أمام أحد منافذ توزيع السلع التموينية بمحافظة الجيزة، وقفت هدى (54 عامًا) حائرة تتأمل حصتها التموينية لشهر أغسطس. تقول إنها اعتادت استلام حصص أسرتها من السلع التموينية منذ أكثر من 30 عامًا، تبدلت فيها الأحوال كثيرًا، واختفت العديد من السلع بشكل لا رجعة فيه، بينما تتواصل الضغوط الاقتصادية على الأسر الأشد احتياجًا.
تحكي هدى وهي أرملة وأم لثلاث فتيات: “قبل 30 عامًا كنت في بيت والدي، ستة إخوة وأمي وأبي، نستلم كل السلع التي نستخدمها في المنزل على بطاقة التموين، حتى المنظفات والصابون، بأسعار زهيدة، لكن مع تقدم الوقت بدأت السلع في التناقص المستمر وارتفعت أسعارها، وخلال السنوات الأخيرة سمعنا أخبار كثيرة عن إلغاء الدعم على السلع التموينية، ونتمنى ألا يحدث ذلك، خاصة أن كافة الأسعار قد ارتفعت بشكل قياسي، ما أجبرنا على عدم مواكبتها، وتسبب في نقص السلع الأساسية من منزلنا”.
وتضيف: “أحصل على معاش أبي الذي كان يعمل موظفًا بقطاع الري والصرف الصحي، لأن زوجي لم يكن موظفًا ولا يتقاضى معاش، ونحصل شهريًا على بعض السلع التموينية، منها الزيت، والسكر، والمكرونة، والخبز، لكنني أشعر بعبء كبير جدًا لتوفير احتياجات أسرتي الشهرية، نظرًا للارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع، كما أنفق الجزء الأكبر من دخلي على تعليم بناتي، لذلك يعد التموين والدعم ضرورة أساسية لحياتنا لا يمكننا الاستغناء عنها.”
قبل أيام، أعلنت الحكومة المصرية إلغاء صرف السكر الإضافي على بطاقات التموين، اعتبارًا من الأول من سبتمبر المقبل، والذي بدأ طرحه في ديسمبر الماضي، على البطاقة التموينية بقيمة 27 جنيهًا للكيلو الواحد بهدف تحقيق التوازن وزيادة المعروض من السكر في الأسواق، على أن يصرف كيلو واحد لكل بطاقة بها ثلاثة أفراد أو أقل، ويصرف كيلوين لكل بطاقة بها أربعة أفراد أو أكثر، الأمر الذي أثار حالة من القلق لدى المواطنين حول إلغاء مزيد من السلع على بطاقات التموين، لتعود الحكومة وتوضح أن القرار لا يشمل السكر المدعم ولكنه يتعلق بالطرح الإضافي فقط.
تخوفات المصريين لم تأت من فراغ، فقبل أشهر، أقرت الحكومة رسميًا على لسان متحدثها الرسمي محمد الحمصاني، نيتها “العمل على تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، بمعنى أن كل مواطن سيحصل على مبلغ محدد سلفًا من المال بصفة شهرية، على سبيل المثال تحصل الأسرة المكونة من خمسة أفراد على ما يصل إلى 5000 جنيه شهريًا”.
وقد أثارت هذه التصريحات موجة من الغضب، حينها، إذ اعتبر البعض أن مبلغ الـخمسة آلاف جنيه لن يغطي سوى تكلفة الخبز بعد زيادة أسعاره نتيجة إلغاء الدعم، فيما توقع آخرون تضاعف أسعار السلع والخدمات في السوق المحلية مع إقدام الحكومة على مثل هذه الخطوة، ما دفع “الحمصاني” إلى التوضيح بأنه “لا يوجد مبلغ محدد حتى الآن فيما يتعلق بالدعم النقدي”، وأوضح أن المبلغ الذي ذكره في تصريحاته “كان على سبيل المثال، وليس من المتوقع أن تتجه الحكومة إلى تطبيقه في إطار سياستها لاستبدال الدعم العيني بالدعم النقدي”.
وقال إن “الدعم النقدي سوف يغطي عددًا من الخدمات وليس كل الخدمات، لو افترضنا أن تكلفة الدعم يصل إلى ألف جنيه للفرد الواحد في الشهر، وافترضنا أن الأسرة مكونة من خمسة أفراد، فإنها بالتالي ستحصل على خمسة آلاف جنيه شهريا، وهذا مجرد مثال”.
