ما بين رفع أسعار الأسمدة والتقاوي.. لماذا يغادر الفلاحون الأرض في صمت؟

تتزايد الأعباء على المزارعين المصريين بسبب ارتفاع أسعار الأسمدة ونقص التقاوي، مما يؤثر سلبًا على القدرة الإنتاجية ويهدد الأمن الغذائي في البلاد
Picture of رشا عمار

رشا عمار

Picture of محمد أبو زايد

محمد أبو زايد

على بعد أمتار من قطعة أرض زراعية، ورثها عن والده، وقف همّام السيد متسائلًا حول جدوى الاستمرار في ظل تضخم النفقات على مختلف الزراعات خلال السنوات الماضية، سواء أسعار الأسمدة أو مياه الري، أو حتى الحبوب (التقاوي)، وانخفاض الدعم الحكومي تدريجيًا حتى كاد يتلاشى، الأمر الذي يثقل كاهل المزارع ويضعه أمام أعباء لا يقوى على تحملها في ظل الارتفاعات الأخرى في أسعار الكهرباء ووسائل النقل والسلع الغذائية والدواء وغيرها من مستلزمات الحياة الضرورية. 

يقول همام، وهو مواطن ستيني من محافظة سوهاج جنوب مصر، شمله القرار الأخير بوقف الدعم عن الأسمدة بسبب التعديات على الأراضي الزراعية: “كبرنا على حب الزراعة، لكن النفقات على الأرض باتت مضاعفة. هذه النفقات المستمرة في الارتفاع دون حساب لظروف المزارع وطبيعة الأرض وأهمية الزراعة، دفعت الكثيرين من أبناء الصعيد بعيدًا عن الزراعة؛ لعل دعم الأسمدة هو آخر ما تبقى من أوجه الدعم الحكومي المقدم للمزارع المصري، واليوم أواجه أنا وآلاف غيري قرارات مجحفة بوقف هذا الدعم الأخير، لأسباب لا نفهمها.”

يضيف: “لا أنكر أنني اقتطعت جزءًا من أرضي لبناء منزل، لكن الأمر مر عليه سنوات، وقد تصالحت مع السلطة حول هذا الموضوع منذ سنوات. اليوم يتم معاقبتي بحجب الدعم على الأسمدة، ولا أعرف ما العلاقة بين الأمرين، لكن من الواضح أن الحكومة تبحث عن قرائن لتبرير قرارها بوقف الدعم ولا تجد سوى مبررات قديمة.” 

في 13 أغسطس الماضي، أعلنت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وقف صرف الأسمدة المدعمة عن نحو 18 ألف منتفع، بسبب سرقات الكهرباء والتعدي على أراضي الدولة ومخالفات البناء، منهم 4095 مواطن لهم حيازات زراعية حيث تم تحرير محاضر سرقة تيار كهربائي من وزارة الكهرباء، وفقًا لما ورد من وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة من كشوف المتعدين عن شهر أغسطس.

وأضافت الوزارة في بيان لها، أنها تقوم بالتنسيق أيضا مع وزارة التموين لإلغاء الدعم التموينى عن المعتدين على الأراضي الزراعية بالبناء، إضافة إلى اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال المخالفين، للحفاظ على الرقعة الزراعية، المصدر الرئيسي للغذاء في مصر.

وفي تعقيب له، يوضح المستشار الإعلامي لوزارة الزراعة أحمد إبراهيم، في حديثه مع زاوية ثالثة، أن القرار هو وقف مؤقت لعدد من المزارعين المتهمين بسرقة التيار الكهربائي أو التعدي على الأراضي الزراعية أو البناء عليها، ومن المنتظر قرار المحكمة بخصوص اتهامهم إذا ثبت سيتم إلغاء دعم الأسمدة عنهم بشكل كامل، وإذا تم تبرئتهم ستقوم الوزارة بإعادة حصصهم إليهم. 

