ساق واحدة ودرّاجة.. لكنّي أُصر على أن أكون بطلاً لفلسطين

ساعد فريق طيور الشمس في غزة في جمع نحو 60 ألف دولار، ووزعوا نحو 26 طنًا من الطرود الغذائية، 7900 وجبة ساخنة، إضافة إلى 500 حزمة مستلزمات “رعاية الأمومة” والمستلزمات الصحية.  
ياسمين شبانة

في 30 مارس من عام 2018، كان حازم سليمان (فلسطيني- 26 عامًا)، يقف على الحدود الشرقية لقطاع غزة، عندما قرر المشاركة في حراك سلمي فلسطيني سُمي بمسيرات العودة، وذلك في الذكرى الـ42 ليوم الأرض الفلسطيني، وهو اليوم الذي يحتفي به الفلسطينيون سنويًا، في احتفاليات رمزية، تعبر عن تمسكهم بهويتهم الوطنية وأرضهم.بهتافات، لافتات، وأعلام فلسطين كان حازم وزملائه يقفون احتجاجًا على قرار الرئيس الأميركيّ السابق “دونالد ترامب” الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيليّ، عندما أطلق قنّاص من قوّات الاحتلال النار على كلتا ساقيه، برصاص “مُتفجّر” وهو نوع من الرصاص الخاصّ الّذي صُمّم للتشظّي في أجسام الضحايا بهدف وقوع أكبر قدر ممكن من الضرر بداخلهم، ويُعد مُحرّم دوليًا، استخدمه جيش الاحتلال بصورة مفرطة خلال مسيرات العودة، بحسب تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان. 

“ألم وإحساس لا يوصف مريت به في كل دقيقة وكل ثانية ما بين نقلي من الحدود، للإسعاف ثم إلى المستشفى. وبعد 17 يوم عُدت من الغيبوبة” يقول حازم.

 

حازم سليمان أحد أعضاء فريق طيور الشمس في غزة
حازم سليمان أحد أعضاء فريق طيور الشمس في غزة

بعد محاولات كثيرة، استمرّت ثلاث سنوات قضاها حازم منتقلًا بين فلسطين ومصر والأردنّ، استطاع خلالها طبيب مصريّ إنقاذ ساقه اليمنى، لكن باءت المحاولات بالفشل مع الأخرى، وبترت ساقه اليسرى كاملة.

قبل أشهر قليلة كان حازم وفريقه “طيور الشمس” يتدربون من أجل المشاركة في دورة الألعاب البارالمبية 2024، المُقرر عقدها في باريس، حين فاجأتهم الحرب التي بدأت في السابع من أكتوبر الماضي، وراح ضحيتها أكثر من 29 ألف شهيد وجُرح ما يزيد على 69 ألفًا بـ حسب آخر بيان  لوزارة الصحة الفلسطينية.

بعد إصابته، انضم حازم إلى فريق طيور الشمس في غزة، وهو فريق محترف لركوب الدراجات الهوائية، يتكون من أشخاص فقدوا أطرافهم خلال حروب سابقة بالقطاع، أو واحدة من مظاهرات مسيرات العودة الكبرى التي بدأت في عام 2018، واستمرت لأكثر من عام.

يقدم الفريق دعمًا لـ مبتوري الأطراف من خلال تقديم دروسًا للمبتدئين والمتوسطين لـ راكبي الدراجات الهوائية بـ جميع المستويات، شاملة تغطية جميع احتياجاتهم، بما في ذلك النقل، التغذية، المعدات والتدريب، كما يعمل الفريق على إعطاء الفرصة لإعادة التأهيل من خلال الرياضة.

قبل الحرب، كان الرياضيون يقطعون مسافات طويلة بـ الدراجات على طول شارع صلاح الدين، وهو الطريق السريع الرئيسي بين رفح وغزة، بمسافة تبلغ حوالي 35 كيلومتر، كأحد أشكال التدريبات، استعدادًا للمشاركة في الأولمبياد وأيَضًا تقوية للعضلات، بحسب حازم.

في التاسع من أكتوبر الماضي، وفي أعقاب يومين من بداية عملية طوفان الأقصى التي شنتها فصائل المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة حماس، فرض الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة حصارًا شاملًا، وتم فرض قيود شديدة على الغذاء، والدواء، والوقود، والكهرباء، ما اعتبرته الكثير من منظمات حقوق الإنسان أمر مخالف للقانون الدولي، قد يصل إلى حد “جريمة الحرب”.

توزيع المساعدات بدلًا عن الأولمبياد

مع الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع كل يوم، أخذ فريق طيور الشمس على عاتقه مسؤولية تقديم المساعدة، وخاصة مع تفاقم أزمة الطعام، “فكرة المساعدات بدأت من غير تخطيط، بدأت من الأرض، من الناس، ومن الإبادة الجماعية التي تمارس يوميًا على القطاع”. يقول كريم.

 ويضيف كريم – المدرب الدولي لفريق طيور الشمس- في حديثه إلى “زاوية ثالثة” إنهم اشتروا في البداية 300 كيلو من الخبز، و قاموا بتوزيعه، ثم بدأوا في التوسع”.

