في واقعة تكررت خلال أسبوع واحد، تعطلت سيارات ثلاثة مواطنين بعد تعبئتها بالبنزين من محطات مختلفة في القاهرة، وسط شكوك متزايدة بشأن جودة الوقود المتداول، خصوصًا فئة 95 أوكتين.
محمد زكي، أحد سكان القاهرة، فوجئ بتوقف سيارته فجأة بعد وقت قصير من تزويدها بالبنزين من محطة تابعة لجهاز الخدمة الوطنية على طريق الشارع الجديد قرب الدائري. أخبره فني الصيانة أن طلمبة الوقود — المسؤولة عن ضخ البنزين إلى المحرك — قد احترقت بسبب حرارة غير معتادة. وبعد أن استبدلها بأخرى جديدة، عادت نفس المشكلة في اليوم التالي، ما اضطره إلى تنظيف خزان البنزين وتغيير الطلمبة مجددًا خلال الأسبوع نفسه، متكبدًا مصاريف إضافية.
الأمر تكرر مع سيارة مرسيدس C180 يملكها أحمد صبري. كانت شقيقته قد استخدمتها قبل أيام وتوقفت بها السيارة بعد تعبئتها ببنزين 95 من محطة في منطقة مدينتي. “قالوا لي إن الطلمبة احترقت بسبب البنزين”، يقول أحمد، الذي دفع 25 ألف جنيه ثمنًا لقطعة الغيار، لكنه لم يتقدم بشكوى رسمية، مقتنعًا بأنه “لن يحصل على تعويض”، وفضّل إيقاف سيارتيه مؤقتًا حتى تتضح أسباب المشكلة.
هيثم مراد، صاحب سيارة سكودا أوكتافيا موديل 2010، واجه العطل نفسه بعدما زود سيارته بالبنزين من محطة في جسر السويس، خلافًا لمحطته المعتادة بحي مصر الجديدة. توقف المحرك فجأة، واكتشف الفني أن الطلمبة تلفت بسبب خلل في نظام البنزين. “قال لي الفني إن تأثير البنزين يشبه بنزين 80″، يوضح هيثم، مضيفًا أن زميلًا له في العمل واجه نفس العطل خلال الأسبوع ذاته.
رغم اختلاف المحطات والمناطق، فإن تكرار تعطل نفس الجزء في السيارات الثلاث يطرح تساؤلات حول جودة البنزين المتداول في بعض المحطات، وتأثيره المباشر على سلامة المركبات وكلفة الصيانة المفاجئة.
خلال الأيام الأخيرة، رُصد تزايد ملحوظ في شكاوى مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في مصر بشأن أعطال مفاجئة في السيارات، ربطها العديد من أصحاب المركبات بجودة البنزين المتداول. وتنوّعت المنشورات التي نُشرت على منصات مثل “فيسبوك” و”إكس” بين شهادات شخصية، وصور أعطال، ودعوات لمحاسبة الجهات المسؤولة، وسط مطالب بتدخل حكومي للتحقق من أسباب هذه الأعطال.
وبحسب تحليل محتوى المنشورات الرقمية، فإن أقدم الإشارات إلى أعطال يُشتبه في ارتباطها بالبنزين تعود إلى 5 مايو 2025، بينما بلغت وتيرتها ذروتها بين 5 و11 من الشهر ذاته. وتكرر تداول وسوم مثل: #البنزين_المغشوش، #البنزين_المغشوش_في_مصر، و**#أعطال_السيارات_بسبب_البنزين**، في سياق نقاشات واسعة تعكس حالة من القلق بين عدد من السائقين.
ورغم أن الجزء الأكبر من الشكاوى ورد من القاهرة الكبرى ومحافظة الجيزة، فإن “زاوية ثالثة” وثّقت أيضًا شهادات لسائقين في محافظات أخرى، من بينها الإسكندرية وبورسعيد وقنا. وأفاد هؤلاء بتعرض سياراتهم أو دراجاتهم النارية لأعطال بعد التزوّد بوقود 92 أو 95 أوكتين، من محطات مختلفة خلال الأسبوع الماضي.
وتنوّعت الأعطال المذكورة بين تلف فلاتر البنزين، أو طلمبات الوقود، أو الرشاشات الكهربائية الخارجية، كما أشار بعضهم إلى مشكلات في سحب البنزين أو توقف المحرك المتكرر. وأبدى عدد من السائقين تخوفهم من تعطل المركبات على الطرق السريعة أو في مناطق نائية، ما يعرضهم لمخاطر إضافية، ويجبرهم على تحمل تكاليف نقل المركبات بواسطة “ونش” إلى مراكز الصيانة.
