قانون مراقبة الاتصالات في مصر: أداة للأمن أم سيف على الخصوصية؟

نصًا قانونيًا يتيح مراقبة الاتصالات، أثار مخاوف حقوقية واسعة من انتهاك الخصوصية، فضلًا عن تعارض النص مع الدستور
Picture of رشا عمار

رشا عمار

عاد مشروع قانون الإجراءات الجنائية للواجهة بعد إقرار البرلمان المصري، قبل أيام، نصًا يتيح مراقبة الهواتف ومنصات التواصل الاجتماعي، ما أثار مخاوف حقوقية واسعة من احتمالات انتهاك الخصوصية، فضلًا عن جدل حول تعارض النص مع الدستور، وفي المقابل دافع رئيس المجلس حنفي جبالي عن الخطوة، قائلاً إنها “لا تحمل توسعًا في صلاحيات سلطات الضبط”.

في 13 يناير الجاري، وافق مجلس النواب المصري على التعديلات المطروحة على  المادة رقم 79 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي تنص على أنه: “يجوز لعضو النيابة العامة، بعد الحصول على إذن من القاضي الجزئي، أن يصدر أمرًا بضبط جميع الخطابات، والرسائل، والبرقيات، والجرائد والمطبوعات، والطرود، وأن يأمر بمراقبة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وحسابات مواقع وتطبيقات التواصل الاجتماعي ومحتوياتها المختلفة غير المتاحة للكافة، والبريد الإلكتروني، والرسائل النصية أو المسموعة أو المصورة على الهواتف أو الأجهزة أو أية وسيلة تقنية أخرى، وضبط الوسائط الحاوية لها أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة في جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر.”

القانون أثار حالة من القلق لدى المصريين، وتصدر الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ أبدى كثيرون تخوفات من احتمالات انتهاك الخصوصية أو الملاحقة القضائية نتيجة مراسلات خاصة لا تتعلق باتهامات جنائية، ومن جانبه أوضح المستشار حنفي جبالي – رئيس البرلمان-، أن “مراقبة الاتصالات ليست إجراءً شاملًا أو عشوائيًا، بل تتم وفق أمر قضائي صادر عن قاضٍ مختص، وضمن ضوابط قانونية صارمة”، وأشار إلى أن هذه المراقبة تقتصر على حالات التحقيق في الجرائم الجسيمة، سواء الجنايات أو الجنح التي تتجاوز عقوبتها الحبس لمدة ثلاثة أشهر، وأن هذه الضوابط تضمن عدم إخضاع أي شخص للمراقبة إلا في إطار قانوني محدد وبموجب مبررات واضحة، ما يمنع أي استخدام عشوائي أو غير قانوني لهذا الإجراء.

وتنص المادتان 79 و 116 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية على منح النيابة العامة صلاحية مراقبة وتسجيل المراسلات والهواتف، والتنصت على الاجتماعات الخاصة، بشرط الحصول على إذن قضائي مسبب لمدة 30 يومًا، مع إمكانية تجديده لفترة أو فترات مماثلة.

وتحدد التعديلات المقترحة الحالات التي يجوز فيها اللجوء إلى هذا الإجراء، إذ تنص المادة 79 على تطبيقه “في أي جناية أو جنحة تزيد عقوبتها على الحبس لمدة ثلاثة أشهر”. كما تنص المادة 116 على إمكانية استخدام هذه الصلاحيات إذا كان من شأنها المساهمة في كشف الحقيقة في تحقيقات تتعلق بـ جنايات محددة وفق أبواب قانون العقوبات، مثل الجرائم الماسة بأمن الدولة من الخارج أو الداخل، وجرائم المفرقعات، والرشوة، واختلاس المال العام، والعدوان عليه، والغدر، إضافة إلى الاختصاصات الأخرى المقررة للنيابة العامة بموجب القانون.

