ضمور العضلات: مرضى يواجهون الموت والحكومة خارج الخدمة

مصدر إداري بهيئة التأمين الصحي أكد أن السبب الرئيسي في عدم توفير الدواء يرجع إلى ارتفاع تكلفته ونقص الموارد المالية بسبب أزمة الدولار.
Picture of رشا عمار

رشا عمار

تحمل منى صاحبة الـ 42 عامًا، من محافظة المنيا، نجلها عبد الهادي البالغ من العمر 24 عامًا، المريض بضمور العضلات الشوكي، يوميًا في رحلة عذاب شاقة إلى المستشفى التي تبعد عن البيت نحو عشرة كيلومترات لتلقي جلسات تنفس صناعي بعد تدهور حالته الصحية وعدم قدرتها على توفير علاج له، في ظل ارتفاع سعر الدواء وعدم توافر الادوية الخاصة بعلاج مرضى ضمور العضلات في مصر بشكل عام. وخلال رحلتها الطويلة لا تهتم الأم بمشقة الطريق قدر ما تخشى من صعوبة توافر طبيب مختص بالمستشفى للتعامل مع حالة ابنها، وعادة ما يحدث ذلك، وتضطر للعودة دون تلقي أي علاجات.

تقول منى إلى زاوية ثالثة: ” أنا أم لثلاثة أبناء يعانون من مرض ضمور العضلات، الأكبر عبد الهادي 24 عامًا، يليه محمد (21 عامًا)، وعبد الرحمن (14 عامًا)، لا يتوافر لهم علاج أو رعاية طبية، لكن المشكلة الكبرى تتمثل في صعوبات التنفس التي يعاني منها شافعي، والتي تتطلب عناية خاصة وأجهزة تنفسية. ومع ذلك، نواجه صعوبات كبيرة نتيجة نقص الإمكانات المتاحة لعلاج مرضى الضمور، ونقص الخبرة الطبية في تشخيص الحالة بدقة.”

وتضيف أن أبناءها الثلاثة لا يتمتعون بأي نوع من التأمين الصحي، ولا يتلقون أي دعم من المستشفيات الحكومية، على الرغم من محاولاتها السابقة للحصول على مساعدة من برنامج “تكافل وكرامة”. بالنسبة لتكاليف العلاج، تؤكد أنها تتحملها بالكامل من مواردها الخاصة، مشيرة إلى أن عبد الهادي استمر في تلقي العلاج لفترة طويلة، دون أي تحسن وكذلك أشقاءه.

تطالب منى في حديثها معنا بتوفير أجهزة التنفس والعناية اللازمة لمرضى ضمور العضلات، مؤكدة أن ذلك يعد مطلبًا ملحًا، وأيضًا توفير الرعاية الطبية المناسبة لهم، خاصة في ظل حاجتهم الملحة للعلاج المستمر لتحسين نوعية حياتهم وضمان استقرار حالتهم الصحية.

يواجه مرضى ضمور العضلات في مصر، مؤخرًا، أزمة تتعلق بعدم توافر الأدوية وارتفاع أسعارها بشكل كبير في ضوء أزمة نقص الدواء بالسوق المصرية نتيجة ارتفاع أسعار الدولار، إضافة إلى ذلك يعاني المرضى، بحسب ما تحدثوا به إلى زاوية ثالثة من نقص الخدمات الطبية المقدمة لهم، وعدم توافر التخصصات الطبية المعالجة للمرض بالمستشفيات الحكومية، ذلك رغم المبادرات والوعود المتكررة على مدار السنوات الماضية بتوفير خدمة طبية وعلاجية لهم، فضلًا عن عد التزام هيئة التأمين الصحي بتنفيذ أحكام قضائية ملزمة بعلاج مرضى الضمور “الدوشين”.

