«رأس حنكوراب».. صراع بين المال والبيئة في محمية وادي الجمال

التنوع البيولوجي في محمية وادي الجمال يواجه خطرًا وجوديًا
Picture of آية ياسر

آية ياسر

أثارت أعمال الحفر والبناء الجارية حاليًا على شاطئ شرم اللولي (رأس حنكوراب)، الواقع ضمن الحدود الجغرافية لمحمية وادي الجمال، على بعد 55 كيلومترًا من مدينة مرسى علم جنوب البحر الأحمر، حالة واسعة من الاستياء والقلق لدى المعنيين بحماية البيئة. تقوم بتنفيذ هذه الأعمال معدات ثقيلة تابعة لشركة «إمباكت للاستثمار السياحي»، التي يمتلكها رجل الأعمال حسن وهدان، شقيق النائب البرلماني سليمان وهدان، أحد مؤسسي حزب الجبهة الجديد المقرّب من السلطة. المشروع يشمل إنشاء فندق وشاليهات ومطاعم ومرافق سياحية مختلفة كغرف تبديل الملابس ودورات المياه، ومركزًا للغوص، وهو ما اعتبره خبراء بيئيون ونشطاء مخالفًا بشكل واضح لقانون المحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983، وسط مخاوف جادة من تعرض التنوع البيئي والبيولوجي في المنطقة، التي تُصنَّف في المركز التاسع عشر عالميًا ضمن أجمل شواطئ العالم، لخطر كبير.

كانت وزارة البيئة قد أعلنت في يناير الماضي عن خطط لتطوير خدمات الزائرين في شاطئ حنكوراب من خلال توفير معدات للسباحة والغطس (السنوركلينج)، وإنشاء مطعم ومركز معلومات للتعريف بالمحمية ومواردها المتنوعة وأماكن الزيارة فيها. كما أشارت الوزارة إلى تنفيذ مشروع لتطوير الخدمات السياحية في محمية وادي الجمال بالتعاون مع شركة «فيرونالاند للتنمية السياحية» ومشروع دمج الحفاظ على التنوع البيولوجي مع السياحة في مصر، حيث تم تشغيل مركز لعرض معلومات تفصيلية عن مكونات التنوع البيولوجي بالمحمية، بالإضافة إلى إنشاء منطقة خدمات في «أم البساو» تتضمن خيمة بدوية مستوحاة من تراث قبيلة العبابدة، لإتاحة أنشطة متنوعة مثل مشاهدة النجوم والسياحة الصحراوية والجبلية.

وخلال العام الماضي، طرحت الوزارة مشروعًا آخر لتطوير البنية التحتية لشاطئ حنكوراب، تحت عنوان «حقائب استثمارية صديقة للبيئة»، يهدف إلى إنشاء استراحات وغرف لتبديل الملابس ومرافق صحية عامة وفق شروط بيئية مشددة تضمن عدم الإضرار بالتنوع البيئي أو الطبيعة الخاصة للمكان. وقد تقدمت خمس شركات بعطاءاتها للحصول على المشروع، من بينها شركة «إمباكت للاستثمار السياحي» التي تُنفّذ حاليًا تلك الإنشاءات المثيرة للجدل.

بموجب القرار رقم 143 الصادر عن رئيس مجلس الوزراء عام 2003، تم إعلان منطقة وادي الجمال الواقعة جنوب محافظة البحر الأحمر، على مساحة تبلغ 7450 كيلومترًا مربعًا، وعلى بعد 850 كيلومترًا من القاهرة، محمية طبيعية يمنع إقامة أي منشآت عليها دون موافقات رسمية واشتراطات بيئية صارمة. لكن هذه المحمية واجهت سلسلة من التعديات والانتهاكات في الفترة الأخيرة، كان أبرزها في نوفمبر 2024، حين قامت مجموعة من الأشخاص بالاستيلاء غير القانوني على شاطئ حنكوراب داخل المحمية، وأقاموا خيمة سكنية بالمخالفة لقانون البيئة والمحميات الطبيعية. في أعقاب ذلك، قدمت إدارة محمية وادي الجمال بلاغًا رسميًا يحمل الرقم (2326 جنح مرسى علم)، وعلى إثره أمرت نيابة القصير بالبحر الأحمر بإحالة المتهمين للمحاكمة الجنائية، حيث أصدرت محكمة جنح القصير في 1 ديسمبر 2024 حكمًا بتغريم كل متهم 5 آلاف جنيه وإزالة كافة التعديات.

