“المليجي للمقاولات”: شركة غير معتمدة وراء انفجار الواحات وتحصل على عقود حكومية

رغم تحميلها مسؤولية مباشرة عن انفجار خط الغاز بطريق الواحات، لم تُحاسب شركة “المليجي للمقاولات”، التي لا تملك اعتمادًا رسميًا ولا سجلًا عامًا، بينما اقتصر القبض على سائق فقط، وسط استمرار تعاقدها في مشروعات حكومية.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

في حالة خطرة، يرقد مصطفى حجازي، أحد ضحايا حادث انفجار خط الغاز بطريق الواحات، بمدينة 6 أكتوبر، بمستشفى “أهل مصر” لعلاج الحروق، منذ أكثر من أسبوع، فيما تؤكد زوجته ميار حسن في حديث إلى زاوية ثالثة أنه لم يلقى أي اهتمام من جانب أي جهة رسمية أو حكومية، أو حتى من جانب الشركة المتسببة بالحادث، حتى اللحظة، بينما تسير التحقيقات في القضية ببطء شديد، دون الإعلان رسميًا عن محاكمة المسؤولين عن الحادث الذي أودى بحياة 6 أشخاص، وإصابة 13 شخصًا على الأقل.

البداية من صباح يوم الخميس 2 مايو الماضي، حين تحوّل طريق الواحات بمدينة السادس من أكتوبر إلى ساحة نيران، بعد انفجار خط غاز رئيسي تحت الأرض عند الكيلو 26، بشكل مفاجئ، بينما كانت السيارات تمرّ بشكل طبيعي، لتشتعل النيران فجأة من باطن الأرض وتلتهم كل ما حولها في مشهد صادم ومروع.

وخلصت اللجنة الفنية المشكلة من نقابة المهندسين، الخميس الماضي، إلى أن السبب الرئيسي للحادث يعود إلى قيام مقاول بكسر الخط أثناء تنفيذ أعمال الحفر، ثم قام بردمه دون إخطار الجهات المختصة، ما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من الغاز. وأوضحت اللجنة أن رائحة الغاز استمرت في الموقع لفترة دون أي استجابة من الجهات المعنية، إلى أن اندلعت النيران في اليوم التالي نتيجة تشبع الهواء بالغاز، وارتفاع درجات الحرارة، وحركة السيارات، ما تسبب في خسائر بشرية جسيمة.

كذلك كشفت المعاينة عن غياب تام لأي لافتات تحذيرية أو إشارات تدل على وجود خط غاز في منطقة العمل، معتبرة ذلك إهمالاً بالغ الخطورة يمثل تهديدًا مباشرًا لحياة المواطنين وممتلكاتهم. وأكدت النقابة أنها تعكف حاليًا على إعداد تقرير فني مفصل يوثق كافة المخالفات التي تم رصدها، تمهيدًا لإرساله إلى الوزارات والجهات المختصة، مع المطالبة باتخاذ الإجراءات القانونية والفنية اللازمة لمحاسبة المسؤولين وضمان عدم تكرار هذه الكوارث مستقبلاً.

 

نوصي للقراءة: احتجاز نساء وتصفية شباب: ما نعرفه عن أحداث “النجيلة” بمطروح

 

ماذا حدث؟

بحسب رواية شهود العيان وأهالي الضحايا إلى زاوية ثالثة، اندفعت ألسنة اللهب من الأرض بسرعة هائلة، وارتفعت إلى عدة أمتار في الهواء، ما تسبب في احتراق عدد من السيارات بالكامل، واحتجاز ركاب داخلها قبل أن يتمكن البعض من الهرب، بعد إصابته بالفعل، بينما تسيطر حالة من الرعب على السكان والأهالي. تقول ميار حسن في حديثها معنا: ” إن زوجها مصطفى يعمل في مجال المبيعات، لذلك يتطلب عمله نزول السوق بانتظام لمتابعة توزيع المنتجات، وفي يوم الحادث، كان في زيارة للمصنع في مدينة السادس من أكتوبر، وبعد الانتهاء منها توجه هو وزملاؤه لزيارة السوق قبل العودة إلى التجمع، وخلال عودتهم، مرورًا بطريق الواحات فوجئوا بسيارات تسير في الاتجاه المعاكس بشكل مفاجئ، ما دفعهم للتقدم قليلًا وتغيير مسارهم لتجنب العودة من نفس الطريق”.

