أزمة أرض الرابية بالشروق: من أحلام البناء إلى كابوس التقنين

واجه ملاك أرض الرابية بمدينة الشروق أزمة مع جهاز تنمية الشروق، بسبب تأخر إجراءات تقنين الأرض التي قاموا بشرائها من شركات تقسيم أراضي
Picture of سهاد الخضري

سهاد الخضري

يواجه ملاك أرض الرابية بمدينة الشروق أزمة مع جهاز تنمية الشروق، بسبب تأخر إجراءات تقنين الأرض التي قاموا بشرائها من شركات تقسيم أراضي. تعود الأزمة إلى قيام وزارة الزراعة في تسعينيات القرن الماضي ببيعها لملاكها الأوائل، من بين هؤلاء؛ جاد الحق علي جاد الحق – شيخ الأزهر الأسبق-، وآليا نصحي والفنانة حنان ترك بسعر يتراوح ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف للفدان حينذاك، وبلغت حصيلة البيع – بحسب مصادر تحدثنا معها- نحو خمسة ملايين جنيه.

تبين بعد ذلك أن تلك الأراضي لا تصلح للزراعة، ليقوم الملاك الأوائل ببيعها فيما بعد لعدد من شركات تقسيم الأراضى على فترات زمنية متباينة، وتقدم تلك الشركات على بيعها للمواطنين بأسعار تراوحت بين 700 إلى 1500 جنيه للمتر حسب موقعها. استطاع بعض المواطنين البناء على أراضيهم قبل تدشين الطريق  الدائري الإقليمي ودير السيدة العذراء وأبو سيفين، إلا أنه بعد تدشين الدير اشترى مواطنون أراضٍ جديدة وبنوا عليها في نطاق الرابية، فيما لا تتجاوز المساحة المبنية نحو 5 % من مجمل مساحة أرض الرابية الإجمالية البالغة 2011 فدان، وذلك قبل قرار نقل تبعية الأرض لهيئة المجتمعات العمرانية، حسب مصادر بجهاز تنمية مدينة الشروق.

 

نوصي للقراءة: مئات المُهجرين من حدود سيناء يطالبون بـ”حق العودة” إلى قراهم

 

انتظار صدور قرار بالتصرف في الأرض

اشترت كاثرين مجدي*(50 عامًا) قطعة أرض مساحتها 200 متر من شركة توماس – إحدى شركات تقسيم الأراضي- في عام 2014 بسعر ألف جنيه للمتر، بإجمالى 200 ألف جنيه. لم تتمكن من بنائها، و فوجئت بصدور قرار وزاري بمنع التصرف فيها إلا بعد تقنين وضعها، لتدخل الخمسينية في أزمة بسبب عدم قدرتها على سداد مبلغ التقنين المقدر بـ 1200  جنيه للمتر بإجمالي 240 ألف جنيه بما يفوق السعر المسدد وقت الشراء.

 كاثرين واحدة من آلاف قاموا بالشراء من شركات تقسيم الأراضي، وإلى الآن لم يتمكنوا من البناء أو التصرف فيها، لتأخر إجراءات تقنين جهاز تعمير الشروق لهم.

تقول كاثرين في حديثها إلى زاوية ثالثة: “اشترينا من شركات تقسيم أراضى عدة بموجب عقود صحة توقيع وتسلسل ملكية مسجل، وبعد سنوات فوجئنا بتأخر تسليم الأرض لنا بعد أن بات جهاز التعمير هو المتحكم فيها ولا يحق لنا التصرف سواء بالبناء أو البيع، ليعلن الجهاز عن فتح باب تقنين الأوضاع بموجب سعر 200 جنيه في البداية ثم رفعوا السعر لـ 500 جنيه ليصل إلى 1200 جنيه، مقابل تقنين المتر الواحد، ما يفوق سعر الأرض وقت الشراء بنسبة 20%، لنتحمل نحن سداد تلك المبالغ في سبيل استلام أرضنا بينما لم تحاسب الشركات التي باعتها لنا.”

تضيف: “البعض استطاع البناء قبل أن يتولى جهاز التعمير هذا الملف قبل سبع سنوات، ليفاجئوا فيما بعد بمطالبتهم بسداد قيمة التصالح في البناء، ورغم تعاقد البعض مع الجهاز وسدادهم جزء من أقساط التقنين، لم تسلم لهم الأرض أسوة بنا، لنظل عاجزين جميعا عن التصرف في ممتلكاتنا سواء بالبناء أو البيع، مع إلزام من قام بشراء قطعة أرض أقل من 209 متر أن يقوم يقوم بشراء قطعة جديدة لتستكمل المساحة 209 متر أو الاشتراك مع جار آخر لتصبح القطعة الواحدة 209 متر.”

