تتعرض المنصات الصحفية المستقلة في مصر إلى أشكال من التضييق، تتعدد ما بين الحرمان من التراخيص وحجب المحتوى وتصل إلى الاحتجاز والملاحقة القضائية لبعض رؤساء تحريرها. في الوقت الذي يعتبر فيه صحفيون وحقوقيون، أن المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تحول إلى أداة في يد السلطة تستخدمه لفرض سياسة الصوت الواحد على وسائل الإعلام والصحافة.
بموجب القانون (180) لسنة 2018 لتنظيم الصحافة والإعلام، يتطلب تأسيس وبث المنصات الصحفية الإلكترونية في مصر، ترخيصًا قانونيًا يمنحه المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وأصبحت المنصات الصحفية ملزمة بتقنين أوضاعها وفق مجموعة من الشروط والضوابط والالتزامات والإجراءات التي نصّ عليها القانون. ويشترط المجلس سداد رسومًا قيمتها 50 ألف جنية مصري، وإيداعها بالحساب البنكي للمجلس عند التقدم بالطلب وقبل اعتماد المنصة ومنحها التصاريح اللازمة، كما يشترط تقديم صورة بطاقة الهوية القومية لمالك المنصة ورئيس مجلس الادارة ورئيس التحرير. إلى جانب تقديم صحيفة الحالة الجنائية للمالك، والبطاقة الضريبية، وسجل تجاري للشركة برأس مال لا يقل عن 100 ألف جنيه مصري، وإرفاق صورة من إيصال إيداع الرسوم المقررة بالقانون 50 ألف جنيه .
ووفقًا للقرار رقم 26 لسنة 2020 بشأن إصدار لائحة تنظيم التراخيص بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، يتوجب على أصحاب المواقع/ المنصات الإلكترونية الصحفية، التوجه إلى مقر المجلس الأعلى، وكتابة الطلب يدويًا، وملء نموذج الإستمارة التي تتطلب توضيح اسم المالك، واللقب، والجنسية، وقيمة رأس المال الموقع، واسم المواقع الإلكترونية المملوكة، وعددها، وتخصصها، ومقر إدارة المنصة/ الموقع الإلكتروني، والمحل القانوني، ونوعه، وأغراضه، والخطة التسويقية للموقع، وطرق تمويله ومصادر التمويل وسياسته التحريرية وسياساته الإعلانية، وفئة الجمهور المستهدف، والعلامة التجارية، واسم المفوض للتعامل مع المجلس الأعلى ولقبه وجنسيته، بجانب تقديم صورة السجل التجاري، صورة البطاقة الضريبية، صورة من مستندات إثبات الشخصية للمالك أو الملاك، بيان بالموازنة، شهادة تسجيل معتمدة بشأن ملكية العلامة التجارية للموقع الإلكتروني، إضافة إلى تعهد يتضمن آلية منع بث المحتوى الضار بالوسيلة وموقعها الإلكتروني، وصورة من عقد ملكية أو إيجار مقر إدارة الموقع، وتوضيح مكان حفظ نسخة الخوادم مثبتة التاريخ بالشهر العقاري، وتقديم إيصال سداد رسم مقداره 50 ألف جنيه مصري.
شهدت السنوات التي تلت إقرار القانون، منح تراخيص لعدد من المنصات/ المواقع الإلكترونية؛ غير أن المنصات الصحفية المستقلة التي تحاول توفيق أوضاعها القانونية، غالبًا ما واجهت طلباتها الرفض أو التجاهل. وفي الحلقة الأحدث من سلسلة التضييق تفاجأت إدارة منصة “فكّر تاني” الإلكترونية، الأسبوع الماضي، باستلام خطاب رسمي موقع من الأمين العام للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، لإخطار شركة “فري ثانك ميديا” المالكة للمنصة، برفض طلبها ترخيص موقعها الصحفي، وذلك بعد تقدمها إلى المجلس الأعلى للإعلام، بطلب للحصول على ترخيص خلال العام الماضي، واستيفاء الأوراق المطلوبة وسداد مبلغ الرسوم المطلوبة إلى خزينة المجلس في يوليو من العام الماضي 2023. أيضًا- قاموا بتسجيل العلامة التجارية للمنصة منذ أسابيع وتم نشرها في الجريدة الرسمية، بحسب ما يكشف محمد صلاح – رئيس مجلس إدارة منصة “فكّر تاني” الصحفية الإلكترونية- في حديثه إلى زاوية ثالثة، مؤكدًا أنهم لم يتلقوا أي رد أو إخطارات خلال الفترة التي نص عليها القانون.