وتضيف: “”فجأة توقفت جميع السيارات في الطريق، وبدأت رائحة غاز قوية تملأ المكان، فيما حاول مصطفى وزملاءه فتح السيارة والابتعاد عن المكان، خشية اشتعال النار في أي لحظة، وهو ما حدث بالفعل بشكل مفاجئ، وأدى لإصابة عدد منهم وتم نقلهم من خلال زميلهم إلى أقرب مستشفى وهي “دار الفؤاد”، ثم تم نقل زوجها وعدد من المصابين إلى مستشفى “أهل مصر” المختصة بعلاج الحروق بعد اتصال الأسرة مباشرة برئيس مجلس إداراتها السيدة هبة السويدي، التي تكفلت بالنقل والعلاج ووفرت أماكن للمصابين، دون أي تدخل أو دعم من أي جهات رسمية، مؤكدة أنها لم تتلق حتى اللحظة أي اتصالات أو دعم بينما يرقد زوجها منذ أيام في حالة خطيرة”.

كذلك تؤكد ميار في حديثها معنا أن إجراءات التحقيق تسير ببطء شديد، يصل حد التجاهل رغم مرور أسبوع على الحادث المأساوي، مؤكدة أن الاسرة أجرت اتصالات مكثفة لتسريع التحقيقات، وبناء عليها تم حضور النيابة إلى المستشفى لسماع اقوال الشهود من المصابين، لكن الأسرة لا تعلم أي شيء عن مجريات التحقيق، كما لم تعلن أي جهة عن المسؤول صراحة عن الحادث، تؤكد ميار: “لم يتواصل معنا أي مسؤول حكومي أو يقدم أي مساعدة منذ وقوع الحادث، حتى عند نشر خبر الانفجار، لم يتم الإشارة إلى تفاصيل دقيقة عن المصابين أو الأعداد الصحيحة للمصابين في مستشفى أهل مصر. ومنذ وقوع الحادث، لم يتواصل معنا أي مسؤول من الدولة، وقد اضطررنا للتواصل مع النيابة العامة لفتح تحقيق في الحادث، لكننا لم نتلق أي دعم حكومي في هذا الصدد”.

من جهتها أصدرت شركة “ناتجاس” المسؤولة عن إدارة خط الغاز بالمنطقة بيانًا بعد ساعات من الحادث، أكدت خلاله أن السبب الرئيسي كان كسرًا سابقًا في خط الغاز وقع أثناء تنفيذ أعمال حفر وردم ضمن مشروع تطوير الطريق من جانب إحدى شركات المقاولات، وتمت عملية الردم دون إبلاغ الشركة أو التنسيق معها، وهو ما أدى إلى تسرّب الغاز تحت الأرض، كذلك أوضح البيان أن الكسر تم دون اتباع الإجراءات الفنية اللازمة، ما تسبب في تراكم الضغط داخل الخط، لينفجر بعد عدة أيام من الواقعة. إلى جانب ذلك أشارت التحريات الأولية التي باشرتها النيابة العامة أشارت إلى أن شركة مقاولات محلية، تُدعى “المليجي للمقاولات”، كانت تنفذ أعمال الطريق في المنطقة، وقامت بكسر الخط دون إخطار شركة الغاز أو الجهات المعنية، واكتفت بردم المكان وإخفاء الأثر، في مخالفة صريحة لقواعد السلامة العامة.