يؤكد أن القرار لن يتم تطبيقه بأثر رجعي، وسيجري وفق التنسيق مع وزارة الكهرباء التي تقدم أسماء المخالفين و سارقي التيار بشكل دوري لوزارة الزراعة التي تقوم بدورها بمراجعة الأسماء وحذف المخالفين من قوائم الدعم المقدم على الأسمدة الزراعية، لكن القرار النهائي يظل متوقف على حكم القضاء، على حد تعبيره. 

يشير المتحدث الرسمي للزراعة إلى أن القرار يعد إجراء “احترازي” يهدف إلى منع المخالفين من سرقة التيار الكهربائي أو التعدي على الأراضي الزراعية بأي شكل، مؤكدًا أن الوزارة مهتمة بتقديم الدعم لمستحقيه فقط، بهدف دعم وتطوير منظومة التنمية الزراعية، موضحًا أنها تعمل على تحقيق العدالة في توزيع الدعم، إذ إن استغلال الموارد بطريقة غير مشروعة يؤثر على المزارعين الذين يلتزمون بالقوانين، وأن الوزارة ستواصل مراقبة الأسواق والتعاون مع الجهات المختصة لضمان تطبيق هذا القرار بفاعلية.

لكن القرار الذي صدر في أغسطس، تم تعليقه في 13 سبتمبر الماضي، وقال متحدث الزراعة إن التعليق مؤقت، لحين البت القضائي حيال المنتفعين المتهمين بسرقة الكهرباء أو التعدي على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة، وإن ثبتت الاتهامات سيواجه المزارعون وقفًا نهائيًا للدعم الحكومي.

 

نوصي للقراءة: مصر تدفن رئتيها تحت الخرسانة.. الحكومة مستمرة في قطع الأشجار

 

أهمية دعم الأسمدة  

تقدم الحكومة دعمًا للمزارعين عبر الجمعيات التعاونية والبنك الزراعي، اللذين يتوليان توزيع مدخلات الإنتاج المدعومة، ويستفيد المزارعون الذين يملكون حيازات صغيرة من القروض العينية، خاصة الأسمدة، ما يساعدهم على إنتاج المحاصيل وتلبية احتياجات السوق المحلي بأسعار مناسبة للمواطنين.

وقد بدأت في تقديم دعم للأسمدة الزراعية منذ عقود طويلة، وذلك في إطار جهودها لتحفيز الإنتاج الزراعي وضمان استقرار الأسعار، وفي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت السلطة تدرك أهمية الزراعة كقطاع حيوي للاقتصاد المصري، لذلك استثمرت بشكل كبير في دعم المزارعين وتوفير المدخلات الزراعية الأساسية بأسعار منخفضة. تم توفير الأسمدة بكميات كبيرة، وكان الهدف من ذلك تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الأساسية مثل. القمح والأرز.

مع مرور الزمن، تطورت سياسات الدعم لتشمل أنواعًا متعددة من الأسمدة الكيميائية، مثل. الأسمدة النيتروجينية والفوسفاتية، وارتبط الدعم بتوفير المراكز التوزيعية واللوجستية لضمان وصول الأسمدة إلى المزارعين في مختلف المناطق. في التسعينيات، ومع الانفتاح الاقتصادي، بدأت الحكومة في إعادة تقييم سياسات الدعم، ومع تزايد الضغوط المالية، تم تقليص الدعم تدريجيًا، لكنه ظل يمثل جزءًا أساسيًا من استراتيجيات الحكومة للحفاظ على استقرار أسعار الغذاء.

وتشكل الأسمدة أعلى نسبة ضمن مستلزمات الزراعة بنحو 32% من إجمالي تكاليف الإنتاج النباتي في عام 2022/2021. تعتمد الزراعة في مصر على الأسمدة الكيماوية بنسبة 97%، والتي ارتفعت أسعارها بما يعادل 564% خلال الفترة من 2016/2015 إلى 2021/2020 مواكبة لزيادة تكاليف الإنتاج والطاقة، وفق مركز حلول للسياسات البديلة. وتنعكس زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج بشكل مباشر على أسعار المحاصيل وقدرة المواطن على الحصول على الغذاء، خاصة في ظل التضخم الذي وصلت نسبته إلى 73.6% في سبتمبر 2023 مقارنة بالعام السابق.

