تزايد الاحتجاجات العمالية: مرآة لأزمة الاقتصاد المصري

تصاعدت الاحتجاجات العمالية في مصر نتيجة التأخر في صرف الرواتب وغياب الحوافز منذ عدة سنوات، ما أدى إلى زيادة معاناة العمال وسط تفاقم الأوضاع الاقتصادية.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

في خضم الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالقاهرة، يعلو صوت العمال كصرخة مكتومة، معبرين عن معاناتهم اليومية في وجه الإقصاء المتزايد. ورغم الوعود المتكررة بالتنمية والنهضة الاقتصادية، يقف هؤلاء العمال على حافة اليأس، محاصرين بين التضخم الذي يلتهم دخولهم، وإدارات تتجاهل أبسط حقوقهم.

في شركة “رؤية للمقاولات”، امتدت سنوات من المعاناة دون زيادات أو حوافز للعاملين، ليأتي القرار الأخير بوقف الرواتب كالقشة التي قصمت ظهر البعير. يقول أحد العمال: “لم تعد الحياة محتملة، والوعود لا تسد الجوع”.

المشهد لا يقتصر على شركة واحدة، بل يتكرر في وزارات وشركات أخرى، حيث باتت الأجور مجمدة داخل أروقة الإدارات المغلقة. هؤلاء العمال لا ينادون فقط بتحسين الأوضاع المادية، بل يطالبون بشيء أعمق: العدالة والكرامة في وطنهم.

في هذا السياق، جاءت احتجاجات عمال شركة “رؤية للمقاولات” كأحدث تعبير عن الغضب تجاه تعنت الإدارات، حيث توقف العمال عن العمل احتجاجًا على عدم تلقيهم الزيادات السنوية والحوافز المستحقة منذ أربع إلى خمس سنوات، بالإضافة إلى توقف صرف رواتبهم لمدة شهر كامل. هذه الاحتجاجات ليست حالة معزولة، بل تمثل جزءًا من أزمة عمالية متفاقمة.

وفي 2 سبتمبر الجاري،  وقف عشرات العاملين 2 سبتمبر الجاري،  أمام وزارة الزراعة، يعبرون عن استيائهم من عدم صرف رواتبهم لفترات طويلة – رغم تعيينهم بشكل رسمي-، ما يعكس وضعًا متأزمًا في قطاع الوظائف الحكومية أيضًا، ولم تتوقف هذه الاحتجاجات عند هاتين الحادثتين، فقد انضمت شركتان أخريان إلى مشهد الاحتجاجات وهما: شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “شوربجي”، وشركة وبريات سمنود، وخرج العمال يطالبون بأبسط حقوقهم في الرواتب والحوافز المقررة.

هذه الاحتجاجات تعكس مأزقًا مزدوجًا يعاني منه العمال في مصر: فمن جهة يواجهون تضخمًا اقتصاديًا يلتهم قيمة رواتبهم، ومن جهة أخرى يواجهون إدارات تتجاهل حقوقهم الأساسية. وسط هذه الأزمات، يظهر غياب واضح لدور السلطة والإدارات في معالجة هذه الملفات الشائكة، مما يترك العمال في مواجهة يومية مع الضغوط الاقتصادية المتزايدة.

 

نوصي للقراءة: إضراب عمال وبريات سمنود: مطالب بالحد الأدنى للأجور وسط حملة اعتقالات 

 

ديون متراكمة

وقف موظف خمسيني – فضّل عدم الإفصاح عن اسمه-، صباح الثامن من سبتمبر الجاري، أمام البوابة الرئيسية لـ شركة رؤية للمقاولات -التي دخلت تحت مظلة مجموعة “بايونير” التي تنشط في مجال الأوراق المالية والتسويق، ويمتلكها ويرأسها رجل الأعمال، وليد زكي – العضو البارز في حزب مستقبل وطن، رئيس نادي مودرن سبورت الرياضي “فيوتشر” سابقًا-، وقف الخمسيني بملامح تُعبر عن مُعاناته وزملائه في الشركة، بسبب الظروف المعيشية الصعبة والتعامل غير العادل من قبل الإدارة، التي فيما يبدو بدأت عندما انضمت الشركة إلى مظلة مجموعة “بايونير”.