تصريحات الحمصاني، وبعد توضيحها، أبقت على حالة الخوف لدى المواطنين، خاصة أن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أتبعها، بتصريحات أخرى حول ارتفاعات محتملة بأسعار الخبز، حين أعلن خلال مؤتمر صحفي في مايو الماضي أن “من الضروري تحريك سعر الخبز؛ لتقليل حجم الدعم الرهيب”. وبالفعل رفعت مصر سعر رغيف الخبز المدعم 300% إلى 20 قرشًا بداية من يونيو الماضي.
رئيس الوزراء تحدث أيضًا عن توجه حكومته لإلغاء الدعم العيني على السلع واستبداله بآخر نقدي، وقال: “قيمة الدعم السنوي للخبز في مصر تبلغ 120 مليار جنيه، والإنتاج اليومي يصل إلى 100 مليار رغيف”، مشيرًا إلى أن حكومته تدرس تحويل الدعم العيني إلى نقدي للأسر المستحقة، لكنه أكد أن الدولة ستظل ملتزمة بالدعم ولا سيما على السلع الأساسية وأن ما يجري هو محاولة ترشيده فحسب، وذكر أن الدعم النقدي لن يكون رقمًا ثابتًا بل سيرتبط بمعدل التضخم والأسعار العالمية، وأن الحكومة تستهدف وضع تصور تحويل الدعم إلى نقدي قبل نهاية العام لوضع خطة وبدء التطبيق اعتبارًا من موازنة السنة المالية 2025-2026.
نوصي للقراءة: تحت وطأة التضخم: كيف تخلى مصريون عن سلع أساسية لمواجهة ارتفاع الأسعار؟
لماذا الآن؟
يرتبط جوهر التحركات المصرية في الملف الاقتصادي، بحسب مراقبين، باشتراطات صندوق النقد الدولي، الذي أكد مرارًا أن السلطات مطالبة بتحويل الدعم العيني، بما في ذلك دعم المحروقات والطاقة، إلى دعم نقدي، من خلال التوسع في برامج شبكة الحماية الاجتماعية، مثل برنامج “تكافل وكرامة”، الذي تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة، لإعانة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجًا.
في المقابل يقول المتحدث باسم مجلس الوزراء محمد الحمصاني إن رفع الدعم ليس بالضرورة شرطًا من شروط صندوق النقد الدولي، مؤكدًا أن هذه الإجراءات تأتي في إطار برنامج إصلاح اقتصادي مصري خالص، قائلًا: “حتى لو صندوق النقد يطالب بترشيد الدعم وإجراء إصلاحات معينة بالموازنة العامة للدولة، ولكن لم يكن في أي لحظة من اللحظات هذا الأمر بمثابة شرط علينا؛ ولكن رغبة وإرادة مصرية بالأساس، الإصلاح مصلحة مصرية قبل أن يكون شرطًا لصندوق النقد”.
من جهته يقول عضو مجلس النواب، ضياء الدين داود، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إن غالبية الإجراءات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة ترتبط مباشرة بشروط صندوق النقد الدولي، واصفًا حكومة مدبولي بأنها “حكومة الصندوق”، التي تسعى بشكل أساسي لتطبيق الشروط دون النظر إلى تأثيرات ذلك على المواطن المصري الذي بات يواجه ضغوطًا معيشية متزايدة”.
ويحذر “داود” من أن تؤدي مثل هذه الإجراءات في حال إقرارها إلى عواقب وخيمة تتعلق برفع منسوب الغضب وعدم رضاء المواطنين عن الأداء الحكومي، خاصة في ضوء الارتفاعات غير المسبوقة لأسعار السلع الأساسية، مشيرًا إلى أن عملية تحويل الدعم العيني على السلع والمنتجات، خاصة المواد الغذائية المرتبط أصلًا بسعر الدولار، يضع أمام المواطن أعباء إضافية تتعلق بطعامه بشكل أساسي، خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية التي يحتاجها المواطن بشكل أساسي.
وينوه البرلماني المصري إلى أن مطالب المواطنين في ثورتي 25 يناير و30 يونيو ارتبطت بشكل وثيق بتحقيق العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وانهيار تلك المنظومة يعني وضع الدولة برمتها في مواجهة المواطن. يضيف: “أظن أنه ليس هناك من يمكنه تحمل الكلفة الأمنية التي قد تترتب على وقوع أي نوع من حالات الهياج الاجتماعي نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، رغم أن الناس تحملت صدمات وزلازل وبراكين نتيجة الإدارة الخاطئة للملف الاقتصادي خلال السنوات الماضية.”