ورغم من أهمية الأسمدة إلا أن حصتها من قيمة القروض العينية المقدمة إلى المزارعين قد تراجعت خلال العشر سنوات الماضية، ويهدد تراجع الحكومة عن دعم تلك المدخلات الاستراتيجية وتركها لتقلبات السوق الحر بزيادة أكثر في الأسعار.

خلال السنوات الأخيرة، أصبحت تكاليف إنتاج الأسمدة مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي، ما أثر على قدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم الدعم. هذا الأمر دفعها إلى دراسة خيارات بديلة، بما في ذلك إلغاء الدعم في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة. على الرغم من أن الدعم لعب دورًا حيويًا في تعزيز الإنتاج الزراعي، إلا أن الوضع المالي للدولة لم يعد يحتمل هذا العبء، مما جعل إلغاء الدعم مسألة ملحة.

مرارًا تحدثت تقارير عن نية الحكومة إلغاء الدعم عن المزارعين بشكل كامل في ضوء خطة لخفض معدلات الإنفاق على القطاع الزراعية في الموازنة العامة، خاصة مع ارتفاع تكاليف إنتاج الأسمدة التي تعتمد بشكل رئيسي على المشتقات البترولية والمواد المستورد بالعملة الأجنبية، التي تعاني الحكومة أيضًا أزمة في توفيرها، كان آخر هذه التقارير في يونيو الماضي، تزامنًا مع توقف بعض المصانع لعدم قدرتها على استمرار التشغيل بسبب نقص الغاز، وبعد موجة من الجدل نفت الحكومة إصدار هذا القرار.

وأوضح بيان للمجلس الإعلامي لمجلس الوزراء حينها أنه “لا صحة لرفع الدعم عن الأسمدة الزراعية بدءًا من الموسم الزراعي المقبل، وأنه لم يتم إصدار أية قرارات بهذا الشأن. تكلفة دعم الأسمدة للمزارعين تصل إلى نحو 30 مليار جنيه في العام”، مشيرًا إلى جهود ميكنة منظومة توزيع الأسمدة المدعومة من خلال آلية للرقابة إلكترونيًا، بدايةً من خروجها من المصانع، مرورًا بالجمعيات الزراعية، وصولًا لصغار المزارعين والمنتجين، عبر منظومة “كارت الفلاح”.

يقول نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، في حديثه معنا، إن وقف الدعم الحكومي على الأسمدة من شأنه مضاعفة أزمة الزراعة  في البلاد؛ وبالتالي حدوث ارتفاعات متكررة في أسعار السلع الغذائية. منوهًا إلى عدم وجود أي صلة بين التجاوزات التي قد يرتكبها المزارع – سواء الخاصة بسرقة التيار الكهرباء أو الاعتداء على الأراضي الزراعية-، وبين إلغاء الدعم، ويجب الفصل في الأمرين ومعاقبة أي شخص يرتكب مثل هذه المخالفات وفق القانون، دون المساس بحصته في الدعم على الأسمدة حتى لا تضرر الأراضي والمنظومة الزراعية بشكل كامل جراء هذه القرارات. 

ويضيف أن “الهدف من دعم المزارعين، تحسين العملية الزراعية وتنمية القطاع الزراعي، وليس دعم الفلاح بذاته، لذلك من الأفضل معاقبة المخالفين بشكل آخر، وقد سبق وقررت الحكومة إلغاء الدعم التمويني عن المواطنين سارقي التيار الكهربائي وهذا أمر يمكن قبوله كون الدعم التمويني يتعلق بالفرد ولا يمس منظومة متكاملة مثل دعم الأسمدة، الذي سيؤثر سلبًا على الأراضي الزراعية.” 

بحسب أبو صدام يحصل القطاع الزراعي في مصر على نحو أربعة ملايين طن من الأسمدة بشكل سنوي مقسمة بين موسمين (الصيفي والشتوي)، فيما يحصل المزارع على (ثلاث – ست شيكارة أسمدة) للفدان خلال الموسم. سعرها داخل الدعم نحو 250 جنيهًا بينما يتراوح سعرها خارج الدعم بين (950- 1000 جنيهًا)، منوهًا أن المزارع وفق حصته تلك قد يحتاج لشيكارة أو اثنتين إضافيتين يقوم بشرائهم، لكن من الصعب شراء الكمية كاملة من القطاع الخاص، لأن في هذه الحالة تتجاوز النفقات أضعاف قيمة ما يتم إنتاجه من الأرض سنويًا.