 

نوصي للقراءة: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد: خطوة نحو العدالة أم تقييد للحريات

 

تمديدات غير محدودة

عارض نواب في البرلمان، خلال المناقشات التي جرت مطلع يناير الجاري، حول القانون، تمديد المراقبة لفترات غير محددة، وطالب بعضهم بقصرها على فترتين فقط لمدة 30 يومًا لكل فترة، لكن البرلمان رفض تلك المقترحات. ويقول عضو البرلمان المصري ونائب رئيس حزب المصري الديمقراطي، فريدي البياضي – الذي تقدم بمقترح لتقليص مدة المراقبة لفترة واحدة خلال الجلسة العامة- إلى زاوية ثالثة، إن القانون الحالي يعد مخالفًا للدستور المصري تحديدًا المادة 57 التي تضمن حرمة الحياة الخاصة وسرية المراسلات والاتصالات، ولا تجيز المراقبة إلا بأمر قضائي مسبب ولمدة محددة. مشيرًا إلى أن “القانون الحالي على أن تكون مدة المراقبة أو الاطلاع أو التسجيل لا تزيد على 30 يوماً، مع إمكانية التجديد بقرار مسبب من القاضي.”

ويوضح “البياضي” أنه تقدم بمقترح إلى مجلس النواب بغرض تحديد مدة المراقبة بحد أقصى ثلاث فترات (تسعة أشهر)، لأن النص الحالي يفتح المجال لتمديد غير محدود، ما يجعل المواطن في موضع اتهام دائم، لكن المقترح تم رفضه من نواب الأغلبية والحكومة، مشيرًا إلى أنه “من غير المعقول مراقبة شخص لفترة غير محددة، يمكن وضع مراقبة وفق قرار قضائي مسبق لمدة محددة تنتهي إذا لم يثبت تورط الشخص في أي جريمة.”

تنص المادة 57 من الدستور على أن “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون.”

من جهتها، تقول عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، مها عبد الناصر لزاوية ثالثة: “تقدمنا بطلب لتحديد مدة المراقبة بحيث تصبح مدة أو مدتين على الأكثر محددة بفترة معينة، لكن تم رفض الاقتراح.”

 وبخصوص القانون بشكل عام، تقول مها إن “المراقبة لا تتم إلا بأمر قضائي أو إذن نيابة، عندما يكون هناك اتهام محدد لشخص في قضية معينة يتم استصدار أمر قضائي من القاضي الجزئي بمراقبة وسائل التواصل ممثلة في الهاتف أو منصات التواصل الاجتماعي”، موضحة أن هذا الأمر ليس بجديد، وطالما أن الشخص متهم في قضية ما في السابق كان يصدر أمر بمراقبة هاتفه، وهو ما سيحدث وفق الإجراء الجديد، في إطار إجراءات التقاضي لإثبات اتهامه من عدمه.

 

نوصي للقراءة: نقابة الصحفيين في مواجهة التشريعات المقيدة للحريات

 

تخوفات 

يقول مالك عدلي – مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية- إلى زاوية ثالثة إن الدستور والقانون يكفلان سرية المراسلات الخاصة وخصوصيتها، في الوقت ذاته أصبحت أن وسائل التواصل الاجتماعي قضية عامة تؤثر على الجميع، حيث تُعتبر المنصات الاجتماعية مكانًا عامًا يتطلب تطبيق القانون العادي عند ارتكاب الجرائم من خلالها، مثل الابتزاز أو التشهير وغيرهما من الجرائم، ومع ذلك، تبرز المخاوف بشأن المراقبة والتجسس على المراسلات الخاصة، التي يفترض أن تكون مشروطة بتحريات جدية وتطبيق عادل للقانون.

