قبل نحو عامين أُبلغ أحمد نبيل، الذي يعمل سائق ميكروباص، بضرورة تقديم الأوراق الثبوتية لأسرته المقيمة في محافظة بورسعيد، للاستفادة من الخدمات الصحية التي تقدمها الوحدات الصحية والمستشفيات التابعة لمنظومة التأمين الصحي الشامل، لكن لم يتم إبلاغه بأنه ملزم بسداد اشتراكات شهرية عنه وعن زوجته وطفليه، حتى تراكمت الاشتراكات عليه، ليفاجئ عند ذهابه العام الماضي لتغيير رخصة القيادة من الدرجة الثالثة التي يحملها إلى رخصة من الدرجة الثانية، بأن عليه مديونية مستحقة الدفع تبلغ 20 ألف جنيه، وأنه لن يتمكن من تجديد رخصة القيادة قبل تسديدها، ما اضطره إلى طلب تقسيط المبلغ على أقساط نصف سنوية، والاقتراض لتسديد الدفعة الأولى من القسط البالغ سبعة آلاف جنيه، للحصول على الرخصة، ولكن بعد مضي عدة أشهر حصل أحمد على فرصة عمل في إحدى الشركات، إلاّ أن إدارة الشركة أبلغته أنه لن يتم توظيفه قبل إغلاق ملفه التأميني وسداد مديونياته للتأمين الصحي الشامل، بحسب ما يحكي والده إلى زاوية ثالثة.
يقول نبيل: “لم يخبرنا أحد بأنه يفترض بنا دفع اشتراكات، كنا ندفع جنيهًا واحدًا قيمة للكشف الطبي في مستشفيات التأمين الصحي، وندفع عشرة جنيهات ثمنًا لتجديد البطاقة الصحية، الآن يتم إلزامنا بدفع اشتراكات كبيرة لا نعرف كيف يتم احتسابها؟، فابني سائق ميكروباص يتقاضى ثلاثة جنيهات ونصف من كل راكب، وليس لديه دخل شهري ثابت وظروفه المادية لا تسمح بسداد هذه المبالغ، لكن الموظفين ساوموه على الدفع ليتمكن من القيام بأي إجراء حكومي، وهذه المشكلة لا تخصه وحده فهناك العديد من الأهالي المتضررين الذين يزورون مكتب التأمينات الاجتماعية كل يوم لأنهم غير قادرين على القيام بالإجراءات الحكومية بدون سداد المديونية، وفي الوقت نفسه لا نتلق خدمة صحية جيدة في المنظومة الجديدة، إذ نعاني سوء المعاملة ونقص أدوية الأمراض المزمنة.”
وفي يناير الماضي، اكتشف الشاب أسامة خميس، ابن محافظة الإسماعيلية، أن عليه مديونية يجب تسديدها، قدرها أربعة آلاف و400 جنيه، لم يكن يعلم عنها شيئًا، نتيجة تراكم اشتراكات التأمين الصحي الشامل عليه، كونه من العاملين في القطاع غير الرسمي، إذ يعمل طاهيًا في مطعم صغير للبيتزا، نظير يومية قدرها 150 جنيه فقط، لا تكاد تكفي لسداد الإيجار الشهري للسكن وإعالة زوجته وطفليه اللذان يدرسان بالمرحلة الابتدائية.
ومنذ عام وجدت أسرة أسامة نفسها محرومة من خدمات الرعاية الصحية التي اعتادت الحصول عليها من الوحدة الصحية التابعة لها، لحين قيامها بتسديد المديونية التي أثقلت كاهلها، في وقتٍ لا يصل فيه إجمالي دخلها الشهري إلى الحد الأدنى للأجور المقدر بستة آلاف جنيه، ولا تمتلك رفاهية العلاج في المستشفيات والعيادات الخاصة.