في السياق ذاته، وبالتزامن مع إعلان الاتحاد المصري للغرف السياحية قبل أيام عن إيقاف الزيارات إلى شاطئ حنكوراب وفقًا لقرار صادر عن جهاز شئون البيئة لتنظيم الزيارات في المحميات، أفاد مصدر من جمعية تنمية السياحة البيئية لـ«زاوية ثالثة»، بأن العاملين بالمحمية تعرضوا للطرد من الشاطئ، وأدخلت شركة «إمباكت للاستثمار السياحي»، التي يملكها حسن وهدان، معدات ثقيلة للبدء في مشروع تجاري. وأكد المصدر ذاته أن عدة جمعيات ومؤسسات بيئية كانت تعتزم تقديم بلاغ للنائب العام حول هذه التعديات، إلا أنهم فوجئوا برد من وزيرة البيئة، تتنصل فيه الوزارة من مسؤوليتها القانونية بشأن المحمية، بحجة «تقديم المصلحة العليا للبلاد»، ما أثار تساؤلات حول طبيعة النفوذ الداعم لرجل الأعمال، مشددًا على أن وزارة البيئة لا تملك قانونيًا بيع أي جزء من المحمية، وإنما يسمح لها فقط بطرح أجزاء منها بنظام حق الانتفاع السنوي بعد تقديم دراسات لتقييم الأثر البيئي.

كما أكد تقرير نشرته منصة «صحيح مصر» أن شركة «إمباكت» استحوذت فعليًا على مساحة تصل إلى 10 كيلومترات من شاطئ حنكوراب داخل محمية وادي الجمال. ونفت تقارير صادرة عن جهاز شؤون البيئة في البحر الأحمر، موجهة إلى اللواء عمرو حنفي محافظ البحر الأحمر، صحة ادعاءات وزارة البيئة بأن الأعمال الجارية هي «عملية تطوير ضمن خطة معتمدة لإدارة المحمية تهدف للتوازن بين الحفاظ على البيئة والتنمية الاقتصادية». وكشف التقرير أيضًا عن شكوى تقدم بها سامح حسن المصري، الرئيس السابق لمحمية وادي الجمال، إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، بخصوص تلك التعديات، مشيرًا إلى أنه أُبعد عن منصبه بعد تكرار تصديه لتلك الانتهاكات وإزالتها عدة مرات.

وكانت وزارة البيئة قد رفضت سابقًا مشروعًا تقدمت به شركة «إمباكت»، تضمن إقامة فندق ضخم ومنتجعات سياحية (كامبات) على شاطئ حنكوراب، بسبب تأثيره السلبي على البيئة والتنوع البيولوجي، بينما تمت الموافقة حينها على عطاء قدمته الشركة الإيطالية المالكة لمنتجع «جورجينا مرسى علم» القريب من المحمية، التي باشرت بالفعل تنفيذ مشروع تطوير البنية التحتية. لكن مجموعة من موظفي شركة «إمباكت» قاموا لاحقًا بالسيطرة على موقع المشروع وطردوا العاملين في الشركة الإيطالية، ونصبوا خيامًا وكرفانات على الأرض، مدعين انتماءهم إلى رئاسة الجمهورية، بحسب ما أوضحه التقرير.

نوصي للقراءة: كيف تسببت شركة “إعمار” الإماراتية في تآكل شواطئ مصرية؟

حملة مناصرة لحماية الشاطئ

حذرت جمعيات ومؤسسات معنية بحماية البيئة في مصر، من بينها: جمعية حماية البيئة والحفاظ عليها في الغردقة HEPCA، الجمعية المصرية لحماية الطبيعة NCE، مؤسسة إيكوريس للتنمية المستدامة، إضافة إلى منظمة Greenish لحماية البيئة، من التهديد الخطير الذي يتعرض له شاطئ حنكوراب، الغني بالشعاب المرجانية النادرة والكائنات البحرية المهددة بالانقراض، جراء الضغوط التنموية غير المستدامة التي تهدد مستقبله، وتؤدي إلى التأثير سلبًا على مكانة مصر البيئية والسياحية عالميًا.