ووفق ما يبين “صلاح” فإن المجلس يبرر في خطابه قرار الرفض، بثلاثة أسباب، تشمل: عدم وضوح السياسة الإعلانية طبقًا لأهداف المنصة، وعدم وضوح مصادر وطرق تمويلها، وأخيرًا عدم وضوح خطة تأمين الأجهزة والمعدات المستخدمة في تقديم الخدمة عبر المنصة، مبينًا أن تلك الأمور تم توضيحها بالفعل في الإستمارة التي تمت كتابتها عند التقدم بالطلب للمجلس، لافتًا إلى كون تلك الأسباب لا علاقة لها بشروط منح التراخيص التي نص عليها القانون، وأن الرد جاء متأخرًا للغاية ولم يأت خلال الفترة المنصوص عليها في القانون. متسائلًا حول كيفية صدور القرار رغم كون ولاية المجلس قد انتهت بالفعل ولم يصدر قرارًا بتشكيل مجلس جديد.
ويؤكد رئيس مجلس الإدارة عزمه عدم الاستسلام وخوض الإجراءات القانونية اللازمة حتى تمكن منصة “فكّر تاني” من الحصول على ترخيص. وحسب قوله، تتمثل في التقدم بتظلم من القرار إلى المجلس نفسه، والطعن على القرار لدى المحكمة الإدارية العليا، مشيرًا إلى كون المجلس الأعلى للإعلام خلال دورته السابقة لم يمنح أيًا من المواقع/ المنصات الصحفية المستقلة تراخيص، في حين قدم التراخيص بسهولة لمواقع إلكترونية حديثة الإنشاء، ما يجعل المنصات وإداراتها عُرضة لمواجهة تهمة إدارة موقع بدون ترخيص ودفع غرامات كبيرة أو التعرض للحجب.
نوصي للقراءة: هل تنصف نقابة الصحفيين المصرية العاملين بالصحافة الإلكترونية؟
صوت السلطة وعرض إنجازاتها
يكشف الصحفي سامح حنين – رئيس تحرير منصة “فكّر تاني” الصحفية الإلكترونية- أنه لم يكن يتوقع أن تتم الموافقة على منح الترخيص لـ منصته، قياسًا على عدم قيام المجلس الأعلى للإعلام بمنح التراخيص لأي من المنصات الصحفية المستقلة، كي لا يتم منحها الحق في العمل في مناخ قانوني؛ ما يجعلها عُرضة لـ التضييق والملاحقات من السلطات، في حين يتم منح التراخيص بسهولة للمواقع الإلكترونية التي تمثل صوت السلطة وتكتفي بعرض إنجازاتها ولا تنقل صوت الشارع أو تعبر عن مشكلات المجتمع.
ويرى “حنين” أن رفض تراخيص المنصات المستقلة لا يعد بمعزل عن غلق المناخ العام وتحكم الأهواء الأمنية في الصحافة، مؤكدًا حق المواطنين المصريين في المعلومات والمعرفة ووجود صحافة تعبر عن مشكلاتهم وتخوفاتهم من التخبط في السياسات الاقتصادية التي انعكست بدورها على لقمة عيشهم وكل تفاصيل حياتهم، وتخبرهم عن التصور الذي سيكون عليه مستقبلهم، وفي ظل الحوار الوطني والحديث عن فتح المجال العام وتغيير السياسات والوجوه يتم رفض تراخيص المنصات المستقلة بدلًا عن أن تستفيد الحكومة بما تكشفه من مشكلات وآراء للشارع، مؤكدًا أن المنصة التي يترأس تحريرها لن تتخلى عن محاولات الحصول على ترخيص والعمل بشكل قانوني.
وكرئيس تحرير لمنصة صحفية مستقلة يشعر “حنين” بالقلق إزاء التعرض لأشكال من التضييق والملاحقات القانونية التي تعرض لها رؤساء تحرير منصات أخرى؛ ما يدفعه إلى تحري الدقة والمهنية و”عدم تجاوز السقف العام المسموح به”، تجنبًا لـ تعرض موقعه للحجب، مضيفًا: “نحاول كسب أرضية في الشارع لكننا لا نتمنى التعرض لحجب الموقع لذا ندقق في كل كلمة وجملة وعنوان، ونكون حريصين عند اختيار أفكار موضوعاتنا الصحفية، ومن الطبيعي أن نشعر بالخوف والقلق على أنفسنا وعلى الصحفيين العاملين معنا؛ فكثير من الصحفيين في مصر عانوا بسبب ذلك من تجارب صعبة خلال السنوات الماضية ولا يريدون تكرارها، كما لا يريد زملائهم التعرض للتجارب المأساوية نفسها”.