وتختلف حاجة المزارع للأسمدة – وفق نقيب الفلاحين- بحسب نوعية الأرض الزراعية؛ هناك أراض قوية لا تحتاج كميات كبيرة من الأسمدة، وبالمقابل توجد نوعيات من التربة ضعيفة وتحتاج أسمدة نوعية وبكميات كبيرة، لذلك يمثل إلغاء الدعم عن الأسمدة عبء كبير على المزارعين. 

تحدثت زاوية ثالثة إلى مزارعين من محافظة المنيا، ذكروا أن قرار الحكومة بإلغاء دعم الأسمدة الزراعية في حال البت في القضايا المنظورة، يعد قتلًا لمنظومة الزراعة المتعثرة في مصر، مشيرين إلى أنها جزء أساسي من تكاليف الإنتاج التي قد تعيق المنظومة برمتها، في حال وضع الفلاحين أمام قطار الغلاء وتركهم لجشع التجار.

يضيفون: “السماد ضروري في تحسين إنتاجية المحاصيل وضمان جودة الغذاء الذي نقدمه للسوق، مع ارتفاع أسعار الأسمدة بعد الإلغاء، يجد المزارع نفسه أمام وحش الغلاء الفاحش بأسعار الأسمدة مع عدم توافرها أو عدم وجود أي بدائل، خاصة أن تكاليف الإنتاج أصبحت مرتفعة للغاية، وهذا يعني أننا قد نضطر لتقليل المساحة المزروعة أو حتى التفكير في زراعة محاصيل أقل ربحية، نحن في قرى ريفية نعيش على الزراعة، وأي تراجع في الإنتاج سيؤدي إلى نقص الغذاء وارتفاع الأسعار. المواطنون، خاصة الفقراء، سيكونون أول المتضررين، حيث سترتفع أسعار السلع الأساسية بشكل ملحوظ.”، مطالبين بقروض ميسرة أو برامج تدريبية لتحسين أساليب الزراعة، بدلًا عن إلغاء الدعم.

ويرى بلال – مزارع من محافظة الشرقية- أن القرار سيؤثر بالسلب عليهم، لأنهم سيجبرون على الاستغناء عن بعض المحاصيل التي تحتاج أسمدة مثل. القمح، ما يؤثر على كميات إنتاجه؛ وبالتالي ارتفاع أسعاره إلى حد كبير، وستزيد أزمة المحاصيل وارتفاع أسعار السلع الغذائية أضعاف. 

يتابع: “نريد من الحكومة أن تراجع قراراتها وتدعم منظومة الزراعة بشكل حقيقي، لأن مصر بالأساس دولة زراعية والمفترض أننا نحقق الاكتفاء الذاتي من بعض المحاصيل مثل. القمح والذرة والخضروات وبعض الفواكه، ونوسع التصدير؛ لكن ما يحدث اليوم هو وضع عراقيل أمام المزارع قد تضطره لترك الزراعة والتوجه لعمل آخر.”

 

نوصي للقراءة: تخوفات من إلغاء الدعم العيني.. ما الذي ينتظر الأسر الفقيرة في مصر؟

 

توجه حكومي لإلغاء الدعم 

بحسب المحامي الحقوقي رئيس المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، مالك عدلي، ترتبط القرارات الأخيرة بتوجه السلطة نحو تقليص دورها في ملف الدعم بشكل عام، ما يستدعي التوقف والتفكير في الآثار المترتبة على هذه السياسات، “لأننا لا نتحدث هنا عن المزارعين فقط، بل عن الأسلوب الذي تتعامل به السلطة مع ملف الدعم، الذي يعد أحد المحاور الأساسية في الاقتصاد المصري، ويعكس معاناة الملايين.” 