وتفاعلاً مع هذه الأزمة، دشن مدونون وناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة إلكترونية الأسبوع الماضي، تحت وسوم: “#أنقذوا_محمية_وادي_الجمال”، “#أنقذوا_حنكوراب”، و”#لا_للتعدي_على_المحميات”، داعين إلى تحرك فوري لإنقاذ الشاطئ، مؤكدين أنه كنز بيئي وسياحي لا يمكن تعويضه.

وفي بيان أصدرته الثلاثاء الماضي، وجهت الجمعية المصرية لحماية الطبيعة نداءً عاجلًا إلى الإعلاميين ومنظمات المجتمع المدني ومؤسسات القطاع الخاص، وجميع المهتمين بالبيئة، للمشاركة في حملة مناصرة لإنقاذ شاطئ حنكوراب من خطر التعديات. وأكدت الجمعية أن استمرار الأعمال غير القانونية من شأنه حرمان المواطنين من حقهم الطبيعي في الوصول إلى هذه الأماكن العامة والتراثية، ويشكل سابقة خطيرة لفتح الباب أمام مزيد من التعديات لصالح استثمارات خاصة.

من جانبها، أعربت مؤسسة إيكوريس للتنمية المستدامة عن قلقها البالغ من التقارير التي تؤكد حدوث أعمال حفر وبناء داخل منطقة رأس حنكوراب بمحمية وادي الجمال، محذرة من أن هذه الأعمال قد تُسرّع من انقراض السلاحف البحرية وتدمير الشعاب المرجانية النادرة، إلى جانب مخالفة مصر التزاماتها الدولية بحماية الطبيعة. واعتبرت المؤسسة أن مثل هذه الممارسات تهدد سمعة مصر بيئيًا وسياحيًا وتؤثر على الاقتصاد المحلي للمجتمعات التي تعتمد على السياحة البيئية كمصدر دخل رئيسي.

وطالبت المؤسسة الجهات المعنية، وعلى رأسها رئاسة الجمهورية، بالتدخل الفوري وإصدار توجيهات عاجلة لوقف الأعمال الإنشائية الجارية، لحين التأكد من قانونيتها وتقييم آثارها البيئية بشكل شفاف وعاجل، مع نشر نتائج التحقيق للرأي العام. كما دعت المؤسسة إلى تشديد الرقابة على المحميات الطبيعية وإشراك المجتمع المدني والخبراء البيئيين في أي قرارات تتعلق بتطوير أو استغلال هذه المحميات، مؤكدة أن حماية محمية وادي الجمال مسؤولية وطنية يجب أن تكون في مقدمة الأولويات لضمان مستقبل مستدام لمصر بيئيًا واقتصاديًا.

 

وزارة البيئة تبرر والجمعيات تنتقد والخبراء يحذرون

في ردها على الانتقادات بشأن الأعمال الجارية في شاطئ حنكوراب بمحمية وادي الجمال، أوضحت وزارة البيئة المصرية في بيان صدر الثلاثاء، أن أراضي المحميات الطبيعية تُعتبر أملاك دولة عامة، وتتم ممارسة الأنشطة بها وفق الضوابط المنصوص عليها بالقوانين المنظمة، مؤكدة أن الأعمال الحالية تأتي في إطار تطوير دوري للبنية التحتية، والتي تشمل توفير المظلات والممرات البحرية وأماكن إعداد الطعام والعلامات الإرشادية ودورات المياه، وذلك لتحقيق التوازن بين حماية البيئة من جهة، وتعظيم الاستفادة الاقتصادية والاجتماعية للمحميات من جهة أخرى. وشددت الوزارة على أنها لن تسمح بإقامة أي منشآت أو أنشطة قد تؤدي إلى الإضرار بالمحمية، مؤكدة اتخاذ الإجراءات القانونية ضد أية مخالفات لضمان الحفاظ على الموارد الطبيعية وإتاحتها للمواطنين والسياح للاستمتاع بها.