تأتي هذه الأعطال بعد أقل من شهر من إعلان الحكومة المصرية زيادة جديدة في أسعار الوقود، هي الخامسة عشرة منذ يونيو 2014. ففي 11 أبريل 2025، تم رفع سعر بنزين 95 من 17 جنيهًا إلى 19 جنيهًا للتر، بزيادة بلغت نحو 11.7%. كما ارتفع سعر بنزين 92 من 15.25 جنيهًا إلى 17.25 جنيهًا، بنسبة زيادة وصلت إلى 13.1%. وشملت الزيادات أيضًا سعر السولار (الديزل)، الذي ارتفع بمقدار جنيهين، ليصل إلى 15.50 جنيهًا للتر، بدلًا من 13.50 جنيهًا.
نوصي للقراءة: ارتفاع أسعار البنزين في مصر: رحلة زيادات منذ 2014
ارتفاع أسعار طلمبات البنزين
منذ نحو عشرة أيام، لاحظ أحمد منتصر، فني صيانة سيارات وصاحب ورشة ميكانيكا في أحد أحياء محافظة الجيزة، توافد عدد كبير من أصحاب السيارات إلى ورشته بسبب أعطال مفاجئة. وبفحص السيارات المتعطلة، تكررت أمامه نفس النتيجة: تلف قلب طلمبة البنزين، نتيجة تراكم كربون بكميات غير معتادة، كما لو أن أصحاب السيارات استخدموا بنزين 80 بدلًا من 92 أو 95.
ومع تكرار الحالات، قرر أحمد اختبار عينة من البنزين المعبأ من بعض المحطات، فلاحظ أن رائحته كانت كريهة وغير مألوفة، كما أنه لم يتبخر بصورة طبيعية، وخلف آثارًا سوداء على الفلاتر والطلمبات، وهو ما أرجعه إلى زيادة محتوى الكربون في الوقود. وأشار إلى أن الأضرار لم تقتصر على السيارات فقط، بل طالت أيضًا الدراجة النارية الجديدة التي اشتراها مؤخرًا، والتي تعطلت محركاتها بسبب انسداد مجاري الوقود، ما تسبب في توقف متكرر خلال القيادة. وبسؤاله لأصدقاء له من مالكي الدراجات النارية، أكدوا أنهم يواجهون نفس المشكلة منذ أيام.
وقال منتصر في حديثه إلى “زاوية ثالثة”:
“بسبب كثرة الأعطال الناتجة عن البنزين، ارتفعت أسعار قلوب الطلمبات خلال الأسبوع الأخير. على سبيل المثال، ارتفع سعر قلب طلمبة البنزين لسيارة توسان موديل 2021 (الشعبي) من 1250 جنيهًا إلى 1500، أما النسخة المستوردة منها فارتفعت من 2000 إلى 2300 جنيه. كما يوجد نقص ملحوظ في المعروض من الطلمبات المستوردة في السوق. الكربون الزائد في البنزين لا يتسبب فقط في تلف الطلمبات، بل قد يؤدي بمرور الوقت إلى ضعف أداء محرك السيارة وتقليل كفاءته في حرق الوقود.”
من جهته، أكد أحمد السروجي، مسؤول المبيعات في إحدى شركات السيارات الفرنسية العاملة في مصر، تسجيل زيادة غير معتادة في مبيعات طلمبات البنزين داخل مراكز الصيانة التابعة للشركة خلال الأيام العشرة الماضية. وربط هذه الزيادة المباشرة بظهور الأعطال الناتجة عن البنزين، في توقيت متزامن مع الأزمة الراهنة.
يبلغ إجمالي عدد المركبات المرخصة بمحافظات الجمهورية 10,41 ملايين مركبة في نهاية عام 2024 مقابل 9.95 ملايين مركبة في نهاية عام 2023 بنسبة ارتفاع قدرها 4.7٪. وفق مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار.