ويؤكد رفضه القاطع لمقترح تحويل الدعم العيني إلى نقدي، خلال طرحه في البرلمان منذ عام 2016، متوقعًا ألا تقدم الحكومة على مثل هذه الخطوة في القريب العاجل، نظرًا لما ستحمله من تداعيات خطيرة على حالة السلم الاجتماعي، مستدلًا على ذلك بالتردد فيما يتعلق برفع سعر الخبز المدعم، وعدم قدرة الحكومة على إقرار الزيادات إلا بعد نحو ثلاث سنوات من المناقشات.
يشير “داود” إلى أهمية أن تعيد الحكومة مناقشتها مع صندوق النقد الدولي، فيما يتعلق بقرارات رفع الدعم عن السلع التموينية التي تتعلق بشكل مباشر بحياة الأسر البسيطة التي لا تملك حماية اجتماعية تمكنها من الصمود في ضوء الأزمات الراهنة والمتعاقبة، مؤكدًا أن الواقع في مصر لا يسمح بتطبيق مثل هذه القرارات، على العكس من ذلك يتطلب زيادة في توفير غطاءات حماية اجتماعية للمواطنين، خاصة الفئات الأشد احتياجًا.
ووفقًا للبنك المركزي المصري، تتبنى الحكومة سياسات مالية تقشفية اضطراريًا لمعالجة مديونية الدولة المتفاقمة، التي بلغت 93.5% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2021، ارتفاعًا من 73.8% من الناتج المحلي الإجمالي في بداية عام 2013. ونتيجة لذلك، تم تحويل ما يقرب من 35% من الموازنة العامة نحو سداد سعر الفائدة، مما يزيد الضغوط على المواطنين.
ومع نسبة تضخم وصلت إلى 35.2% نهاية ديسمبر الماضي، و ارتفاعات متتالية للأسعار، تقتصر محاولات الحكومة للمواجهة على قرارات مثل: رفع الحد الأدنى للأجور، أو زيادة مبالغ برامج الحماية الاجتماعية والمعاشات. ورغم هذا لا يستفيد جميع المواطنين من تلك القرارات، فضلًا عن كونها لا تجاري نسب زيادة التضخم وارتفاع الأسعار.
وفي حين رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور للعاملين في مؤسساتها إلى ستة آلاف جنيه للقطاعين العام والخاص، وكذلك المعاشات ليكون حدها الأدنى 1500 جنيه، ومع ذلك لا يستفيد العاملون في الزراعة أو المهن الحرة أو القطاع غير الرسمي من أي زيادة تقررها الحكومة.
وطبقًا للأرقام الرسمية فالأسرة المكونة من أربعة أفراد تحتاج إلى 3218 جنيهًا في الشهر للوفاء باحتياجاتها الأساسية – حسب أرقام 2020- وهي أرقام زادت أضعافًا الآن بسبب التضخم.
في عام 2016، وضعت مصر رؤية تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، تجسدت في استراتيجية التنمية المستدامة 2030، ويعد القضاء على الفقر أحد الأهداف الرئيسية للأمم المتحدة. وقد تم تحديده كهدف أول في أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2015، والتي تدعو إلى القضاء على الفقر بجميع مظاهره في كل مكان. ويتجاوز مفهوم الفقر هنا الافتقار إلى الدخل أو سبل العيش المستدامة ويمتد إلى الجوع وسوء التغذية وعدم القدرة على الوصول إلى التعليم والصحة والخدمات الأساسية والتهميش.
وساهم برنامج تكافل وكرامة في انتشال بعض من فقراء صعيد مصر من براثن الفقر المدقع، إذ انخفض معدل الفقر الوطني أي نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر- من 32% في عام 2017-2018 إلى 29.7% في عام 2019-2020. وانخفض الفقر من 52% إلى 48% في محافظات صعيد مصر خلال نفس الفترة، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء.
في المقابل يرى مراقبون أن قيمة المساعدات الشهرية أقل من خط الفقر القومي الذي حددته الحكومة (10300 جنيه في السنة)، نفس الحال عند مقارنة قيمة ما يتقاضاه الفرد من برامج الحماية مع معدلات التضخم الحالية. كما خصصت الحكومة 529 مليار جنيه تقريبًا لبرامج الحماية الاجتماعية في موازنة 2024/2023.
