أحيا عدد من النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين وأساتذة الجامعات وأصدقاء أسرة سيف، مساء أمس الاثنين، ذكرى ميلاد الناشط السياسي علاء عبدالفتاح، الذي أتم عامه الـ43 داخل السجن، بعيدًا عن أسرته وأصدقائه، بالتزامن مع اليوم ال50 من الإضراب عن الطعام الذي تخوضه الأستاذة الجامعية والناشطة سياسية مصرية في مجال حقوق الإنسان والمجتمع المدني، ليلى سويف، ذات الأعوام الـ68، احتجاجًا على عدم الإفراج عن ابنها، رغم انقضاء مدة حكمه القانونية المقررة بخمس سنوات.
كانت آمال أسرة علاء عبد الفتاح، في الإفراج عنه قد تبددت لرفض السلطات إخلاء سبيله بحلول الـ29 من سبتمبر المنقضي، بعد انقضاء مدة حكمه القانونية المقررة بخمس سنوات، على ذمة القضية 1228 لسنة 2021، التي سبق أن أمضى منها سبع سنوات في السجن منذ عام 2013، حين ألقي القبض عليه وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات لاتهامات تتعلق بالتظاهر من دون ترخيص، وأفرج عنه بعد انتهاء فترة العقوبة في عام 2019؛ إلا أن السلطات الأمنية اعتقلته مجددًا بعد مرور بضعة أشهر وأمرت النيابة العامة بسجنه في الحبس الاحتياطي، ثم قضت محكمة جنح أمن الدولة، في ديسمبر عام 2021، بسجنه خمس سنوات، بتهمة نشر أخبار كاذبة؛ إذ كانت تأمل الإفراج عنه لانتهاء مدة الحكم عليه، بعدم احتساب مدة الحبس الاحتياطي، ليصبح مضطرًا لقضاء أكثر من عامين إضافيين في السجن، ما يعني استمراره خلف القضبان حتى يناير 2027.
ووسط أجواء دافئة شهد منزل ليلى سويف، تضامنًا واسعًا مع الإضراب عن الطعام الذي تخوضه لحين الإفراج عن نجلها، من أصدقاء الأسرة وعدد من الشخصيات العامة، أبرزها: المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، القيادي العمالي والمحامي الحقوقي هيثم محمدين، الناشطة السياسية والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، الصحفية رشا عزب، الناشطة السياسية والصحفية إسراء عبد الفتاح، والمحامية الحقوقية عزة سليمان، الناشط الحقوقي ومؤسس المبادرة المصرية للحقوق الشخصية حسام بهجت، مطالبين جميعًا بإخلاء سبيل علاء عبد الفتاح وجميع السجناء السياسيين الذين قضوا مدة الحكم عليهم، مثل: الناشط السياسي محمد عادل، والمدون محمد أكسجين، وإطلاق سراح جميع المسجونين احتياطيًا الذين قضوا مدة سنتين أو أكثر من الحبس الاحتياطي، كما استمع الحضور إلى شهادات مسجلة لكل من زوجة الناشط السياسي محمد عادل، ووالدة المترجمة والناشطة في الدفاع عن حقوق الطفل مروة عرفة، حول الانتهاكات التي يتعرض إليها كليهما في محبسه، المعاناة الإنسانية التي تمر بها الأسرتين جراء استمرار سجنهما لسنوات، على خلفية آرائهما السياسية المعارضة للنظام السياسي الحاكم في مصر.
من ناحيتها، كشفت ليلى سويف عن تمكنها من زيارة ابنها في محبسه في ذكرى ميلاده، مستغلة فتح مصلحة السجون لباب الزيارات بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وإصرارها على تقديم كعك له ليحتفل مع زملائه في الزنزانة، رغم ظروف احتجازه والإضراب عن الطعام الذي تخوضه، مبينة أن آخر ذكرى ميلاد احتفل بها وسط أسرته كانت الذكرى الـ32 لمولده، مؤكدة أن إضرابها مستمر، حتى يُطلق سراح علاء، أو تتدهور صحتها وتفقد حياتها، وإذا تراجعت ستعيش منكسرة وهي تراقب ابنها وهو يُنكَّل به بلا نهاية.