يقول الموظف الأب لـ ثلاث بنات متزوجات، حاصلات على تعليم عالٍ، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إنه ما زال يعاني من الديون المتراكمة نتيجة تجهيزات زواج بناته وتعليمهن. رغم كل هذا، لا تزال الشركة تتجاهل حقوقه وحقوق زملائه من العمال. يُعبّر عن أحد أبرز الشكاوى التي تَقدّم بها العمال والمتعلقة بـ المعاناة الجسدية والنفسية التي يعيشونها عند سفرهم إلى القاهرة لاستلام رواتبهم. يبين أنه والعمال نظّموا هذه الوقفة الاحتجاجية، بداية من الساعة 8:30 صباحًا حتى 2:30 ظهرًا، مطالبين بالزيادات السنوية، وأرباح الشركة، والتأمينات، والبطاقات الطبية.

يوضح موظف شركة رؤية للمقاولات أن العمال قدموا مذكّرة تتضمن مطالبهم إلى مدير المشروع، ولكنه رفض التوقيع على استلامها. وفي اليوم التالي، أرسلت الشركة مذكرة تشير إلى أنه سيتم التحقيق مع تسعة من العمال المشاركين في الوقفة الاحتجاجية، متهمة إياهم بالتحريض على الإضراب، ومن بينهم هو.

يشرح: “الشركة تعمل في عدة مواقع، من بينها تلال السخنة، وتلال الساحل، و ستون بارك في القطامية، ومع ذلك، تم إنشاء شركة جديدة تحت ستارها باسم “كلاستر”، إذ تم تقديم عروض لبعض المديرين لنقلهم إلى الشركة الجديدة مع تعويضات مالية عن السنوات التي عملوا بها. مضيفًا أن هذا القرار أثار استياء العمال، إذ لم يتم تقديم أي عروض مماثلة لهم، مؤكدين رفضهم التام للنقل إلى الشركة الجديدة دون الحصول على حقوقهم.

من بين أبرز المطالب التي يُصر العُمال عليها، ذكر الموظف في حديثه؛ الزيادات السنوية التي لم يحصلوا عليها منذ عام 2021. إضافة إلى البطاقات الطبية والتي لم تُفعّل منذ 2023. وكذلك التأمينات فهناك سنوات لم يتم سداد مستحقات التأمينات الاجتماعية عنها.  كما أنهم يتعرضون لظروف عمل قاسية، دون قواعد السلامة المقررة، وسط مناطق جبلية وصحراوية شديدة الحرارة.

الموظف يؤكد أن راتبه الحالي بعد 11 عامًا من العمل لصالح الشركة هو تسعة آلاف جنيه فقط، إضافة إلى 1000 جنيه بدل طعام، ويعد راتب لا يعكس السنوات الطويلة التي قضاها في الخدمة ولا يغطي احتياجاته وديونه المتراكمة.

يصمم أن الإدارة، وخصوصًا مدير المشروع، تتجاهل باستمرار مطالب العمال وحقوقهم، إذ صرح مدير المشروع أكثر من مرة: “هذا هو المتاح، ويمكنكم المغادرة”.

وعلى الرغم من تلك المعاملة السيئة، لا يزال العمال مصممين على الحصول على حقوقهم، وقد قدم المصدر نفسه شكوى إلى مكتب العمل منذ عام 2015 مع مجموعة من 30 عاملًا، ما زالت قيد النظر أمام المحاكم حتى اليوم.

 

“مستقبل وطن” كلمة السر

وفقًا لدار الخدمات النقابية والعمالية – منظمة غير حكومية تُعنى بحقوق العمال في مصر- فإن مطالب العمال الذين نظموا الاحتجاجات ويبلغ عددهم نحو 200 عاملًا، تتلخص في صرف الزيادة السنوية للعمال المتوقفة منذ عام 2019، وإعادة التأمين الطبي الذي ألغته الإدارة عام 2023، وصرف الأرباح السنوية المتوقفة منذ عام 2017، ومكافأة غلاء المعيشة المتوقفة منذ عام 2018، إضافة إلى تسوية سنوات التأمين التي لم تقم الشركة بالتأمين على العمال خلالها، والتي تتباين من عامل لآخر وتتراوح بين سنتين وست سنوات.

وتؤكد الدار أن العمال الذين نظموا الوقفة أنهوا وقفتهم في ليلتها ثم وفي نهاية الوردية قاموا بصياغة المطالبات السالفة الذكر، في مذكرة بالاتفاق فيما بينهم، وقدموها لإدارة الشركة في 9 سبتمبر الجاري، انتظارًا لرد الإدارة خلال الأيام المقبلة. وفي العام الماضي كان قد تقدم 30 عاملًا بشكوى لمكتب العمل، بنفس المطالب، لم يبت فيها حتى الساعة. هؤلاء العمال يتقاضون أجورًا بمتوسط خمسة آلاف جنيه، وهو أقل من الحد الأدنى للأجور، بحسب قرار أصدره مؤخرًا رئيس الجمهورية. 