وتشير أرقام رسمية إلى أن إجمالي من يتحصلون على معاشات تكافل وكرامة من الأسر يصل إلى 22 مليون فرد أي أقل من إجمالي النسبة الرسمية للفقر بـثمانية ملايين شخص تقريبًا، والموظف الذي يتقاضى الحد الأدنى للأجور لا يتم تقديم أي دعم نقدي آخر إليه باعتبار أن برامج الحماية الاجتماعية لا تقدم إلى أي موظف.
وقد شهدت أسعار الطعام والمشروبات في مصر ارتفاعًا ملحوظًا في أسعارها بنسبة 60.1% خلال ديسمبر 2023 مقارنة بالعام السابق له، مما وضع مصر في صدارة قائمة الدول الأكثر تضررًا من تضخم الغذاء عالميًا وفقًا للبنك الدولي. وقد أدت الأزمة إلى ارتفاع متسارع في المؤشرات العامة للتضخم، خاصة في أسعار المواد الغذائية، نتيجة تدهور قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار بشكل متكرر منذ عام 2016 وارتفاع تكاليف استيراد المواد الغذائية.
وشهدت معدلات تضخم الطعام السنوية قفزات منذ نوفمبر 2016 (أول تعويم لـ الجنيه) لتبلغ في ديسمبر 2018 نحو 13.1%، وبعد تغيير سنة الأساس من 2010 إلى 2018 انخفض المعدل في ديسمبر 2019 إلى 0.1% غير أنه عاد إلى الارتفاع بمعدلات أعلى ليصل إلى 60.1% في ديسمبر 2023.
نوصي للقراءة: مصر الأكثر تضررًا من تضخم أسعار الغذاء.. لماذا؟
بطاقة التموين
طالما مثلت بطاقة التموين، التي تم إصدارها للمرة الأولى قبل نحو 83 عامًا، تزامنًا مع الحرب العالمية في 1939، مصدر أمان بالنسبة للأسر المصرية خاصة الفقيرة، وكلما اشتدت على المصريين أزمة كانت البطاقات حاضرة، والحكومة مستعدة لزيادة عدد السلع المُقدمة من خلالها بأسعار مخفضة، لتخفيف معاناة المواطنين، حدث ذلك إبان حرب 1967، ومنذ عام 1952 وبالتزامن مع ثورة يوليو، سمحت الحكومة بصرف سلع مثل: الدقيق والقمح والسكر والزيت والشاي والسمن والأسماك والدواجن واللحوم وبعض الأنواع من المعلبات، حتى تغير النظام الاقتصادي للدولة من الاشتراكية إلى الرأسمالية مع تولي الرئيس السابق السادات مقاليد الحكم في مصر.
ويبلغ عدد بطاقات التموين في مصر نحو 23 مليون بطاقة، يستفيد منها قرابة 64 مليون مصري من مجموع عدد سكان مصر البالغ نحو 103 مليون نسمة، فيما بلغت فاتورة دعم السلع الغذائية في مصر 87.2 مليار جنيه مصري (ما يعادل نحو 5.5 مليار دولار) طبقا لموازنة العام المالي 2022/2021، منها 50 مليار جنيه لدعم الخبز و37 مليار جنيه لدعم السلع التموينية.
شهد نظام البطاقات التموينية في مصر تطورات كبيرة منذ الثمانينيات، حيث أدى التزايد السكاني إلى ضغوط على الميزانية، مما دفع الدولة إلى إجراء إصلاحات لترشيد الدعم وتقليل عدد المستفيدين والسلع المدعومة. ومع مرور الوقت، تحول النظام من بطاقات ورقية إلى بطاقات ذكية، وطبقت الحكومة ضوابط أكثر صرامة لاستهداف الفئات الأكثر احتياجاً.
ومنذ 2014، شهد نظام البطاقات التموينية في مصر تطورات ملحوظة، فبعد تنقية شاملة تم حذف ما يقرب من 10 ملايين بطاقة، مما قلص عدد المستفيدين إلى حوالي 70 مليون مواطن من إجمالي سكان مصر البالغ حينها 103 ملايين، ويستفيد حاليًا حوالي 64 مليون مواطن من البطاقات التموينية، بالإضافة إلى 73 مليون مستفيد من دعم الخبز. ويحصل كل فرد على 30 سلعة مدعمة بقيمة 50 جنيهًا شهريًا، بالإضافة إلى 150 رغيف خبز مدعم.