وتؤكد والدة علاء عبد الفتاح أن معاناة أسرتها جزء من معاناة آلاف الأسر المصرية التي قدمت التماس إلى رئيس الجمهورية ليرحمها من المعاناة الإنسانية التي يعيشونها جراء استمرار سجن ذويهم، وجزء لا يتجزأ من الظلم في العالم وعمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، مبينة أنها تعتزم السفر إلى بريطانيا لإبلاغ الحكومة البريطانية احتجاجها على استمرار سجن ابنها الذي يحمل الجنسية البريطانية بجانب جنسيته المصرية، وما تعتبره تواطؤًا في قضية علاء، بين حكومتي البلدين لوجود مصالح مشتركة وصداقة بينهما.
نوصي للقراءة: الحرية المؤجلة حتى 2027.. هل يُستخدم القانون كأداة للتنكيل بعلاء عبد الفتاح؟
مخالفة قانون الإجراءات الجنائية
يوضح المحامي الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق خالد علي، محامي علاء عبد الفتاح، في حديثه معنا أنه تم القبض على موكله في يوم 28 سبتمبر عام 2019، وتم التحقيق معه بتهم جنايات وجنح، إذ يتم محاكمة النشطاء في قضايا نشر في محكمة الجنح، ثم تضاف إلى التهم الانضمام إلى جماعة شكلت على خلاف القانون فيتم تحويل المتهم إلى قضايا الإرهاب بمحكمة الجنايات، كما حدث مع زياد العليمي وحسام مؤنس، وكان من المفترض أن يتم إخلاء سبيل علاء عبد الفتاح، بحلول الـ29 من سبتمبر المنقضي، بعد انقضاء مدة حكمه القانونية المقررة بخمس سنوات، على ذمة القضية 1228 لسنة 2021، كما تفعل النيابة العامة عادة، مثلما مع سناء سيف شقيقة علاء، وفقًا لما تنص عليه المادة 482 من قانون الإجراءات الجنائية الحالي، التي تنص على بدء مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم إلقاء القبض على المحكوم عليه بناء على الحكم الواجب التنفيذ، مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدد الحبس الاحتياطي ومدة القبض، كما تنص المادة 484 من قانون الإجراءات الجنائية على أن “يكون استنزال مدة الحبس الاحتياطي عند تعدد العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها على المتهم من العقوبة الأخف.
ويضيف: “طلبنا من أن يتم إخلاء سبيل علاء عبد الفتاح، بعد انقضاء مدة العقوبة واحتساب فترة الحبس الاحتياطي، إلا أن السلطات رفضت ذلك، وما يتعرض له علاء من عدم احتساب مدة حبسه احتياطيًا، يحدث أيضًا مع كلٍ من الناشطين السياسيين المحتجزين محمد عادل ومحمد أكسجين الذي كان يفترض إطلاق سراحه منذ عام.”
نوصي للقراءة: نريد ذوينا أحرارًا: مبادرة أسر السجناء السياسيين في مصر
تعنت من رأس السلطة
في حديثه معنا، يرى المحامي الحقوقي هيثم محمدين، أن هناك حالة من التعنت والظلم غير المبرر الذي تمارسه السلطة بحق علاء عبد الفتاح الذي قضى نحو عشر سنوات من الحبس، توازي عقوبة من يتسبب في حدوث عاهة مستديمة للغير، بينما كانت جريمته هي التعبير عن رأيه ولم يرتكب أعمال عنف أو قتل، وأن استمرار حبسه غير قانوني بل يخضع لقرار سياسي متعنت من أعلى رأس في السلطة السياسية ويريد له أن يقضي حياته في السجن، بحسب تعبيره، معتبرًا أن تلك رسالة بالغة القسوة وأنه من غير المعقول أن تتحدى دولة بأكملها شخص.
يضيف محمدين، أن هناك خطر على حياة ليلى سويف، المضربة عن الطعام، بسبب تقدم سنها وتأثير الإجهاد والظروف القاسية التي تعرضت لها خلال السنوات الماضية على وضعها الصحي، داعيًا العقلاء في السلطة السياسية للنظر إلى حال أسرة سيف والاكتفاء بقضاء علاء فترة شبابه في السجن، كعقوبة إذا كانت السلطة مصرة على معاقبته.
في حين تؤكد الناشطة السياسية والمحامية الحقوقية ماهينور المصري، إلى زاوية ثالثة، تضامنها مع علاء عبد الفتاح ووالدته التي تخوض إضرابها عن الطعام منذ 50 يومًا، واعتراضًا على تحويل القانون لأداة في يد السلطة لحبس المعارضين، وفي ظل إحالة العديد من السجناء السياسيين الاحتياطيين لقضايا خلال الفترة الأخيرة لقفل الأبواب أمام إخلاء سبيلهم بموجب قانون الإجراءات الجنائية الجديد.