وعن أسباب تلك الأزمة تقول الدار إن معاناة العمال، والاعتداء على حقوقهم من قبل الشركة بدأت في أعقاب دخول الشركة تحت مظلة مجموعة “بايونير” التي تنشط في مجال الأوراق المالية والتسويق، ويمتلكها ويرأسها رجل الأعمال وليد زكي – العضو البارز في حزب مستقبل وطن المقرب من السلطة، ورئيس نادي فيوتشر الرياضي-، وطالبت الدار بضرورة الاستجابة العاجلة لـ مطالبات العمال في شركة رؤية، وأكدت إدانتها انحياز الدولة لرجال الأعمال خصوصًا المنتمين منهم إلى حزب مستقبل وطن.

نوصي للقراءة: ارتفاع أسعار الخبز إلى أربعة جنيهات.. رفع الحدّ الأدنى للأجور وسط ترقّب بزيادة قياسيّة للأسعار

 

اختفاء قسري 

في سمنود – تقع في محافظة الغربية، وتحتضن شركة وبريات سمنود التي تأسست في عام 1974، وكانت منذ نشأتها تتبع شركة مصر للغزل والنسيج بمدينة المحلة التابعة للمحافظة ذاتها، وهي شركة حكومية مصرية-، سبق وأن أعلن عمال/ عاملات وبريات سمنود الإضراب عن العمل، في خطوة تصعيدية رأوها مشروعة، لـ كسب حقوقهم في تطبيق الحد الأدنى للأجور، في الوقت الذي اختارت فيها الإدارة التصعيد المباشر في وجه العمال بعدما رفضت سابقًا منحهم حقوقهم، وأعلنت عن إيقاف عشرة منهم عن العمل، وإحالتهم إلى التحقيق وهم: “هشام ابراهيم السعيد البنا، ومحمد صابر محمود الحلو، ومحمد صديق البسطويسي، وتامر رجب عقيل الدجلة، وحمدي زين العابدين ابراهيم شابون، وهانم السيد محمد الجوهري، وسماح محمد السيد، وهند فاروق محمد عبد العال، ونور محمد حسن أبو النجا، وسعاد عبد الحميد عبد المنعم العريان”. لم تكتف الإدارة بهذا حتى حجبت رواتبهم عن شهر أغسطس، في حين صرفت للعاملين بالأمن رواتبهم عن الشهر ذاته. 

تدخلت قوات الأمن واحتجزت ثمانية من العمال، اختفوا قسريًا لأيام، ورفضت قوات الأمن الإفصاح عن مكان احتجازهم، حتى تم عرضهم على نيابة شرق طنطا على ذمة القضية رقم 7648 لسنة 2024 إداري سمنود، وتم التجديد لهم لمدة 15 يومًا بشكل مفاجئ دون إخبار محاميهم، ومن ثم قررت محكمة جنح مستأنف شرق طنطا في الأول من سبتمبر الجاري إخلاء العُمال بكفالة ألف جنيه، عدا هشام البنا – القيادي العمالي في وبريات سمنود-، الذي استمرت في احتجازه، لكنها في النهاية أخلت النيابة سبيله، ولكن لا زالت الأزمة مستمرة والتفاوض جارٍ بشأن زيادة الحوافز وصرف المستحقات، وفق ما كشفت عنه دار الخدمات النقابية والعمالية.

وبحسب عامل في وبريات سمنود، أكد أنه في الوقت الذي يواجه فيه العمال شبح الترهيب الأمني، لا زالوا يواجهون مستقبل ضبابي، إذ يتكرر سيناريو وقف العُمال عن العمل، في نية مبيتة لعرض أوامر بفصلهم على المحكمة في وقت لاحق، وهذا ما يُظهر أن هناك نية مبيتة لدى الإدارة في عقابه هو وزملاءه على احتجاجهم ومطالبتهم بحقوقهم المشروعة، وأنهم أيضًا كانوا يواجهون تهم تعطيل العمل والتحريض عليه، ما تسبب في خسائر للشركة.

