكشف العضو السابق بمجلس إدارة مستشفى العباسية للصحة النفسية، أن الدولة تتجه إلى إحلال عدد من مستشفيات الصحة النفسية الكبرى، ومن بينها مستشفى العباسية، عبر خفض أعداد المرضى، وإغلاق بعض الأقسام بحجة التطوير، مؤكدًا أن البروتوكولات العالمية المتعلقة بالصحة النفسية تتعارض مع خطط وزارة الصحة المصرية الرامية إلى تحويل مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إلى أول مدينة طبية متكاملة للصحة النفسية وعلاج الإدمان، إذ تستهدف الأولى التحول من المستشفيات النفسية الكبيرة التي تضم أعدادًا كبيرة من المرضى، إلى مستشفيات صغيرة متخصصة في كل منها عدد لا يزيد عن 100 نزيل.

وبشأن الاتهامات الموجهة إلى إدارة مستشفى الخانكة للصحة النفسية، لا يستبعد د. أحمد حسين أن تكون هناك حالة من التصيد للإدارة الجديدة للمستشفى، التي تولت المسؤولية قبل شهرين فقط، مدفوعًا بتواطؤ داخلي ضدها لمحاولة توريطها، مشيرًا إلى أن وزارة الصحة تسمح للطبيب الحر غير المسجل في أي من منشآتها الصحية بأن يتدرب في المستشفيات التابعة لها، كمزاول للمهنة، نظير سداده لرسوم، وهو ما فتح الباب لقلة التدقيق في هوية المتدربين، في ظل نقص الكوادر الطبية والتمريضية والإدارية في المستشفيات التابعة لوزارة الصحة، مستشهدًا بواقعة انتحال شخص لصفة طبيب حر، وحصوله على تدريب عملي في إحدى المستشفيات، عبر أوراق مزيفة لمحاولة تقنين أوضاعه، إلا أنه قام بكشف حقيقته لإدارة المستشفى والتي تقدمت ببلاغ إلى النيابة العامة والنيابة الإدارية، مؤكدًا أن هذا هو الإجراء القانوني الصحيح الذي كان يفترض بإدارة مستشفى الخانكة للصحة النفسية القيام به حين اكتشفت واقعة منتحل الصفة الطبية، أواخر مارس الماضي.

في حين يرى د. علاء غنام، رئيس وحدة الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ضرورة تشكيل مجالس أمناء للمستشفيات النفسية بمشاركة مجتمعية، ووجود لجان حماية حقوق المرضى داخل كل مستشفى، للحيلولة دون وقوع تجاوزات مالية وإدارية أو انتهاكات لحقوق المرضى النفسيين، داعيًا إلى تشكيل مجلس أعلى للصحة يتولى التخطيط الاستراتيجي للصحة في مصر.

وفي الوقت الذي تخطط فيه وزارة الصحة إلى تطوير مستشفى الخانكة للصحة النفسية وعلاج  الإدمان، وتحويلها إلى أول مدينة طبية متخصصة في العلاج النفسي وعلاج الإدمان والمسنين، فإن مراقبون وخبراء يحذرون من  سوء الإدارة وضعف الرقابة التفتيشية ونقص المخصصات المالية المقررة لمستشفيات الصحة النفسية في مصر، والذي من شأنه تكرار الانتهاكات والتجاوزات بحق المرضى، بالمخالفة مع قانون رعاية المريض النفسي.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search