ضمور العضلات وعلاجه

تقول دعاء عاطف مكاوي -استشاري ومدرس أمراض المخ والأعصاب كلية طب قصر العيني- إلى زاوية ثالثة، إن ضمور العضلات وفقًا للمصطلح الشائع هو ضعف العضلات، لكن ليس كل مصاب بضعف العضلات يمكن اعتباره مريض ضمور، لأن التوصيف الطبي والعلمي للضمور هو نقص الكتلة العضلية، يمكن أن يكون حجم العضلة طبيعي لكن وظيفيًا لا تعمل بشكل جيد، وفي بعض الحالات ربما يكون وزن العضلة أكبر من الحجم الطبيعي لكنها زيادة كاذبة، لذلك لا يمكن توصيف كل ضعف في عضلات الجسم بأنه ضمور، كون الضمور مرتبط بوظائف العضلة وليس حجمها. 

وتوضح في حديثها معنا: “الأمراض العضلية عمومًا تندرج تحت شقين، الأول هو الأمراض الأولية وتعني وجود مشكلة داخل تكوين العضلة نفسه أو مكوناتها،  والثاني الأمراض العضلية الثانوية، والتي تطرأ على الجسم نتيجة مرض آخر تسبب بإضعاف العضلة، مثل أمراض الغدة الدرقية أو الكظرية،  قد تؤدي مضاعفاتها لضعف العضلات، وفي هذه الحالة يتطلب العلاج أولًا معالجة السبب الأساسي متمثلًا في مرض الغدة أو ارتفاع الكورتيزون في الدم الناتج عنه، وبالتالي علاج ضعف العضلة، وهناك سبب ثالث يتعلق ببعض الأدوية التي قد تسبب آثارها الجانبية ضعف في العضلات.” 

وتشير “دعاء” إلى أنه لا توجد دراسات أو إحصائيات دقيقة في مصر حول أعداد مرضى ضمور العضلات، لكن الدراسات العالمية تشير إلى أن شخص واحد من كل خمسة آلاف إلى عشرة ألاف شخص يصاب بمرض ضمور العضلات، تحديدًا النوع الأكثر شيوعًا هي أمراض العضلات الجينية، لكن بالنسبة للنوع الثاني وهو الأمراض العضلية الثانوية فلا يوجد أرقام محددة بخصوصها.” 

وتلفت “دعاء” أن أمراض ضمور العضلات هي من الأمراض النادرة، وبالتالي لا تتوافر تخصصات طبية واسعة بهذا المجال، فضلًا عن ذلك لم تكن تتوافر أيضًا أدوية محددة أيضًا لها حتى فترة قريبة، لكن مع التقدم في الأبحاث تم التواصل لقائمة من الأدوية لمختلف أنواع الضمور العضلي على رأسهم مرض (الدوشين) وهو أشهرهم، وهو أحد الأنواع الخطيرة من ضمور العضلات بسبب مضاعفاته الخطيرة. 

بحسب، استشاري ومدرس أمراض المخ والأعصاب كلية طب قصر العيني- تتوافر العديد من الأدوية الخاصة بمرض ضمور العضلات متوفرة في مصر، البعض منها غير متوفر لكن معظمها موجود، لكن الحصول عليها يتطلب أولًا التأكد من إصابة المريض بنوع من الضمور الجيني، وذلك يتطلب مروره على أكثر من لجنة لتشخيص حالته بشكل دقيق، كما يتطلب القيام ببعض الإجراءات الأخرى للحصول على الدواء.

وبالنسبة للبدائل المتاحة أمام المريض تقول “دعاء” إنه في حال عدم توافر أدوية، يتم التركيز على إعداد برنامج علاج طبيعي مخصص لكل مريض، ويتطلب هذا البرنامج إشراف أخصائيين ذوي خبرة في العلاج الطبيعي، خاصةً في التعامل مع أمراض العضلات، الهدف الأساسي هو مساعدة المريض على الحفاظ على صحة العضلات دون إجهادها، مع تعزيز قدرتها الوظيفية باستمرار، كما يتم تقديم دعم إضافي للمريض من خلال توفير أدوات مساعدة، وإرشادات واضحة للتعامل مع حالته، والتركيز على التواصل المستمر مع المريض للتعرف على أي مشاكل يعاني منها والعمل على حلها، مما يساعده على التكيف مع المرض، خاصةً في ظل غياب علاج شافٍ ونهائي لهذه الحالات.