يقول في حديثه إلينا: “عندما نتحدث عن الدعم في القطاعين الزراعي والصناعي، نجد أنه كان مرتبطًا برؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز النمو، وتحسين جودة المنتجات، وتوسيع عمل هذه القطاعات، ومساعدة أرباب المهن الزراعية والصناعية على توسيع نشاطهم، ما يعود بالنفع على المواطن الذي يتمكن من الحصول على سلعة جيدة بسعر مناسب، لأن الدعم ليس مجرد مساعدة مالية، بل لتعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فعندما تدعم الدولة مزارعًا، فإنها تسهم في تطوير نشاطه وزيادة إنتاجيته، مما يساعده على تحسين جودة المنتجات الزراعية ويعزز قدرته على المنافسة في السوق.”

ويؤكد أن رفع الدعم عن المزارعين يعكس بشكل أساسي رغبة السلطة في رفع يدها بشكل كامل من ملف الدعم. يحدث ذلك بالطبع بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعيشها البلاد، والتزامها مع صندوق النقد الدولي بتطبيق سياسة صارمة لتقليص دعم المواطنين؛ لكن القرار قد يؤدي إلى عواقب وخيمة على القطاع الزراعي، إذ أن ارتفاع أسعار الأسمدة والمواد الأساسية سيجعل المزارعين غير قادرين على الاستمرار في إنتاج الغذاء بأسعار معقولة، الأمر الذي سيؤثر بشكل مباشر على منظومة الغذاء وما يستطيع الناس شرائه من سلع أساسية ضرورية على مائدة المصريين، في ظل الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع الغذائية.”، مشيرًا إلى أن السلطة في الماضي، كانت تدعم الأسمدة والمصانع التي تنتجها؛ لكن يبدو أن السلطة الحالية تتجه أيضًا إلى تقليص دعمها لتلك المصانع؛ ما يزيد الأمر سوءًا.

بحسب “عدلي”، يحدث ذلك بينما تتجه الدولة لبيع مصانع للأسمدة لصالح المستثمرين سواء من الداخل أو جهات أجنبية. “إذا استمر هذا الاتجاه، سنجد أنفسنا أمام أسواق تتم السيطرة عليها من قبل الشركات الكبرى، في هذه الحالة، سيكون المزارع الصغير غير قادر على المنافسة، ما يؤدي إلى تدني جودة المنتجات وزيادة أسعارها من جهة، ونهاية القطاع الزراعي المعتمد على صغار المزارعين لصالح الشركات الكبرى والمستثمر الأجنبي؛ وبالتالي، نكون مرتبطين بأسعار السوق العالمية.”

يشرح: “نشهد تحولاً في نمط الحكومة نحو نموذج الدولة الحارسة، وتقتصر مسؤولياتها على الأمن والقضاء، في حين أنها تتجاهل جوانب حيوية مثل. دعم الزراعة، فيما يتوقع أن ترفع الحكومة يدها عن كافة أشكال الدعم سواء الزراعة أو الدعم العيني أو أسعار المحروقات وحتى رغيف الخبز. عادة تسوق الحكومة مبررات لرفع الدعم عن المواطنين على مدار السنوات الماضية. ورغم الادعاءات الرسمية بأن السلطة تستثمر في الزراعة؛ إلا أن الواقع يشير إلى أن صغار المزارعين من يحتاج إلى الدعم الفعلي، ورفع الدعم عنهم يؤدي إلى تعزيز احتكار الشركات الكبرى، كما يجب أن نتذكر أن المواطنين لا يملكون أي أدوات رقابية على السياسات الاقتصادية التي تُتخذ، ما يجعلهم ضحايا لقرارات لا تعكس احتياجاتهم الحقيقية. علينا أن ندرك أن دعم المزارع ليس مجرد مسألة اقتصادية، بل هو استثمار في مستقبل البلاد واستدامتها.”