نوصي للقراءة: غزة تُعِيد نقابة الصحفيين إلى الواجهة السياسية
العنوان لم يستدل عليه
التعنت الذي لاقته “فكّر تاني” وحال دون حصولها على الترخيص، سبق أن لاقته معظم المنصات الصحفية المستقلة في مصر، التي كانت إما أنها تلقت إخطارًا برفض طلب ترخيصها أو أنها لم تتلقى ردًا عليه منذ سنوات؛ ففي بيان له، الخميس 26 سبتمبر 2024، قال المرصد المصري للصحافة والإعلام، إنه وثق واقعة رفض المجلس الأعلى للإعلام، منح الترخيص لـ “فكّر تاني”، على الرغم من استيفاء إدارة الموقع للأوراق والاشتراطات المطلوبة، مؤكدًا أنه ليس “الموقع المستقل الأول الذي يرفض القائمون على الأعلى للإعلام منحه الترخيص، إذ رفض المجلس منح الترخيص لكل من المنصة ومدى مصر، رغم محاولاتهم الممتدة لسنوات للحصول على التراخيص اللازمة”.
يحكي صلاح الدين حسن – رئيس تحرير موقع ذات مصر-، في حديثه إلى زاوية ثالثة، أنه تقدم بطلب للحصول على ترخيص للموقع قبل نحو أربع سنوات، وتم فحص الطلب وقبوله مبدئيًا، إلاّ أن المجلس الأعلى للإعلام لم يوافق على منحه الترخيص، ثم تم إبلاغ إدارة الموقع بأن سبب الرفض هو عدم استكمال أوراق التقدم بالطلب، وعندما سأل عن الأوراق الناقصة رفض المسؤول الإجابة عن سؤاله وأخبره بأنه سيتم إرسال خطاب من المجلس إلى عنوان مقر الموقع، ولم تتسلم الإدارة أي خطابات، وحين عاد للسؤال بالمجلس قبل نحو سبعة أشهر مضت، تم إبلاغه بأن الخطاب أرسل إليهم بالفعل ولم يتسلمه أحد، وأنه يبدو أن العنوان لم يستدل عليه، فطلب أن يقوم بـ استلامه من المجلس فرفض الموظف وأخبره إنهم سيعاودون إرساله إليهم، ولم تتلق إدارة الموقع حتى اليوم ردًا من المجلس بشأن الأوراق التي يزعم المسؤول أنها ناقصة.
ويرى “حسن” أن تلك الإجراءات البيروقراطية تراهن على اليأس من الحصول على تراخيص للمنصات والمواقع الإلكترونية، وهو ما بات يشعر به، مبينًا أن العمل بدون ترخيص يمثل مخاطرة فهو عرضة لاستدعاء النيابة في أي وقت، كما تم استدعاءه مؤخرًا إلى المجلس الأعلى لإبلاغه بأنه عرضة لغرامة قدرها مليوني جنيه بسبب كون الموقع الإلكتروني لـ منصته بدون ترخيص، وهو مبلغ ضخم يؤكد أنه لا يستطيع سداده، لافتًا إلى كون الحصول على تراخيص للمنصات يتطلب موافقة أمنية وأن تكون السلطات راضية عنها ولا ترى خطر حالي أو مستقبلي تشكله تجاهها.
ويبين رئيس تحرير “ذات مصر” كيف تم استدعائه مؤخرًا إلى النيابة العامة على خلفية قيام الموقع بنشر مادة صحفية تخص مصر للطيران والتي قدمت بلاغًا ضدهم بسبب ذلك، كاشفًا عن تعرضه للتحقيق في جلستين خلال أسبوع بخصوص ذلك، وأخبرته النيابة أنها تنتظر صدور قرار المحكمة.