نوصي للقراءة: تسلسل زمني لارتفاع أسعار الوقود منذ ثورة يناير حتى الآن
مسؤولية شركات التكرير
تحدثت زاوية ثالثة، مع رجل الأعمال أحمد خالد، الذي يمتلك محطة وقود بمدينة الزقازيق، في محافظة الشرقية، والذي نفى تمامًا أن تكون محطات الوقود متورطة في أي عملية لغش البنزين، لكون البنزين بأنواعه المختلفة يأتي للمحطات داخل خزانات شاحنات معبأة داخل مستودعات وقود حكومية، وتكون محكمة الإغلاق بالرصاص، مما يجعل من المستحيل التلاعب بها.
ويتسائل مالك محطة الوقود: “هل من المنطقي أن يتفق جميع أصحاب محطات الوقود التي تضرر أصحاب السيارات بعد قيامها بتعبئة خزانات سياراتهم، على غش البنزين؟”، مؤكدًا أن اللوم لا يقع على المحطات.
فيما يؤكد حسن نصر، رئيس الشعبة العامة للمواد البترولية بالاتحاد العام للغرف التجارية، إلى زاوية ثالثة، أن محطات الوقود في مصر وشركات تسويق المواد البترولية المالكة لها، والبالغ عددها نحو عشر شركات، بريئة تمامًا من تهمة غش البنزين عبر خلطه بالماء، كما أشاع البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل الإعلام، محملين المحطات مسؤولية الأزمة، والتي ترجع إلى أن هناك كمية من البنزين غير المطابق للمواصفات تم ضخه إلى بعض محطات الوقود، خلال الفترة الزمنية من 4 مايو وحتى 10 مايو، بحسب ما أظهرت نتائج العينات التي تم فحصها وأعلنت عنها وزارة البترول، لافتًا إلى أن أي وقود غير مطابق للمواصفات القياسية تتحمل مسؤوليته شركة التكرير التي خرج منها، والهيئة العامة المصرية للبترول، موضحًا أن هناك 6 شركات لتكرير البترول، تتوزع بين القاهرة والإسكندرية وأسيوط، تغطي كل منها مناطق بعينها، وأن هناك عدد من المحافظات التي سجلت شكاوى رسمية بسبب أعطال السيارات الناتجة عن البنزين، وكان نصفها يتركز في القاهرة وحدها.
ويحذر رئيس الشعبة من أن إغراق السوق بقطع غيار سيارات مغشوشة ولجوء أصحاب السيارات إلى أنواع رخيصة من الفلاتر والطلمبات، وقيامهم بملئ خزانات الوقود بسياراتهم بالكامل دون ترك متنفس لها، أو إهمالهم لتعبئة الوقود حتى يضيء المؤشر باللون الأحمر، هي أهم الأسباب التي ضاعفت من المشكلة وساهمت في تضخيمها، لافتًا إلى أن احتمالية لجوء محطات وقود لخلط نوعين من البنزين كنوع من الغش، هي احتمالية ضعيفة، لأن السيارات الحديثة تظهر على شاشاتها نسبة الأوكتين في البنزين، كما أن العقوبة مشددة لمن يقدم على ذلك، معتبرًا أن الأزمة ستنتهي من تلقاء نفسها بنفاذ كميات الوقود غير المطابقة للمواصفات.
وتفيد البيانات الرسمية أن عدد محطات الوقود في مصر، قد بلغ حوالي 3597 محطة في عام 2019، ويبلغ عدد المحطات العاملة التابعة للشركة الوطنية لبيع وتوزيع المنتجات البترولية، (255) محطة، وطبقًا لوزارة التموين فإن أكبر عدد محطات وقود بالقاهرة موجودة في شرق مدينة نصر والمعادي، إذ تحتوي مصر الجديدة على 16 محطة، والنزهة بها 19 محطة، وشرق مدينة نصر على 33 محطة، وغرب مدينة نصر على 4 محطة، والمطرية على 3 محطات، عين شمس على 9 محطات.
نوصي للقراءة: تسعيرة النقل في مصر: صراع الأجرة والوقود
عينات غير مطابقة للمواصفات
كشفت وزارة البترول والثروة المعدنية، الأحد، عن تسجيل إجمالي 870 شكوى على مستوى الجمهورية، خلال الفترة من 4 إلى 9 مايو 2025، بشأن جودة منتج البنزين المطروح بالأسواق المحلية، وأنها توزعت على النحو التالي: 5 شكاوى يوم 4 مايو، 139 شكوى يوم 5 مايو، 189 شكوى يوم 6 مايو، 134 شكوى يوم 7 مايو، 269 شكوى يوم 8 مايو، 134 شكوى يوم 9 مايو.