يقول إلى زاوية ثالثة: “متطلبات الحياة أصبحت ثقيلة وصعبة للغاية، بدأت العمل لساعات إضافية على أمل زيادة يوميتي لنحو 200 جنيه، زوجتي لا تعمل وطفلاي يدرسان بالصف الثاني والصف الرابع الابتدائي، ونحن محرومون من دخول الوحدة الصحية بسبب المديونية، كانت أربعة آلاف و400 جنيه العام الماضي، ولا أعرف كم زادت الآن؟”
أقر مجلس النواب في جلسته بتاريخ 18 ديسمبر 2017 قانون التأمين الصحي بعد محاولات لإصداره منذ عام 2005، ويعد التأمين الصحي الشامل نظام إلزامي، يقوم على التكافل الاجتماعي، وتغطي مظلته جميع المواطنين بجمهورية مصر العربية، وتكون الأسرة هي وحدة التغطية التأمينية الرئيسة داخل النظام، وتتحمل السلطة أعبائه عن غير القادرين طبقا لضوابط الإعفاء التي يصدر بتحديدها قرار من رئيس مجلس الوزراء، ويقوم هذا النظام على أساس فصل التمويل عن تقديم الخدمة، ولا يجوز للهيئة تقديم خدمات علاجية أو الاشتراك في تقديمها، بحسب ما تنص عليه المادة (2) من قانون نظام التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، وتلتزم الخزانة العامة بسداد الاشتراكات للهيئة عن غير القادرين، والتي تتضمن وفقًا للقانون قيمة اشتراك المؤمن عليهم من فئات غير القادرين، بمن فيهم المتعطلين عن العمل غير القادرين وغير المستحقين أو المستنفدين لمدة استحقاق تعويض البطالة وكذلك كل فرد من أفراد الأسرة المعالين، وتتحمل الخزانة نسبة (5%) من الحد الأدنى للأجور المعلن عنه بالحكومة على المستوى القومي شهريًا عن كل منهم.
وكانت وزارة الصحة والسكان، قد أعلنت، أن تطبيق منظومة التأمين الصحى الشامل، سيتم على ست مراحل، وتضمنت المرحلة الأولى محافظات: بورسعيد والسويس وجنوب سيناء والإسماعيلية وأسوان والأقصر، بتكلفة تبلغ 51.2 مليار جنيه، وتتضمن المرحلة الثانية محافظات: قنا ومطروح والبحر الأحمر وشمال سيناء، وتشمل المرحلة الثالثة على الإسكندرية والبحيرة ودمياط وسوهاج وكفر الشيخ، أما المرحلة الرابعة فتضم أسيوط والوادي الجديد والفيوم والمنيا وبنى سويف، وتنضم محافظات: الدقهلية والمنوفية والشرقية والغربية في المرحلة الخامسة، أما المرحلة السادسة فتشمل القاهرة والجيزة والقليوبية.
وأطلق الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في 16 فبراير 2021، إشارة بدء التشغيل التجريبي لمنظومة التأمين الصحي الشامل بمحافظات الإسماعيلية والأقصر وجنوب سيناء، ضمن المرحلة الأولى للمنظومة.
نوصي للقراءة: الحكومة تُقيد الحق في الصحة: لائحةٌ جديدة تُعيدنا إلى الوراء
العاملون بالمحافظات الأخرى
في يونيو العام الماضي، جاءت لجنة من هيئة التأمين الصحي الشامل إلى مقر عمل أيمن الجندي، في منطقة طابا بمحافظة جنوب سيناء، واستخرجوا كارنيهات للموظفين الذين يتم استقطاع الاشتراكات الشهرية من رواتبهم منذ بداية تفعيل المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل في أغسطس عام 2022، إلاّ أنه وعدد من زملائه لم يحصلوا عليها لكونهم يقيمون في محافظات (الإسماعيلية وبورسعيد والأقصر) المطبق عليها المرحلة الأولى من المنظومة، وتم إبلاغهم بالتوجه إلى الوحدات الصحية التابعين لها في محافظاتهم ومعهم الأوراق الثبوتية لسداد الاشتراكات، على النقيض من زملائهم المقيمين بمحافظات آخر خارج المنظومة.