 

نوصي للقراءة: مصر الأكثر تضررًا من تضخم أسعار الغذاء.. لماذا؟

 

تعثر صناعة الأسمدة بمصر

في يونيو الماضي، أعلنت مصانع أسمدة في مصر توقفها عن العمل، بشكل مؤقت، بسبب نقص إمدادات الغاز الطبيعي، في الوقت الذي يزيد استهلاك الطاقة في البلاد، وفي إفصاح للبورصة المصرية، قالت شركة مصر لإنتاج الأسمدة “موبكو”، إنها أوقفت مصانعها الثلاثة، بسبب توقف إمدادات الغاز الطبيعي لمصانع الشركة، وأعلنت شركة أبوقير للأسمدة، عن توقف مصانعها الثلاثة، كما أعلنت شركة سيدي كرير للبتروكيماويات عن توقف مصانعها، نظرا لانقطاع غازات التغذية.

يُعتبر القطاع الزراعي من أبرز القطاعات الاقتصادية في البلاد وفق وزير الزراعة السيد القصير، ويعتمد بشكل كبير على توفر الأسمدة عالية الجودة لزيادة خصوبة التربة وتحسين إنتاجية المحاصيل، بحسب تقرير وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي المصرية. وتتضمن صناعة الأسمدة في مصر عدة أنواع مثل. الأسمدة الآزوتية والفوسفاتية والبوتاسية، وتُنتج من خلال مجموعة من المصانع الكبرى المنتشرة في مختلف المناطق؛ ومع ذلك، تواجه الصناعة عدة تحديات، منها ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام، ما يؤثر على تكلفة الإنتاج ويزيد من أسعار الأسمدة في السوق.

وقد بلغ إنتاج مصر من الأسمدة عام 2023 نحو ثمانية ملايين طن نيتروجينية، وأربعة ملايين طن فوسفاتية، وتأتي الأسمدة في المركز الثاني بين الصادرات المصرية بقيمة 3.4 مليار دولار، بحسب وزير قطاع الأعمال العام، محمود عصمت.

يرى مراقبون أن تراجع توافر الأسمدة المدعومة محليًا يأتي في سياق بيع الحكومة حصص في أكبر شركات الأسمدة الرابحة لـ صناديق سيادية خليجية، وقد أدى نقص كميات توريد الأسمدة إلى السوق المحلي، الذي يتراوح بين 5% و20%، إلى زيادة أسعار المحاصيل، وتمثل خصخصة شركات الأسمدة تهديدًا للأمن الغذائي، إذ يركز السوق على تعظيم الأرباح دون مراعاة احتياجات توفير الغذاء، كما أن مشاركة القطاع الخاص في توفير الأسمدة للسوق المحلي ضعيفة، إذ لا تتجاوز 20%، بينما يخصص 76.4% من إنتاجه للتصدير. لذا، فإن القطاع العام يتحمل 80% من مسؤولية توفير الأسمدة للزراعة المحلية.

وتفرض الحكومة على القطاع الخاص الالتزام بتوجيه 55% من إنتاجه للأسمدة المدعمة، و10% للسوق المحلي بسعر حر، لكن لم يتم تطبيق هذا الالتزام بشكل فعّال. نتيجة لذلك، سجلت وزارة الزراعة عجزًا في الأسمدة المدعمة يصل إلى 1.8 مليون طن في أكتوبر 2023، بحسب تقرير مجلس الشيوخ، إذ وُرِّد 2.2 مليون طن فقط من أصل أربعة ملايين طن المطلوبة. هذا التراجع في دور السلطة في شركات الأسمدة، إضافة إلى الاعتماد المتزايد على القطاع الخاص، يهدد قدرة الدولة على توفير الغذاء بأسعار مناسبة لمواطنيها، ما يتجلى في نقص الأسمدة المدعمة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار من 4500 جنيه للطن في يناير 2023 إلى 17.3 ألف جنيه كـ متوسط في السوق الحرة.

ويلزم الدستور المصري الدولة بحماية الرقعة الزراعية وتنميتها، إذ تنص المادة (29) من الدستور على أن “الزراعة مقوم أساسي للاقتصاد الوطني. وتلتزم الدولة بحماية الرقعة الزراعية وزيادتها، وتجريم الاعتداء عليها، كما تلتزم بتنمية الريف ورفع مستوي معيشة سكانه وحمايتهم من المخاطر البيئية..”. لكن رغم النص الدستوري، وفي الواقع، لا تلتزم الحكومة بذلك، إذ تتبنى سياسات أدت إلى تقليص الرقعة الزراعية، أو تهديد صغار المزارعين بالتنازل عن زراعتهم بالتوازي مع ارتفاع الأسعار. فماذا يحدث أيضًا؟.