في المقابل، تعرض بيان الوزارة لانتقادات واسعة من قبل المختصين والمهتمين بالشأن البيئي، الذين اعتبروا ما يحدث في حنكوراب امتدادًا لسياسات سابقة تهدف إلى فتح أبواب الاستثمار التجاري في المحميات. وأشار المنتقدون إلى تصريحات سابقة لوزيرة البيئة ياسمين فؤاد، خلال اجتماع لجنة الاستثمار في مايو 2023، حيث ناقشت إمكانية طرح محميات طبيعية محددة للاستثمار وتمويلها بقروض بنكية بيئية، وإقامة أنشطة اقتصادية مثل النُزل البيئية والكامبات والكافيتريات والسياحة البيئية وتنمية المجتمعات المحلية، على أن تراجع لجنة الاستثمار بالوزارة كافة طلبات الاستثمار لضمان اتساقها مع خطط إدارة المحميات والضوابط الموضوعة حتى عام 2030.

من جانبها، تؤكد د. سحر مهنا، أستاذة ديناميكا التجمعات السمكية بالمعهد القومي لعلوم البحار والمصايد، إلى زاوية ثالثة، أن وادي الجمال هي محمية أرضية وبحرية ويوجد بالجزء البحري منها “شاطئ حنكوراب” شعاب مرجانية وكائنات بحرية مهددة بالإنقراض وأشجار المانجروف، وتم إعلانها محمية منذ نحو 20 عامًا، وأي نشاط بشري يحدث فيها يجب أن يخضع لدراسة علمية دقيقة وتقييم للأثر البيئي لتأثيره على الطبيعة والكائنات الحية الموجودة بها، وفقًا لقانون البيئة المصري والاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، والمتعلقة بالمحميات الطبيعية وحماية التنوع البيولوجي ومنع الاتجار بالأنواع المهددة بالإنقراض، ويمكن لأي نشاط غير مدروس أن يتسبب في تدمير البيئة والتنوع وطبيعة المكان الذي يجذب السياح ويحقق مكاسب اقتصادية، وسيؤدي لردة فعل عنيفة من حماة الطبيعة والمجتمع المدني وعواقب قانونية على مستوى القوانين المصرية أو الدولية، داعية إلى إعادة النظر فيما يتم من أعمال على شاطئ حنكوراب ووقفها لحين تقييم أثرها البيئي على التنوع البيولوجي والبيئة، لضمان تحقيق الاستدامة والحفاظ على أسباب الجذب السياحي وعدم تدمير الشعاب المرجانية وأماكن الحاضنات وأشجار المانجروف.

 

نوصي للقراءة: مضاعفات صحّيّة.. كيف يعاني سكّان شرق القاهرة من الانبعاثات البتروليّة؟

عقوبات قانونية 

يوضح المحامي المتخصص في قضايا البيئة، أحمد الصعيدي، رئيس مجلس أمناء المؤسسة المصرية للحقوق البيئية، إلى زاوية ثالثة، أن قانون المحميات الطبيعية رقم 102 لسنة 1983، والذي صدر في 31 يوليو 1983 ودخل حيز التنفيذ في 4 أغسطس من نفس العام، هو أحد القوانين البيئية التي سبقت إصدار قانون البيئة، ويهدف إلى حماية المناطق التي تحتوي كائنات مهددة بالانقراض أو نباتات نادرة أو ظواهر طبيعية ذات قيمة ثقافية أو علمية أو سياحية أو جمالية. ويحظر القانون في مادته الثالثة القيام بأي أنشطة قد تدمر أو تؤثر سلبًا على البيئة الطبيعية للمكان، مثل الصيد، أو إقامة المباني والمنشآت، أو شق الطرق، أو تسيير المركبات، أو ممارسة أي أنشطة زراعية أو صناعية أو تجارية داخل منطقة المحمية إلا بتصريح من الجهة الإدارية المختصة، وهي إدارة المحمية التابعة لجهاز شؤون البيئة، الذي يخضع مباشرة لمجلس الوزراء. كما وسّعت اللائحة التنفيذية للقانون حظر هذه الأنشطة ليشمل المناطق المحيطة بالمحميات أيضًا.