تفاجئ أيمن بمطالبة الوحدة الصحية له بسداد مبلغ 14 ألف جنيه نظير اشتراكات بأثر رجعي للتأمين الصحي الشامل عن ابنه المولود في عام 2019 وابنته المولودة في 2013، رغم خصم استقطاعات شهرية من راتبه وراتب زوجته الموظفة بمحافظة الإسماعيلية، وطالبوه بالرجوع إلى جهة العمل لتقوم بخصم اشتراكات الأبناء شهريًا من أجره، إلا أن إدارة عمله أخبرته أن المنصة التي تسدد بها اشتراكات العاملين، لا يزال غير مفتوح بها إضافة أبناء العاملين، فقصد أيمن مكتب الإدارة المالية التابعة لهيئة التأمين الصحي الشامل لبحث إمكانية تقسيط المبلغ، فأخبره الموظف أنه يجب تقسيطه خلال أربعة أشهر فقط بفائدة 100%، وحين أبدى اعتراضه تم إبلاغه أنه إذا لم يسدد المبلغ سيتعرض للحرمان من عملية الربط الحكومي، مما يجعله عاجزًا عن القيام بالإجراءات الحكومية مثل: تجديد بطاقة الرقم القومي أو رخصة القيادة أو رخصة السيارة، كما حدث مع العديد من المواطنين المتضررين الذين التقاهم هناك، وهو ما دفعه للتقدم بشكاوى عبر الهاتف للخط الساخن لهيئة العامة للتأمين الصحي الشامل الإلكتروني، وقدم لمجلس الوزراء شكوى في 8 يوليو 2024، تحمل الرقم (8270348) دون أن يتم حل مشكلته، كما تقدم بشكوى إلى البريد الإلكتروني لمنظومة الشكاوى الحكومية الموحدة، بحسب ما يحكي إلى زاوية ثالثة.
يقول: “أصبت بوعكة صحية في القلب وضغط الدم أثناء عملي بمحافظة جنوب سيناء وحين دخلت إلى المستشفى التابعة لمنظومة التأمين الصحي الشامل في المحافظة جعلوني أسدد تكلفة العلاج والخدمات الصحية كاملة، بحجة أني غير مشترك لأني لم أسدد مديونيات الأبناء، وتقدمت بشكاوى دون أن يتم حل مشكلتي، وتلقيت ردود تتراوح بين التهرب أو سوء المعاملة، وأرفض أن أسدد الاشتراكات بأثر رجعي وتتم مساومتي على الحرمان من الربط الحكومي.”
بدوره يعاني محمد أحمد، ابن محافظة الإسماعيلية، من مشكلة تراكم مديونيات التأمين الصحي الشامل، رغم استقطاع اشتراكات التأمين الصحي والاجتماعي من راتبه الشهري، إذ يعمل في أحد مصانع القطاع الخاص بمدينة العاشر من رمضان في الشرقية، منذ نحو 15 عامًا، لكنه لا يحصل على الخدمات الصحية التابعة للتأمين الصحي القديم لكونه ليس من أبناء المدينة، كما لا يستفيد هو وأسرته من التأمين الصحي الشامل في الإسماعيلية، وحين أراد إلحاق ابنته بالمدرسة طلب منه الموظفون إحضار البطاقة الصحية، الذي يستوجب اشتراك الابنة في منظومة التأمين الصحي الشامل، وطُلب منه إحضار “برنت تأمينات” من مقر عمله، ثم تم إبلاغه بوجود مديونيات متراكمة عليه قدرها ثمانية آلاف جنيه لعدم تسديد الاشتراكات الشهرية.
يقول إلى زاوية ثالثة: “أخبرتهم أن اشتراكاتي التأمينية يتم خصمها من راتبي الشهري، لكنهم قالوا لي إن التأمين الصحي منظومة مختلفة عن التأمين الصحي الشامل، وله إدارة مالية منفصلة، وتقدمت بشكوى لمجلس الوزراء، تحمل رقم (7869883)، وتواصل معي موظف من وحدة السلام الطبية، وطلب مني الحضور والتقدم بأوراقي لتحديث بياناتي، لكن عندما ذهبت قيل لي أنه يجب أن أسدد المديونية الآن، لأنه لم يصدر حتى الآن قرار بإعفاءنا من الدفع.”