 

نوصي للقراءة: خفض إمدادات الغاز يُربك قطاع الأسمدة ويهدد الصادرات المصرية

 

زيادة التكلفة والعجز

يُعاني المصريون من ندرة منتج البطاطس في السوق المحلية وارتفاعها من خمسة جنيهات لنحو 25 و30 جنيهًا للكيلو الواحد، الذي قد يتراجع في بعض الأوقات إلى نحو 9-15 جنيه حسب المنطقة الجغرافية، في ظل أن الموسم التصديري لهذا المحصول يبدأ رسميًا في أكتوبر من كل عام. 

ارتفاع أسعار المحصول بطريقة قياسية في فترة قليلة وعدم توافرها في الأسواق، دفع المصريين إلى التساؤل حول الأسباب، عاقدين مقارنة بين أسعار البطاطس المرتفعة وأسعار فاكهة المانجو المعروف ارتفاع أسعارها، والتي سجلت قيمة منخفضة هذا العام.

في بحث أجرته زاوية ثالثة مع عدد من رؤساء الشركات المُصدّرة للمحاصيل الزراعية، خاصةً محصول البطاطس للوقوف حول أسباب ما يحدث. يؤكد عدد منهم أن هناك ندرة في التقاوي الرئيسية للمحصول التي تم زراعتها هذا العام بفارق نحو 20 ألف طن من التقاوي المستوردة بالعملة الصعبة، ما تسبب في عجز الإنتاجية النهائية للمنتج، فضلًا عن ارتفاع التكاليف والأسمدة، وهي عوامل رئيسية تدفع إلى ارتفاع أسعار المحاصيل الزراعية ككل وليس البطاطس فقط.

وفي آخر إحصائية للحجر الزراعي التابع لوزارة الزراعة، بلغ إجمالي الصادرات الزراعية في الفترة من يناير/ يونيو من العام الجاري، نحو 4.6 مليون طن، مقابل 4.1 مليون طن عن نفس الفترة من العام الماضي بزيادة 9.5%.

يقول ناصر عبدالوهاب – رئيس مجلس إدارة شركة الصفا للحاصلات الزراعية والتصدير-، إن أبرز الحاصلات الزراعية التي تٌصدرها مصر للخارج هي: “البرتقال، والبصل، والبطاطس، والفراولة، والعنب، والرمان، والمانجو”.

بلغ تصدير الموالح المصرية منذ بداية العام حتى يونيو 2024 نحو 1.9 مليون طن، مقابل 1.8 مليون طن بزيادة 5.5% عن العام الماضي، إذ تعتبر الموالح هي المحصول التصديري الأول في مصر.كما تم تصدير 121321 طن بصل مقابل 283305 بانخفاض نحو 57% عن نفس المدة من العام الماضي، بسبب قرار الحكومة بحظر تصدير البصل لتوفيره للسوق المحلي والمساهمة في خفض أسعارها. وتم تصدير 892999 طن بطاطس في الفترة من يناير حتى يونيو 2024 مقابل 815963 في نفس الفترة من العام الماضى بزيادة 9.9% تقريبا، بحسب تقرير صادر عن الحجر الزراعي.

يبين “عبد الوهاب” في حديثه إلينا، أن ارتفاع أسعار البطاطس هذا العام، نتيجة ندرة كمية التقاوي. ويشير إلى أن الموسم الجاري شهد أزمة حقيقة في أسعارها داخليًا وخارجيًا نتيجة ندرة التقاوي وارتفاع أسعارها وضعف المنتج النهائي هذا الموسم، إذ أن سعر كيلو البطاطس بلغ 25 جنيهًا في السوق المحلية، مقابل أن طن البطاطس في التصدير بلغ سعره نحو 850 دولار.

