نقابة الصحفيين في مواجهة التشريعات المقيدة للحريات

خالد البلشي، نقيب الصحفيين، يقود معركة ضد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، محذرًا من تأثيره السلبي على حرية الصحافة ومنظومة العدالة.
Picture of آية ياسر

آية ياسر

يتصاعد الجدل المجتمعي في مصر، منذ أسابيع، بشأن مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، وعدد من موادها التي وصفها قانونيون وحقوقيون بـ الكارثية، ومن بينها المادة 267 من مشروع القانون، الخاصة بحظر نشر أخبار عن وقائع الجلسات.

أثارت تلك المادة اعتراض نقابة الصحفيين والأوساط الصحفية، التي اعتبروها محاولة لتقييد الصحافة من الباب الخلفي، وفي حين وافقت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، على حذف المادة من مشروع القانون بطلب من النائب محمد عبد العزيز – وكيل لجنة حقوق الإنسان-، وبتأييد من النائبين عماد خليل، وأحمد الشرقاوي، فإن الأوساط الصحفية اعتبرت أن هناك مواد أخرى تعسفية تُقيّد الصحفيين، أهمها: المادة (266)، التي تحظر نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة، إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد إذن من النيابة العامة.

إضافة إلى المادة رقم (15) التي تجيز لمحكمة الجنايات بدرجتيها أو محكمة النقض أن تقيم دعوى جنائية على الفاعل، إذا وقعت أفعال خارج الجلسة، من شأنها التأثير على الشهود أو الإخلال بأوامر المحكمة، المادة (13) التي تفيد بإباحة الحق لمحكمة الجنايات أول درجة أن تضم متهمين جدد للدعوى وتحيلهم إلى النيابة العامة للتحقيق، إضافة إلى عدد من المواد التي اعتبرها البعض ضارة بالعدالة المتعلقة بالتوسع في صلاحيات جهات الضبط القضائي ومنحها صفة التحقيق في مراكز الاحتجاز.

 

نوصي للقراءة: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد: خطوة نحو العدالة أم تقييد للحريات

 

وكان نقيب الصحفيين المصريين، خالد البلشي، قد أكد أن البرلمان فتح الباب لمناقشات داخلية دون حوار حول تعديل شامل للقانون، الذي شمل 550 مادة، ما أعطى انطباعًا لدى فئات كثيرة بأن هناك شيئًا يُدبر، وأن مشروع القانون جاء وكأنه يقنن لوضع استثنائي بدلًا من أن يسعى لتغيير هذا الوضع، ولو بالتوافق مع نصوص الدستور، مبينًا أن تحويل مواد الدستور الخاصة بالحقوق والحريات إلى مواد قانونية قابلة للتطبيق يحتاج لجهود متكاملة وتضافر لجميع الرؤى، وأن يكون بمنتهى الحرص، وبعد مناقشات مستفيضة يشارك فيها كل الخبراء المتخصصين والمهتمين، لافتًا إلى أن هناك تعجلًا من جانب بعض الأطراف، أو داخل البرلمان في إقرار هذا المشروع – دون سبب معلن ومشروع- رغم المطالبات المتكررة بتأجيل النظر فيه، وطرحه لحوار مجتمعي حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف.

وأضاف النقيب في كلمته على هامش مؤتمر مشروع قانون الإجراءات الجنائية، الثلاثاء الماضي: “في أقل من أسبوعين أنهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية عملها، وأقرت أكثر من ثلاثة أرباع المواد، التي سبق أن وضعتها اللجنة الفرعية – وأجرت تعديلات لم يتم معرفة ماهيتها- واعتبرت أن 11 سبتمبر هو اجتماعها الأخير لإقرار المشروع وإحالته إلى البرلمان، ورافقت ذلك بهجوم شديد على منتقدي القانون، ما يعظم التساؤلات حول السبب، ويرسل رسائل أن القانون مار لا محالة، ويغلق السبل أمام أي نقاش، وهو ما يدعونا للمطالبة بسحب هذا المشروع الكارثي، ووقف مناقشته لحين الاستماع الجاد لكل  الأطراف”.