وجاءت محافظة القاهرة في المرتبة الأولى بعدد 429 شكوى، الجيزة 208 شكوى، القليوبية 50 شكوى، الشرقية: 31 شكوى، الإسكندرية: 29 شكوى، الغربية 19 شكوى، المنوفية 18 شكوى، الدقهلية 12 شكوى، المنيا 12 شكوى، الفيوم 10 شكاوى، الإسماعيلية 9 شكاوى، بينما شهدت باقي المحافظات بضعة شكاوى أو لم ترد منها شكاوى على الإطلاق.
وأوضحت الوزارة، في بيان لها، أنه تم تحليل 807 عينة من مختلف المحافظات، بواسطة فرق من وزارتي البترول والتموين، بالإضافة إلى شركات تحليل محايدة، وأثبتت التحاليل وجود 802 عينة مطابقة للمواصفات و5 عينات غير مطابقة للمواصفات؛ إذ تم تحليل 250 عينة عبر وزارة البترول والثروة المعدنية، و205 عبر وزارة التموين، في منطقة القاهرة الكبرى البترولية، وتبين وجود حالتين غير مطابقتين في محافظتي القاهرة والقليوبية، وفي منطقة الإسكندرية البترولية: (الإسكندرية، كفر الشيخ، البحيرة، مطروح)، تم تحليل 136 عينة، منها 73 عبر شركات محايدة، وجاءت جميعها مطابقة للمواصفات عدا عينة واحدة، أما في منطقة السويس البترولية: (السويس، البحر الأحمر، جنوب سيناء): 75 عينة، جميعها مطابقة، وفي محافظات الصعيد: 68 عينة، منها عينتان غير مطابقتين بمركز الفشن – بني سويف، ومحافظة قنا.
فيما أعلنت الوزارة عن إضافة بعض الإجراءات اللازمة لضمان مطابقة المواصفات، فيما يخص البنزين المنتج محليًا، تمثلت في عدم تدفيع معامل التكرير لأي منتج للاستهلاك إلا بعد تحليل عينات منه في معملين مختلفين ومطابقة النتائج بدلا من التحليل في معمل واحد، وفيما يخص البنزين المستورد، فقد تم سحب عينات تحت إشراف شركات محايدة وتحليلها في ثلاث معامل مختلفة لضمان دقة النتائج بدلا من معمل واحد، وفيما يخص سلسلة الإمداد فيتم إجراء التحاليل قبل وبعد تدفيع المنتج للتأكد من الجودة على مدى سلسلة الإمداد بأكملها، وتكليف شركات محايدة بإجراء التحاليل لضمان الحيادية، مؤكدة التزامها الكامل بضمان جودة المنتجات المقدمة للسادة المواطنين، مع تعزيز منظومة الفحص وفق الإجراءات المستحدثة السابق الإشارة إليها، واستمرار أنشطة التفتيش والرصد وموافاة الرأي العام بأية مستجدات تتعلق بجودة المنتجات، والتزامها بالتعاون مع الجهات المعنية لمساءلة من يثبت تقصيره في ضمان جودة المنتجات البترولية، لإعلاء المصلحة العامة.
وكانت الوزارة قد أعلنت في بيان سابق، صدر عنها في 6 مايو الماضي، تفعيل غرفة الطوارئ التي قامت بمراجعة جميع مصادر الإمداد المحلية والدولية لمنتج البنزين ومدى مطابقتها للمواصفات القياسية المصرية، ومراجعة مستودعات التخزين الرئيسية، وسحب وتحليل عينات من محطات الوقود على مستوى الجمهورية وكذلك إجراء تحليل إضافي لنسبة الكبريت، مؤكدة حصر شحنات الجازولين المستوردة التي تم تفريغها خلال الفترة من 18 أبريل 2025 إلى 3 مايو 2025 بموانئ السويس والإسكندرية، الت تم مراجعة شهادات التحاليل الخاصة بها وتبين مطابقتها التامة للمواصفات القياسية المصرية، إضافة إلى مراجعة شهادات التحاليل لجميع شحنات البنزين المنتجة محليًا من معامل التكرير خلال نفس الفترة، وأثبتت التحاليل مطابقة المنتجات للمواصفات القياسية المصرية.