إدارة موقع دون ترخيص
في حين تكشف نورا يونس – رئيس تحرير موقع المنصة–، عن تقدم إدارة الموقع بطلب للحصول على ترخيص من المجلس الأعلى للإعلام، في أكتوبر عام 2018، وقامت بسداد مبلغ الترخيص؛ إلا أنهم لم يتلقوا ردًا إلى اليوم، رغم تقدمهم إرسالهم خطابات لـ الاستعلام عن الطلب والسؤال عما إذا كانت هناك أوراق ناقصة، مبدين استعدادهم التام للتعاون مع المجلس.
وفي العام 2020، تفاجأت نورا بقوة أمنية قامت باقتحام مقر “المنصة” الواقع بحي المعادي في القاهرة؛ حيث كانت تعمل بمفردها داخل المقر خلال فترة تفشي جائحة كورونا، وتم احتجازها مدة ليلتين في قسم شرطة المعادي ووجهت لها تهمة إدارة موقع دون ترخيص، وأخرى متعلقة بالمصنفات، وتهمة ثالثة تتعلق بقانون الجرائم الإلكترونية، لتكون بذلك أول صحفية في مصر تواجه هذا النوع من الاتهامات.
وإضافة إلى أزمات التعنت في منح التراخيص للمنصات الصحفية الالكترونية، فإن نورا يونس تحكي إلى زاوية ثالثة، كيف تعاني المنصات من الحجب المتكرر، ومن بينها المنصة التي تعرضت للحجب 15 مرة منذ العام 2016، وقامت بتغيير “الدومين” الخاص بها في كل مرة، لافتة إلى أن القانون المصري يمنح المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام الحق في تنفيذ الحجب للمواقع الإلكترونية بشكل مؤقت كعقوبة، إلا أن أمر يتم بشكل غير قانوني وغير رسمي أو معلن، موضحة أن المرة الوحيدة التي أعلن فيها المجلس عن حجب موقع “مدى مصر” مدة ستة أشهر فإن الحجب كان قائمًا بالفعل منذ عام 2017.
وكانت دائرة التراخيص بمحكمة القضاء الإداري، قد قضت في 24 مايو 2023، برفض الدعوى المقامة من شركة مدى مصر، وأيدت قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام برفض ترخيص موقع “مدى مصر” الإلكتروني، بزعم أن مسؤولي الموقع تقدموا بطلب الترخيص بعد صدور اللائحة التنفيذية لقانون تنظيم الإعلام بأكثر من ستة أشهر، والذين سبق أن تقدموا للتسجيل في أكتوبر 2018، ولم يتلقوا أي رد من المجلس حينها، وبررت المحكمة حكمها بعدم وجود ما يفيد تسجيل علامة تجارية وعدم وجود شهادة من السجل التجاري بـ هيكل المساهمين. إلا أن بيانًا صادر عن الموقع كان قد أكد أن حسن الأزهري – المحامي المسؤول عن مدى مصر-، قد قدم للمحكمة ما يفيد محاولة الموقع الحصول على ترخيص من المجلس بعد شهرين من صدور قانون تنظيم الإعلام في أغسطس 2018، وشهادة رسمية من السجل التجاري موضحًا بها أسماء الشركاء والمدير التنفيذي للشركة، إضافة إلى شهادة بقيد العلامة التجارية لشركة مدى، غير أن المحكمة التفتت عن تلك المستندات وأصدرت حكمها برفض الدعوى.
تطبيق تجربة “جمال عبد الناصر”
تُبين سارة رمضان – الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير-، أنه طبقًا للقوانين يفترض بالمجلس الأعلى للإعلام أن يقوم بالرد طلبات الحصول على ترخيص المواقع الإلكترونية خلال فترة زمنية معينة، وإن لم يقم بالرد خلالها، يعتبر ذلك بمثابة إقرار بأن المواقع تعمل، لكن ذلك ليس المعمول به في الواقع، إذ لا ترد اللجنة على طلبات تقنينها، ويهدف ذلك إلى محاولة السيطرة على محتوى تلك المواقع الإلكترونية عبر التراخيص أو بذريعة حماية أخلاقيات المهنة، ما يتعارض مع حرية الصحافة في وقت يسود فيه التعتيم الإعلامي خلال الأزمات ويصبح من الصعب على الصحفيين الوصول إلى المعلومات كما يواجهون تهمة نشر أخبار كاذبة والتي يتم توجيهها عند نشر محتوى يزعج السلطة سواء كان ذلك على المواقع الإلكترونية والصحف أو حتى على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
وتشير إلى أنه المجلس يمنح التراخيص فقط للمواقع التابعة للسلطة أو تلك التي تقدم محتوى غير خلافي بعيد عن السياسة، كما لا يتم منح التراخيص لمواقع الأحزاب السياسية غير التابعة للسلطة، معتبرة أن تلك القرارات تعد غير قانونية ومقيدة للحريات، وأنه يستحيل وجود مجتمعات متقدمة دون وجود صحافة مستقلة قوية قادرة على كشف الفساد.