 

 المليجي وجهاز 6 أكتوبر

تعد شركة “المليجي للمقاولات” الطرف الرئيسي المتهم بالتسبب في انفجار خط الغاز بطريق الواحات، وفق ما أظهرته التحقيقات الأولية للنيابة العامة والبيانات الرسمية الصادرة عن نقابة المهندسين  وشركة “ناتجاس”، التي أكدت أن كسر الخط حدث أثناء أعمال حفر وردم نفذتها الشركة في نطاق الكيلو 26 دون إخطار الجهة المالكة لخط الغاز. ومن اللافت أن الشركة لا تحظى بحضور مؤسسي واضح أو موقع إلكتروني رسمي يوضح أعمالها أو نطاق تعاقداتها، كذلك لم نعثر على أي سجل يفيد بكونها ضمن شركات المقاولات المعتمدة لدى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة أو هيئة الطرق والكباري رغم أنها شاركت بالفعل في مشروعات أشرفت عليها الهيئة الهندسية، منها على سبيل المثال كوبري محور عمر سليمان بالقاهرة الجديدة، وفق شهادة أحد الموظفين بالشركة، تحدث إلينا وفضل عدم ذكر اسمه.

 

ووفقًا لبيان مجمع للعمليات للجهات الإدارية خلال العام المالي 2021-2022، الصادر عن وزارة المالية المصرية، حصلت زاوية ثالثة على نسخة منه، ورد أن جهاز مدينة أكتوبر الجديدة أسند ثلاث مناقصات للشركة، بقيمة تتجاوز 100 مليون جنيه طرح أعمال تنفيذ طرق مرحلة ثانية، وتطوير طريق الواحات، وتنفيذ مرمات أسفلتية وسطحية (104) بوابة النايل سات، من خلال (مناقصات محدودة) خلال أكتوبر 202. والمناقصة المحدودة في مصر هي أحد أنواع المناقصات التي تُستخدم في التعاقدات الحكومية طبقًا للقانون رقم 182 لسنة 2018 بشأن تنظيم التعاقدات التي تُبرمها الجهات العامة (البديل الحديث لقانون المناقصات والمزايدات القديم)، ويتم فيها دعوة عدد محدد من الموردين أو المقاولين المسجلين لدى الجهة الإدارية أو المعروفين بكفاءتهم وخبراتهم لتنفيذ أعمال معينة، دون الإعلان عنها بشكل عام في الصحف أو البوابة الإلكترونية الحكومية، على خلاف المناقصات العامة التي تتسم بقدر أكبر من الشفافية.

ولا يُسمح باستخدام المناقصة المحدودة بشكل عشوائي أو غير مبرر، يشترط القانون أن تكون هناك مبررات موضوعية للجوء إلى هذا النوع من التعاقد، من بينها: طبيعة الأعمال المتخصصة التي لا تجيد تنفيذها سوى شركات محدودة، أو الحاجة إلى إنجاز المشروع خلال فترة زمنية ضيقة لا تسمح بإجراءات المناقصة العامة، أو لحماية بيانات تتسم بالحساسية الأمنية أو الاقتصادية. كما يتطلب الإجراء موافقة السلطة المختصة (مثل الوزير أو المحافظ أو رئيس الهيئة)، مع توثيق الأسباب في مذكرة رسمية تصدر عن لجنة فنية مختصة.

وبالرغم من الشروط الصارمة التي يضعها القانون، يوضح خبير هندسي وموظف سابق بجهاز حكومي إلى زاوية ثالثة أن في الغالب يعتمد هذا النوع من المناقصات على التزكية من جهة أو شخص، وعادة ما تكون الشركات معلومة بشكل مسبق، ما يعني أن المناقصات في هذه الحالة تحدث بطريقة أقرب إلى الإسناد المباشر، ويؤكد أن كل مدينة يكون بها عدد من الشركات، وعادة ما يتم تقسيم المشروعات بينها.