ويشكو سعيد إبراهيم (اسم مستعار )، ابن محافظة بورسعيد، الذي يعمل باحثًا بالمركز القومي للبحوث بالدقي في محافظة الجيزة، من وقف الوحدة الصحية التابعة للتأمين الصحي الشامل، لصرف العلاج الشهري لزوجته مريضة السكري، ومطالبتها بإحضار خطاب تأكيد لتحديث البيانات، رغم تقدمه قبل أشهر بطلب تحديث بياناته وبيانات أسرته وتقدمه بالأوراق المطلوبة، واستقطاع قيمة الاشتراكات الشهرية من راتبه الذي يتقاضاه من جهة عمله الحكومية، وعندما توجه إبراهيم إلى مبنى التأمين الصحي الشامل، الواقع أمام محطة السكة الحديد، أبلغه الموظفون بأنه لا يسدد اشتراكات التأمين الصحي الشامل عن الأسرة منذ بداية العمل بالمنظومة وأن عليه مديونية تُقدر بما يتجاوز 34 ألف جنيه تستوجب الدفع لاستمرار الخدمة.
يقول إبراهيم: ” كان من المفترض أن يخاطب التأمين الصحي الشامل جهة عملي الحكومية لتقوم بخصم الاشتراك أو يخاطبني لتقديم طلب خصم الاشتراك الشهري من جهة عملي وهذا لم يحدث، من المسؤل عن هذا الخطأ؟، ولماذا تتم محاسبة المنتفعين بالمنظومة على أخطاء يرتكبها العاملين بمنظومة التأمين الصحي الشامل؟”
ينص الباب الأول من قانون نظام التأمين الصحي الشامل، على أن أجر الاشتراك هو كل ما يحصل عليه المؤمن عليه من مقابل نقدي من جهة أو جهات عمله، وعلى الأخص الأجر المنصوص عليه في الجداول المرفقة بنظم التوظف وما يضم إليه من علاوات، والأجر المنصوص عليه بعقد العمل وما يضاف إليه من علاوات أو الأجر اليومي المستحق، الحوافز، العمولات الرسمية، البدلات، ما عدا بدل الانتقال وبدل السفر وغيرها من البدلات التي تصرف للمؤمن عليه مقابل ما يتكلفه من أعباء تقتضيها وظيفته، ويستثنى من ذلك بدل التمثيل وبدل السكن وبدل الملبس وبدل الوجبة وبدل السيارة.. وغيرها من البدلات التي تصرف مقابل مزايا عينية، والبدلات التي تستحق للمؤمن عليه لمواجهة أعباء المعيشة خارج البلاد، ويراعى ألا تجاوز قيمة مجموع ما يتم استبعاده من بدلات (25%) من إجمالي أجر المؤمن عليه.
وتتكون الموارد المالية لهيئة التأمين الصحي الشامل، وفقًا للمادة (40)، من حصة المؤمن عليهم والمعالين، وفي حالة الجمع بين أكثر من وظيفة يلتزم المؤمن عليه بقيم الاشتراكات لكل ما يتحصل عليه من دخل، والاشتراكات التي يلتزم بسدادها رب الأسرة عن الزوجة غير العاملة أو التي ليس لها دخل ثابت، ومن يعيش في كنفه من الأبناء والمعالين، ويستمر الاشتراك عن الأبناء والمعالين حتى الالتحاق بعمل، أو زواج الإناث، ويلتزم أصحاب الأعمال المحددون بقوانين التأمينات الاجتماعية بأداء حصتهم عن اشتراكات العاملين لديهم بواقع (4%) شهريًا من أجر الاشتراك للعامل المؤمن عليه وبما لا يقل عن خمسين جنيهًا شهريًا، نظير خدمات تأمين المرض والعلاج وإصابات العمل، ويعفى من دفع قيمة المساهمات غير القادرين الذين تتحمل الخزانة العامة قيمة اشتراكاتهم، وذوو الأمراض المزمنة والأورام، وذلك طبقًا لقرار رئيس مجلس الوزراء بتنظيم ضوابط الإعفاء، إضافة إلى العائد الناتج من استثمار الأموال والاحتياطيات المتاحة لدى الهيئة وفقا للإستراتيجية الاستثمارية، بجانب المنح الخارجية والداخلية والقروض التي تعقدها الحكومة لصالح الهيئة، والهبات والإعانات والتبرعات والوصايا التي يقبلها مجلس إدارة الهيئة، والمصادر الأخرى كالرسوم المفروضة على مشتقات التبغ، والسجائر، والطرق السريعة وتجديد رخص قيادة السيارات.