يكمل: “هناك زيادة في الصادرات الزراعية هذا العام، لكن العائد منها تراجع عن الأعوام السابقة، بسبب “بيع العمولة” في الأسواق الخارجية، ما يسبب هامش ربح ضعيف للمصدرين، إذ أن هناك بعض الخسائر للمصدرين نتيجة قيام شركات أخرى مصرية بحرق أسعار البضائع في الأسواق الخليجية والأوروبية.”، مشددًا على ضرورة إيقاف التصدير لمحصول البطاطس لمحاولة توفيرها في السوق المحلية لعدم ارتفاع أسعارها الفترة المقبلة.

ويضيف، أن يجب فتح استيراد التقاوي لكافة المصدرين وزيادة الكميات لمنع الاحتكار ورفع الأسعار، كما أنه لزيادة الحصيلة الدولارية يجب إيجاد حلول لمنع بيع العمولة في دول الخليج، وإلزام كافة المصدرين باستلام قيمة الشحنات قبل تصديرها للخارج لضمان دخول العملة الصعبة إلى البلاد.

في السياق ذاته، يقول سامح السخاوي – رئيس مجلس إدارة شركة السخاوي لتصدير الحاصلات الزراعية-، إن سبب ارتفاع أسعار البطاطس في السوق المحلية يرجع لعدة أسباب أبرزها؛ ارتفاع التكلفة من أسمدة ومبيدات وتقاوى مستوردة من الخارج بالعملة الأجنبية، ونقص كميات التقاوي الواردة من الخارج هذا العام عن العام الماضي.

يضيف أن إجمالي الكميات الواردة من تقاوي البطاطس العام الماضي بلغ نحو 138 ألف طن، مقابل 118 ألف طن هذا العام، بفارق 20 ألف طن انخفاضًا في محصول التقاوي المستوردة التي ينتج منها بطاطس طوال العام، وتستخدم للسوق المحلية والخارجية، إضافة إلى إنتاج التقاوي اللازمة للعروة الشتوية في مصر.

ويشير إلى أن كل ما سبق من المعطيات مع زيادة التكلفة ونقص الإنتاج وفتح أسواق جديدة في بعض الدول الخارجية، أدى لنقص المعروض داخليًا بنسبة 30% عن العام الماضي، ما تسبب إلى زيادة الأسعار مع ارتفاع التكلفة. هذا الخلل التي تشهده الأسواق كافة الدول منها دول الاتحاد الأوروبي، بسبب التغيرات المناخية التي أدت إلى انخفاض المحصول، وبالتالي عجز غذائي تشهده الأسواق اليوم.

يعلق عبد المسيح سمعان – الأستاذ بكلية الدراسات والبحوث البيئية جامعة عين شمس-، “كل محصول ينمو وفقًا لدرجات حرارة معينة، وفي حالة اختلاف تلك الدرجات خاصة بالزيادة ينخفض إنتاجية المحصول، على سبيل المثال القمح تنخفض إنتاجيته بنسبة 9% في حالة ارتفاع درجات حرارة الأرض بدرجتين، و 18% في حالة ارتفاع درجات حرارة الأرض ثلاث درجات.”

ويضيف أن هناك محاصيل أخرى تتأثر سلبًا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وقياسًا على ذلك محصول البطاطس وغيرها من المحاصيل الزراعية، لكن المحصول الوحيد التي تترفع انتاجيته هو القطن مع زيادة درجات الحرارة. ويرى أن الزراعة المحمية عبر الصوب، التي تساعد على ضبط درجات الحرارة حسب ما يحتاجه المحصول وحمايته من التغيرات المناخية، إضافة إلى استحداث بذور مهجنة تتحمل درجات الحرارة العادية من خلال الهندسة الوراثية لتحمل الظروف المناخية والتغيرات. كما أن التغيرات المناخية تشكل خطرًا كبيرًا على الزراعات، إذ يُمكن أن تؤدي إلى تلف المحاصيل وانتشار الأمراض والحشرات، وفق تحذيرات سابقة لـ شاكر أبو المعاطي، أستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.
محمد أبو زايد
صحفي متخصص في تغطية الزراعة والتعليم في مصر

Search