حظر التعاقد مع 4 جهات سيادية.. خطوة نحو اقتصاد أكثر شفافية أم مناورة سياسية؟

الحكومة تواجه مشكلات مع شروط الصندوق المتعلقة بهذه الجهات والاقتصاد، والتي تتلخص في نقطتين رئيسيتين: “تخارج الجيش من الاقتصاد، وهو شرط يهدف إلى ضمان عدم منافسة القطاع الخاص، وتخارج الحكومة من القطاعات غير الاستراتيجية
Picture of إمام رمضان

إمام رمضان

على رقعة الاقتصاد المصري، طالما كانت المؤسسات السيادية لاعبًا محوريًا لا يخضع لقواعد المنافسة التقليدية، مما أدى إلى ممارسات احتكارية هيمنت على قطاعات حيوية وأضعفت قدرة القطاع الخاص على النمو والتوسع، غير أن قرارًا جديدًا صدر مؤخرًا للحد من تلك الممارسات، في محاولة لإعادة التوازن وإتاحة مساحة أوسع لآليات السوق الحرة، ما أثار آمالًا بإحداث تغيير حقيقي في بنية الاقتصاد.

الرئيس عبد الفتاح السيسي أصدر تعليمات للحكومة تقضي بعدم إبرام أي تعاقدات مع أربع جهات سيادية إلا بعد العرض عليه والحصول على موافقته، جاء ذلك ضمن كتاب دوري أصدره الأمين العام لمجلس الوزراء، أسامة سعد، موجّهًا إلى نائبي رئيس الوزراء، الدكتور خالد عبد الغفار والفريق كامل الوزير، وكذلك لجميع الوزراء والمحافظين ورؤساء الهيئات والأجهزة الحكومية.

حدد الكتاب الدوري الجهات الأربع التي تشملها التوجيهات، وهي: “وزارة الإنتاج الحربي، جهاز المخابرات العامة، هيئة الاستخبارات العسكرية، الهيئة العربية للتصنيع”، وتم التأكيد على بدء تنفيذ هذه التوجيهات اعتبارًا من 12 نوفمبر الماضي.

ومن التعاقدات التي نذكُرها قبل القرار في مارس الماضي، عندما ظهرت تفاصيل حول تعاقدات تمت بين جهاز المخابرات العامة ووزارات حكومية، مثل وزارة الصحة، وتضمن هذا التعاقد صيانة الأجهزة الطبية في المستشفيات التابعة للوزارة لمدة سبع سنوات، مع الحفاظ على الشروط السابقة وإضافة زيادة سنوية مقررة، وطُلب من مديريات الشؤون الصحية حينها حصر المستشفيات والأجهزة الجديدة المطلوب إضافتها للتعاقد، وإخطار الوزارة خلال فترة زمنية قصيرة.

 

نوصي للقراءة:  تطبيق تليفوني:الرجاء دفع 38.5% ضريبة على هاتفك المحمول

ثغرة المناقصات

رغم أهمية هذا القرار، ظهرت بعض الثغرات التي قد تُستغل، حيث يُسمح للمؤسسات المشمولة بالقرار في الدخول في المناقصات عبر شركاتها، كما يحدث في بعض الوزارات مثل وزارة الري، والتي فتحت هذا الباب عبر منشور رسمي موجه إلى رؤساء الهيئات في الوزارة، بأنه يتم استثناء المناقصات أو الممارسات التي تتقدم لها أي من الجهات الصادر بشأنها قرار الرئيس السيسي، مما يُعيد هذه المؤسسات إلى المشهد بشكل غير مباشر، هذه التطورات تفتح باب التساؤلات حول جدية القرار وآلياته التنفيذية، وهل سيكون كافيًا لمنع تلك الجهات من تكرار تدخلاتها السابقة في صفقات كبرى أم أنها ستجد سبلًا جديدة لتجاوز القيود؟

يرى عبد النبي عبد المطلب، الخبير الاقتصادي، إن إعلان الرئيس السيسي عن حظر التعاقد مع جهات سيادية في المشروعات يحمل دلالات متعددة، تعكس أبعادًا سياسية واقتصادية، فضلًا عن كونه خطوة تأتي في إطار تعهدات مصر لصندوق النقد الدولي، فالصندوق يشترط تحرير الاقتصاد المصري من هيمنة هذه المؤسسات كجزء من الاتفاقيات المتعلقة بالقروض، هذه الجهات، التي تتمتع بمزايا خاصة، أصبحت محور انتقادات بسبب دورها الاحتكاري، الذي يعيق المنافسة العادلة، الإعلان يُعد رسالة لصندوق النقد لإظهار التزام الحكومة بإصلاحات هيكلية لتحفيز القطاع الخاص وخلق بيئة استثمارية أكثر شفافية.