نوصي للقراءة: الصحة النفسية للعمال المصريين: 32 مادة للسلامة البدنية وصفر للنفسية
مديونيات المصريون بالخارج
قبل 15 عامًا حصل محمد إبراهيم، موظف في شركة الكهرباء بالإسماعيلية، على إجازة بدون مرتب، للعمل بالخارج، ولم يتلق خدمات رعاية صحية من التأمين الصحي طيلة تلك السنوات، لكنه صُدم حين أراد نقل ابنته من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية، بإلزامه بشراء شهادة صحية وأخبره الموظف وقتئذٍ بأنه يتوجب عليه سداد نحو 30 ألف جنيه مديونيات للتأمين الصحي الشامل بأثر رجعي منذ بداية تطبيق المنظومة في محافظة الإسماعيلية، وبعد مفاوضات سُمح له بدفع رسوم الشهادة الصحية والكشف الطبي فقط، المقدرة بـ 600 جنيه، لكن أخبره الموظفون أنه ملزم عند عودته إلى عمله في مصر، بدفع مديونيته للتأمين الصحي الشامل.
يقول إلى زاوية ثالثة: “يضطر زملائي المستمرين في العمل بمصر لدفع ما يقدر بنحو ألف و 300 جنيه تخصم شهريًا من الراتب منذ بداية التأمين الصحي الشامل في أغسطس عام 2022، أما بالنسبة لي فأنا لا أستفيد من منظومة التأمين الصحي الشامل ولا نقصد أنا وزوجتي وأولادي المستشفيات والعيادات التابعة له، لأن شركة الكهرباء توفر لنا تأمين صحي وعلاج في مستشفيات كبيرة، فلماذا يتم إجباري على سداد الاشتراكات؟، ألا يكفي أنني أسدد في كل سنة أكثر من ألف دولار للمعاشات والتأمينات، كرسوم تجديد الإجازة بدون مرتب؟”
يعد اشتراك المصريون في الخارج بالمنظومة اختياريًا؛ إذ تنص المادة (1) من قانون التأمين الصحي الشامل رقم 2 لسنة 2018، على أن أحكام القانون، تسري إلزاميًا على جميع المواطنين المقيمين داخل جمهورية مصر العربية، واختياريًا على المصريين العاملين بالخارج وكذلك المقيمين مع أسرهم بالخارج.
نوصي للقراءة: من الاحتراق الوظيفي إلى الهجرة.. لماذا يترك الأطباء النفسيون مصر؟
عيوب القانون
فيما يتهم د. محمد حسن خليل – رئيس لجنة الدفاع عن الحق في الصحة-، الحكومة بأنها مسؤولة عن أزمة مديونيات اشتراكات التأمين الصحي الشامل، بسبب عيوب القانون، رغم تحذيرات لجنة الدفاع عن الحق في الصحة أثناء العمل على القانون الذي يفترض أن يكون شاملًا يغطي جميع المواطنين، لوجود مشكلة في التأمين على غير المنتظمين في العمل، وما حدث هو ارتفاع نسبة المؤمن عليهم الذي يغطيهم التأمين الصحي من 66% إلى 79%، بدلًا عن أن يشمل كل المواطنين، مرجحًا كون الزيادة سببها إضافة الزوجات فقط، وأنه في حين كان أطفال المدارس مؤمنًا عليهم بالمجان في التأمين الصحي القديم، فإن أهاليهم أصبحوا يتحملون عبء سداد اشتراكات أطفالهم بدلًا عن الدولة، مضيفًا أن كان اشتراك العامل 1% من مرتبه واشتراك صاحب العمل 3%، إضافة إلى 1-3% اشتراك إصابات العمل، تدفع ضمن التأمينات الاجتماعية لكل طرف. بينما اقتصر اشتراك صاحب العمل على 4% فقط (3% اشتراك و1% فقط إصابات عمل) وتضاعف اشتراك العامل حتى فاق اشتراك رب العمل: فهو يدفع 1% اشتراكا لنفسه، و3% لزوجته إذا كانت لا تعمل، و1% لكل طفل ممن يعولهم، ولا يقتصر ما يدفعه العامل على الاشتراك، ولكن يزيد عليه المساهمات أي نسبة من سعر كل خدمة يحصل عليها: 10% من سعر الأدوية، والتحاليل، والأشعات بحد أقصى 750 جنيها لكل منها، وبهذا تصبح مصر الدولة الأولى والوحيدة عالميًا التي يبلغ اشتراك العامل فيها ضعف اشتراك رب العمل، رغم كونه الطرف الأضعف اقتصاديًا.