يرى “عدلي” أن المشكلة الرئيسية تكمن في احتمالات إساءة استخدام القوانين، إذ من الوارد أن تُستخدم المراقبة في كثير من الأحيان ضد المعارضة السياسية أو من ينتقدون الأوضاع الاقتصادية والحكومية، ولا تقتصر فقط على المجرمون أو المتهمون في قضايا جنائية، موضحًا أن الأمر لا يتعلق بما يُكتب على الصفحات أو المنشورات العامة عمومًا، لكن المراقبة في هذه الحالات تتعلق بالمراسلات الخاصة، وبالتالي يصبح الجميع في مرمى الاتهام، مشيرًا إلى أن بعض النصوص القانونية تُستحدث أحيانًا بذريعة مواجهة الجرائم الكبرى، لكنها قد تُستغل بشكل يهدد الحريات العامة وخصوصية الأفراد.

ويضيف: “ليس لدينا مشكلة مع النصوص القانونية إذ يتم إقرارها لحفظ السلم العام، لكن ما نخشاه هو توظيف بعضها لمواجهة المعارضة السياسية أو أصحاب الرأي المعارض”، مشددًا على ضرورة التفريق بين الأمن الجنائي، الذي يهدف إلى مواجهة الجرائم الخطرة مثل الجريمة الإلكترونية، وبين “الأمن السياسي”، الذي يهدف إلى السيطرة على المعارضة ومنع النقد والاحتجاج، ما يُعد انتهاكًا واضحًا للحريات، وقد ينتج عنه توسيع إجراءات ملاحقة المعارضين أو أي شخص ينتقد أداء بعض المؤسسات.

ويشدد “عدلي” على أن قانون الإجراءات الجنائية ذا أهمية كبيرة، حيث يُطلق عليه في علم القانون “دستور العدالة الجنائية”، لذلك لا يمكن تمرير مثل هذا القانون دون حوار مجتمعي حقيقي، ودون الاستفادة من الخبرات العملية، وأيضًا من دون مراعاة الاعتراضات التي قد تطرأ، ذلك لأن عدم مراعاة هذه الاعتراضات في قانون مهم كهذا، الذي يتعامل مع حرية الأفراد وحقوقهم، يؤدي إلى عدم خدمة المجتمع بشكل صحيح.

ويتابع: “عند إعداد قانون، من المفترض أن يكون الهدف من ذلك مساعدة الأجهزة المعنية على تنفيذ القانون بكفاءة، وتطوير قدراتها لتواكب التطور التكنولوجي والعلمي في مجال مكافحة الجريمة، علاوة على ذلك، ينبغي سد الثغرات التي كانت تُستغل في التطبيق السابق للقانون، لكن إذا قررنا عدم معالجة هذه الثغرات وتركنا الأمور تسير بدون الرقابة المناسبة أو وسائل التنفيذ الفعّالة، فإننا نضع أنفسنا أمام مشكلة، على سبيل المثال، كان قانون الإجراءات الجنائية القديم ينص على أن أي خطأ في تطبيق القانون يؤدي إلى بطلانه، وهذا أمر يفتقده القانون الحالي، مما قد يؤدي إلى خلل في تطبيق العدالة.”

 

نوصي للقراءة: حقوقيون يقترحون تعديلات لضمان عدالة قانون الإجراءات الجنائية

 

متهم حتى تثبت براءته

ياسر سعد – المحامي المعني بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية- يستنكر أن يعتبر القانون جميع المصريون “متهمين حتى تثبت براءتهم”، ويقول في حديث إلى زاوية ثالثة: ” فيما يتعلق بمجال الحقوق والحريات هناك أمر هام للغاية لا يتم تناوله بشكل كافٍ في القوانين المكتوبة، رغم أنه يظهر في أحكام المحاكم، خصوصًا في قرارات محكمة النقض والمحكمة الدستورية العليا، هذا الأمر هو المبادئ القانونية العامة، التي تعكس ما يصل إليه التشريع في دولة ما بناءً على ما واجهته من منازعات وإشكاليات تتعلق باحتياجات المجتمع.” 