هذا وأصدر رئيس مجلس الوزراء الأسبق المهندس إبراهيم محلب قراراً وزاريا حمل رقم 2119 لسنة 2015، نص على  إعادة تخصيص مساحة 5302.3 فدان من الأراضى المملوكة للدولة ملكية لصالح هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة كمجتمع عمراني جديد، وضمها لمدينة الشروق مع احتفاظ القوات المسلحة بملكيتها لعدد أربعة مواقع كمناطق استراتيجية ذات أهمية عسكرية داخل المساحة المشار إليها بإجمالي مساحة 865 فدان.

 

نوصي للقراءة: الهروب من ساحات القتال إلى تحدّيات الاستقرار : اللاجئين السودانيين في مصر وأزمة السكن 

تعديل حدود كردون مدينة الشروق

نصت المادة الأولى من القرار الجمهوري رقم 636 الصادر في عام 2017 على اعتبار “من مناطق إقامة المجتمعات العمرانية الجديدة، الأرض المحصورة بين كردون مدينة بدر والطريق الدائري الإقليمي شرقا وطريق الإسماعيلية الصحراوي شمالًا، وطريق القاهرة السويس الصحراوي جنوبًا، والطريق الدائري ومحور سعد الشاذلي غربًا، واللازمة لتعديل حدود كردون مدينة الشروق  بمساحة 52991.83 فدان، مع التأكيد على الملكيات المثبتة سواء المملوكة للجهات الحكومية أو الملكيات الخاصة أو الأفراد.”،  فيما نصت المادة الثانية من ذات القرار على تسليم الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، هيئة المجتمعات العمرانية، كافة المستندات الموجودة بحوزتها المتعلقة بمساحة الأرض – بما فيها والمثبتة لأى تعاملات تمت على أجزاء منها أي كان الغرض منها سواء التعامل لجمعيات أو أفراد أو شركات خاصة أو عامة-؛ وعليه تم وقف البناء والتعامل على أرض جمعية الرابية البالغ مساحتها 2011 فدان، ليتم نقلهم من ولاية وزارة الزراعة لولاية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة  ليتولى جهاز مدينة الشروق هذا الملف.

اشترى الخمسيني أنيس بيشوي* هو الآخر بشراء قطعة أرض مساحتها 160 متر بسعر 700 جنيه للمتر من شركة الباسم بمنطقة الرابية في عام 2011، بموجب عقد صحة توقيع مسجل على البائع في الشهر العقاري، استطاع أن يقوم بالبناء عليها وإلى الآن لم يتمكن من تقنين وضعه رغم سداده مبلغ التصالح بنحو 30 ألف جنيه ما يعادل 25% من قيمة التصالح، يقول: “تقدمت بطلب لتقنين وضع أرضي إلى أنه لم يعلن بعد الموافقة على الطلب المقدم مني، ولم أقطن العقار بعد بنائه بسبب أن المنطقة لم تعمر بعد فمازالت صحراء غير مخدومة بالمرافق، الطرنشات قائمة وقطع المياه المتكرر.”

يكشف أنيس عن عدم تقدم البعض بعد بطلبات التقنين، لكن خلال لقائهم بالمسؤولين، وعدوا بفتح الباب للمرة الرابعة والأخيرة لتلقى طلبات التقنين “خلال نوفمبر 2024 أو أول العام المقبل”، ليتم استيعاب الأعداد التي لم تتقدم بالتقنين بعد، مطالبًا بالإسراع في تقنين الأوضاع للملاك بالإعلان عن القرعة لتسليم هؤلاء أراضيهم، مع الإسراع في إصدار التراخيص.

 

نوصي للقراءة: لماذا يواجه أهالي جميمة ضغوطًا من الجيش مقابل مشروعات سياحية؟ 

 

سداد دون تسليم الأرض

لم يتمكن الأربعيني جورج إبراهيم – أحد المتضررين- من البناء على أرض الرابية التي قام بشرائها على قطعتين بإجمالي مساحة 238 متر من شركة الباسم لتقسيم الأراضي خلال عامي 2014 و2016، رغم تقديمه طلب تقنين وضعه لجهاز تنمية مدينة الشروق في 2024، وسداده مبلغ المقدم 67 ألف جنيه في يوليو 2024 إلا أن وضعه لم يقنن بعد.