ويضيف العامل الذي رفض ذكر اسمه لأسباب أمنية، أن “بداية هذه الأزمة عندما فوجئنا في الوقت الذي نطالب فيه بتطبيق الحد الأدنى للأجور منذ مايو الماضي، بإعلان الإدارة نقل ملكية الشركة لمستثمر جديد دون تحسين أوضاعنا المالية بشكل قانوني. هذا الإعلان أثار القلق حول مستقبلنا المهني في ظل رفض الإدارة لتطبيق القرار قبل عملية الاستحواذ التي ما زالت تفاصيلها غامضة وغير محددة”.

يضيف: “واجهنا تجاهل من الجهات المسؤولة، بما في ذلك وزارة العمل، مما اضطرنا للجوء إلى الإضراب، ليأتي الرد الأمني سريعًا كما هو معتاد في مواجهة الحركات العمالية خلال السنوات الأخيرة، وفي المقابل، حاولت الإدارة تهدئة الوضع عبر إصدار بيان يقضي برفع الحوافز إلى 200 جنيه للعمال و100 جنيه للإداريين، ما أظهر رفضها الواضح لتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور”. 

الصحفية والناشطة النقابية المهتمة بملف العمال، إيمان عوف، تتحدث عن أزمة عمال/ عاملات وبريات سمنود. تقول: “تواجه الشركة أزمة حادة، إذ إن العمال البالغ عددهم نحو 600 عامل، منهم أكثر من 350 عاملة، فوجئوا برفض الإدارة تطبيق الحد الأدنى للأجور الذي أقره رئيس الجمهورية. الإدارة بررت ذلك بأن الشركة متعثرة، وقد أرسلت خطابًا لوزارة القوى العاملة ووزارة التخطيط بهذا الشأن. ولم تحدث أي استجابة رغم تقديم العمال شكاوى عديدة إلى مكتب العمل ووزارة القوى العاملة. نتيجة لذلك، قرر العمال بدء إضراب واعتصام داخل الشركة منذ 14 أغسطس، ما نتج عنه توقف العمل تمامًا”.

وتروي “عوف” شهادتها من موقع المصنع، إذ ذهبت تضامنًا مع العمال/ العاملات في إضرابهم: “زارت النائبة عن الدائرة، ليلى أبو إسماعيل، العمال وهددتهم بإغلاق الشركة إذا ما استمروا في الإضراب. وعليه، قررنا نحن، كـ جزء من دورنا الصحفي والتضامني، زيارة العمال والوقوف على أوضاعهم، ومنذ أن وصلنا إلى الشركة وجدناها تحت حراسة أمنية مشددة، حيث كانت قوات الأمن المركزي تحيط بها من كل جانب. حاولنا مقابلة رئيس مجلس الإدارة، اللواء سعد الدين عبد ربه، إلا أن الإدارة رفضت مقابلتنا بحجة أنه غير موجود. وعندما طلبنا مقابلة العضو المنتدب، عبد الحليم النجار، علمنا أنه كان موجودًا في الشركة لكنه غادر بمجرد علمه بوصول الصحفيين.”

تضيف: “انتظرنا لأكثر من ساعة وسط حرارة الشمس دون جدوى، وبعد ذلك، تمكنا من التحدث إلى العاملات عند خروجهن من المصنع. العاملات كن في حالة خوف، حيث كانت قوات الأمن تحاول منعهن من التحدث إلينا، ورغم ذلك، تحدثن إلينا عن أوضاعهن المأساوية، إحداهن أكدت أنهن لم يحصلن على الحد الأدنى للأجور إلا في يونيو 2024، رغم إقراره في يناير. وأوضحت العاملات أنهن يعانين من تدني الرواتب التي لا تتجاوز 3300 جنيه، وهو بالكاد يغطي نفقات المعيشة الأساسية، حيث لم تُطبق عليهم الزيادة الأخيرة للحد الأدنى للأجور.”

تستطرد: “العاملات يعانين بشكل كبير من ارتفاع الأسعار، إذ أن معظمهن يعتبرن المعيل الأساسي لأسرهن، إحداهن أكدت لي أنها تعول أربعة أبناء، اثنين منهم في الجامعة، ولا تستطيع توفير مصاريف التعليم. وأخرى ذكرت أنها تشتري دجاجًا بالتقسيط، لأنها لا تستطيع دفع ثمنه مرة واحدة. وهناك من تعاني من أمراض مزمنة ولا تستطيع شراء الأدوية اللازمة. أوضاعهن الإنسانية تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، ما يدفعهن للاستمرار في الاحتجاج والاعتصام.”