وتبدي المحامية الحقوقية دهشتها تجاه سرعة إقرار القوانين، في ظل سيطرة النظام السياسي الحاكم على منظومة العدالة، وتوظيفه للقوانين في مصلحته.
نوصي للقراءة: حقوقيون يقترحون تعديلات لضمان عدالة قانون الإجراءات الجنائية
دولة القانون غائبة
الناشطة السياسية والصحفية إسراء عبد الفتاح، تؤكد إلى زاوية ثالثة، أن الرسالة التي يريدون إيصالها تضامنًا مع ليلى سويف، هي ضرورة إعمال القانون وإخلاء سبيله جميع من انتهت مدة الحكم الصادر ضدهم بالسجن، مثل: علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أكسجين، وإخلاء سبيل كل من قضوا أكثر من سنتين في الحبس الاحتياطي، والأمهات الذين حرم منهن أطفالهن، مثل: مروة عرفة، والمطالبة بالحرية لكل سجناء الرأي.
وتضيف إسراء: “يجب تعديل قانون الحبس الاحتياطي ولكن يجب أن تكون هناك إرادة سياسية للإفراج عن سجناء الرأي، اكتفينا من لجنة العفو الرئاسي وقوائم العفو، فقد أصبحت أمرًا مبتذلًا، ولكن يمكن وإخلاء سبيل كل من قضوا أكثر من سنتين في الحبس الاحتياطي ولم يحال للقضاء، بقرار من النيابة العامة، لأن أعداد المجهولين تفوق أعداد الأسماء المعروفة للسجناء السياسيين.”
في السياق ذاته، ترى المحامية الحقوقية عزة سليمان أن مصر تعيش حالة فوضى قانونية وغياب دولة القانون، وهو ما يحدث مع علاء عبد الفتاح ومحمد عادل ومحمد أكسجين ومروة عرفة وهدى عبدالمنعم وغيرهم، من عبث قانوني وتدوير للقضايا، وتوجيه رسالة بأن منظومة العدالة والقوانين في يد السلطة وأنه لا توجد ثقة في المحاكمات العادلة، ويتم تضييع حيوات وأعمار الأشخاص وأسرهم، لافتة إلى أن قانون الإجراءات الجنائية الجديد يتم “سلقه” ليصب في مصلحة النظام السياسي الحاكم وليس دولة القانون، وأن البرلمان لم يعبر عن أولويات المواطنين فيما يخص مشروع القانون.
نوصي للقراءة: بين السجن والحرية.. كيف يتحول المفرج عنهم من سجناء إلى مواطنين مهمشين؟
القومي للمرأة يرفض استلام الشكوى
امتنع المجلس القومي للمرأة، صباح الاثنين، عن استلام شكوى تقدم بها وفد مكون من أساتذة جامعات وأطباء ومحامين وصحفيين ونواب سابقين ووزير سابق، بشأن تدهور الحالة الصحية للدكتورة ليلى سويف، التي تدخل يومها الـ 50 من الإضراب، احتجاجًا على استمرار احتجاز ابنها علاء عبد الفتاح، بالمخالفة للقانون، بحسب ما ذكرت الصحفية رشا عزب، إلى زاوية ثالثة، مؤكدة أن محيط المجلس شهد تواجدًا أمنيًا كثيفًا، واحتكاكًا بين الأمن والشخصيات التي حضرت لتقديم الشكوى، وقيام أحد أفراد الأمن بأخذ هاتفها عنوة لمنعها من تصوير الحدث، قبل أن تنجح في استعادته، ويُسمح للوفد بالدخول إلى المجلس إلا أن المسؤولين رفضوا استلام الشكوى أو فحصها بدعوى عدم الاختصاص.
وفي الوقت الذي تخوض فيه ليلى سويف إضرابًا عن الطعام لأكثر من 50 يومًا، احتجاجًا على عدم احتساب فترة الحبس الاحتياطي لابنها علاء عبد الفتاح، فإن الأوساط الحقوقية بشكل عام ترى أن الإفراج عن علاء عبد الفتاح وغيره من المحبوسين على ذمة قضايا رأي وإخلاء سبيل جميع المحتجزين سياسيًا منذ أكثر من عامين، هو الضمان الذي يمكن أن تبرهن به السلطة على جديتها في المصالحة الوطنية والحوار الوطني والإصلاح السياسي في مصر.