واعتبر النقيب أن الاستجابة لمطلب النقابة بإلغاء المادة (267) من القانون، أرسلت إشارة إيجابية،  إلا أن البعض ربما كان ينتظر أن تكون هذه الاستجابة بابًا تخرج به نقابة الصحفيين من المشهد، إلا أنها تهدف إلى الدفاع عن حقوق وحريات المجتمع كله؛ حيث إن قانونًا ينال من الحقوق والحريات هو قانون يقيد الصحافة، وينال من حريتها؛ فالصحفيون لا يعملون بمعزل عن المناخ العام، لافتًا إلى أن النقابة لديها مطالب مهنية داخل القانون تتعلق بالمادتين (15 و266)، لا تأتي بمعزل عن موقفها من القانون ككل؛ حيث إن (41) مادة من مواد المشروع تخالف مواد الدستور، وتوجد (44) مادة تحتاج لتعديلات جذرية، بينها مادتان – على الأقل- تتعلقان بعمل الصحافة، مشددًا على أن إقرار أي تعديلات على مواد الحبس الاحتياطي – دون اتخاذ إجراءات عاجلة لـ تصفية ملف المحبوسين المؤلم- سيرسل رسالة بأن التعديلات بمكانة حبر على ورق، بحسب ما جاء في كلمة النقيب نقابة الصحفيين، داعيًا للإفراج عن 16 صحفيًا محبوسين احتياطيًا، من بين 23 صحفيًا محبوسًا أو صادرًا بحقهم أحكام، تجاوزت مدد حبسهم الاحتياطي عامين كاملين دون محاكمة، إضافة إلى منع عدد من الصحفيين من السفر، أو التصرف في أموالهم وممتلكاتهم، وبعض متعلقاتهم بعد وضعهم على قوائم المنع من التصرف.

 

نوصي للقراءة: موت مستتر.. مقرات الاحتجاز المصرية بين عهدين

 

وقال “البلشي” إن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الحالي لا يلبي العديد من المعايير، لأن بعض نصوصه تخالف الدستور بفجاجة، و​يوجد به نصان يمكن استخدامهما لتقييد العمل الصحفي، كما أن أغلب النصوص، التي شملتها الدراسة تقيد قدرة الصحفيين على العمل بحرية، وتضعهم تحت تهديد مباشر يحد من حريتهم ويضعهم تحت قيد إجراءات تنال من حريتهم وحرية الجميع، وينال من مواد الدستور الخاصة بالتقاضي ونظام العدالة، والمشروع لا يساوي بين سلطة الاتهام وحقوقها والدفاع وحقوقه وضماناته؛ ويغلب الأولى على الثانية، لا يتيح التظلم إلى القضاء في قرارات النيابة العامة بشأن سير التحقيق، ولا يعطي المتهم والمدافع عنه الحق في المطالبة ببطلان الإجراءات إن تبين له بطلانها في مرحلة المحاكمة ويجعل من الحكم الغيابي التهديدي حكمًا واجب النفاذ، ولا يضمن انتهاء النيابة العامة للتحقيقات في وقت مناسب، ويجعل المتهم تحت رحمة السلطة التنفيذية أثناء وقائع التحقيق والمحاكمة عن بُعد.

كلمة نقيب الصحفيين سبقتها مطالبة لجنة الحريات بنقابة الصحفيين بالإفراج عن جميع الزملاء الصحفيين المحبوسين – نقابيين وغير نقابيين-، ويبلغ عددهم 23، بينهم تسعة من أعضاء نقابة الصحفيين، والعفو عمّن صدرت أحكام بحقهم فى إطار القانون والدستور، مؤكدة في بيان لها، الأحد الماضي، أن تطبيق مواد الحبس الاحتياطى الحالية يفرض إخلاء سبيل 16 صحفيًا بشكل فوري، مطالبة برفع القيود التي تكبل حركة الصحفيين وتمنع حصولهم على معلومات، ومعتبرة أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية ينال من جهود الحوار الوطني، وأنه تم طرحه للنقاش بطريقة تثير الكثير من علامات الاستفهام، ولا تتناسب مع تطلعات المجتمع المصري في تعديل قانون يعد ركيزة أساسية في النظام القضائي المصري، وينال من الجهود، التي بذلت في الحوار الوطني، مبدية تضامنها مع الآراء القانونية المعترضة على مشروع القانون، والجهود الرامية إلى خروج القانون بشكل يصون حقوق المجتمع، ويكفل الضمانات اللازمة لحقوق المواطنين بإجراءات قضائية عادلة وفق نصوص مجردة وواضحة غير قابلة للتأويل.