ووفقًا لدار الخدمات النقابية والعمالية، فإن شركة وبريات سمنود تضم 550 عاملًا، من بينهم أكثر من 320 امرأة، معظمهن يعتمدن بشكل كبير على هذا العمل كمصدر رئيسي لدخل أسرهن، حيث يكون البعض منهن العائل الوحيد أو يشاركن أزواجهن الذين يعملون بشكل غير منتظم، ومتوسط أجور العمال في الشركة يبلغ 3500 جنيه، لعامل قضى أكثر من عشرين عامًا في خدمته، شاملة جميع الحوافز والمزايا، أما الأجر الأساسي، دون أي إضافات، فلا يتجاوز 2000 جنيه. 

وتحدثت الدار مع شهود عيان حضروا وقائع القبض على العمال، وأكدوا أنها شابتها العديد من الانتهاكات، أبرزها اقتياد قوات الأمن القيادي العمالي هشام البنا، معصوب العينين ومكبل اليدين بين أفراد أسرته، كما تم اقتياد السيدات بملابس النوم، وصفع أحد أفراد الأمن نجل إحدى العاملات، وهو طفل أقل من 18 عامًا، لتمسكه بتلابيب والدته، وغيرها من الخروقات، التي لا تتوافق مع القانون، والدستور المصري، والمواثيق الدولية ذات الصلة.

وعبرت الدار عن أسفها الشديد لتدهور أوضاع العمال، كما أدانت ما أسمته باستمرار الانتهاكات ضد حقوقهم، بما في ذلك اللجوء إلى الحلول الأمنية، والتهم الملفقة، واستغلال الحبس الاحتياطي كأداة عقابية. مُحذرة من أن مثل هذه الممارسات لن تؤدي إلا إلى تقويض دولة القانون وتهديد الاستقرار المجتمعي.

 

عمال وزارة الزراعة

اجتمع ما يزيد عن 50 عاملًا من العمال الذين صدرت لهم قرارات بالتعيين في مديريات الوزارة المتناثرة عبر أنحاء الجمهورية، يفترشون الأرض المقابلة لوزارة الزراعة في منطقة الدقي بالجيزة. إذ إنهم يُعانون من تعنت في صرف رواتبهم التي تأخرت للبعض قرابة ثلاثة أعوام، وبعضهم سنة وعدة أشهر، بعدما حلموا لسنوات بقرار تثبيتهم في وظائفهم التي عملوا فيها بعقود مؤقتة، لكن فيما يبدو أن الأوضاع ازدادت سوءً عندما تم تثبيتهم. 

وفقًا لـ روايات من العمال الذين تم تثبيت معظمهم في أواخر العام 2021، وتحدثت معهم زاوية ثالثة، فإنهم لم يتلقوا رواتبهم حتى اليوم، تحت ذريعة “عدم ورود الإفراج المالي من وزارة المالية”، الأمر الذي أجبرهم على رفع دعاوى قضائية من أجل المطالبة بحقوقهم المالية، ومن بعدها لجأ الموظفون إلى التظاهر مطلع الشهر الجاري أمام مبنى الهيئة العامة للإصلاح الزراعي في الدقي، مطالبين بحل أزمتهم التي بدأت بعقد مؤقت، ثم التثبيت بحكم قضائي، ثم ضياع الفرحة بالحرمان من المرتب. 

نوصي للقراءة: عمال القابضة لمياه الشٌرب.. سُخرة وأجور أقلّ من الحدّ الأدنى

 

مطالبات بالمساواة 

سيناريو آخر يُظهر الأزمات المتلاحقة التي تضرب العمال في شركات القطاع العام والخاص، حيث يُعاني عمال شركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “شوربجي”، التابعة للشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس بوزارة قطاع الأعمال العام المصرية، من أزمة في تقاضي المنحة السنوية.

 وبحسب العمال، يتقاضى عمال مُجمّع حلوان – الذي تم ضم شركتهم إليه- ستة أشهر ونصف منحة سنوية، فيما يتقاضون هم خمسة أشهر فقط، وكذلك رفع الإيقاف عن حساب النقابة البنكي، وعودة اللجنة النقابية للشركة من أجل تسهيل حصول الأعضاء على مستحقاتهم. 