وينتقد إجبار القانون للعمالة غير المنتظمة الأقل دخلًا واستقرارًا من الناحية المالية، بسداد اشتراكات كل ثلاثة أشهر، وهو ما أدى إلى عجزها عن السداد والعزوف عن الاشتراك في الخدمة، مؤكدًا أن تلك هي سمات التأمين الصحي التجاري وليس الاجتماعي، لكونه يجبر أهالي الأطفال على سداد اشتراكاتهم بدلًا من الدولة التي يفترض أن تكون مسؤولة عن جميع الأطفال حتى عمر 18 عامًا، معتبرًا أن ذلك سيدمر الأجيال المقبلة من الناحية الصحية.
ويضيف: “خلال إعداد القانون، طرحت لجنة الحق في الصحة تساؤلًا حول الآلية التي ستجبر المواطنين على سداد الاشتراكات، فأخبرنا مسؤولون في هيئة التأمين الصحي الشامل بأنه سيتم إجبار المواطن من خلال منعه من تجديد البطاقة الشخصية أو جواز السفر أو رخصة القيادة أو سداد الرسوم الدراسية لأطفاله في المدارس، ما لم يقم بسداد المواطن بسداد الاشتراكات، وذلك بموجب القانون، فمسؤولية تلك الجريمة تقع على عاتق الهيئة وليس المحافظين، كما أنها لم تخطر المواطنين بقيمة الاشتراكات وتركتها تتراكم عليهم، كما أن القانون لم ينص على إلزام المصريين في الخارج بالاشتراك وبالتالي لا توجد آلية في القانون لتحديد قيمة اشتراكاتهم.”
من جهته، ينفي المحامي الحقوقي مالك عدلي – مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، أن تكون اللوائح والقوانين المتعلقة بالتأمين الصحي الشامل في مصر قد أجبرت المواطنين على الاشتراك وألزمتهم بسداد مديونيات بأثر رجعي دون أن يكونوا من المستفيدين من الخدمة الصحية، معتبرًا أن ذلك ربما يكون سوء تطبيق للمنظومة من قبل بعض المحافظين.
يؤكد عدم قانونية ابتزاز المواطنين لإجبارهم على سداد المديونية نظير السماح لهم بإجراء المعاملات الحكومية والحصول على الأوراق الثبوتية، وأن ذلك بمثابة جريمة، مشددًا على أن الغرض من التأمين الصحي الشامل هو أن يغطي جميع المواطنين ويقدم الخدمات الصحية لغير القادرين، وأن الحكومة المصرية تلقت منح خارجية من البنك الدولي لتطبيق المنظومة على جميع المواطنين دون تمييز.
وكان البنك الدولي، قد وافق في يونيو 2020، على مشروع بقيمة 400 مليون دولار لمساندة نظام التأمين الصحي الشامل الذي تطبقه مصر فى إطار سعيها نحو تعميم التغطية الصحية للمواطنين وتحسين النتائج الصحية.
من ناحيته، يرى علاء غنام – عضو لجنة قانون التأمين الصحي الشامل، مسئول الحق في الصحة في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية وخبير إصلاح القطاع الصحي-، أن إجراء الحرمان من الربط الحكومي لأولئك المشتركين في التأمين الصحي الشامل، الذين لم يسددوا الاشتراكات المستحقة للدفع، هو إجراء قانوني رادع لمن يمتنعون بمحض إرادتهم عن السداد، ولا يخالف نص قانون التأمين الصحي الشامل ولائحته التنفيذية، أما غير القادرين فيتوجب عليهم التوجه إلى وزارة التضامن الاجتماعى، لعمل بحث إجتماعي و إدراجهم ضمن الفئات المعفاة من سداد الرسوم، مُبينًا أن المواطنين هم من توجهوا بمحض إرادتهم إلى هيئة التأمين الصحي الشامل للاشتراك في الخدمة، وحصلوا على كارنيهات مشتركين، أو تم نقلهم إليها من منظومة التأمين الصحي القديم.