 

التشريعية تهاجم النقيب 

عقب انتهاء مناقشة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، انتقدت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، في بيان لها، الأربعاء، كلمة نقيب الصحفيين، حول القانون، قائلة إن “حرية الرأي لا تعني تشويه الحقائق بدعوى حرية التعبير، وأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة تهدف إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، حتى ولو صدرت من أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي”، مهددة بأنها لن تسمح بأن يتم التلاعب بالرأي العام أو تضليله تحت أي مسمى، زاعمة أن الحرية ليست حقًا مطلقًا دون ضوابط، وأنها تُستخدم للإضرار بمصلحة المجتمع وتسييس القضايا.

ووصفت اللجنة كلمة نقيب الصحفيين بأنها تفتقر إلى الدقة وتحوي مغالطات فجة، وتطلق اتهامات لمجلس النواب تصل إلى حد الزيف المتعمد وإثارة الرأي العام دون أساس موضوعي.

وأثار بيان اللجنة التشريعية لمجلس النواب ردود أفعال غاضبة في الأوساط الصحفية والإعلامية والحقوقية والسياسية، وأعلنت الكثير من الشخصيات العامة تضامنها مع نقيب الصحفيين ضد بيان اللجنة التشريعية، كان أبرزهم: المرشح الرئاسي السابق والمحامي الحقوقي، خالد علي، والذي أوضح أن مجلس نقابة الصحفيين لم يكتفي بتعديل المادة الخاصة بممارسة مهنة الصحافة وطريقة تناول الموضوعات القضائية والتي كانت واردة بمشروع قانون الإجراءات الجنائية، ولم يسع لـ الانتقائية المهنية ضيقة الرؤية في تناول نصوص هذا المشروع وقدم رؤية كاملة وشاملة استعان فيها بخبراء قانونيين، لافتاً إلى أن الصحفيين ينطبق عليهم وعلى أبنائهم كافة نصوص هذا القانون شأنهم شأن باقي الشعب المصري.

وأضاف المرشح الرئاسي السابق، في تدوينة له على موقع فيسبوك: “بدلاً عن تقدير هذا الدور فوجئنا ببيان غريب من اللجنة الفرعية للشؤون التشريعية والدستورية يكيل الاتهامات ويحمل كافة صيغ التهديد والوعيد، لم يكن من اللائق إصدار مثل هذا البيان البائس، وأظن أنه من الواجب الاعتذار عنه، أما مجلس نقابة الصحفيين فلهم كل التقدير على ما يبذلونه من جهد من أجل تقديم تجربة نقابية مبهرة جديرة بكل الاحترام والتوقير.

أعلن المحامي الحقوقي نجاد البرعي – عضو مجلس أمناء الحوار الوطني-، أن “كل ما قاله نقيب الصحفيين في مؤتمره الصحفي هو من الورقة القانونية التي قدمها بنفسه للنقيب بالاشتراك مع المحاميين محمد الباقر وأحمد راغب، وأنه مسؤول عن كل كلمة قالها وشريك فيها”.

وطالب البرعي، في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك، اللجنة، بأن تنشر التعديلات التي تقول إنها أدخلتها على مسودة المشروع المقدم لها من اللجنة الفرعية وأسباب كل تعديل، وأن ترد بشكل قانوني على المطاعن الدستورية والقانونية المقدمة المتعلقة بمواد المشروع التي لم تعدلها، خاصة في الحبس الاحتياطي والمنع من السفر وعدم إتاحة فرصة المتضرر من إقامة الدعوى العمومية مباشرة ضد اعتداء الموظفين العامين على الحقوق والحريات، وأن تغير الشخص الذي يكتب لها بياناتها لأن اللغة التي يستخدمها لا يصح أن تصدر عن إحدى لجان واحد من أقدم المجالس التشريعية في المنطقة.