يضيف عبد المطلب في تصريحات لـ “زاوية ثالثة” أن القطاع الخاص يُعاني منذ سنوات من تضييق الخناق بسبب منافسة هذه الجهات التي تتمتع بإعفاءات وامتيازات استثنائية، القرار يبدو محاولة لإعادة التوازن الاقتصادي، من خلال تقليص دور المؤسسات السيادية في مجالات لا تُعد استراتيجية، وإتاحة الفرصة أمام القطاع الخاص ليكون المحرك الرئيسي للتنمية، كما أن القرار يحمل في طياته تخفيف الأعباء المالية على الموازنة العامة، فالجهات السيادية تُدير مشاريع ضخمة بتكاليف باهظة، بعضها قد لا يُحقق عوائد اقتصادية مُجزية، الحظر قد يكون وسيلة لتخفيف الضغط على الموازنة العامة، حيث يمكن تحويل تلك المشروعات إلى القطاع الخاص الذي قد يُديرها بكفاءة أعلى وبتكاليف أقل.

يستكمل الخبير الاقتصادي في تحليله لهذا القرار مؤكدًا أنه يأتي أيضًا في سياق ضغوط متزايدة من المجتمع المحلي والمجتمع الدولي، حيث تُطالب العديد من الجهات بقدر أكبر من الشفافية في إدارة المشروعات الحكومية، الهيمنة غير المعلنة للجهات السيادية على الاقتصاد أثارت انتقادات واسعة النطاق، سواء من قِبل خبراء محليين أو مؤسسات دولية، كما أن من أبرز التحديات التي تواجه الاقتصاد المصري هو غياب الشفافية والمساءلة، مما يفتح الباب أمام الفساد، فالجهات السيادية التي كانت تُدير المشروعات دون منافسة تواجه اتهامات باحتكار الموارد والإفراط في استخدام النفوذ لتحقيق مكاسب اقتصادية، فالقرار يهدف إلى كبح تلك الممارسات وإرساء قواعد جديدة للمنافسة العادلة.

وأخيرًا يتفق الدكتور عبد المطلب مع مخاوف من استغلال الثغرات، مؤكدًا أنه يمكن لهذه الجهات الالتفاف عبر شركاتها التابعة للمشاركة في المناقصات، وزارة الري، كمثال، قد تشهد مثل هذه التدخلات، مما يضعف من تأثير القرار في تحقيق أهدافه.

 

نوصي للقراءة: العمال.. وقود أرباح رجال الأعمال: الدولة تشاهد!

تحديات الشفافية والاقتصاد العسكري

وصف الدكتور ممدوح المنير، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق للأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، القرار بأنه قد يكون محاولة للمراوغة أمام الصندوق، مشيرًا إلى أن توقيت القرار جاء متزامنًا مع وجود وفد من صندوق النقد الدولي للتفاوض مع الحكومة المصرية، حيث ركزت المناقشات على تأجيل الإصلاحات الاقتصادية المرتبطة بزيادة الأعباء على المواطنين، ولكن القرار لا يمثل حلاً فعّالاً، بل مراوغة غير مجدية، خاصةً في ظل استمرار الحكومة في رفع أسعار السلع والطاقة والخدمات الحكومية بشكل متكرر خلال الأشهر العشرة الماضية، دون اتخاذ أي إجراءات لتخفيف الأعباء عن المواطنين.

يؤكد المنير في حديثه لـ “زاوية ثالثة” أن الحكومة تواجه مشكلات مع شروط الصندوق المتعلقة بهذه الجهات والاقتصاد، والتي تتلخص في نقطتين رئيسيتين: “تخارج الجيش من الاقتصاد، وهو شرط يهدف إلى ضمان عدم منافسة القطاع الخاص، وتخارج الحكومة من القطاعات غير الاستراتيجية، مع التركيز على تعزيز الشفافية، وهي نقطة أشار الباحث إلى أنها تعاني من “التدهور”.

