الدرهم الأسود: حضور بارز في المؤسسات الأكاديمية والمشاريع البيئية.. أموال (أدنوك): غُسل أخضر من باب المسؤولية الاجتماعية

يرصد هذا التقرير نفوذ شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) في مجال وضع السياسات البيئية في الإمارات، وما تتمتع به من شراكات استراتيجية مع مؤسسات بيئية وطنية عالية المستوى، تحت شعار “المساهمة في برامج استدامة”. كما يسلط التقرير الضوء على حضور “عملاق النفط” الإماراتي، في المحافل الأكاديمية، في الوقت الذي تحشد فيه الجامعات التأييد لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة، بشأن تغير المناخ (COP28)، المقرر إجراؤه بالإمارات نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
زاوية ثالثة


يثير تقرير نشرته هيئات بيئية في الإمارات العربية المتحدة دهشتك عند مطالعته. فهو يحذر من مخاطر محتملة للتغير المناخي على صناعة النفط، في بلد يحتل المرتبة السادسة عالمياً في ما يُبثّ للعالم من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، نسبة ل
عدد السكان فيه.

تحوز صناعة النفط نفوذاً واسعاً في الإمارات، وتمتد أذرعها إلى المؤسسات الأكاديمية وهيئات البيئة، تحت شعار “دعم الجامعات والمشاركة في مشاريع مستدامة للبيئة”، في مشهد يختلط فيه نشاط المسؤولية الاجتماعية والتبرعات الخيرية، بما يمكن وصفه بغُسل أخضر لأموال النفط.

 

حضور “أكاديمي” مثير للاهتمام

أطلقت وزارة المناخ والبيئة “شبكة الإمارات لأبحاث تغير المناخ” التي تضم نحو مئة من الباحثين من مختلف التخصصات في الجامعات داخل الإمارات. 

وتهدف الشبكة -التي أُنشئت قبل عامين (2021) من تنظيم مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (COP28)- إلى تسهيل التعاون بين العلماء والباحثين، وتقليل الفجوات المعرفية حول ما تتعرض له الإمارات والمنطقة بشكل عام، من تداعيات للتغير المناخي حالياً ومستقبلاً، عبر بحوث ودراسات وتحليلات علمية متخصصة، وبناء قاعدة بيانات متكاملة.

يشارك في شبكة الإمارات لأبحاث تغير المناخ، عشرات الباحثين في جامعات تضم مجالس أمنائها أشخاصاً يتقلدون مناصب رفيعة في شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك). فضلاً عما تقدّمه الشركة من منح للبحوث ودعم مالي لتلك الجامعات.

يشكل الباحثون من جامعة الإمارات وجامعة زايد -وهما مؤسستان حكوميتان- بالإضافة إلى جامعة خليفة، نحو ثلث أعضاء الشبكة.

يضم مجلس أمناء جامعة الإمارات، طيبة الهاشمي، وهي من شركة بترول أبوظبي الوطنية البحرية Adnoc Offshore. عملت الهاشمي لما يزيد على عقدين في الشركة، وشغلت عدة مناصب ذات صلة بقطاع النفط، منها الرئيسة التنفيذية لشركة الياسات للعمليات البترولية، وهي أحدث شركة تشغيل مشتركة تابعة لأدنوك، بالشراكة مع مؤسسة البترول الوطنية الصينية.

يصف موقع الجامعة، الهاشمي بأنها قامت بدور حاسم في فتح احتياطيات الهيدروكربونات البحرية والبرية؛ لدعم استراتيجية (أدنوك) لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز لدولة الإمارات العربية المتحدة، من خلال منصبها نائبة أولى لرئيس  الخزانات غير المطوّرة في إدارة التنقيب والإنتاج.

تظهر الهاشمي في فيديو ترويجي لمعرض ومؤتمر أبوظبي للبترول 2023، الذي أقيم في الفترة من 2 إلى 5 تشرين أول/أكتوبر 2023، إلى جانب رؤساء تنفيذيين لشركات نفط عالمية، من بينهم المدير التنفيذي لشركة “شل” وائل صوان، الذي يقطع وعوداً -من العاصمة البريطانية- بأن تعمل “شل” على تحقيق ما يسمى بصفر انبعاثات كربونية، بحلول عام 2050. يُظهر الفيديو أيضاً الرؤساء التنفيذيين لكل من توتال، وأرامكو، وأوكسي، وغيرهم، يقدّمون وعوداً لخفض الانبعاثات الكربونية، ومواصلة التزويد بالطاقة.

تُعدّ شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) من الشركاء الداعمين للبحوث في جامعة الإمارات. ينص النظام الداخلي للجامعة على أن قبول التبرعات يتمّ بموافقة مجلس الجامعة. 

موّلت الجامعة هذا العام عدداً من البحوث حول التغير المناخي، في إطار ما وصفته تعزيز الجهود الوطنية قبل مؤتمر الأطراف (COP28)؛ إلا أنها لم تعلن عن الجهات المُموِّلة لتلك البحوث.