ويوضح “غنام” أن الموظف الذي يعمل في محافظة خارج المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل، بينما يقيم هو وأسرته في محافظة تابعة للمنظومة؛ فإنه يجب عليه تسجيل نفسه وأسرته في التأمين الصحي الشامل، وسداد الاشتراكات التي تنص عليها اللائحة ولا يفترض أن يتم استقطاع اشتراك التأمين الصحي القديم من راتبه الشهري، ويمكن أن يطلب عمل استثناء له ليحصل على الخدمات الصحية من مستشفيات ووحدات التأمين الصحي في المحافظة التي يعمل بها.
نوصي للقراءة: تداعيات إلغاء تكليف الأطباء في مصر
إعفاء غير القادرين
يوضح مصدر مسؤول في هيئة التأمين الصحي الشامل، – تحفظ على ذكر اسمه-، إلى زاوية ثالثة، أن نظام التأمين الصحي الشامل يختلف عن النظم الصحية القديمة التي ظهرت في الستينات، وضمت الموظفين وطلاب المدارس وأرباب المعاشات نظير استقطاعات شهرية أو رسوم سنوية، في كونه جاء لسد الفجوة في التغطية الصحية في مصر، في ظل ارتفاع معدلات العمالة غير الرسمية والبطالة، وعدم ملائمة التأمين الصحي القديم لزيادة أعداد مرضى الأمراض المزمنة، ويعتمد النظام الجديد على أن الأسرة هي وحدة الاشتراك، ويتم احتساب الاشتراكات من إجمالي دخل المشترك، بأثر رجعي بدءًا من توقيت إطلاق الخدمة في المحافظة التي يقيم بها المشترك، مبينًا أن هناك تحديات تحول دون انضمام جميع المواطنين للمظلة التأمينية والوصول للفئات المُعفاة غير القادرة، رغم كون قانون التأمين الصحي الشامل يقوم بتغطية مختلف فئات المجتمع.
ويشير المسؤول إلى أن لوائح هيئة التأمين الصحي الشامل حددت شرائح الاشتراكات بناءً على الدخل وعدد أفراد الأسرة، إذ يسدد الأفراد الذين يعملون لحسابهم في المهن الصناعية أو الزراعية أو التجارية، 5% من الأجر التأميني أو الإقرار الضريبي، ويسدد 3% عن الزوجة غير العاملة و 1% عن كل ابن، ويسدد العاملون المدنيون في الجهاز الإداري للدولة والعاملون في القطاع الخاص والقطاع العام وقطاع الأعمال 1% من الأجر و 3% عن الزوجة غير العاملة و 1% عن كل ابن، ويسدد المشتغلون بالأعمال المتعلقة بخدمة المنازل (من يعملون في شركات نظافة) فيما عدا التي تعمل داخل المنازل 1% من الأجر، ويسدد النسبة نفسها أفراد أسرة صاحب العمل الذين يعملون لديه ويعولهم فعلاً، بينما الأفراد الذين يزاولون لحساب أنفسهم نشاطًا تجاريًا أو صناعيًا أو زراعيًا، والحرفيون، والشركاء المتضامنون في شركات الأشخاص وشركات التوصية بالأسهم، وأصحاب الأعمال، ورؤساء وأعضاء مجالس الإدارة والأعضاء المنتدبون في الشركات المساهمة بالقطاع الخاص، والمديرون في الشركات ذات المسئولية المحدودة، وملاك شركات الشخص الواحد، العاملون المرتبطون بعقود عمل شخصية، مالكو وحائزو الأراضي الزراعية التي تبلغ مساحتها فدانًا فأكثر، ملاك العقارات المبنية، أصحاب وسائل النقل الآلية للأشخاص أو البضائع، بما في ذلك وسائل النقل البري والنهري والبحري والجوي، الوكلاء التجاريون، أصحاب مراكب الصيد الميكانيكية أو الشراعية، المأذونون الشرعيون والموثقون المنتدبون من غير الرهبان، العمد والمشايخ، المرشدون والأدلاء السياحيون وقصاصو الأثر، الأدباء والفنانون، ورثة أصحاب الأعمال، أصحاب الصناعات المنزلية والبيئية والريفية والأسرية، عمال التراحيل، صغار المشتغلين لحساب أنفسهم كالباعة الجائلين ومنادي السيارات وموزعي الصحف وماسحي الأحذية المتجولين وغيرهم من الفئات المماثلة والحرفيين، خدم المنازل، محفظو القرآن الكريم وقراؤه، المرتلون والقيمة وغيرهم من خدام الكنيسة، العاملون المؤقتون في الزراعة، المهاجرون، والعاملون البحريون، فيسددون 5% من الأجر التأميني أو من الأجر وفقاً للإقرار الضريبي أو الحد الاقصي للأجر التأميني أيهما أكبر و3% عن الزوجة غير العاملة او التي ليس لهل دخل ثابت 1% عن كل معال أو ابن.