وتوضح في حديثها مع زاوية ثالثة أن العلاج لا يقتصر فقط على التعامل مع مشاكل العضلات أو ضعفها، بل إن المرضى الذين يعانون من هذه الحالات غالبًا ما يواجهون مشكلات في أعضاء أخرى. على سبيل المثال، الأمراض العضلية التي تؤثر على العضلات القريبة من الجذع، خاصة في الأطراف العلوية والسفلية، قد تمتد تأثيراتها إلى عضلة القلب، مما يعرض حياة المريض للخطر بسبب مشاكل القلب، لذلك، يصبح من الضروري التعاون مع تخصصات طبية أخرى، مثل أطباء القلب، وأطباء الأمراض النفسية، خاصة أن بعض المرضى قد يعانون من الإحباط أو الاكتئاب نتيجة لحالتهم. وهناك أمراض عضلية معينة تصاحبها أعراض مثل القلق والتوتر، إلى جانب تأثير الحالة المرضية على نفسية المريض بشكل عام.

وتضيف: “أيضًا، في بعض الحالات نحتاج إلى تعزيز العضلات المتضررة وإعادة تأهيل المريض ليتمكن من الحركة مرة أخرى، سواء باستخدام أدوات مساعدة كالعصا أو المشايات، لذا، من الضروري أن يكون هناك تواصل مستمر وتنسيق بين التخصصات الطبية المختلفة لضمان توفير رعاية شاملة، الهدف الأساسي هو الحفاظ على حياة هؤلاء المرضى وجودتها بأفضل شكل ممكن حتى اللحظات الأخيرة.”

وتعرف مواقع طبية ضمور العضلات بأنه مجموعة من الأمراض الوراثية التي تتسبب في ضعف وتدهور تدريجي في العضلات الهيكلية التي تتحكم في الحركة، يتفاوت تأثير المرض من شخص لآخر، بحسب مواقع طبية متخصصة، ولكن في الغالب يؤدي إلى فقدان القدرة على الحركة تدريجيًا، وقد تصل الحالة إلى إعاقات شديدة أو الوفاة في بعض الحالات، يشمل المرض عدة أنواع، وتختلف أعراضه وشدته وفقًا لكل نوع.

من أشهر أنواعه، الضمور العضلي الشوكي (SMA)، الذي يعد الأكثر شيوعًا بين الأطفال، ويتسبب في ضعف العضلات وفقدان التنسيق الحركي، كما يعد الضمور العضلي الدوشيني أحد الأنواع المعروفة أيضًا، ويصيب الأولاد في الغالب ويظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، يبدأ ضعف العضلات من الأطراف السفلية، ويمكن أن يؤثر تدريجيًا على العضلات التنفسية، وهناك أيضًا الضمور العضلي الفاسيكي الذي يؤثر على عضلات الوجه والكتفين والذراعين، ويبدأ في سن المراهقة، أما الضمور العضلي اللاطيفي فيؤثر على العضلات المحيطة بالكتفين والفخذين، وقد يظهر في مرحلة الطفولة أو البلوغ.

 

نوصي للقراءة: نقص الأدوية وأكياس الدم يفاقم معاناة مرضى الثلاسيميا في مصر

أحكام قضائية دون تنفيذ

 تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من حالات وأهالي مرضى ضمور العضلات في مصر، كشفوا حصولهم على أحكام قضائية قبل سنوات لتلقي أبنائهم العلاج على مدار الحياة بالمجان من هيئة التأمين الصحي لكن القرارات لم تطبق حتى اللحظة، بسبب تعنت هيئة التأمين الصحي معهم، ويقول مينا ناجي ـوالد الطفل سعيد- المصاب بمرض “دوشن” أحد أشهر أنواع ضمور العضلات في مصر، إلى زاوية ثالثة إنه حصل على حكم قضائي ملزم لعلاج ابنه منذ عام 2023 لكنه لم يُنفذ حتى اللحظة، مشيرًا إلى أن هيئة التأمين الصحي أخطرتهم بعدم توافر الدواء، رغم إعلان وزارة الصحة عن توافر الأدوية في وقت سابق.