 

ويعتبر الكاتب والمفكر والمحلل السياسي، عمار علي حسن، أن ‏أخطر ما ورد في هجوم مجلس النواب على نقيب الصحفيين بعد البيان الذي أصدرته النقابة حاويًا ملاحظات على قانون الإجراءات الجنائية هو أن المجلس، الذي يفترض شكلا أنه يمثل الشعب، يتصرف وكأنه فوق الملاحظة والنقد والمؤاخذة، وأنه يتهم من يختلف معه بأنه يعمل على إثارة الناس، وهذا اتهام طالما فتح الباب لرمي بعض الشخصيات العامة بنقص في الوطنية أو الانتماء لتنظيمات إرهابية، أو حتى الخيانة، حسبما اعتدنا في العقد الأخير، بحسب تعبيره.

وقال حسن في تغريدة له عبر حسابه على موقع إكس، إن المجلس الذي يراه القاصي والداني لا يؤدي مهمته في الرقابة والتشريع وتمثيل الأمة، لا يستنفر إلا في الاتجاهات الخاطئة، ولا يرمي سهامه إلا على رؤوس من يستحقون أن يقابلهم الناس بالورود، مبينًا أن كل مصري وليس الصحفي والمحامي فقط، معني بهذا القانون الذي سيحول حياة الناس إلى غابة أكثر توحشًا.

 

وأكد الناشط السياسي حسام مؤنس – مدير حملة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي-، دعمه وتضامنه مع نقيب الصحفيين في موقفه، الذي وصفه بأنه يعبر عن موقف نقابي ومهني ووطني وسياسي ودستوري محترم، برفض المشروع الحالي لقانون الإجراءات الجنائية، انطلاقًا من آراء وملاحظات ومخاوف من النقابات المهنية والقوى السياسية والوطنية والشخصيات العامة وقامات قانونية كبيرة.

ويستنكر مؤنس، في تدوينة له على موقع فيسبوك، عدم اهتمام اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب بإيجاد معالجات حقيقية لا تعديلات جزئية لنصوص المشروع الذي أقرته، وقيامها عوضًا عن ذلك بإصدار بيان بهذه اللغة ضد نقيب الصحفيين، داعيًا إلى وقف إجراءات إقرار وإصدار  المشروع بنصوصه الحالية ووقف مسار التعجل الغريب فيه، قبل أن تتحول إلى معركة جديدة لا يحتاج إليها أي عاقل في الأوضاع الراهنة، معتبرًا أن تمريره بنصوصه الحالية محل الخلاف، لا يمكن أن يمر مرور الكرام.

 

ووصف السياسي والنائب البرلماني السابق، هيثم الحريري، بيان اللجنة التشريعية لمجلس النواب، بـ المخجل والمحزن، والذي يهاجم ويرهب مجلس نقابة الصحفيين ونقيب الصحفيين، بسبب موقفهم الوطني والقوي والواضح من “قانون سيء” يناقشه ويصدره قريبًا مجلس النواب مثل الغالبية العظمى من القوانين التي تم إصدارها في العشر سنوات الأخيرة، على حد تعبيره.

وقال الحريري، في تدوينة له عبر حسابه على فيسبوك: “باسمي وبصفتي أعلن كامل دعمي وتضامني مع نقيب الصحفيين ومجلس نقابة الصحفيين ضد هذا الترهيب من ممثلي الشعب، وأعلن رفضي لإصدار مثل هذا القانون الذي يقنن للباطل ويعصف بما تبقي من العدل والحرية والأمان.

 

معركة الحفاظ على منظومة العدالة

من ناحيته، يرفض نقيب الصحفيين، خالد البلشي، الرد على بيان اللجنة التشريعية في مجلس النواب، ـ والذي يراه الكثيرين في الأوساط الصحفية والإعلامية والحقوقية مسيئًاـ، مؤكداً في حديثه إلى زاوية ثالثة، أنه لن ينجرف إلى شخصنة الأمور، وأن المعركة التي تخوضها النقابة الآن من أجل الحفاظ على منظومة العدالة في مصر، وليس فقط الدفاع عن حرية الصحافة، مبينًا أن المادة (267) من مشروع القانون، تم حذفها من مسودة المشروع، إلا أنها لا تزال متحفظة على مواد أخرى أهمها: المادتين (15، 266). 