ويوضح في حديثه معنا أن التشريع المصري لا يعتمد فقط على الدستور والاتفاقيات الدولية، بل يأخذ أيضًا بعين الاعتبار الاجتهاد القضائي المصري، مثال على ذلك هو مسألة تسجيل المكالمات الهاتفية أو مراقبتها، مشيرًا إلى أن “هذا الإجراء له ضوابط محددة، مثل مراقبة هواتف المجرمين أو التحقق من حالات معينة كالاتصالات المزعجة، ولكن ليس لتعميم المراقبة على المواطنين بشكل عام دون وجود بلاغات أو تحقيقات.”

ويتابع: “ما يحدث الآن هو انتهاك لقرينة البراءة المنصوص عليها في الدستور، إذ يشعر المصريون أنهم جميعًا في موضع اتهام، لأن القانون يجيز للنيابة العامة أو المحكمة مراقبة وتسجيل المكالمات الهاتفية للمتهمين فقط، ولكن تجاوز هذه الحدود يضعنا أمام مشكلة قانونية وأخلاقية كبرى، مشيرًا إلى أن القضاء المصري، ممثلًا في محكمة النقض والدستورية العليا، ألغى العديد من الإجراءات غير القانونية سابقًا، مثل الأدلة المستمدة من تسجيلات باطلة، إذا كانت الأدلة غير قانونية، فإن المحكمة تلغيها بالكامل، حتى لو تضمنت اعترافات المتهم، ويؤكد “سعد” أن هذا الأساس في النظام القانوني يهدف إلى حماية حقوق المواطنين وضمان عدالة الإجراءات.” 

ويقول إن “التشريع الجديد الذي يُناقش يثير القلق، إذ يمنح الجهات الأمنية سلطات واسعة لتجاوز هذه الضوابط، هذا يعيدنا إلى الوراء عشرات السنين، إلى حقبة شهدت انتهاكات واسعة لحقوق المصريين، وهو أمر يتعارض مع ما تم تحقيقه من إصلاحات قانونية عقب فترات النضال الطويلة، مثل تلك التي تلت حكم الرئيس جمال عبد الناصر وبدء إصلاحات السادات”، متمنيًا أن يتم الالتزام بالدستور.

 ويلفت المحامي الحقوقي إلى أن المشكلة ليست فقط في تطبيق القوانين، بل في غياب المساواة، مؤكدًا أن هذا التشريع يفترض أن المواطن المصري متهم حتى تثبت براءته، وليس العكس، وأن التصور يهدم الأساس الدستوري الذي يُفترض أن يحمي المواطنين ويضع الجميع على قدم المساواة أمام القانون. 

يثير قانون الإجراءات الجنائية حالة واسعة من الجدل منذ شهور، وكانت مجموعة حقوقية خلصت، منتصف نوفمبر الماضي 2024، إلى ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على مشروع القانون المقترح من اللجنة التشريعية للبرلمان. وراعت المجموعة احتمالية موافقة مجلس النواب على مناقشة مشروع القانون من حيث المبدأ، ما دفعهم إلى وضع نصوص ومقترحات بديلة للمشروع الحالي شملت 184 مادة من أصل ما لا يقل عن 540 مادة تضمنها مشروع القانون، قدمتها المجموعة في ملف كامل يحتوي على 50 ورقة تضمن جدولًا ضم نص المشروع المقترح من اللجنة التشريعية، ونص قانون الإجراءات الجنائية الحالي رقم 150 لسنة 1950، والتعديلات المقترحة من جانب المجموعة بالحذف والإضافة.

وقد أرسلت مجموعة العمل نسخة من ملف التعديلات المقترحة إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، ورئيس البرلمان المستشار حنفي الجبالي، ووزير الشؤون النيابة والاتصال السياسي المستشار محمود فوزي، فيما سيتم طرح التعديلات على أعضاء البرلمان خلال الأيام القليلة القادمة على أمل النظر إلى تلك التعديلات ومناقشتها، وفقًا لما ذكره المحامي خالد علي.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search