وتوضح سارة أن الوضع الطبيعي يتمثل في قيام المواقع الإلكترونية بإخطار المجلس الأعلى ثم ممارسة عملها، ويمكن تطبيق تجارب الدول المتقدمة في وضع مدونة للسلوك تحدد الضوابط التي يجب على المواقع الصحفية الالتزام بها، مشيرة إلى أن المجلس كان قد أطلق مرصدًا للانتهاكات للكود الأخلاقي للمهنة، والتي تتم في وسائل الإعلام والدراما، إلا أن الصحفيين لم يشاركوا بالأساس في وضع ذلك الكود، ولم توافق نقابة الصحفيين عليه، فتحول الأمر إلى مجرد قرارات سلطوية والمجلس هو الأداة المحركة، في حين أصبحت شركة المتحدة المسيطرة على معظم وسائل الإعلام، هي ظهير للسلطة في مصر.
وترى الباحثة في مؤسسة حرية الفكر والتعبير، أن السلطة تحاول أن تطبق تجربة نظام “جمال عبد الناصر” والحزب الاشتراكي مع الإعلام والصحافة، المتمثلة في الصوت الواحد الذي يبث لجميع الناس، ولكنها “تحرث في بحر بسبب صحافة المواطن ومواقع التواصل الاجتماعي”، وكلاهما لا يسلم من الملاحقة الأمنية والاتهام بنشر أخبار كاذبة؛ إذ تعمد السلطة إلى محاصرة منافذ التعبير عن الرأي وحرية تداول المعلومات، وكلاهما يرتبط بوجود الصحافة المستقلة والتي تجد أمامها تضييق من المجلس الأعلى للإعلام وبعض اللوائح ومواد المقيدة للحريات في قانون العقوبات، وعدم صدور قانون تداول المعلومات في مصر حتى الآن.
نوصي للقراءة: نقابة الصحفيين في مواجهة التشريعات المقيدة للحريات
امتداد لسياسات منع الأصوات المختلفة
من ناحيتها، أصدرت لجنة الحريات بنقابة الصحفيين، اليوم السبت، بيانًا أكدت فيه تضامنها مع منصة “فكّر تاني” بعد قرار المجلس الأعلى للإعلام رفض ترخيصه، والذي قالت إنه يستند لعبارات “مطّاطة وأسباب غير واضحة ويعكس حالة من التعسف”، معتبرة أن قرار الرفض امتداد لسياسات الحجب ومنع الأصوات المختلفة، والتضييق على الحريات، وأنها المسئولة عن أزمة الصحافة والإعلام من مجلس يفترض فيه تنظيم الصحافة لا تضييق الإصدار ومنعه، أو ملاحقة الأصوات المختلفة.
ودعت اللجنة لتسهيل إجراءات الترخيص لجميع المواقع الصحفية بمختلف سياساتها التحريرية لإخراج الإعلام من مأزقه، وفتح الباب أمام التنوع لا المصادرة والحجب، أو التدخل في شكل المحتوى وطريقة تقديمه، أو التوسع في التحقيقات مع أصحاب الرؤى المختلفة، مؤكدة تضامنها مع الصحفيين بـ “فكّر تاني”، والمواقع الصحفية الأخرى، التي تواجه صعوبات في قبول ترخيصها مثل: “ذات مصر”، و”المنصة”، و”مدى مصر”، و”صدى البلد”، مجددة مطالبها برفع الحجب فورًا عن كل المواقع الصحفية المحجوبة، التي تم حجبها منذ سنوات دون أي سند قانوني، أو استنادًا إلى معايير مطاطة كعدم الوضوح، وعدم استخدام ذلك كوسيلة لعقاب المخالفين في الرأي، وتعديل النصوص القانونية التي تسمح بذلك، بحيث لا يتم الحجب إلا استنادًا لحكم قضائي لا قرار إداري.