 يقول جورج: “تفائلنا خير بقرار نقل ملكية الأرض للهيئة لتصبح المبانى والأرض مصممة بشكل منظم، لكن منذ صدور القرار وتم وقف التعامل على الأرض سواء بالبناء أو البيع، وحينما تقدمت بطلب التقنين طلبوا سداد مبلغ المقدم 67 ألف على أن يتم السداد على ثلاث دفعات سنوية مبلغ كل قسط 67  ألف، ليصبح مجمل مبلغ التقنين المطلوب 250 ألف جنيه عن مساحة قدرها 209 متر بعد خصم مساحة 15% من الأرض.”

يضيف جورج: “رغم الاتفاق بيننا وبين جهاز مدينة الشروق على سداد قسط التقنين سنويا فوجئنا بهم يطالبون زملائنا الذين دفعوا المقدم عام 2023 بسداد أول قسط لدخول المرافق رغم عدم دخولها بعد، إلا أنهم طالبوهم بسداد القسط هذا العام وإذا لم يدفع أحدهم ستوقع توقيع غرامة مع سحب الأرض التي لم تنزل قرعة ولم تخطط ولم تمهد ولم تصل إليها المرافق ولم تسلم لنا بعد”، مشيرًا إلى ضرورة إصدار قرار بعدم سداد الأقساط، إلا بعد توصيل المرافق ووقف تحصيل الهيئة 11% من قيمة الأرض كلائحة عقارية حال تم التصرف فيها بالبيع وإلغاء علاوة 2.5%.

وتتميز الأرض المنقول ولايتها للهيئة بموقعها المتميز لكونها واجهة رئيسية للمدينة، حيث تقع أرض جمعية الرابية في المناطق الأكثر تميزًا، بداية من طريق الإسماعيلية للطريق الدائري الإقليمي، يقول محمد السيد عبد المقصود – رئيس تنمية مدينة الشروق- في حديثه مع زاوية ثالثة: “استقبلنا 20 ألف طلب تقنين أراضى خلال المرحلتين الأولى والثانية بعد أن تم افتتاح باب التقنين 12 يناير 2020، فيما قمنا بدراسة ما يزيد عن 50% من الطلبات المقدمة وهناك طلبات حصلت على إتاحة ونقوم باتخاذ الإجراءات اللازمة معهم للتقنين، كما قمنا بتخصيص الأراضي لهم طبقًا للمخطط الجديد، حيث تبلغ مساحة أرض الرابية 2011 فدان  فيما يتم التعامل مع أراضى وضع اليد طبقا للقرارات الوزارية.”

 وعن شكوى البعض من تحصيل الجهاز نسبة 11% خلال معاملات البيع، يقول رئيس الجهاز: “يخضع هذا الأمر للائحة العقارية التي وضعتها وزارة الإسكان في أي تعامل على أراضي المدن الجديدة، وتعد أرض الرابية واحدة منها بعد ضمها للمدن الجديدة، إذ يتم تحصيل تلك النسبة على أي عقار كـ مصاريف إدارية للجهاز لإجراء عملية التنازل.”

ويضيف: “من سيتاح له البناء هو من مر في الثلاث قرع التي تم إجراؤها، حيث نقوم بعمل مشروعات استكمال مرافق من مياه وصرف صحي وكهرباء وشبكة طرق، بمجرد الانتهاء منها في يناير 2025 سنقوم بتسليم محاضر استلام للناس، وعليه بعد استلام الشخص محضر استلام سيتاح له السير في إجراءات الترخيص لإصدار رخصة مباني للبناء”، ويشير رئيس الجهاز إلى أن أقل نموذج مباني في المدن الجديدة 209 متر وهو النموذج المطبق في المدن الجديدة كأقل مساحة أرض، وعن مبلغ التقنين يتراوح من 900 إلى 1600 جنيه حسب الشريحة، حيث تجري حاليا بأرض الرابية أعمال تمهيد طرق للمجاورات وتوصيل شبكات الصرف الصحي ومياه  الشرب.

تبقى آمال كاثرين وأنيس وجورج هم وآلاف الملاك في أرض الرابية، معلقة، رغم وعود جهاز تنمية مدينة الشروق ببدء إجراءات الترخيص وتسليم المحاضر للمستفيدين بداية من يناير 2025. يأمل هؤلاء أن تنتهى أزمتهم قريبا وتحل المعوقات التي تواجههم ولعل أبرزها تقنين مبلغ التقنين وإلغاء وزارة الإسكان البند الخاص باللائحة العقارية المفروضة خلال معاملات البيع.

سهاد الخضري
صحفية مصرية عملت في عدد من الصحف المصرية والمواقع العربية، وتهتم بالتحقيقات والقصص الإنسانية.

Search