كريم على (24 عامًا) واحد من فلسطينيي الشتات، مقيم بـ لندن منذ ولادته، حيث كانت عائلته واحدة من 750 ألف فلسطيني أُجبروا على الرحيل من مدنهم وقراهم وتم تهجيرهم قسرًا خارج فلسطين عام 1948، فيما يعرف بـ “النكبة“.

في 2020، شارك كريم في تأسيس فريق طيور الشمس في غزة، جنبًا إلى جنب مع علاء الدالي -راكب دراجات هوائية محترف في غزة-، يقول كريم: “كنت بعمر الـ 19، حينما تعرفت على علاء عن طريق السوشيال ميديا. الفريق كان حلم علاء من البداية، من وقت إصابته، وضعنا مخطط الفريق في عام 2020 وبدأنا، واستطعنا الصمود مدة خمس سنوات حتى الآن”.

“كان لدي حلم بأن أكون بطلًا بكلتا ساقي. بعد بتر ساقي، أنا مصمم على أن أكون بطلًا لفلسطين بواحدة. نحن نركب لنظهر للعالم قدرتنا على الصمود، وإعادة الأمل إلى الوطن، وإلهام الناس من خلال قصصنا. نحن نركب من أجل الحرية” هذه بعض الكلمات التى كتبها علاء الدالي في تعريفه على الموقع الإلكتروني للفريق.

بحسب كريم، فقد علاء ساقه اليمنى بواحدة من مظاهرات مسيرات العودة في بداية عام 2018، مثل حازم.

أفاد تقرير للأمم المتحدة أن 156 شخص بترت أطرافهم خلال مسيرات العودة التي استمرت أكثر من عام، نتيجة استخدام جيش الاحتلال الإسرائيلى الذخيرة الحية على أيدي قناصة، في حين قُتل أكثر من 214 فلسطينيًا من بينهم أطفال وأُصيب أكثر من 36 ألف شخص بحسب التقرير، فيما يقدر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، عدد الأفراد من ذوي الإعاقة في فلسطين بنحو 115 ألف فردًا، بواقع حوالى نحو 58 ألف فردًا من ذوى الإعاقة من سكان قطاع غزة، وذلك حسب البيان الذي أصدره الجهاز فى اليوم العالمي للأفراد ذوي الإعاقة.

مع بداية الحرب، أطلق كريم الذي يعيش بلندن، بالتنسيق مع باقى أفراد الفريق، حملة “رياضيون من أجل فلسطين” لجمع التبرعات من أجل مساعدة الأشخاص بقطاع غزة. انضم إلى الحملة ما يقرب من 70 رياضيًا من مختلف أنحاء العالم، شارك العديد منهم في تنظيم فعاليات ومبادرات مختلفة لجمع التبرعات لصالح فريق طيور الشمس، بحسب كريم.

وبتاريخ 6 يناير الماضي، أطلق الفريق حملته الثانية الكبرى، “مسارات الدراجات الهوائية العالمى”. يقول كريم: “دعينا للمسار بحيث يكون شبيه بمسيرات العودة، لكن على الدراجات، وكانت الفكرة، أن راكبي الدراجات على مستوى العالم يخرجون في مسيرات رافعين علم فلسطين، وبالفعل تم تنظيم أكثر من 65 مسار باسم فريق الشمس في 65 مدينة من أكثر من 12 دولة حول العالم، ومن خلالها جمعت تبرعات كثيرة للمساعدات في غزة”

منذ 19 أكتوبر الماضي وحتى ديسمبر الماضي، ساعد طيور الشمس في غزة في جمع نحو 60 ألف دولار، ووزعوا نحو 26 طنًا من الطرود الغذائية، 7900 وجبة ساخنة، إضافة إلى 500 حزمة مستلزمات “رعاية الأمومة” والمستلزمات الصحية.  

يقول حازم: “حينما بدأت أزمة الطعام تتفاقم، بدأنا في شراء الخبز وتوزيعه بالدراجات على النازحين، ثم بدأنا في عمل نظام طرود غذائية، وتوزيعها، وكنا نشتري عجول ونقدم وجبات ساخنة بأكثر من مكان في القطاع”، مستطردًا أنهم كانوا يعملون منذ السادسة صباحًا كل يوم، ويبدأون في توزيع حصة النصيرات والوسطى من خلال السيارات، وأما حصة رفح فكانت توزع بالدراجات. 

 

صورة مجمعة للفريق
صورة مجمعة للفريق

 

وفقًا للأمم المتحدة، فإن جميع سكان غزة، حوالى 2.2 مليون شخص يعانون من أزمة أو مستويات أسوأ  من الانعدام الحاد للأمن الغذائي، وأظهر التقرير الذي صدر في ديسمبر الماضي، أن 26% من السكان (نحو 577 ألف شخص) قد استنفذوا إمداداتهم الغذائية ويواجهون جوعًا كارثيًا. كمال قال التقرير إن هناك خطرًا لحدوث المجاعة في غزة خلال الأشهر الستة المقبلة. في حين قالت اليونيسيف في 21 فبراير الجاري، إن الموت يهدد 600 ألف طفل في رفح جنوب قطاع غزة، يعيشون دون غذاء أو دواء وفي ظروف بالغة الخطورة في مخيمات المدينة.