وأضافت أنها راجعت شهادات التحاليل الخاصة بالمستودعات الوسيطة المغذية للقاهرة الكبرى وغيرها من المحافظات وأن جميع النتائج جاءت بمطابقة البنزين المطروح للتداول للمواصفات القياسية المصرية، لافتة إلى استعانت الوزارة بشركات تحليل عينات معتمدة دوليًا وذلك لسحب وتحليل عدد 116 عينة من 42 محطة وقود تغطي مناطق القاهرة الكبرى والإسكندرية والسويس، على أن تتضمن تلك المحطات مناطق جغرافية مختلفة ومحطات تابعة لمختلف شركات التوزيع، وأثبتت نتائج التحاليل مطابقة جميع العينات للمواصفات القياسية المصرية، كما تم الدفع بلجان تفتيش إضافية على مستوى الجمهورية، لافتة إلى الشروع في إجراء تحاليل إضافية لنسبة الكبريت بعينات البنزين المسحوبة من المستودعات والمحطات، بدءًا من يوم الثلاثاء الموافق 6 مايو 2025، وسيتم الإعلان عن نتائجها فور الانتهاء منها.
يرى د. حسام عرفات، أستاذ هندسة البترول والرئيس السابق لشعبة المواد البترولية باتحاد الغرف التجارية، إلى زاوية ثالثة، أن يكون غش البنزين هو المسؤول عن أعطال السيارات المفاجئة، إذ توجد في مصر قرابة 6 مليون سيارة وقرابة 5 آلاف محطة وقود، سعة خزان البنزين بها تتراوح بين 23 ألف لتر إلى 45 ألف لتر، تكفي لتعبئة خزانات أكثر من ألف سيارة، وهذه الكمية تنفذ عادة خلال 48 ساعة، وأنه في حال كان البنزين في محطة ما مغشوشًا فهذا يعني أن جميع السيارات التي حصلت على البنزين منها، قد تعطلت بالضرورة، موضحًا أن غش البنزين يكون بإحدى طريقتين إما خلطه بالماء أو خلط أنواع مختلفة من البنزين، كأن يخلط بنزين 95 أو 92 ببنزين 80، معتبرًا أن هناك حالة من الهيستريا غير المنطقية بشأن الموضوع، وأن هناك كتائب إلكترونية تريد تسوية سمعة محطات الوقود التابعة لجهاز الخدمة الوطنية، ولا سيما محطة تشيل أوت.
ويرجع رئيس الشعبة أعطال السيارات إلى عيوب الصناعة أو إهمال الصيانة الدورية لها، والاعتماد بشكل كبير على قطع غيار السيارات “الشعبي” المستوردة من الصين، ذات العمر الافتراضي القصير والجودة الأقل، أو تكرار قيادة السيارة حتى ينفذ خزان الوقود، أو الجمع بين نوعين أو ثلاثة من البنزين لتوفير التكاليف بسبب زيادة أسعاره، مُهاجمًا بيان وزارة البترول الذي اعترف بوجود حالات محدودة من عينات البنزين التي تم جمعها، غير مطابقة للمواصفات، وفقًا لتحليل شركات محايدة، ولم يحدد محطات وقود بعينها أو نوع بنزين بعينه، ولم يكشف عن سبب كون العينة غير مطابقة للمواصفات، وأغفل بعض الحافظات، معتبرًا إياه بيانًا يهدف إلى تهدئة الرأي العام لا أكثر.
نوصي للقراءة: بعد رفع أسعار الوقود.. هل تتجه مصر نحو التضخم؟
سوء الاستخدام وإهمال الصيانة
يوضح المهندس جمال عسكر، خبير صناعة السيارات، إلى زاوية ثالثة، أنه يوجد في مصر بنزين 80 و92 و95، وأن هذه الأرقام تدل على درجة الأوكتين في البنزين، أو القيمة الحرارية للوقود، وكلما ازدادت الدرجة كلما ازداد النقاء، لافتًا إلى أن هناك أنواع من الوقود تحتوي على خليط من البنزين والكحول (عادةً الإيثانول)، وتستخدم هذه الأنواع بشكل شائع في العديد من السيارات حول العالم؛ فبالنسبة إلى وقود الإيثانول فإن الخليط الأكثر شيوعًا وهو E10، يتكون من 10% إيثانول و90% بنزين، وهو متوفر بشكل واسع في الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية (خاصةً في البرازيل)، وبعض الدول الأوروبية.