لا يقتصر حضور “أدنوك” على جامعة الإمارات؛ إذ ضم مجلس جامعة زايد – لسنوات – أسماء بارزة من مجموعة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، قبل أن يتمّ تعيين مجلس جديد صيف هذا العام. كما تَظهر أدنوك في قائمة المتعاملين مع معهد خدمة المجتمع بالجامعة، .

أما جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، فأُنشئت بدمج جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا والبحوث، ومعهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا، ومعهد البترول في الإمارات. 

ضم مجلس أمناء جامعة خليفة، عبر السنوات، شخصيات بارزة من مجموعة “أدنوك” أو شركات تابعة لها، من أبرزهم المدير التنفيذي للمجموعة سلطان الجابر، الذي عُيّن رئيس مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28)، المقرر تنظيمه بالإمارات في الفترة بين 30 تشرين الثاني/نوفمبر و 12 كانون أول/ديسمبر 2023.

أما الجامعة التي تحظى بالنصيب الأكبر من المشاركة، في شبكة الإمارات لأبحاث تغير المناخ، فهي جامعة نيويورك أبوظبي. ترأَس الجامعة أيضاً مجتمع أكاديمي آخر، أنشئ قبيل مؤتمر المناخ العالمي؛ وهي “شبكة الجامعات للمناخ”، التي تضم نحو ثلاثين جامعة في الإمارات. 

تهدف شبكة الجامعات التي أنشئت في شهر  نيسان/إبريل 2023، إلى حشد الدعم لمؤتمر الأطراف (COP28)، عبر تحفيز مشاركة الشباب والأوساط الأكاديمية في التحضير للمؤتمر.

يكشف تقرير نشرته جامعة نيويورك أبوظبي عام 2016، عن أن قائمة المُموِّلين للمنح الخارجية التي وفرتها الجامعة، تضم اثنتين من شركات النفط الكبرى؛ بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) وإكسون موبايل. بلغت قيمة تلك المنح -التي لم يوضّح التقرير طبيعتها- 12 مليون دولار أميركي. شملت قائمة المُموِّلين أيضاً مؤسسات بحثية وأكاديمية، وصناديق وطنية وهيئات خيرية في الإمارات. 

تنشط جامعة نيويورك أبوظبي في مجال بحوث البيولوجيا البحرية. وقّعت الجامعة اتفاقية عام 2021 مع “موانئ أبوظبي”، للتعاون في مجال البحوث حول نقل وإعادة توطين الشعاب المرجانية، الموجودة في المياه المحيطة بميناء خليفة. يهدف هذا النشاط البحثي، إلى المساهمة في تحديد ما وصف بأنه أفضل الممارسات لنقل الشعاب المرجانية، مع توفير الخبرات الخاصة بالمنطقة “التي من شأنها تعزيز جهود نقل الشعاب المرجانية في الخليج العربي مستقبلاً”. 

سبقت هذا المشروع اتفاقية وقعتها “موانئ أبوظبي” عام 2016، تمتد إلى خمسين عاماً مع شركة (أدنوك) للإمداد والخدمات؛ ذراع الشحن واللوجستيات البحرية لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، بهدف تعزيز قدرة شركة النفط على توفير الدعم اللوجستي لمشروعاتها القائمة، وتطوير مشروعات جديدة، انطلاقاً من المدينة الصناعية القريبة من ميناء خليفة.

 

توسع في الإنتاج و نشاط “بيئي”


لا يقتصر حضور مجموعة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) علـى مجالس أمناء المؤسسات الأكاديمية؛ إذ تظهر الشركة منخرطة في أنشطة الهيئات البيئية. 

وصفت الأمينة العامة لهيئة البيئة في أبوظبي، شيخة الظاهري، شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) بالشريك الاستراتيجي للهيئة، خلال توقيع اتفاقية عام 2020، التي جمعت كلاً من “أدنوك” ووزارة التغير المناخي والبيئة وهيئة البيئة في أبوظبي.

وبحسب بيان صحفي نشرته “أدنوك”، فإن شراكتها مع هيئة البيئة ووزارة التغير المناخي والبيئة، أسهمت في السماح بالاستخدام المشترك للمناطق البرية والبحرية في إمارة أبوظبي؛ ممهداً بذلك الطريق للتعاون بين الصناعة وحماية البيئة. كما تتيح هذه الشراكة تبادل البيانات بين “أدنوك” وهيئة البيئة

لا تبدو شراكة “أدنوك” مع الهيئات البيئية بالأمر الغريب، فهي تحضر في قائمة الشركاء لوزارة المناخ والبيئة الإماراتية. تقول الوزارة إنها تعمل مع شركائها الاستراتيجيين والمساهمين على حماية البيئة، والحفاظ على مواردها وتنميتها واستثمارها بكفاءة؛ لضمان استدامتها بما يحقق طموح الإمارات، ويحقق أهداف الجهات الاتحادية