ويؤكد نقيب صحفيين مصر أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد لا يمس نقابة بعينها أو فئة معينة بل يمس المجتمع ككل، لكونه متعلقًا بإجراءات الضبط والمحاكمة، وبالتالي يمس منظومة العدالة في المجتمع ككل، وسيؤثر على قدرة الصحفيين على القيام بعملهم، لذا ستواصل نقابة الصحفيين جهودها للتصدي لمشروع هذا القانون.

وكان خالد البلشي، نقيب الصحفيين، قد أعلن تضامنه الكامل بشخصه وبصفته، مع كل ما ورد في بيان نقابة المحامين بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية.

وقال في تدوينة عبر حسابه الشخصي على فيسبوك، نشرها في 26 أغسطس، إن قانون الإجراءات الجنائية العمود الرئيسي لمنظومة العدالة ودستورها ونصوصه نصوص مكملة للدستور، وسيظل أحد أركان حماية وصون حقوق وحريات الأفراد والمجتمعات في جميع مراحل التقاضي، وأي خلل يناله يقوّض أعمدة هذه المنظومة ويتسبب في النيل من ثقة المواطنين في نظام العدالة، مؤكدًا أن القانون سيبقى شأنا خاصًا لكل مصري ولكل مؤسسات المجتمع المعنية بالحقوق والحريات وتحقيق ودعم العدالة، معلنًا انضمامه بصفته وشخصه لمطالب نقابة المحامين، محذرًا من مناقشة القانون بعيدًا عن حوار مجتمعي شامل تشارك فيه كل أركان منظومة العدالة والمواطنين وممثليهم والمؤسسات المعنية بالحقوق العامة، ما سيمثل انعكاس لخلل كبير وستكون آثاره وخيمة على الجميع.

 

نوصي للقراءة: احتجاجات وهمية وقمع حقيقي: استراتيجيات السلطة في مصر 

 

إلغاء فلسفة العدالة الجنائية في مصر

يرى المحامي الحقوقي مالك عدلي – مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، أن الأزمة بين نقابة الصحفيين واللجنة التشريعية في مجلس النواب، أزمة مفتعلة من قِبل الأخيرة، لأنه على مستوى الممارسة البرلمانية لا يوجد سبب لـ انزعاج أي ممثل للبرلمان من اعتراض أي مواطن على مشروع قانون، ولا سيما النقابات التي لها علاقة به مثل: نقابتي الصحفيين والمحامين، وكون قانون الإجراءات الجنائية من أهم القوانين في مصر، وأن تخوفات الناس من مشروع القانون يجب أن يدفع البرلمان لإعادة النقاش حوله وإعادة تقديم لمواده.

يقول “عدلي” في حديثه إلى زاوية ثالثة: “لدينا اعتراض على فلسفة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، لأنه قانون عقابي للسلطات، بمعنى أنه إذا خالفت أيًا من أحكامه فإلإجراء الذي قمت به باطل، وهذا ما يميز الدول عن العصابات والمليشيات، لكن المشروع يعطي للنيابة الحق في إجراء التحقيقات دون وجود محامي، وأن أي إجراء باطل يتم في وجود محامي لا يمكن التمسك به أمام المحكمة، ولا يضع حدودًا زمنية للمنع من السفر أو التحفظ على الأموال، وأن الأحكام الغيابية تصبح أحكامًا نافذة وتترتب عليها آثار، والتوسع في منح الضبط القضائي لتشمل مندوبي ومعاوني الشرطة، ما يلغي فلسفة العدالة الجنائية في مصر وينتقص من ضمانات المواطنين، ويتعذر معه تقديم شكوى ضد النيابة، وفي معظم مواده يعطي تصريح للإجراءات الباطلة وينتقص من دور الدفاع، ويقوم بالعدوان على حرية تغطية المحاكمات وغيرها، ومبالغة في حماية الشهود لتمتد للضباط الذين يحررون المحاضر، ما يضرب بمنظومة العدالة عرض الحائط”.