حكم قضائي لصالح طفل مريض يلزم التأمين الصحي بتوفير علاج له
حكم قضائي لصالح طفل مريض يلزم التأمين الصحي بتوفير علاج له

كانت وزارة الصحة، أعلنت في يونيو 2021 عن مبادرة لتوفير علاج لمرضى ضمور العضلات، وفق مبادرة رئاسية لعلاجهم، وحينها قالت الوزارة إنها خصصت 24 مركزًا طبيًا لاستقبال المصابين بمرضى الضمور العضلي وتقديم الخدمة الطبية من خلال إتاحة العلاج الجيني للمصابين من الأطفال من خلال برامج التأمين الصحي والتأمين لشامل، بالإضافة إلى ذلك وقعت الوزارة في يوليو من العام ذاته، بروتوكول تعاون مع شركة “بيولوجيكس” لتوفير العلاج لمصابي الضمور العضلي من الأطفال فوق سن العامين.

وفي أغسطس 2021 أعلنت الوزارة عن تقديم العلاج لعدد من مرضى ضمور العضلات في مركز علاج الضمور العضلي الشوكي بمعهد ناصر، تنفيذًا للتوجيهات الرئاسية بعلاج المرضى ومراعاة ظروفهم الإنسانية، وحينها أوضح الدكتور محمود سعيد، مدير معهد ناصر، أن هذا التحرك يعكس حرص الدولة على تحقيق حلم طال انتظاره، نظرًا لارتفاع تكلفة العلاج التي تصل إلى 3 ملايين دولار، ما يجعله غير متاح لمعظم المرضى، مشيرًا إلى أن “ مصر قامت بتوفير هذا الدواء لمواطنيها وهو ما لم تقوم به أغنى الدول في العالم.”

وقبل سنوات تحديدًا في عام 2021 ألزمت محكمة القضاء الاداري بمجلس الدولة، وزارة الصحة والتأمين الصحي، بإدراج مرض الضمور العضلي (دوشن)، وكذلك العلاج الخاص به (عقار أمونديس 45)، ببروتوكول الوزارة والتأمين الصحي، لكن شريفة مطاوع -رئيسة الجمعية المصرية لمرضى ضمور العضلات في مصر-  تؤكد في حديثها مع زاوية ثالثة أن القرار لم يطبق حتى الآن، رغم حصول عدد من المرضى على أحكام أخرى منذ سنوات تثبت أحقيتهم في الحصول على الدواء، ورغم تعدد المبادرات التي طالبت بتوفير العقار والرعاية الطبية اللازمة. 

 وتنص المادة رقم 18 من الدستور المصري على أنه “لكل مواطن الحق في الصحة وفي الرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. كذلك تنص المادة الأولى من القانون رقم 99 لسنة 1992 بشأن التأمين الصحي للطلاب على “ينشأ نظام للتأمين الصحي على الطلاب وفقا لأحكام هذا القانون، ويشمل على الأخص الفئات التالية: أطفال رياض الأطفال، طلاب مراحل التعليم الأساسي، طلاب مراحل التعليم الثانوي العام والفني.”

 تصف “شريفة” حياة المرضى بأنها معاناة متواصلة. وتقول في حديثها معنا إنه لا تتوافر أي رعاية طبية لمرضى ضمور العضلات في مصر، ومع انخفاض أعداد الأطباء المختصون بهذا المجال وعدم توافرهم في المستشفيات العامة، يجد المرضى وذويهم صعوبة كبيرة في تلقي الرعاية الطبية، وفي أغلب الحالات التي يحدث بها مضاعفات لا يتمكن المريض من تلقي خدمة طبية أو علاجية داخل المستشفيات، ما يعرض حياته للخطر بشكل كبير، ويمثل ضغط وعبء على أسرته.”