وفيما يتعلق بحادث الواحات يقول المصدر إن الشركة لم تلتزم بأي إجراءات للسلامة، كان من المفترض أن تنسق بشكل كامل مع جهاز المدينة وهو بدوره ينسق مع شركات الخدمات مثل الكهرباء والماء والغاز، ويقدم خرائط مفصلة للمهندسين قبل بدء العمل، مؤكدًا أنه ليس لديه أي علم عن طبيعة التنسيق الذي حدث في هذه الحالة، أو تم إخطار الجهاز أو لم يحدث ذلك، مؤكدًا أنه في كل الحالات يقع جميع المسؤولين بما فيهم مسؤولي الجهاز تحت المساءلة لأن الحفر كان في شارع عام ملكية الدولة وكان من الطبيعي يتم وقفه فورًا في حال عدم التنسيق.

وحتى اللحظة لم تسمي أي جهة رسمية الشركة المتورطة بالحادث، ورغم التأكيد الرسمي على القبض على المدير التنفيذي بالفعل، في ضوء تقرير من لجنة الفحص المُشكلة من نقابة المهندسين يؤكد مسؤولية شركة المقاولات كاملة عن الحادث، إلا أن حالة تعتيم كبير تحيط بالشركة وطبيعة علاقتها بجهاز مدينة 6 أكتوبر، وحتى لم يتم تسمية المهندس المتهم، فيما يؤكد أسر الضحايا أن من تم ضبطه هو سائق لودر يعمل بالشركة وليس المدير التنفيذي المعني بالمشروع. وقد حصلت زاوية ثالثة على مستند نص التقرير الصادر عن الإدارة العامة لإدارة الازمات والكوارث والحد من المخاطر بمحافظة الجيزة.


ويوضح التقرير نصًا: “
في تمام الساعة 6:45 مساء يوم الأربعاء الموافق 30 / 4 / 2025، تم المتابعة مع طوارئ الغاز بخصوص كسر ماسورة غاز، بالعنوان: طريق الواحات القادم من الواحات اتجاه مدخل جهاز مدينة 6 أكتوبر أمام محطة بنزين وطنية، حيث أفادت بأن الكسر بخط 125 مم ضغط 7 بار ناتج عن أعمال حفر بدون تنسيق، بواسطة شركة المليجي للمقاولات مما أدي إلى اشتعال عدد (10) سيارات وعدد (1)، أتوبيس صغير وتم إخماد الحريق وغلق المحبس الغاز وجاري التبليغ والحصر، ونتج عن الحادث عدد (13) مصاب (8) زايد التخصصي و (2) أكتوبر المركزي وميديناً عدد (3) جثة، وجاري المتابعة، تم اتخاذ تصرف النيابة وجاري المتابعة.”

وحاولت زاوية ثالثة التواصل مع عدد من المسؤولين داخل جهاز مدينة السادس من أكتوبر، فضلوا تجنب الحديث عن أي تفاصيل تخص الحادث أو الشركة، لكن مصدر داخل شركة “ناتجاس” أكد في حديث معنا أن شركته لم تتلق أي إخطارات للتنسيق مع شركة المقاولات المتسببة بالحادث، وأوضح أيضًا أن الشركة تلقت مجموعة بلاغات من الأهالي خلال الساعات الماضية تفيد بوجود رائحة غاز بمكان الحادث، وبالفعل تم الفحص مجددًا وتبين عدم وجود كسور أخرى، ويتوافق ذلك مع رواية شهود عيان من أهالي منطقة “كمبوند حورس، وسكن مصر، وغرب سوميد” تحدثوا إلينا عن وجود رائحة غاز قوية خلال الأيام الماضية، وأكدوا أنهم أبلغوا بالفعل لدى الشركة المختصة.