وللتفرقة بين أعطال طلمبات السيارات الناتجة عن مشكلة في الوقود يؤكد الخبير ضرورة أن يقوم فني الصيانة بقياس ضغط البنزين في الطلمبة، وأخذ عينة من البنزين وملاحظة لونه ودرجة نقاءه، وإذا كانت هناك مواد إضافية كالكبريت وغيرها، مما يؤدي إلى عدم الاحتراق الكامل للوقود، وللتأكد من جودة الطلمبات يجب قياس ضغطها في مركز الخدمة المعتمد للسيارة، عن طريق منظم الضغوط.
ويشير عسكر أن انخفاض جودة البنزين يؤثر على تشغيل محرك السيارة، ومع ضغط الهواء الساخن لا يصل الوقود إلى درجة الاشتعال، لافتًا أن تكلفة إصلاح رشاشات السيارات والطلمبات مرتفعة للغاية إذ يتجاوز سعر الطلمبة من بعض الأنواع مثل: تيوتا، 35 ألف جنيه، مضيفًا: أن الوقود الجيد يمكن لقائد السيارة وغير المتخصصين ملاحظة درجة نقاؤه بالعين المجردة، وأنه إذا تمت مقارنة البنزين في مصر بالبنزين في دول الخليج سنلاحظ انخفاض درجة النقاء لدينا لضعف الرقابة، مما يتسبب في تلف فلاتر وطلمبات السيارات والرشاشات والمواسير بداخلها، نتيجة زيادة نسبة الشوائب.
في حين يُبين المستشار أسامة أبوالمجد، رئيس رابطة السيارات ونائب رئيس شعبة السيارات بالغرفة التجارية، إلى زاوية ثالثة، أن هناك مشكلة تتعلق بالبنزين في مصر وأن هناك شكاوى من ارتفاع نسبة الرصاص في بنزين 95، وأن وزارة البترول أقرت بوجود مخالفات لدى بعض محطات الوقود، إلا أن ذلك لا يمنع أن السلوكيات الخاطئة لبعض قائدي السيارات ساهمت في زيادة الأزمة.
ويشير أبو المجد إلى أن سوء الاستخدام وإهمال الصيانة يفاقم من الأعطال الناتجة عن وجود مشكلة في جودة البنزين؛ إذ أن بعض سائقي السيارات الحديثة، من إنتاج عام 2022 وما بعدها يلجأون إلى تعبئة خزانات سياراتهم ببنزين 92 دون اهتمام منهم بالآثار الكارثية لذلك، فيما يهمل الكثير من أصحاب السيارات تغيير الفلاتر ويتركون خزانات الوقود بسياراتهم شبه الفراغ ولا يتجهون إلى محطة الوقود إلا بعد أن يشير مؤشر البنزين إلى اللون الأحمر مما يؤدي إلى سحب شوائب الرصاص المتراكمة في خزان الوقود وإتلافها للطلمبة.
نوصي للقراءة: مصر: رفع الدعم يعمق الفجوة بين الأجور والأسعار
تدخلات برلمانية
تقدمت النائبة البرلمانية د. مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، يوم الثلاثاء الماضي، بطلب إحاطة موجه إلى السيد رئيس مجلس الوزراء، ووزير البترول والثروة المعدنية ، ووزير التموين والتجارة الداخلية، بشأن تزايد شكاوى المواطنين مؤخرًا بسبب إنتشار العديد من أنواع البنزين المغشوش بمحطات الوقود، وتسببها في أعطال مفاجئة في سياراتهم، خاصةً في مضخات الوقود (الطلمبات)، بعد قيامهم بتموينها من محطات وقود مختلفة، وظهور بقع زيتية أو روائح نفاذة في البنزين المستخدم، مبدين تخوفهم من احتوائه على مواد مضافة أو مخففات ضارة.
وأكدت النائبة أنه على الرغم من نفي وزارة البترول والثروة المعدنية لوجود بنزين مغشوش في محطات الوقود، فإن الواقع الميداني يشير إلى وجود مشكلة حقيقية تستدعي التدخل العاجل، وقد أصبح من الواضح أن هناك فجوة كبيرة بين البيانات الرسمية والشكاوى اليومية للمواطنين، مما يضع علامات استفهام حول فعالية منظومة الرقابة الحالية، لافتة إلى تعدد أساليب غش البنزين موخرًا بحسب الروايات والمعلومات المنتشرة، حيث يلجأ بعض التجار إلى تخفيف البنزين عبر إضافة مواد كيميائية بهدف تقليل التكاليف وزيادة الأرباح على حساب المستهلك، واستخدام أجهزة غير قانونية لتقليل كميات البنزين المقدمة للعميل دون تغيير السعر، مما يؤدي إلى خسارة المستهلكين للوقود المدفوع، وكذلك خلط البنزين بأنواع زيوت أو مذيبات صناعية تؤثر على جودة الاحتراق وتؤدي إلى تآكل الأجزاء المعدنية بالمحرك، محذرة من أن البعض يعتقدون أن بعض المحطات تحصل على شحنات من وقود منخفض الجودة بأسعار أقل، ثم تخلطها وتعيد تعبئتها للبيع بسعر البنزين العادي.