وحول العقوبات التي تقع على من يخالف أحكام المادتين الثانية والثالثة من القانون أو القرارات المنفذة له، يبين الصعيدي أنها تتراوح بين الغرامة التي لا تقل عن 500 جنيه ولا تزيد عن خمسة آلاف جنيه، والحبس لمدة لا تزيد عن سنة، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي حالة تكرار المخالفة مرة أخرى، ترتفع العقوبة لتصبح غرامة لا تقل عن 3000 جنيه ولا تزيد عن عشرة آلاف جنيه، والحبس لمدة لا تقل عن سنة، أو إحدى هاتين العقوبتين.

ويقول الصعيدي: “للأسف، تصريحات وزارة البيئة حول الاستثمار في المحميات تثير المخاوف، إذ أثبتت التجارب القانونية أن الاستثمار الاقتصادي والتنمية غالبًا ما يتعارضان مع حماية البيئة. ومن الأفضل ترك المحميات الطبيعية بحالتها الأصلية دون إنشاءات ثقيلة، والاكتفاء بإنشاء بعض الخيام الخشبية المحدودة لتعزيز السياحة البيئية. إن الضمان الوحيد للحفاظ على هذه الأماكن الحساسة هو إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي قبل البدء في أي مشروع. أما التوجه الحالي، فيثير القلق من احتمالية بيع أجزاء من المحميات وتعريضها والكائنات الموجودة فيها للخطر”.

كما يتساءل الصعيدي حول أعمال البناء الجارية حاليًا في شاطئ حنكوراب، وهل سبقها إجراء دراسات تقييم للأثر البيئي، نظرًا لحساسية المكان بيئيًا، وهل تمت مشاركة مجتمعية تتضمن جلسات استماع عام؟ كما يطالب بالكشف عن العقود المتعلقة بالمشروع والتحقق من إخضاع هذه الأنشطة لرقابة القضاء للتأكد من سلامة الإجراءات العلمية والقانونية، وكذلك الكشف عن سبب إقالة مدير محمية وادي الجمال السابق، وإذا كانت هناك علاقة بين إقالته والتصدي للتعديات على شاطئ حنكوراب، مشيرًا إلى أن مصر ملزمة بالعديد من الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية البيئة والتنوع البيولوجي، ومنها اتفاقية التنوع البيولوجي، والقانون الدولي للبحار، واتفاقيات دول البحر الأحمر.

 

نوصي للقراءة: تعديلات قانون البيئة.. أرباح الشركات في مواجهة صحة المصريين: من يربح؟

تحذيرات من المخاطر البيئية

يوضح د. عمر تمّام، أستاذ المحميات الطبيعية، إلى زاوية ثالثة، أن شاطئ حنكوراب يُعد أهم أجزاء محمية وادي الجمال، لما يحتويه من مستعمرات نادرة من الشعاب المرجانية، والتي يتجاوز عمر بعضها سبعة آلاف عام، وهي معرضة للأمراض والموت والسرقة، وتحتاج إلى مراقبة علمية دقيقة، خاصة بعد انتشار المتلازمة البيضاء، وهو مرض يُصيب المرجان ويؤدي لظهوره بلون أبيض قبل موته، وانتشر بشكل واسع في شرم الشيخ والبحر الأحمر. ويؤكد تمّام أن الأنشطة السياحية العشوائية على الشواطئ تفقد السيطرة على حماية هذه الشعاب وتعرضها لخطر التدمير، لا سيما في ظل غياب تخصص طب اللافقاريات في الجامعات المصرية وعدم وجود برامج لإكثار الشعاب المرجانية.