ويتابع الخبير الاقتصادي: صدر القرار قبل يومين من مغادرة وفد صندوق النقد الدولي لمصر دون التوصل إلى أي اتفاق أو تحقيق تقدم بشأن شرائح القرض، واكتفى الصندوق بتصريحات عامة، لذا فإن المراوغات الحكومية، مثل تلك المتعلقة بمرونة سعر الصرف، نجحت جزئيًا في الماضي، لكنها قد لا تكون فعالة دائمًا، مؤكدًا أن الشفافية هي أساس أي اقتصاد مستدام.

 

نوصي للقراءة: المصانع المغلقة في مصر: هل ترفع فاتورة الاستيراد وتؤثر على السلع الاستراتيجية؟

غياب المؤسسية والمساءلة

ينتقد المنير تغييب المؤسسات الرقابية والمحاسبية، وأكد أن الممارسات الحكومية الحالية، مثل الإسناد المباشر للتعاقدات، تمثل عائقًا أمام تحقيق الشفافية، داعياً إلى استبدال حقيقي لهذه الأساليب بطرح مناقصات شفافة تعتمد على دراسات جودة مفصلة وكراسات شروط واضحة.

في هذا السياق، يلفت الرئيس السابق للأكاديمية الدولية للدراسات والتنمية، إلى تصريح سابق للرئيس السيسي أكد فيه أن الصناديق الخاصة تخضع لإشرافه الشخصي، مما يثير تساؤلات حول مدى التزام الحكومة بالشفافية والمساءلة في إدارة الاقتصاد.

يشدد المنير على ضرورة أن تتبنى الحكومة المصرية نهجًا شفافًا ومؤسسيًا في إدارة الاقتصاد، والابتعاد عن الممارسات التي تعيق التنمية الاقتصادية وتعزز مناخ الفساد، بما في ذلك تجريم المعلومات وعدم توفير آليات واضحة للمنافسة العادلة.

يشير الخبير الاقتصادي إلى فتوى صادرة عن مجلس الدولة قبل شهر تقريبًا، اعتبرت أن إسناد تطوير متحف الحضارة والجزيرة بدار الأوبرا لجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع يمثل مخالفة قانونية، مما يعزز من الاتهامات الموجهة للحكومة بعدم الالتزام بالقوانين.

 

نوصي للقراءة: مصر: رفع الدعم يعمق الفجوة بين الأجور والأسعار

مخالفات جهاز الخدمة الوطنية

وتدليلًا على ذلك، صدرت فتوى قضائية تكشف عن مخالفات قانونية صارخة في إجراءات إبرام عقدين بين قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة وجهاز الخدمة الوطنية التابع لوزارة الدفاع، تتعلق باستكمال أعمال تطوير متحفَي الحضارة والجزيرة في دار الأوبرا المصرية، بقيمة إجمالية بلغت 189 مليون جنيه، وتشير الفتوى إلى أن هذه العقود تمت بالأمر المباشر، بما يمثل خرقًا واضحًا لقانون تنظيم التعاقدات.

وفقًا للفتوى، قام رئيس قطاع الفنون التشكيلية في فبراير 2020 بالتعاقد مع جهاز الخدمة الوطنية لاستكمال أعمال تطوير المتحف، بعد إنهاء العقد مع شركة حسن علام للمقاولات، وذلك بتكلفة 89.4 مليون جنيه، الغريب أن العقد أُبرم دون إعداد كراسة شروط واضحة أو تحديد دقيق لبنود التعاقد القابلة للتغيير أو حتى وضع جدول زمني للتنفيذ، وفي أكتوبر 2021، تم توقيع عقد جديد لتنفيذ أعمال إضافية بالمشروع نفسه، بتكلفة تجاوزت 100 مليون جنيه، وبنفس الآليات المخالفة، حيث منح المشروع مرة أخرى بالأمر المباشر دون شفافية أو اتباع الإجراءات القانونية اللازمة.

في يونيو 2023، طالب جهاز الخدمة الوطنية بتعويضات نتيجة فروق الأسعار الناتجة عن القرارات الاقتصادية خلال تلك الفترة، إثر ذلك، طلب وزير الثقافة رأي مجلس الدولة لتحديد قانونية هذه التعويضات وصحة إجراءات التعاقد، وأكدت الفتوى أن الإجراءات الخاصة بهذين العقدين خالفت قانون التعاقدات العامة، حيث لم يتم إعداد مستندات فنية تتضمن شروط الطرح والبنود القابلة للتغيير، مما يضعف شفافية المشروع، ومع ذلك، اعتبرت الفتوى أن العقدين تحصّنا قانونيًا وأصبحا مُلزِمين لأطرافهما حفاظًا على استقرار المعاملات، خاصة أن إنهاءهما قد يسبب ضررًا بالغًا للمصلحة العامة.