المعاناة الثانية التي يواجهها منها مرضى ضمور العضلات بحسب “شريفة” تتعلق بعدم توافر أدوية، حتى اليوم، في مصر لعلاج مرضى ضمور العضلات، وهنا توضح اختلاف أنواعه وتعددها والتي تصل إلى نحو 30 نوعًا، رغم تعدد المبادرات التي استهدفت توفير الدواء، لكن شيئًا لم يحدث على أرض الواقع، وما يزال المرضى يعانون بشكل يومي، في ضوء عدم توافر الأدوية داخل مصر وارتفاع أسعار الأدوية المستوردة وعدم تمكن غالبيتهم من الحصول عليها”.

وتقول شريفة إنه لا توجد أعداد محددة لأصحاب الأمراض النادرة، لكن الإحصائيات العالمية تقول إن واحد من بين 3400 شخص يعاني نوعًا من أمراض ضمور العضلات حول العالم، وبقياس هذه النسبة على مصر، نجد أن العدد التقريبي للمرضى يتجاوز مليون شخص، جميعهم يعاني بسبب الإهمال والتهميش وعدم توافر إجراءات واقعية للتعامل معهم، كما يواجهون مصير مجهول في ضوء عدم توافر الأدوية، مضيفة أن هناك دواء جيني تم التوصل إليه حديثًا يوفر شفاء كامل من المرض، لكن سعر الحقنة يصل 150 مليون جنيه، وقد تم توفيره للمرضى ببعض الدول مثل السعودية وقطر والإمارات، لكن وزارة الصحة المصرية لم تبدأ أي إجراءات خاصة بتوفير الدواء حتى اللحظة.

وتتابع شريفة: “نريد إجراءات حقيقية لمساعدتنا وتوفير الرعاية الطبية اللازمة لنا، حتى اليوم لا يوجد سوى قسم واحد لمرضى ضمور العضلات في مستشفى الدمرداش، وهو قسم جديد وغير كاف لاستقبال كافة المرضى، كما نطالب بتوفير الدواء لنا، ودراسة توفير الادوية الجينية التي قد تساعدنا على الشفاء، ما نريده إجراءات وليس مجرد مبادرات واحتفالات تحدث كل عام، بينما لاتزال المعاناة اليومية مستمرة، ونحن نواجه صعوبة يومية في الحياة”.


نوصي للقراءة:
مرضى العظام الرخامية في مصر: حين يتحول الأمل في زراعة النخاع إلى معركة بقاء

معاناة لا تنتبه لها الحكومة

تقول هناء أبو السعد، -مدرسة- من محافظة البحيرة: ” ابني يبلغ من العمر 8 سنوات مصاب بمرض ضمور العضلات الشوكي، بدأنا نلاحظ أعراض المرض عندما كان صغيرًا جدًا، مثل تأخر المشي وصعوبة في تحريك الأطراف، بعد زيارات عديدة للأطباء، تأكدت إصابته بهذا المرض النادر، ومنذ ذلك الحين بدأت معاناتنا.

وتضيف “هناء” في حديثها مع زاوية ثالثة: “أكبر مشكلة تواجهنا هي عدم توافر الأدوية اللازمة لعلاجه، العلاج الوحيد المتاح هو دواء “زولجنسما” السويسري، وهو علاج جيني تصل تكلفته إلى 3 ملايين دولار، مبلغ يفوق طاقة أي أسرة، لكن هناك ادوية أخرى أرخص ومن المفترض أن توفرها وزارة الصحة أو التأمين الصحي، وقد حاولت بشتى الطرق التواصل مع المستشفيات الحكومية للحصول على العلاج، لكن الرد دائمًا كان أن الإمكانيات محدودة، وأن عليَّ الانتظار، دون تحديد أي مواعيد واضحة.”