كما يحذر تمّام من أن شاطئ حنكوراب يُعد موطنًا للسلاحف البحرية (الترسا)، وهي مهددة بالانقراض في مصر بسبب غياب برامج إكثارها وحماية بيضها وضمان وصول ذريتها بأمان إلى البحر بعد الفقس، ويقتصر الاهتمام حاليًا على إنقاذها وإعادتها للمياه، خلافًا لما يحدث في دول أخرى كالصين. ويضيف: “تمتلئ شواطئ شرم الشيخ حاليًا بالفنادق التي لا تبعد سوى 50 مترًا فقط عن البحر، بل إن بعضها يضع أسلاكًا شائكة داخل المياه مما يمنع الحياة البرية. بينما يجب أن تبعد أي منشأة سياحية عن الشاطئ لمسافة لا تقل عن 2 كيلومتر، مع تخصيص مناطق منفصلة للنشاط البيولوجي والسلاحف البحرية وأسماك الزينة، ومراعاة توقيتات التكاثر ومناطق الطيور المهاجرة.”

من جهة أخرى، يوضح حسام محرم، المستشار الأسبق لوزير البيئة، إلى زاوية ثالثة، أن العديد من الدول مثل أستراليا، نيوزيلندا، كينيا، جنوب أفريقيا، البرازيل، إندونيسيا، كندا، والولايات المتحدة، اتجهت لما يسمى بالاستغلال الاقتصادي للمحميات الطبيعية، والذي يهدف للاستفادة من موارد المحميات لتحقيق منافع اقتصادية، دون إلحاق الضرر بالنظام البيئي. ويشمل هذا الاستغلال الاستثمار في النباتات، والحيوانات، والشواطئ، والشعاب المرجانية، والتكوينات الجيولوجية، مع تنظيم الأنشطة السياحية والسفاري والرحلات التعليمية، وكذلك استخدام المنتجات الطبيعية مثل الأعشاب الطبية في صناعات الأدوية ومستحضرات التجميل، بالإضافة إلى البحث العلمي لدراسة التنوع البيئي، بهدف تحقيق الاستدامة والتوازن بين الحفاظ على البيئة والاستفادة الاقتصادية.

ويؤكد محرم ضرورة إخضاع الاستغلال الاقتصادي في المحميات لضوابط وقوانين صارمة لحماية الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي، والحد من الاستغلال الجائر أو التعديات والجرائم البيئية. ويطالب بأن تكون الأنشطة السياحية في المحميات محدودة ومحكومة بوضوح، وأن تُفرض قيود على التنقل لتقليل التلوث الناتج عن العوادم، إلى جانب الالتزام بالمشاركة المجتمعية المحلية في اتخاذ القرار حول استغلال المحميات.

وفي السياق ذاته، يدعو محرم للتمييز بين مطالب حماية التنوع البيولوجي المشروع وبين محاولة البعض تخويف المسؤولين من الاستغلال الاقتصادي المنضبط بيئيًا لأهداف شخصية أو اقتصادية، أو بدافع الجمود الفكري أو التشكيك في السياسات العامة، مشددًا على أن غياب المشاركة المجتمعية في صنع القرار يزيد من حالة الشك وعدم الثقة في السياسات الحكومية المتعلقة بالمحميات الطبيعية.

 