تؤكد الفتوى أن نسبة تنفيذ الأعمال بلغت 67%، ما يعزز أهمية استكمال المشروع لتجنب هدر الموارد المالية المصروفة، هذه النسبة تتماشى مع تصريحات سابقة لرئيس قطاع الفنون التشكيلية، الذي أشار في يناير 2023 إلى انتهاء نحو 70% من أعمال تطوير المتحف، ورغم تحصّن العقود، شددت الفتوى على ضرورة محاسبة المسؤولين عن توقيعها استنادًا إلى المسؤولية المدنية والتأديبية والجنائية، كما أشارت إلى أن تقرير أحقية جهاز الخدمة الوطنية في التعويضات يعود إلى اللجنة العليا للتعويضات ومجلس الوزراء، وفقًا للقوانين المنظمة لذلك.

 

نوصي للقراءة: رغم التكلفة العالية… لماذا أخفقت المدن العمرانية الجديدة في جذب السكان؟

تجميد القرض وآثاره السلبية

توجه الباحث الاقتصادي محمد رزق عبر منشور على فيسبوك لتوضيح أن قرار حظر تعاقدات الجهات السيادية قد يكون مجرد “حبر على ورق”، معبرًا عن قلقه من أن صندوق النقد الدولي يقترب من تجميد القرض المخصص لمصر، مما قد يُدخل الاقتصاد في نفق مظلم يهدد بالانزلاق نحو أزمة غذائية حادة.

يوضح الباحث أن موقف صندوق النقد الدولي ثابت، وقد وقعت مصر مسبقًا على خطاب التفاهمات بشأن القرض الأخير، ومع ذلك، جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي لرئيس الوزراء بوضع عقبات إجرائية أمام الجهات السيادية التي تحتكر نسبة كبيرة من الاقتصاد المصري، إلا أن ذلك لم يلبِ تطلعات الصندوق.

يشير رزق إلى أن الصندوق يطالب بتخارج المؤسسات السيادية من الاقتصاد، أو على الأقل معاملتها وفق شروط القطاع الخاص، لتسهيل عجلة التنمية، ومع ذلك، وصف تحقيق هذا المطلب على أرض الواقع بأنه أشبه بالمستحيل بسبب العقبات البنيوية المتجذرة.

يؤكد الباحث أن مطلب الصندوق بمرونة سعر الصرف يستهدف سد الفجوة الدولارية، لكنه حذر من أن رفع الدولة يدها عن إدارة سعر الصرف سيؤدي إلى عودة السوق السوداء، مما قد يتسبب في تجاوز الدولار حاجز المائة جنيه، وبالتالي تفاقم أزمة التضخم وانفجار أسعار السلع.

يركز رزق على الدور الأساسي للقطاع الخاص في تحقيق التنافسية وتحسين جودة المنتجات والخدمات، وأكد أن المستهلك هو المستفيد الأول من هذا النظام الاقتصادي، حيث يؤدي إلى خفض الأسعار وطرد المنتجات الرديئة من السوق.

 

نوصي للقراءة: صفقات مصر والخليج.. “رأس بناس” تتبع خطوات رأس جميلة ورأس الحكمة

محاذير هامة

يحذر رزق من أن مزاحمة القطاع الحكومي للخاص تتسبب في العديد من الأضرار، أبرزها: “إفساد آليات السوق التنافسية حيث يؤدي غياب المنافسة إلى ضعف الإنتاجية والتميز، في حين أن القطاع العام غالبًا ما يُدار بأهداف اجتماعية غير مرتبطة بالكفاءة، وضعف التخصيص الأمثل للموارد، بحيث يحل الأقل كفاءة مكان الأكثر كفاءة، مما يعوق الإنتاج والتصدير، وتعميق أزمة الشح الدولاري، فتعتمد المشروعات الحكومية على مكونات أجنبية مكثفة وتستسهل الحصول على قروض بالعملة الصعبة، لكنها غالبًا ما تخفق في تحقيق صافي صادرات، وكذا فقدان الإيرادات الضريبية، فتخسر الحكومة ضرائب يدفعها القطاع الخاص، بينما تتمتع المشروعات الحكومية بإعفاءات أو أرباح أقل، وكذا إضعاف فرص جذب الاستثمارات الأجنبية، فيفضل المستثمرون التعامل مع قطاع خاص مستقر وشفاف على التنافس مع الحكومة، كما تعتمد الدولة على تمويل المشروعات عبر الاقتراض، مما يرفع عبء الدين ويقلل الحيز المالي، وتمويل المشروعات بطباعة النقود يؤدي إلى زيادة العرض النقدي دون زيادة مقابلة في الإنتاج.