يقول حامد إبراهيم – صاحب أحد منافذ توزيع السلع التموينية بمحافظة الجيزة- في حديثه معنا إن الأمر تغير كثيرًا على مدار السنوات العشرة الماضية، وتقلصت أعداد المواد الغذائية والسلع التي يتم صرفها للمواطنين بشكل مستمر، مثلًا في عام 2010 كان نصيب الفرد الواحد (كيلوين من السكر، بمبلغ 2.5 جنيه، وزجاجة زيت سعرها ثلاثة جنيهات، وعلبة شاي سعرها 65 قرشًا) ويتم الدفع نقدًا للموزع، لكن منذ عام 2014 صرفت الحكومة بطاقات ذكية، حصة الفرد فيها 50 جنيهًا فقط، مع ارتفاع في أسعار السلع على البطاقات التموينية.
ويضيف: “بطاقة التموين لفردين بها 100 جنيه. في بداية 2014 كانت تغطي سعر ثلاثة كيلوات من السكر وكيلو من الأرز وزجاجة زيت، ثم بدأ رفع أسعار السلع تدريجيًا. اليوم الفرد يحصل على كيلو سكر سعره 12.60 جنيه، وزجاجة زيت سعرها 30 جنيهًا، ومعهم إما عبوة شاي أو علبة جبنة 100 جرام”.
ويتابع: “تم إلغاء الكثير من البطاقات خلال السنوات الماضية، بعد تنقية المستحقين، منهم العاملين بالخارج، وأصحاب السيارات، وذوي الدخل المرتفع، وكان من المتوقع أن يتزامن مع ذلك زيادة السلع للأسر المستحقة والأكثر احتياجًا”.
إلى ذلك، يعقب أستاذ الاقتصاد السياسي، كريم العمدة، في حديثه إلى زاوية ثالثة أن ما يحدث هو إعادة هيكلة الدعم لا إلغائه، مؤكدًا أن عملية إلغاء الدعم العيني عن كافة السلع، أمر غير منطقي وقد يؤدي لعواقب اجتماعية وخيمة، وأن ما تستهدفه الحكومة يتعلق بإعادة الهيكلة بحيث يتم استبعاد الفئات غير المستحقة لـ توفير فائض.
ويشير “العمدة” إلى ارتفاع نسب الفقر في مصر، إذ تجاوزت الـ30 مليون مواطن تبعًا للإحصائيات الأخيرة، ما يؤكد أهمية استمرار تقديم الدعم العيني على السلع للمواطنين، خاصة الفئات الأكثر احتياجًا مع استمرار سياسات التنقية، بهدف حجب الدعم عن غير المستحقين خاصة ما يتعلق بدعم الوقود والكهرباء والطاقة، والاستفادة من ذلك لدعم الفئات الهشة.
ويقول إن ملف الدعم من الملفات ذات الحساسية الشديدة والتي قد تشهد نوعًا من المتاجرة من جانب الحكومة وكذلك المعارضة، لكن عملية إلغاء الدعم تظل مستحيلة في ضوء ارتفاع نسب الفقر والتضخم، وتداعي الظروف الاقتصادية على المواطن المصري، لكن ما يتوجب على الحكومة فعله هو التوسع في سياسات دعم الفقراء والطبقات الهشة مقابل حجب الدعم عن غير المستحقين.
نوصي للقراءة: السكر في مصر: شُح وارتفاع أسعار واحتكار رغم اهتمام القيادة السياسية
تداعيات إلغاء الدعم العيني
تشير أغلب التقديرات إلى تداعيات اجتماعية خطيرة في حال إلغاء الدعم العيني على السلع أو تحويله إلى دعم نقدي، خاصة مع ارتفاع الأسعار وزيادة نسب التضخم، وفي السياق نفسه، يحذر البرلماني السابق وعضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين والقيادي بالحركة المدنية، طلعت خليل، من هذه التداعيات.
يقول “خليل” في حديثه إلى زاوية ثالثة، إنه يجب في البداية التفرقة بين ثلاثة أشكال للدعم واردين في البند الرابع من الموازنة العامة؛ وهم الدعم العيني والمنح والمزايا الاجتماعية، مؤكدًا أن تحويل الدعم العيني إلى نقدي غير مناسب تمامًا خاصة فيما يتعلق بـ الخبز والسلع التموينية التي تعد سلع استراتيجية للمواطن المصري.
ويوضح أن هذا التحول خطير جدًا على المواطن، لأنه في حال ربط الدعم لـ قيمة مادية يتلقاها المواطن بسلعة متغيرة السعر عالميًا، يصبح الدعم غير مفيد، بمعنى في حال حصل المواطن على 150 جنيهًا للخبز، اليوم سيتمكن من الشراء، لكن مع الوقت ستبدأ الأسعار في الزيادة، بينما الدعم النقدي ثابت ما يعني أنه سيواجه عبأ إضافيًا لتوفير احتياجاته الأساسية، وبالتالي “وضعنا المواطن أمام ضغوط إضافية”.