وتتابع: “ابني يحتاج أيضًا لجلسات علاج طبيعي مستمرة للحفاظ على ما تبقى من قدرته الحركية، ولكن حتى هذه الجلسات مكلفة جدًا ولا أستطيع تحمل تكلفتها بشكل دائم، نحن نعتمد على مساعدات من الجمعيات الأهلية أو بعض الأطباء الذين يقدمون تخفيضات بسيطة، لكن الأمر غير كافٍ، وما يؤلمني أكثر هو شعور العجز أمام ابني، عندما يسألني عن سبب عدم قدرته على اللعب مثل بقية الأطفال أو حتى المشي بشكل طبيعي، أحاول أن أرفع معنوياته، لكن الحقيقة مؤلمة، أتمنى أن تهتم الدولة بتوفير هذا العلاج أو على الأقل دعم الأسر ماليًا لتخفيف العبء، لذلك، أناشد وزارة الصحة والمسؤولين أن ينظروا في هذه القضية بعين الإنسانية، فمرضى ضمور العضلات ليس لديهم الكثير من الوقت، وتأخر العلاج يعني تدهور حالتهم بشكل أسرع، كل يوم يمر دون علاج هو خطوة نحو الأسوأ.”

ويقول محمود الغيطاني (45 عامًا) من محافظة أسيوط، إلى زاوية ثالثة: “ابنتي تبلغ من العمر 11 عامًا مصابة بمرض ضمور العضلات، مرضها بدأ يظهر تدريجيًا منذ أن كانت في الرابعة من عمرها، لم ندرك خطورة الحالة في البداية، لكن مع الوقت، أصبحت غير قادرة على المشي تمامًا وتعتمد كليًا على الكرسي المتحرك، مشكلتنا الكبرى هي تكلفة الأدوية، العلاج المتاح عالميًا مكلف جدًا، ولا يمكن لأي أسرة بسيطة مثلي تحمل تكلفته، أنا أعمل بالزراعة، ودخلي بالكاد يكفي لتلبية احتياجات الأسرة اليومية، حتى الفحوصات الدورية والأدوية البسيطة التي تحتاجها ابنتي أصبحت عبئًا كبيرًا علينا.”

ويضيف: “حاولت كثيرًا تقديم طلبات لوزارة الصحة والجمعيات الخيرية، لكن الردود دائمًا غير مشجعة، قيل لي إن هناك محاولات لتوفير العلاج بالمجان لبعض الحالات، لكن الأمر يبدو مستحيلًا بالنسبة لنا، نحن نعاني في صمت، وكل ما أتمناه هو أن تحصل ابنتي على فرصة لتلقي العلاج الذي تستحقه، ما يزيد من معاناتنا هو افتقار منطقتنا للخدمات الطبية المتخصصة، كلما احتجنا إلى استشارة طبيب متخصص، نضطر للسفر إلى القاهرة أو المحافظات الكبرى، ما يتطلب مصاريف إضافية نحن غير قادرين على تحملها.”

في السياق، تقول فاطمة (32 عام) من محافظة الجيزة إلى زاوية ثالثة إنها تعيش واقع مرير بسبب إصابة ابنتها (14 عام) بمرض ضمور العضلات، وتحكي: “منذ أن كانت مريم في الخامسة من عمرها، بدأنا نلاحظ صعوبة في حركتها، وتدهور ملحوظ في قدرتها على المشي، كانت بداية القصة صعبة للغاية، حيث كانت الأطباء في البداية يشكون في السبب، لكن بعد سلسلة من الفحوصات والتحاليل، تم تشخيصها بالمرض.

وتضيف: “لقد كانت الصدمة كبيرة بالنسبة لنا كأسرة، لأنني كنت أتمنى أن أرى ابنتي تذهب إلى المدرسة وتلعب مع أصدقائها كبقية الأطفال، ولكن مع مرور الوقت، كان الوضع يزداد صعوبة، لم تكن الأدوية المتوفرة موجهة للمرض بشكل كامل، بل كانت فقط مسكنات ولا تساعد على إبطاء التدهور، مشكلة أخرى نواجهها في علاج مريم هي تكلفة الأدوية التي تتراوح بين 3000 إلى 5000 جنيه شهريًا، بالإضافة إلى جلسات العلاج الطبيعي التي تحتاج إليها بشكل مستمر، هذه الأدوية غالبًا ما تكون غير متوفرة في الصيدليات المحلية، وفي حال تم توفرها، فإن أسعارها تكون مرتفعة جدًا، مما يجعل من الصعب عليَّ تحمل هذه التكاليف.”