يشدد الباحث على أن التدخل الحكومي المكثف يبرره المدافعون بأنه يهدف لمنع جشع التجار أو تعويض نقص الرقابة، لكن الحل الأمثل، بحسبه، هو تعزيز الشفافية وتفعيل المنافسة العادلة في الأسواق لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.

يطالب الباحث محمد رزق بضرورة الفهم العميق لدور الدولة في الأسواق، مشيرًا إلى أن تدخلها يجب أن يكون مشروطًا بعدم مزاحمة القطاع الخاص، وأوضح أن الدولة لا تتدخل إلا في حالات عزوف القطاع الخاص عن العمل في قطاعات معينة، لكن هذا العزوف لا يجب أن يكون نتيجة لتشريعات أو ممارسات حكومية تقيّد حريته.

يؤكد رزق أن غياب الرقابة والتنظيم الفعّال يمثل عوارًا يستدعي الإصلاح، وليس ذريعة لتبرير تدخل الحكومة في أدوار ليست من اختصاصها، وحذر من أن الحل لا يكمن في استبدال غياب التنظيم بتدخل حكومي مباشر، بل في تعزيز آليات الرقابة وضمان الشفافية.

يرى الباحث إلى أن العودة إلى الأسس الاقتصادية التي أرساها آدم سميث، مؤسس علم الاقتصاد الحديث، توفر إطارًا واضحًا لفهم حدود تدخل الدولة، وأكد أن مفهوم “اليد الخفية” كافٍ لتفنيد أي ادعاءات تدعم المزاحمة بين الحكومة والقطاع الخاص باعتبارها ضرورة أو ميزة.

يلفت رزق الانتباه إلى أن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية كانت تدعم قيام الدولة بمشروعات البنية الأساسية دون شريك، إلا أن هذه المشروعات أصبحت الآن جاذبة للقطاع الخاص، وتحقق ذلك إما بتنفيذها بشكل مستقل أو عبر شراكات بين القطاعين العام والخاص، مما يعكس تطورًا في دور الدولة في هذه المشروعات.

يشدد الباحث على أن الدور الاجتماعي للحكومة لا يجب أن يقتصر على التدخل المباشر في الأسواق، بل ينبغي أن يتمثل في: ضبط الأسواق لضمان تحقيق التوازن بين العرض والطلب ومنع الممارسات الاحتكارية، توجيه الدعم لمستحقيه من خلال سياسات واضحة ومباشرة تستهدف الفئات الأكثر احتياجًا، وتحسين بيئة الأعمال عبر إزالة العوائق البيروقراطية وتقديم التسهيلات لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، وخلق فرص عمل مستدامة من خلال تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتقديم الحوافز اللازمة لدعم رواد الأعمال.

يختتم الباحث بالتأكيد على أن الحل ليس في إعادة اختراع العجلة الاقتصادية، بل في العودة إلى أسس تنظيم الأسواق واستيعاب الدور المحدود والمتوازن للحكومة في دعم الاقتصاد دون مزاحمة القطاع الخاص، بما يحقق تنمية مستدامة وعدالة اقتصادية.

في النهاية، يجُدر بالقرار أن يمثل تحولًا لافتًا في طريقة إدارة الموارد العامة للدولة، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام تساؤلات جذرية حول مدى الالتزام بتنفيذ هذا القرار دون تراجع أو تحايل،  فبينما يحمل القرار بُعدًا إيجابيًا في تقوية الشفافية وإعلاء مبدأ تكافؤ الفرص، لكن تكمن المخاوف في احتمالات التفاف بيروقراطي قد يُفرغ النص من جوهره، مما يُبقي على الأعباء ويُضعف الآمال المرجوة من الإصلاح، في هذا المشهد، تبدو الرقابة الصارمة والتنفيذ الصادق هما السلاح الأمثل لضمان عدم عودة الماضي بصوره القديمة.

إمام رمضان
صحفي مصري

Search