منى سالم -إخصائية تغذية علاجية-، تقول في مقابلتها مع “زاوية ثالثة”، إن في مثل هذه الظروف تكون الأطفال، النساء الحوامل، المرضعات، كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة، الفئات الأكثر تأثرًا بنقص الطعام وسوء التغذية. مشيرة إلى نقص التغذية في مرحلة الطفولة، يؤثر على صحة الطفل بشكل كبير ويؤدي إلى مشاكل صحية كبيرة على المدى القصير والطويل؛ منها توقف النمو أو النمو بشكل غير طبيعي، وأضافت، أما في حالة الأم (الحامل والمرضع) ففي أغلب الأحيان يؤدي سوء التغذية لديها إلى أنيميا الأمراض المزمنة (فقر الدم) الذي ينجم عن نقص مخزون الحديد في الجسم.

ويصف حازم حياة الغزييّن في ظل الحرب، ويقول: “لأول مرة نحيا في تلك الأوضاع المعيشية، لا توصف لا بـ جمل ولا بـ صورة. يستيقظ الآباء يوميًا محاولين الحصول على خبز وماء، ويجمع الحطب لتدفئة خيمته، ثم يعود للبحث عن الطعام الذي ندر وجوده، وإن وجده يكون بسعر باهظ”. 

 

فلسطينيون مع أطفالهم ينتظرون الحصول على المساعدات الغذائية في رفح. تصوير إبراهيم أبو مصطفى رويترز
فلسطينيون مع أطفالهم ينتظرون الحصول على المساعدات الغذائية في رفح. تصوير إبراهيم أبو مصطفى رويترز

 

“في بداية الحرب، كنا نوزع الطرود والوجبات من رفح للنصيرات لغزة، بعد ما تفاقمت الأمور وصار الحاجز بغزة، صرنا نوزع على النصيرات والوسطي وخان يونس، وبعد النزوح إلى خان يونس، أصبح توزيع الحصص بريًا يمثل خطر كبير علينا، بسبب رصد قوات الاحتلال واستهدافه للمواطنين، أو زيادة الإصابات في صفوف فريقنا؛ فصرنا نركز أكتر بالتوزيع على مدينة رفح، خاصةً بعد الأعداد الكبيرة التي  نزحت إليها”.

قال منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ في إحاطته أمام مجلس الأمن فى 12 يناير الماضي،  إن 85 بالمائة من إجمالي سكان قطاع غزة، 1.9 مليون مدني، نزحوا قسرًا وسط العمليات العسكرية الإسرائيلية، وأن رفح التي كان عدد سكانها قبل الأزمة لا يزيد عن 300 ألف نسمة ، أصبحت الآن موطنًا لنحو مليون ونصف المليون مواطن.

 

يتذكر حازم أصعب المواقف التي مر بها الفريق أثناء توزيع الإمدادات، عندما بدأ “حزام ناري” في منطقة بني سُهيلة -المنطقة الشرقية بمدينة خان يونس-، حيث كان وباقي المجموعة يقومون بتحضير الوجبات الساخنة استعدادًا لتوزيعها، “كنا نعد الطعام صباحًا، حين بدأ حزام ناري. قصف مستمر عنيف، وعشوائي ما بين المربعات السكنية، لكن شاءت الأقدار أن نخرج سالمين”.

في بداية الحرب، ومع توغل القصف الإسرائيلي العنيف على القطاع، دُمر مقر فريق طيور الشمس، الذي استوحى اسمه من عصفور الشمس الفلسطيني، الذي لم يسلم هو الآخر من بطش الاحتلال، إذ يبذل علماء البيئة الإسرائيليين جهودًا مضنية لشطب اسمه الفلسطيني واستبدال اسمه بـ “الطير البرتقالي”، وذلك بحسب المركز الفلسطيني الإعلامي.

يقول حازم، “دمرت دراجاتنا والخوذ الخاصة بنا، وكل متعلقات الفريق في المقر الذي كان مشاطئًا للبحر، وفقدنا الاتصال باثنين من أعضاء الفريق الذين بقوا في غزة ولا نعرف عنهما شيئًا منذ بدء الحرب”.

يخبرنا حازم أن أكبر أحلامه الآن أن تتوقف الحرب في أقرب وقت، وأن يستطع في يوم ما تركيب طرف صناعي مطور. خضع حازم لخمس عمليات جراحية منذ إصابته، كان آخرها قبل بداية الحرب بشهر واحد فقط، في سبتمبر الماضي.

 

ياسمين شبانة
باحثة دكتوراة وصحفية مصرية، متخصصة فى كتابة القصص الإنسانية والنسائية وصحافة الحلول، تعاونت مع عدد من المواقع العربية والدولية.

Search