قوبلت مطالب العمال وفقًا لتقرير أعدته “لجنة العدالة” – مؤسسة مستقلة للدفاع عن حقوق الإنسان، ومقرها في جنيف-، بالقمع، والتهديد من مشرف الوحدة باستدعاء الأمن الوطني للعمال المتظاهرين المطالبين بحقوقهم، التي شملت أيضًا زيادة الحوافز والأجور مساواة مع عمال مُجمع حلوان، وتنفيذ برنامج الدمج المالي المقترح بعدما تم دمج شركة “الشوربجي” إلى مجمع حلوان، وبعد خطواتهم التصعيدية تلقى العمال وفقًا للتقرير وعودًا من الإدارة بعقد اجتماع يحضره ممثلين من النقابة العامة وفي حضور العمال للتفاوض على مطالبهم. 

تحدثت “زاوية ثالثة” إلى أحمد عبد اللطيف – المحامي بالاستئناف-، الذي يؤكد أن قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، ينظم الإضراب عن العمل في عددًا من مواده، ويشير في المادة 195 منه إلى أن مدة الإضراب تُحسب إجازة للعامل بدون أجر. 

ويُضيف أن العامل لا يحق له تنظيم وقفة احتجاجية إلا بعد موافقة الجهات القانونية المختصة، وذلك وفقًا لقانون التظاهر أو الاجتماعات السلمية، موضحًا أن هذا القانون يُحدد إجراءات تنظيم الوقفات الاحتجاجية، بما في ذلك تقديم طلب للجهات المختصة وإخطارهم بتنظيم الوقفة، وفي حال تنظيم الوقفة دون الحصول على الموافقة الرسمية، يتعرض العامل للمساءلة القانونية والاحتجاز.

ويشير “عبد اللطيف” إلى أن هناك مادة في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، التي وقعت عليها مصر، تنص على أن الإضراب هو حق مشروع للعمال، على عكس ما جاء في قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 والمعدل بالقانون رقم 180 لسنة 2008، الذي ينظم العلاقة بين العمال وأصحاب المؤسسات، وأن عددًا من مواد القانون تمنح العمال الحق في تنظيم الإضراب، موضحًا أن المواد من 192 إلى 194 تنظم هذا الحق، وما يطبق على القطاع العام فيما يخص الإضراب يسري أيضًا على القطاع الخاص.

“زاوية ثالثة” سعت للتواصل مع مصدر مسؤول في وزارة القوى العاملة، للرد والحديث عن رؤية الوزارة لهذه الاحتجاجات، ودورها في حل أزماتهم، ما بين الشركات والموظفين ومكاتب العمل، ولكن لم نتلق رد حتى وقت النشر.

تعكس هذه الاحتجاجات العمالية صورة واضحة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها القاهرة، إذ أدت السياسات الاقتصادية المتبعة خلال السنوات الأخيرة إلى تفاقم معاناة الطبقات العمالية؛ فالارتفاع المستمر في تكاليف المعيشة نتيجة التضخم المتسارع، بالتوازي مع سياسات التقشف وإعادة هيكلة الدعم الحكومي، أثقلت كاهل المواطن المصري، خصوصًا الفئات التي تعتمد بشكل أساسي على دخل ثابت كالعمال. في هذا السياق، لم تعد الرواتب والحوافز التي كانت تمنح في السابق تفي باحتياجاتهم الأساسية، ومع امتناع بعض الشركات والمؤسسات عن صرف الزيادات السنوية أو الرواتب المتأخرة، تفاقمت الأوضاع بشكل كبير.

أزمات جديدة تطفو على السطح، تُبرهن على أن ما يحدث ليس مجرد مشكلات في إدارة بعض الشركات أو سوء توزيع للموارد فقط، بل إنها نتيجة مباشرة للنظام الاقتصادي الحالي، الذي يعتمد على سياسات تركز على الاستثمارات الكبرى والمشاريع القومية دون معالجة مشاكل هيكلية تعاني منها قطاعات مثل العمالة والتوظيف، ما يطرح تساؤلات حول ما إن كان العمال يُعبرون في هذه الاحتجاجات عن مطالب مادية فقط، أم أيضًا عن شعور عميق بالإقصاء من عملية التنمية التي يُروج لها، إذ أنهم وغيرهم لم تصلهم ثمار النمو الاقتصادي الذي وعدت به الحكومة، بل على العكس، وجدوا أنفسهم في مواجهة مباشرة مع أعباء اقتصادية أكبر دون أن تتاح لهم فرص حقيقية لتحسين أوضاعهم.

Search