 

نوصي للقراءة: حادث المطرية ـ بورسعيد.. تطوير بالمليارات والنتيجة جنازات جماعية

غياب تام لإجراءات السلامة

يقول هشام علي، -المهندس الاستشاري في نظم السلامة وعضو الهيئة العليا لنقابة المهندسين-، إلى زاوية ثالثة إن الحادث وقع كنتيجة مباشرة لغياب التنسيق وعدم اتباع الإجراءات القانونية الخاصة بالسلامة والإنشاءات، مؤكدًا أن “الشركة المنفذة لم تلتزم بالحصول على التصاريح اللازمة لأعمال الحفر، سواء من جهاز المدينة أو من الحي، وهو ما يعد خرقًا واضحًا للإجراءات التنظيمية والبروتوكولات المعمول بها في تنفيذ مشروعات البنية التحتية”.

ويضيف في حديثه معنا: “من المفترض عند البدء بأي أعمال حفر أو إنشاء أو هدم، أن تتقدم الشركة بطلب رسمي للحصول على تصريح من الجهة الإدارية المختصة، التي بدورها ترجع إلى مركز المعلومات، المسؤول عن خريطة البنية التحتية لكل منطقة، والتي تضم مواقع خطوط الغاز والمياه والكهرباء والصرف الصحي بدقة متناهية، حتى لا يحدث أي تعارض أو تلف للبنية التحتية القائمة”. لافتًا إلى أن الإخلال بالإجراءات لم يتوقف عند هذا الحد، بل شمل أيضًا عدم إخطار مكتب السلامة والصحة المهنية المعني وفقًا لقانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والمعدل برقم 14 لسنة 2025، والذي يلزم الجهات المنفذة بإبلاغ المكتب بكافة تفاصيل العملية من حيث نوع العمل ومدته وعدد العاملين، حتى يتم تأمين الموقع بشكل قانوني وفعّال.

ويوضح الخبير الاستشاري أن “كل الأطراف المعنية تتحمل جزءًا من المسؤولية، بداية من الشركة المنفذة، مرورًا بالجهة المالكة، وانتهاءً بالأجهزة الرقابية التي لم تتابع تنفيذ الإجراءات أو تطالب بها”، وفيما يتعلق بنظم السلامة في المدن الجديدة، أكد علي أن غياب منظومة خرائط البنية التحتية الدقيقة يُعد من أبرز أسباب تكرار مثل هذه الحوادث، مشيرًا إلى أن “مركز المعلومات المفترض أن يحتوي على خرائط البنية التحتية بجميع تفاصيلها الدقيقة، بما في ذلك مسارات الخطوط، وعمقها، والمسافات الآمنة بينها، وأشرطة التحذير البلاستيكية فوق كل خط – كلها عناصر لم يتم مراعاتها في هذا الموقع”.

ويؤكد علي أن هذه الخرائط ضرورية ليس فقط لمنع تلف البنية التحتية، بل أيضًا لضمان سلامة العاملين والسكان المحيطين. وشدد على ضرورة تفعيل نظم الكشف المسبق عن المرافق تحت الأرض باستخدام تقنيات حديثة قبل أي عملية حفر.

وعن تفاصيل الحادث، أوضح هشام علي أن “الانفجار الأول حدث نتيجة اصطدام لودر بخط الغاز، ما أدى إلى تسرب كبير، وتم إغلاق المحابس بالفعل في اليوم الأول. لكن ما يثير القلق أن اليوم التالي شهد حريقًا جديدًا في نفس المكان، وهو ما يشير إلى أن عملية الإصلاح تمت دون التأكد الكامل من سلامة اللحامات وخلوها من التسريب”، مضيفًا: “الإجراءات الصحيحة تقتضي بعد الإصلاح إجراء اختبار فني شامل للحام، باستخدام تقنيات كشف إشعاعي للتأكد من عدم وجود تسريب، قبل إعادة فتح المحابس وضخ الغاز من جديد. ومن الواضح أن ذلك لم يتم كما يجب، وهو ما أدى إلى حدوث تسريب آخر أدى للحريق الثاني الذي أسفر عن خسائر بشرية ومادية جسيمة”.