أتاحت تلك الشراكات لعملاق النفط الإماراتي، المشاركة في مشاريع تتصل بصناعة القرار في المجال البيئي؛ إذ ساهمت “أدنوك” في إعداد مسوّدة قرار حول جودة الهواء، وشاركت في مراجعة القرار المتعلق بتركيزات البنزين، وكبريتيد الهيدروجين في الغلاف الجوي

كما شاركت “أدنوك” في مشروع تحديث قوائم جرد الغازات الدفيئة، عبر توفير  بيانات بهذا الشأن تتعلق بمشاريعها. تقول هيئة البيئة في أبوظبي إن التحديث أظهر انخفاضاً في انبعاثات قطاع النفط والغاز، بنسبة 27٪ مقارنة بمستويات عام 2016. 

بالإضافة إلى أن “أدنوك” عضو في اللجنة الفنية لتحسين جودة المياه البحرية، وهي تقدّم الدعم لهيئة البيئة، في تطوير أدوات جديدة لتنظيم جودة المياه البحرية، مثل اللائحة التنفيذية بشأن جودة المياه البحرية، التي تهدف إلى حماية البيئة البحرية في مناطق المحميات، والمساهمة في الحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، وفق هيئة البيئة.

لا تقتصر مشاركة شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) على المشاريع المتصلة بجودة الهواء، وجودة المياه البحرية في البلاد؛ إذ شاركت أيضاً في أعمال مشروع “قائمة الأنواع البحرية المُهدَّدة بالانقراض في الإمارات في العام 2019“، في الوقت الذي تشكّل فيه صناعة النفط أحد العوامل، التي تسبب ضغوطاً على النظم البيئية الساحلية في الإمارات، وفق برنامج البيئة التابع للأمم المتحدة.

تروّج الشركة قيامها بمشاريع بيئية، كزراعة أشجار المانجروف بهدف التقليل من آثار التغير المناخي، وإعادة تأهيل السلاحف البحرية المُهدَّدة بالانقراض، وبناء منصات تعشيش صناعية للعُقاب النساري؛ في حين يكشف تقريرها السنوي الأخير عن زيادة الانبعاثات المباشرة للغازات الدفيئة، المتصلة بنشاطها العام الماضي (2022) بنحو 30 في المئة، إلا أن الشركة ترجع هذه الزيادة إلى  إجراء صيانة لخزانات نفط تابعة لها.

تقر أدنوك بالتوسع في أعمالها التجارية، على نحو يزيد من الانبعاثات للغازات الدفيئة الناجمة عن نشاطاتها، ولا تخفي سعيها إلى زيادة إنتاجها من النفط في السنوات المقبلة. في حين تبدو جمعية الإمارات للطبيعة، والصندوق العالمي للطبيعة قلقين بشأن آثار محتملة للتغير المناخي، على مستقبل صناعة النفط في الإمارات؛ كارتفاع درجات الحرارة الذي قد يؤثر في كفاءة العمليات الحساسة لدرجة حرارة الجو، واحتمالية حدوث أعاصير قد تهدّد صناعة البتروكيماويات في الإمارات.

توضح الباحثة الألمانية في مجال الجغرافية السياسية ودراسات الخليج العربي، نتالي كوك، إن الشركات والدول تملك وسائل عديدة للغسل الأخضر لأموال النفط؛ إذ تقوم شركات النفط في بعض الحالات بإعادة تنظيم نفسها، على نحو يجعلها تنخرط في ملفات الطاقة البديلة. وفي حالات أخرى، تسهم تلك الشركات في مشاريع الاستدامة البيئية، من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية أو التبرعات الخيرية، أو غيرها من برامج العطاء المؤسسية، على المستوى المحلي أو الدولي، وفق الباحثة.

نشرت كوك نهاية العام الماضي (2022)، نتائج بحث أجرته حول الغسل الأخضر لأموال النفط في الإمارات. تقول كوك إن الحكومات الغنية، بسبب صناعة النفط، تسعى كالشركات إلى الاحتفاظ بمنافع أموال النفط؛ وفي الوقت ذاته تحاول إزالة التلوث الأخلاقي المرتبط بهذه الصناعة.

تشير كوك إلى أن الحالة الإماراتية، تُبرز أهمية المؤسسات والشبكات المالية، في تشكيل الكيفية التي يسعى من خلالها قادة الشركات والحكومات، إلى السيطرة على أنظمة الطاقة والاحتفاظ بأرباحها، وكذلك السيطرة على مستقبل ما بعد النفط. “هم لديهم الكثير من الأدوات لغسل أموالهم النفطية، كما أن مستشاريهم الماليين يعملون بجد لإيجاد المزيد من الفرص الإبداعية”، بحسب كوك.

أنجز هذا التقرير بدعم من أريج.

Search