وتتابع: “ أعيش مع مريم هذه الأيام وأنا أشعر بالعجز أمامها، هي الآن بالكاد تستطيع الوقوف بمفردها، وتحتاج دائمًا إلى المساعدة للقيام بأي نشاط بسيط، أحاول أن أكون قويًا أمامها، لكن الوضع صعب للغاية، حلمي الوحيد أن أرى ابنتي قادرة على السير واللعب مثل باقي الأطفال.

 

نوصي للقراءة: سوق التحاليل الطبية في مصر: احتكار وفوضى تهدد حقوق المرضى

مرضى يواجهون شبح الموت

يقول محمود فؤاد -المحامي الحقوقي ومدير المركز المصري للحق في الدواء- إلى زاوية ثالثة إن مرضى ضمور العضلات في مصر يواجهون ظروفًا غاية في الصعوبة في ظل نقص الإمكانات الطبية وعدم توافر العلاج وارتفاع سعره. ويوضح: “”حصلنا على أحكام قضائية من مجلس الدولة تلزم الجهات بتوفير العلاج للمرضى، لكن تنفيذ هذه الأحكام يواجه صعوبة كبيرة بسبب التكاليف الباهظة، إذا نجحنا في توفير أقسام متكاملة للفحوصات والتحاليل في المستشفيات الحكومية، فسيكون هذا إنجازًا كبيرًا يساعد المرضى على الحصول على الرعاية التي يستحقونها، ويخفف من معاناتهم اليومية مع المرض.”

 ويضيف فؤاد في حديثه معنا: “منذ ست سنوات، تواصل معنا بالمركز مريضان، سميرة وأسامة، اللذان فقدا حياتهما لاحقًا بسبب مضاعفات ضمور العضلات، هذه الحالات كانت جزءًا من مجموعة تضم 25 مريضًا، جاءوا من محافظات مختلفة بحثًا عن المساعدة، آنذاك، كنا نسعى جاهدين للتواصل مع الجهات المختصة لتوفير أدوية مساعدة تدعم المناعة وتحسن حالة المرضى، في ظل غياب علاج مباشر لهذا المرض.

ويتابع فؤاد: ” بالإضافة للعلاج، يحتاج مرضى ضمور العضلات إجراء فحوصات وتحاليل دورية كل ستة أشهر بتكلفة تزيد عن 4000 جنيه، أي حوالي 8000 جنيه سنويًا، وهو عبء ثقيل على المرضى الذين ينتمي أغلبهم إلى فئات فقيرة جدًا ولا يتمتعون بأي دعم مادي منتظم.”

ويقول مدير المركز المصري للحق في الدواء إنه “بفضل الجهود المشتركة مع الدكتور أحمد عماد، وزير الصحة في ذلك الوقت، تم إنشاء أربعة أقسام متخصصة داخل مستشفيات جامعية لإجراء الفحوصات والتحاليل الضرورية لمرضى ضمور العضلات، مما ساهم بشكل كبير في تخفيف العبء المالي عن المرضى”، ومع ذلك، يظل المرض يشكل خطرًا كبيرًا، خاصة عند تفاقم تأثيراته ووصولها إلى القلب والرئتين، حيث يصبح المرض في هذه المرحلة مميتًا. للأسف، كانت هذه النهاية المؤلمة هي ما واجهته كل من سميرة وأسامة، حيث تدهورت حالتهما بشكل سريع عند تأثر وظائف القلب والرئة، ما أدى إلى وفاتهما بفارق زمني قصير.