وفي تعقيب منه على البيان يؤكد الصحفي محمود كامل – رئيس لجنة الحريات بنقابة الصحفيين-، في تصريحات صحفية إلى زاوية ثالثة، أن الصحافة الخاصة في مصر تتعرض لأشكال من التضييق فيما يتعلق بتراخيص المواقع الإلكترونية التي يصدرها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والتي تتنوع بين الرفض كما حدث مع “فكّر تاني” أو عدم الرد لسنوات كما حدث مع مواقع أخرى، لا سيما إن كانت تلك المواقع تتمتع بهامش من الحرية أو تختلف عن السياق العام السائد لدى الصحف، لافتًا لعدم وجود إحصائية أو أرقام واضحة لدى النقابة تظر أعداد المواقع التي تم رفض تراخيصها أو عدم الرد عليه، نظرًا لعدم وجود حرية تداول المعلومات، والتي نص عليها الدستور المصري ولم يصدر قانونًا بشأنها إلى الآن، مؤكدًا أن البيانات المتوفرة لدى النقابة بخصوص التراخيص تأتي انطلاقًا من شكاوى تلقتها من بعض المواقع.
ويشدد رئيس لجنة الحريات وعضو مجلس نقابة الصحفيين على التزام الصحفيين بقانون نقابة الصحفيين وميثاق الشرف الصحفي، إضافة إلى القوانين العامة في مصر، في حين لم تشارك نقابة الصحفيين إطلاقًا في وضع الكود الأخلاقي الذي حدده المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام.
نوصي للقراءة: بعد الحمل أو الولادة… صحفيات يُضطّهدهن بيدِ نساء
يرى حقوقيون وصحفيون مستقلون أن الحيلولة دون تقنين المنصات الصحفية المستقلة لـ أوضاعها لا يأتي بمعزل عن محاولات تضييق الخناق عليها؛ إذ ألقت قوات الأمن في أبريل 2018، القبض على الصحفي عادل صبري – رئيس تحرير موقع “مصر العربية” الإلكتروني-، وكان قد تعرض للحجب ضمن 500 موقع آخر، ووجهت له تهمة إدارة الموقع بدون ترخيص بالمخالفة للقانون، وهو الأمر الذي نفاه أحمد عبد الجواد – مدير تحرير الموقع-، كاشفًا عن كون تلك هي المداهمة الأمنية الرابعة التي تقوم بها الشرطة لتفقد تراخيص إدارة المكان، رغم كون “مصر العربية” شركة مساهمة مصرية مسجلة لدى السلطات، وتعمل وفق القانون بسجل تجاري معتمد وبطاقة ضريبية.
وفي يونيو 2023، تعرض موقع منصة “مصر 360” الصحفية، للحجب للمرة الثانية خلال عام واحد، وذلك بعد يوم من حجب الموقع الالكتروني لمنصة “السلطة الرابعة”، بذريعة عدم تقديم الموقعين طلب ترخيصهم إلى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، وهي المزاعم التي فندها آنذاك كل من رئيس تحرير “مصر 360″، حسين بهجت، و “ريمون وجيه”، رئيس تحرير موقع “السلطة الرابعة”، واللذان أكدا تقدمهما طلبًا للترخيص منذ سنة دون تلقي ردًا من المجلس.
وطبقًا لدراسة أجرتها مؤسسة حرية الفكر والتعبير في 2021؛ فإن التمييز بين المواقع الصحفية الإلكترونية، في منح التراخيص، يكون وفقًا لطبيعة المحتوى المقدم، وماهية القائمين عليه، موضحة أن المجلس الأعلى للإعلام أصدر قرابة 40 شهادة اكتمال ترخيص لصالح مواقع صحفية خاصة، من بينها: موقع “القاهرة 24″، إلا أنه تجاهل طلبات 110 مواقع أخرى، يرغبون في توفيق أوضاعهم، أبرزها: (مصر العربية، مدى مصر، المنصة، ودرب).
وتأتي محاولات تضييق الخناق على الصحافة المستقلة في الوقت الذي تدعو فيه منظمات حقوقية والعديد من منظمات المجتمع المدني، السلطات المصرية إلى رفع الحجب عن المواقع الصحفية وضمان حرية الصحافة والتوقف عن الاستهداف المتكرر لها، بالتزامن مع مناقشة الحوار الوطني للحق في تداول المعلومات، مبدية تشكك في جدية السلطات المصرية تجاه إتاحة المعلومات من ناحية، والحوار الجاري من ناحية أخرى.