وشدد على أن “الغاز أخف من الهواء، وكان من الممكن أن يتبدد في الجو المفتوح، لكن يبدو أن هناك خطأ في تقدير الكثافة والتركيز، ما أدى إلى حدوث اشتعال مفاجئ بمجرد وجود مصدر شرارة”، مطالبًا بإنشاء منظومة موحدة لسجل البنية التحتية تحت الأرض، تُلزم جميع الشركات العاملة بتقديم خرائط دقيقة ومحدثة، إضافة إلى ضرورة تفعيل دور مكاتب السلامة والصحة المهنية، وعدم السماح بتنفيذ أي عملية حفر قبل اعتماد معايير السلامة والاحتياطات الكاملة.

 

نوصي للقراءة: من الرشوة إلى المحاكمة: القصة الكاملة لمسؤول “كريدي أجريكول”

ماذا عن حقوق الضحايا؟

يؤكد المحامي المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية ياسر سعد أن ضحايا الحادث يجب اعتبارهم شهداء واجب، ويستحق ذووهم التعويض الكامل المنصوص عليه في قانون إنشاء المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، أسوة بما يتم مع شهداء القوات المسلحة والشرطة.

ويضيف في حديثه معنا: “هناك هيئة رسمية في مصر تُعرف بـ”الشبكة القومية لنقل الغاز”، وهي الجهة المسؤولة عن نقل الغاز للمنازل والمصانع وكافة المناطق التي تحتاج إلى إمدادات الغاز. وبحكم القانون، تتحمل هذه الهيئة، بالتضامن مع الشركة المنفذة لأي مشروع تابع لها، كامل المسؤولية عن أي خطأ أو ضرر يقع نتيجة تنفيذ الأعمال، سواء كان ذلك بسبب الإهمال أو التقصير أو تنفيذ الأعمال دون التنسيق اللازم. موضحًا أن القضاء المصري سبق وأن تصدى لوقائع مماثلة، وقضى في أكثر من مرة بإلزام كل من الشركة المنفذة والجهة المسؤولة – أي الهيئة – بدفع تعويضات مالية للمتضررين، سواء كانت الخسائر بشرية أو مادية.

ويوضح سعد أن الضرر في حال حادث الواحات تسببت به شركة المقاولات وفق التحقيقات الأولية، لذلك يقع عليها تحمل كافة التبعات القانونية للحادث سواء المحاكمة الجنائية أو جانب التعويضات، كما يجب محاكمة المسؤولين عن الحادث من جانب الجهات المحلية والتنفيذية لمسؤوليتهم الكاملة عن توفير شروط السلامة أثناء أعمال الحفر والإصلاحات. مشيرًا إلى أن أحد أوجه الأزمة يتمثل في طبيعة التعاقدات التي تبرمها الدولة، حيث تذهب في الغالب إلى شركات بعينها عن طريق الإسناد المباشر، دون النظر لجودة التنفيذ أو خبرة الشركات، وإنما بناءً على علاقات مصالح وسيطرة بعض الجهات على الهيئات المنفذة.

أخيرًا.. تكشف وثائق التعاقد والتحقيقات الرسمية أن شركة “المليجي للمقاولات” التي تُعد طرفًا رئيسيًا في حادث الواحات الكارثي، قد حصلت في السنوات الأخيرة على عدة مشروعات من جهاز مدينة 6 أكتوبر بملايين الجنيهات، عبر مناقصات محدودة تحيط بها علامات استفهام بشأن الشفافية والرقابة، وبينما ترقد أسر الضحايا في انتظار العدالة، تطرح الوقائع أسئلة خطيرة عن آليات الإسناد الحكومي، ومدى محاسبة الشركات التي تستهين بإجراءات السلامة وتتسبب في إزهاق الأرواح، دون أن تواجه عواقب فعلية، استمرار منح التعاقدات العامة لشركات متورطة في كوارث بهذا الحجم، دون مراجعة أو رقابة، لا يُعد فقط استخفافًا بحياة المواطنين، بل يهدد بتكرار نفس المآسي ما لم تتم مساءلة حقيقية ومحاسبة صارمة لكل الأطراف.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search