ويتابع: “مشكلة أخرى تواجه مرضى ضمور العضلات هي التكلفة الباهظة للعلاج، على سبيل المثال، تصل تكلفة الحقنة الواحدة إلى 33 مليون جنيه، وهو رقم ضخم للغاية، نحاول باستمرار إيجاد حلول من خلال التواصل مع الجهات المختلفة، وكان لنا تعاون مثمر مع دكتورة ناجية فهمي، رئيسة قسم المخ والأعصاب بجامعة عين شمس، التي قدمت دعمًا كبيرًا في وضع بروتوكولات العلاج وتوفير بيانات دقيقة عن المرضى، لكن التحديات لا تزال قائمة، حيث شهدنا تسجيل الآلاف من المرضى في معهد ناصر بحثًا عن العلاج، مما اضطر الجهات لوضع شروط صارمة لتقليل العدد، ورغم ذلك، ما زال العدد كبيرًا مقارنة بالإمكانيات المتاحة.”

ويوضح فؤاد أن المرضى لهم حقوق كبيرة ليست فقط الطبية ولكن اقتصادية واجتماعية، الدولة لا تغفل عن دعم المرضى بوسائل متعددة، منها معاشات “تكافل وكرامة”، والإعانات الشهرية من وزارة التضامن الاجتماعي، والتسهيلات المقدمة من وزارتي النقل والثقافة، ومع ذلك، يظل التحدي الأساسي هو توفير أقسام متخصصة في كل مستشفى جامعي لمرضى ضمور العضلات، نظرًا لأهمية وجود أطباء مخ وأعصاب مؤهلين للتعامل مع هذه الحالات.

وفي ضوء الحرص على استيفاء رد رسمي على الأزمة، تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من الأطباء والمسؤولين بهيئة التأمين الصحي ووزارة الصحة ومستشفيات القصر العيني وطب عين شمس، فضلًا عن غرفة صناعة الدواء، فضلوا جميعًا عدم الحديث، وفسروا ذلك بعدم توافر معلومات لديهم عن الملف، رغم أن بعضهم كان مسؤول ضمن مبادرة وزارة الصحة عن متابعة ملف علاج مرضى ضمور العضلات، وفي السياق تحدث مصدر إداري داخل هيئة التأمين الصحي عن سبب عدم الالتزام بصرف العلاج للمرضى ضمن المبادرة الرئاسية، مؤكدًا أن الأمر يتعلق بعدم توافر موارد مالية كافية لتوفير الأدوية من الخارج.

يقول المصدر الذي تحدث إلى زاوية ثالثة، شريطة عدم ذكر اسمه، إن هذا النوع من الدواء يكلف الدولة مبالغ طائلة، على حد وصفه، بينما لا تتوافر ميزانية لهذه المبادرة في الوقت الراهن، لذلك لا تلتزم وزارة الصحة بصرف الأدوية المقررة للمرضى، مشيرًا إلى أن أزمة الدواء لا يبدو لها حل قريب بسبب تفاقم أزمة الدولار.

ختامًا، تبرز مأساة مرضى ضمور العضلات في مصر، الذين يعانون من إهمال واضح في توفير العلاج والرعاية الطبية اللازمة. على الرغم من المبادرات الرسمية والوعود المتكررة بتوفير الأدوية والعناية الطبية المتخصصة، لا يزال المرضى وأسرهم يواجهون صعوبات يومية لا حصر لها بسبب نقص الأدوية، غلاء الأسعار، وعدم توفر التخصصات الطبية في المستشفيات الحكومية.

والواقع أن هذه المعاناة المتواصلة تتطلب تدخلًا عاجلاً من الحكومة والمؤسسات المعنية لضمان حقوق المرضى وتوفير الرعاية اللازمة لهم، لذا، فإنه من الضروري أن تستجيب الدولة لمطالب هؤلاء المرضى وتعمل على تنفيذ القرارات القضائية المتعلقة بتوفير العلاج، إضافة إلى تسهيل الحصول على الأدوية الجينية التي قد تكون الحل الوحيد لتحسين حياتهم. 

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search