وينوه “خليل” إلى أنه في ضوء الضغوط الحياتية المستمرة قد يضطر المواطن لشراء سلع أخرى أو إنفاق الدعم النقدي على مستلزمات أخرى، وبالتالي سيواجه نفس المشكلة في توفير حاجاته الأساسية من الطعام والشراب، بل في بعض الحالات قد يحصل على الدعم النقدي مواطن غير مسؤول مثلًا ينفقها في أوجه غير مفيدة ولا تستفيد منها أسرته.
ويرى أن منظومة الدعم العيني تتعرض للتسريب والسرقات، لكن الحل هو منع السرقة ووضع آليات وضوابط تضمن وصول الدعم لمستحقيه وحجبه بشكل كامل عن غير المستحقين، لكن تحويله إلى نقدي بدون أي دراسة سوف يزيد بشكل كبير من نسب المعاناة التي يعانيها المواطن المصري.
وتشير دراسة صادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إلى أن الدعم النقدي له عيوب كبيرة جدًا عند الالتجاء إليه كطريقة للحماية الاجتماعية للفقراء. أولًا: قيمته الحقيقية فيما يوفره من سلع تنخفض بمرور الوقت، مع تزايد التضخم بمعدلات كبيرة. وثانيًا: يحتاج الدعم النقدي لشبكة معلومات دائمة التحديث وعمليات تقييم متواصلة تستنزف الموارد عبر جهاز كبير من الموظفين الحكوميين القائمين على التقييم. وثالثًا: مازال الدعم النقدي المطبق خلال السنوات الماضية يستبعد شريحة كبيرة من الفقراء ويعاني من تسرب كبير إلى غير المستحقين. وهو ما يهدم منطق التحول من أساسه إلا لو كان الغرض هو تخفيض الدعم.
ويمثل الدعم العيني في مصر حاليًا أفضل الحلول لمشاكل الجوع ونقص التغذية – حسب خبراء، فقد يؤدي التحول للدعم النقدي إلى مشكلات في توزيع الموارد المالية داخل الأسر، منها استئثار الأفراد الأكبر سنًا والأكثر قوة داخل منظومة العلاقات الاجتماعية بمبالغ الدعم وعدم حصول الأطفال عليها، كما أن المصروفات الطارئة المرتبطة بالتعليم والصحة قد تدفع الكثيرين إلى إنفاق مبالغ الدعم الغذائي علي أشياء أخري غير الغذاء، مما يفاقم من المشاكل المرتبطة بتغذية الفقراء في مصر، وفق الدراسة ذاتها.
وينص الدستور المصري في المادة (17) على أن “ تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعى. ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي، بما يضمن له حياة كريمة، إذا لم يكن قادرًا على إعالة نفسه وأسرته، وفى حالات العجز عن العمل والشيخوخة والبطالة. وتعمل الدولة على توفير معاش مناسب لصغار الفلاحين، والعمال الزراعيين والصيادين، والعمالة غير المنتظمة، وفقًا للقانون. وأموال التأمينات والمعاشات أموال خاصة، تتمتع بجميع أوجه وأشكال الحماية المقررة للأموال العامة، وهى وعوائدها حق للمستفيدين منها، وتستثمر استثمارًا آمنًا، وتديرها هيئة مستقلة، وفقاً للقانون. وتضمن الدولة أموال التأمينات والمعاشات.”
وتنص المادة (79) على أنه “ لكل مواطن الحق فى غذاء صحى وكاف، وماء نظيف، وتلتزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة. كما تكفل السيادة الغذائية بشكل مستدام، وتضمن الحفاظ على التنوع البيولوجي الزراعي وأصناف النباتات المحلية للحفاظ على حقوق الأجيال.”
ورغم ما تنصه المواد الدستورية من ضمانات للحماية الاجتماعية للمواطنين، وتشديد على التزام السلطة بالفئات المهمشة والأكثر احتياجًا؛ إلا أن منظومة التموين تبقى السند الأخير الذي يثق المصريون في أنه الوحيد الذي يسهم في تدبير جانب هام من احتياجاتهم الغذائية، متطلعين إلى الإبقاء عليه وسط تطورات اقتصادية باتت شديدة الصعوبة.