نوصي للقراءة: هل يخلق الاقتصاد الأخضر فرصًا للعمل في مصر؟

تحركات برلمانية

تقدمت النائبة مها عبد الناصر، العضوة بمجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، الثلاثاء الماضي، بطلب إحاطة موجه إلى كلِ من: رئيس مجلس الوزراء ، ووزير السياحة والآثار ، ووزيرة البيئة، بشأن التعديات السافرة التي تحدث حالياً على محمية وادي الجمال بمنطقة رأس حنكوراب بمرسى علم، والتي تم إعلانها محمية طبيعية، بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 143 لسنة 2003، مبينة أن ذلك يشكل خطرًا بيئيًا جسيمًا وتهديدًا مباشرًا لتوازنها البيئي، ويثير العديد من التساؤلات حول مدى الالتزام بتطبيق القوانين المنظمة للمحميات الطبيعية، ومدى قدرة الجهات المعنية على فرض سيادة القانون ومنع أي مخالفات تمس الثروات القومية للبلاد ومدى أفضلية الفكر الاستثماري في مواجهة مقدرات الدولة وثرواتها الطبيعية، متسائلة كيف يتم تنفيذ هذه الأعمال داخل محمية طبيعية مصنفة رسميًا بقرار حكومي دون اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة؟، وما هو موقف وزارة البيئة ومحافظة البحر الأحمر وشرطة البيئة من هذه التعديات؟، ولماذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية لوقفها؟، وهل تم إصدار تصاريح رسمية لإنشاء هذه المنشآت داخل المحمية؟، وإذا كانت هناك تصاريح، فهل تمت وفقًا للضوابط القانونية؟، وهل هناك دراسات أثر بيئي تم إجراؤها قبل الشروع في تنفيذ هذه الأعمال، وفقًا للقانون رقم 102 لسنة 1983 بشأن المحميات الطبيعية؟، وما هي خطة الدولة لحماية هذه المحمية من المزيد من التعديات وضمان عدم تكرار مثل هذه الانتهاكات مستقبلاً؟

واعتبرت النائبة أن ما يحدث في رأس حنكوراب قد لا يكون حادثًا فرديًا، بل يعكس مشكلة أوسع تتعلق بعدم الالتزام بتطبيق القوانين المنظمة للمحميات الطبيعية، والسماح بحدوث تجاوزات قد تؤدي إلى فقدان مصر لمواقع طبيعية لا تقدر بثمن، كما أن الحفاظ على هذه المحميات هو مسؤولية وطنية تتطلب تدخلًا حاسمًا، خاصة في ظل سرعة تنفيذ هذه التعديات بالشكل الذي يثير القلق، ويعطي انطباعًا بأن هناك محاولة لفرض الأمر الواقع على الجهات المسؤولة، مشيرة إلى أنه سبق وأن شهدت هذه المحمية تعديات أخرى في فترات سابقة، وتم الإعلان عن إجراءات قانونية ضد المخالفين، إلا أن استمرار هذه التعديات يشير إلى أن الإجراءات السابقة لم تكن كافية لردع المخالفين أو منع تكرار هذه الاعتداءات أو أن الفكر الاستثماري الذي لا يرى سوى الأهداف الربحية فقط قد أصبح أقوى من إنفاذ القانون، وعليه فإن هناك حاجة ماسة لمراجعة مدى فاعلية القوانين الحالية وآليات تنفيذها لضمان حماية هذه المناطق من أي استغلال غير قانوني، محذرة من أن الأمر قد يضر بسمعة مصر فيما يتعلق بالتزاماتها الدولية لحماية البيئة والحفاظ على التراث الطبيعي، ومشددة على أن القضية تتعلق بحماية مقدرات الدولة، وضمان احترام القوانين، وتعزيز دور المؤسسات في الحفاظ على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.

 

وطالبت النائبة الحكومة بإيقاف تلك الأعمال فوراً مع تقديم توضيح شامل حول ما يحدث في محمية وادي الجمال، والإجراءات التي تم اتخاذها حتى الآن، والخطوات القادمة لضمان عدم تكرار هذه التعديات، وعرض هذا الملف بشكل عاجل للمناقشة داخل مجلس النواب، واستدعاء المسؤولين المعنيين لتقديم إيضاحات واضحة حول ما تم من إجراءات، وما هو المطلوب لضمان وقف هذه التعديات وعدم تكرارها مستقبلاً.

وبدورها تقدمت النائبة البرلمانية، سميرة الجزار، العضوة بلجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب، الخميس الماضي، ببيان عاجل إلى رئيس البرلمان، حنفي جبالي، لإنقاذ محمية وادي الجمال، بجنوب مرسى علم، الصادر لها  قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 143 لسنة 2003، باعتبارها كنز طبيعي نادر موجود على أرض مصر، مؤكدة أن الاعتداء عليها الذي يحدث حاليًا، ، بكامل معدات المقاولات لبناء فندق لصالح مستثمر وفرض الأمر الواقع بالقوة على قوانين الدولة المصرية، يعكس الفساد الذي بلغ أقصاه، وصار يتحدى بشكل واضح سيادة الدولة والدستور، الذي يُقر قوانين هامة مرتبطة بالحفاظ على المحميات الطبيعية، ولا سيما القرارات الوزارية  الخاصة برفض الأمر، متسائلة: أين محافظة البحر الأحمر وأين أجهزة الدولة، وأين شرطة البيئة ووزارة البيئة؟.