ويكشف المحامي الحقوقي أن مشروع القانون يعطي المحكمة الحق في تصحيح الإجراء الباطل، ويعطي النيابة الحق في عدم التحقيق في القضايا وأن تحيلها مباشرة للمحاكمة، وأن تحقق النيابة مع المتهم دون وجود محامي، ولا يحق للمحامي الحديث أمام النيابة إلا بإذن، ولا يحق له إثبات ملاحظاته، ولا يحق له تصوير أوراق القضية إلا إذا رأت النيابة ذلك، ما يعيد نظام العدالة الجنائية في مصر 300 سنة للوراء ويحول المواطنين لدرجة ثانية من البشر، لافتًا إلى أن قيمة قانون الإجراءات الجنائية تتمثل في أن مأمور الضبط القضائي أو ممثل سلطة الاتهام، حين يرتكبون خطأ ما فإن ذلك تترتب عليه البراءة، وأكثر من 50% من أحكام البراءة الصادرة عن محكمتي الجنايات والنقض، تكون براءات إجرائية، فكانت وزارة الداخلية تدرب  ضباطها على احترام قانون الإجراءات الجنائية، كي لا يتحول المتهمين إلى مجني عليهم.

 

نوصي للقراءة: غزة تُعِيد نقابة الصحفيين إلى الواجهة السياسية

 

ويضيف: “من حقنا أن نخاف على أنفسنا كمواطنين من هذا القانون الذي يسلب المواطن الحق في إقامة الدعوى مباشرة ضد مأمور الضبط أو رجال الشرطة إذا انتهكوا حقًا من حقوقه، ويفترض بأعضاء البرلمان مراعاة مخاوف المواطنين وشعورهم بالتهديد من مشروع القانون، وليس أن يدافعوا عنه لأنه يفترض به أن يكونوا ممثلين للناس ويحترمون رغباتهم وخوفهم، فهو محل رفض من مؤسسات المجتمع المدني و نقابتي الصحفيين والمحامين ونادي القضاة و الأوساط الحقوقية، وأثار استنفارهم رغم غلق المجال العام”. 

 

مناقشة التعديلات 

زاوية ثالثة تواصلت هاتفيًا مع النائب البرلماني إيهاب الطماوي، وبسؤاله عن حالة الجدل حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد وبيان اللجنة التشريعية في مجلس النواب، ينفي أن تكون هناك أي أزمة بين المجلس ونقابة الصحفيين، مبينًا أن الأول أصدر بيانه الجديد لإزالة اللبس حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية.

وفي أعقاب الجدل الواسع الذي أثاره بيان اللجنة التشريعية بالبرلمان، أصدر مجلس النواب بياناً، مساء الخميس، حول قانون الإجراءات الجنائية، أكد خلاله حرصه على استيعاب كل الآراء، وأنه يعمل على المفاضلة بين البدائل المتاحة لاختيار الأفضل من بينها؛ بما يحقق المصلحة العامة، وما زال يفتح أبوابه لمناقشة أية تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، طالما تهدف إلى إرساء نظام عدالة ناجز وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة.

وأعلن مجلس النواب أن لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس اختتمت أعمالها، الأربعاء، في شأن دراسة مسودة مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي أعدتها اللجنة الفرعية المنبثقة عنها، ووافقت عليها بشكل نهائي، وكان قد كلفها المجلس بذلك بنهاية دور الانعقاد المنقضي، معتبرًا أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة هامة في تحديث النظام القانوني في مصر، ويهدف إلى تحقيق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية؛ حيث يمنح النيابة العامة اختصاصات أوسع في تحريك الدعوى الجنائية، فباتت صاحبة الاختصاص الأصيل في تحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية إعمالًا لحكم المادة (189) من الدستور، كما يشمل مجموعة من الضمانات التي تعزز من حقوق الإنسان، منها تقليص مدة الحبس الاحتياطي، وتقييد سلطات مأموري الضبط القضائي في القبض والتفتيش، ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ، كما يتضمن المشروع تنظيمًا متكاملًا لحماية الشهود والمبلغين والمتهمين والمجنى عليهم، وتقديم تسهيلات لذوي الهمم في مراحل التحقيق والمحاكمة، بالإضافة إلى تنظيم التحول التدريجي للإعلان الرقمي والتحقيق والمحاكمة عن بُعد، بحسب البيان.