وطالبت النائبة السلطات المعنية بتشديد الرقابة على محطات الوقود، وإجراء تحاليل دورية للعينات المأخوذة من المحطات المختلفة، ونشر نتائج هذه التحاليل بشفافية للرأي العام، بالإضافة إلى ذلك، يجب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة ضد المحطات التي يثبت تورطها في بيع بنزين مغشوش، بما في ذلك إغلاق المحطة وتحويل المسؤولين عنها إلى النيابة العامة، كما نطالب بإلزام شركات توزيع الوقود بتوفير شهادات جودة مرفقة بكل شحنة وقود تصل إلى المحطات، وأن يتم التحقق من تلك الشهادات دوريًا.
وفي تصريحات إلى زاوية ثالثة أثنت النائبة مها عبد الناصر، على البيان الصادر عن وزارة البترول والثروة المعدنية، الأحد، لكونه يمثل اعترافًا رسميًا من الوزارة بوجود مشكلة فعلية أثرت على عدد من السيارات بسبب البنزين غير المطابق للمواصفات، إلاّ أنها تلفت لكون الوزارة لم تكشف حتى الآن عن السبب الحقيقي وراء المشكلة أو مدى انتشارها أو المحطات والعلامات التجارية المسؤولة عنها، كما لم يذكر البيان الصادر عنها أماكن تواجد العينات المخالفة وكيفية وصولها إلى السوق، وما هي الإجراءات التي ستتخذها الوزارة مستقبلًا لمنع وقوع هذا الضرر للمستهلكين؟، ولماذا لم تعمد الجهات المعنية لاتخاذها من قبل؟
وترى النائبة أن قيمة التعويض الذي أعلنت عنه الوزارة، يعد رمزيًا، وأن ربط التعويضات بتقديم شكوى رسمية مسبقاً سوف يقلل للغاية عدد أصحاب السيارات الذين سيتلقون تعويضات، نظراً لوجود عدد كبير من المتضررين لم يقوموا بتقديم شكاوى رسمية، داعية الحكومة إلى كشف الحقائق كاملة بشأن المشكلة.
وكانت وزارة البترول والثروة المعدنية، قد أعلنت، الأحد، عن قرار صرف مبلغ مماثل لقيمة الفاتورة المعتمدة لاستبدال طلمبة البنزين وبحد أقصى 2000 جنيه مصري لأصحاب الشكاوى الذين تقدموا بالشكوى عبر الخط الساخن (16528) أو موقع منظومة الشكاوى الحكومية وسيتم التواصل مع المواطنين تباعًا من طرف الوزارة، شريطة أن تكون الشكوى مقدمة خلال الفترة من 4 إلى 10 مايو 2025 على أن تكون الشكوى بخصوص نفس الفترة، وأن يتم تقديم المستندات التي تفيد ملكية مقدم الشكوى للسيارة، وتقديم فاتورة معتمدة تفيد استبدال طلمبة السيارة.
وفي حين يرى الخبراء وكثير من أصحاب السيارات المتضررة أن اعتراف وزارة البترول والثروة المعدنية بوجود 5 عينات غير مطابقة للمواصفات، هو أمر إيجابي، وبداية الطريق لحل المشكلة، فإن كثيرون ينتقدون المقابل المادي الهزيل للتعويضات المعلنة من الوزارة والتي لا تتناسب مع حجم الأضرار المادية، وكون التعويضات لا تغطي المتضررين الذين لم يتقدموا بشكوى رسمية في الوقت المحدد أو لم يحصلوا على فواتير شراء للطلمبات، وسط دعوات للسلطات المعنية بتشديد الرقابة على محطات الوقود، وإجراء تحاليل دورية للعينات المأخوذة من المحطات المختلفة، وإعلان تدابير احترازية للحيلولة دون تكرار الأزمة.