 

نوصي للقراءة: كوارث بيئية تهدد أهالي بني سويف الجديدة

استمرار استقبال الزوار رغم الجدل

تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية أنباءً تفيد بإغلاق شاطئ حنكوراب داخل محمية وادي الجمال، وعدم السماح للزوار المصريين بدخوله، منذ دخول معدات البناء الثقيلة إلى الموقع. غير أن هاني صادق، الممثل الرسمي للاتحاد الدولي للصيد الرياضي، يوضح لزاوية ثالثة أن منطقة استقبال الأفواج السياحية بالجزء الخارجي من الشاطئ لا تزال مفتوحة وتستقبل الزوار المصريين والأجانب بشكل يومي حتى الآن. ويضيف صادق أن الزائرين المصريين يمكنهم استخراج تصاريح من إدارة حرس الحدود تسمح لهم بالتخييم في الموقع. كما يشير إلى أن القائمين على الشاطئ فوجئوا مؤخرًا بدخول معدات بناء ثقيلة إلى الموقع، ما أثار قلق منظمة “هيبكا”، المعنية بحماية البيئة في البحر الأحمر، ودفعها لإطلاق استغاثة لإنقاذ شاطئ حنكوراب المعروف بنقائه وطبيعته البكر، والذي يُصنف ضمن أجمل شواطئ مصر. وأعلن الاتحاد الدولي للصيد الرياضي تضامنه مع هذه الاستغاثة بصفته معنيًا بالحفاظ على الطبيعة في منطقة البحر الأحمر. ويكشف صادق عن أن منطقة حنكوراب تم تخصيصها وطرحها للاستثمار في وقت سابق، لكنه يجهل هوية الجهة التي اتخذت قرار الطرح، مؤكدًا أن الأمر تم بالمخالفة لقانون المحميات الطبيعية، في ظل عدم إعلان وزارة البيئة مسؤوليتها عن القرار حتى الآن.

من جانبه، ينفي أيمن عبداللطيف، عضو غرفة شركات السياحة، في تصريحات إلى زاوية ثالثة، صدور أي قرار رسمي من وزارة السياحة أو أي جهة مسؤولة عن القطاع السياحي في مصر، بإغلاق شاطئ حنكوراب أو منع استقبال الأفواج السياحية داخله.

وفي الوقت الذي تصف فيه وزارة البيئة الأعمال الجارية في شاطئ حنكوراب بأنها جزء من خطة تطوير البنية التحتية اللازمة للزوار، والتي تهدف لتحقيق التوازن بين متطلبات حماية البيئة والاستفادة الاقتصادية والاجتماعية من المحميات، تواجه الوزارة انتقادات واسعة من جانب خبراء البيئة وجمعيات المجتمع المدني. ويرى هؤلاء المتخصصون أن هذه الأعمال تأتي في سياق سياسات وزيرة البيئة ياسمين فؤاد، التي سبق وأن أعلنت بشكل واضح عن خطط لتشجيع الاستثمار داخل المحميات الطبيعية. وتستمر جمعيات حماية البيئة والمؤسسات المعنية في دق ناقوس الخطر، محذرة من التداعيات المحتملة لهذه الأعمال على النظام البيئي والتنوع البيولوجي في المنطقة، خصوصًا على مواقع تعشيش السلاحف البحرية والشعاب المرجانية الفريدة، والتي قد تؤثر سلبًا على التزامات مصر الدولية لحماية الطبيعة وتؤدي إلى تراجع السياحة البيئية التي تعد مصدر دخل هام للمجتمعات المحلية وللاقتصاد الوطني.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search