 

نوصي للقراءة: هتفوا ضد العرجاني: معتقلون جدد على خلفية وقفة نقابة الصحفيين الداعمة لغزة 

 

وأشار المجلس إلى أنه درس توصيات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية، وأدمج عددًا منها في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد-، وبعض التوصيات لا تزال قيد الدراسة، وأهمها: التوسع في إشهار الجمعيات والمؤسسات الأهلية التي تهدف إلى دعم دمج الأفراد وتذليل العقبات الإجرائية التي تعترض عودتهم إلى العمل أو الدراسة واستعادة حياتهم الطبيعية، مؤكدًا أن المكان الأنسب لتطبيق هذه التوصيات هو بعض القوانين المتخصصة، فضلاً عن أنه لا يوجد ما يمنع قانونًا، سواء في قانون العمل أو قانون الخدمة المدنية، من عودة المحبوس احتياطيًا إلى عمله بعد الإفراج عنه.

وفي تعليقه على بيان مجلس النواب اعتبر المحامي الحقوقي خالد علي، أنه جاء لتصحيح أخطاء البيانات السابقة، قائلًا في تغريدة له عبر حسابه على موقع إكس، مساء أمس، الخميس: “بعد البيانات السيئة التى صدرت في الأيام الماضية وتضمنت تهديد ووعيد واحتكار لـ الحقيقة والمصلحة الوطنية، مجلس النواب أصدر منذ قليل بيان منضبط وجاء البند الأخير به ليصحح ما وقعت فيه البيانات السابقة من أخطاء”.

 

تاريخ من النضال

لا تعد المعركة التي تخوضها نقابة الصحفيين ضد المواد المقيدة للحريات والمهددة لمنظومة العدالة في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، هي الأولى التي خاضتها مع السلطة على مدار تاريخها الممتد لنحو 82 عامًا؛ إذ عرفت نقابة الصحفيين المصريين، لعقود بكونها مستقلة، تدافع عن حقوق الصحفيين المصريين في ممارسة عملهم المهني، وتعبر عن آراء ومطالب الشعب المصري.

وسبق أن واجهت الصحافة صدامًا في العهد الملكي، بسبب الرقابة علي الصحف خاصة مع الحرب العالمية الثانية، وتعددت حالات حبس الصحفيين من بينهم الصحفي أبو الخير نجيب الذي انتقد الملك فاروق؛ فسجن بضعة أيام، وفي الخمسينات والستينات قامت السلطات بتأميم الصحافة، عبر قانون تنظيم الصحافة والذي أصدره الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، في مايو 1956.

 وشهدت نقابة الصحفيين معارك للدفاع عن الصحفيين خلال تلك الفترة، إذ تم اعتقال العديد منهم، وفي السبعينات شهد مقر نقابة الصحفيين احتجاجات مناهضة لـ مخططات الرئيس الأسبق محمد أنور السادات الرامية لتحويل النقابة إلى مجرد ناد اجتماعي للصحفيين، والذي تعرض العديد من الصحفيين في عهده للاعتقال، كما عارضت النقابة بشدة التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي عقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد، واصطدمت النقابة مع السلطة إبان حكم الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك، بسبب إصدار قانون الصحافة رقم 96 لسنة 1996 الذي تشدد في تطبيق عقوبة الحبس للصحفيين في قضايا النشر، وتعرض الصحف أيضًا للإغلاق والمصادرة.

 وفي العام 2016، أحالت النيابة العامة نقيب الصحفيين المصريين الأسبق، يحيى قلاش، وجمال عبد الرحيم -السكرتير العام للنقابة-، وخالد البلشي – وكيل النقابة-، آنذاك، إلى المحاكمة الجنائية العاجلة أمام محكمة الجنح، وذلك لاتهامهم بإيواء صحفيين صادر بحقهم أمر قضائي بالضبط والإحضار.

 

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search