ويؤكد المسؤول أنه هناك صعوبة في تحديد العمالة غير الرسمية، غير المؤمن عليها، حيث يتم تقدير دخل أولئك الذين يحملون شهادة مزاولة المهنة بناءًا على طبيعة حرفهم أو مهنهم، أما العمالة الموسمية “الأرزقية” فيدخلون تحت فئة غير القادرين، سواء كانوا من الحاصلين على معاش تكافل وكرامة، أو تقدموا بطلب إلى هيئة التأمين الصحي الشامل لإثبات كونهم تحت معدلات الفقر، لافتًا إلى أن هناك ست فئات معفاة من رسوم الاشتراكات، إلا أن غالبية المواطنين لا يعلمون ذلك، لنقص المعلومات المتوفرة للجمهور والعاملين في الهيئة من ناحية، وصعوبة إجراءات إثبات أن المواطن من غير القادرين، التي تتضمن الحصول على برنت تأمينات وبحث اجتماعي من جمعية أهلية، وبالتالي لا يشتركون في الخدمة.
تنص المادة (41) من اللائحة التنفيذية لقانون التأمين الصحي الشامل، المنشورة في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 مايو 2018، على أن تتولى وزارة التضامن الاجتماعي تحديد أعداد وبيانات غير القادرين، بمن فيهم المتعطلين عن العمل غير القادرين وغير المستحقين أو المستنفذين لمدة استحقاق تعويض البطالة، وكذلك كل فرد من أفراد أسرهم المعالين. وكان قد صدر في 28 نوفمبر 2023، قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 4586 لسنة 2023، بشأن تحديد غير القادرين وضوابط إعفائهم من أعباء نظام التأمين الصحى الشامل، والذي تضمن: الفرد أو الأسرة المستحقين لبرامج تكافل وكرامة والضمان الاجتماعي ومعاش الطفل، الفرد أو رب الأسرة المتعطل عن العمل غير القادر وغير المستحق أو المستنفد لمدة استحقاق تعويض البطالة، وكذلك كل فرد من أفراد الأسرة المعالين، والفرد أو رب الأسرة من فاقدي الرعاية الأسرية القاطنين بمؤسسات الرعاية الاجتماعية والصحية وليس لهم عائل أو دخل، مع شمول الاطفال والكبار بلا مأوى والأطفال المكفولين بالأسر البديلة، والفرد أو رب الأسرة من ذوي الإعاقة العاجزين عن الكسب وليس لهم مصدر دخل بما لا يتعارض مع قانون حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة المشار إليه، وكذلك كل فرد من أفراد الأسرة المعالين، الأفراد والأسر القاطنين في مناطق جغرافية محددة الذين يتعرضون موقتًا لكارثة طبيعية أو من صنع الإنسان، والفرد أو رب الأسرة الذي لا يكفي متوسط إجمالي دخله للوفاء باحتياجاته أو احتياجات الأسرة الأساسية.
ويُرجع المسؤول الذي رفض ذكر اسمه، أزمة مديونيات اشتراكات التأمين الصحي الشامل إلى وجود فئات من المشتركين الذين يفترض بهم تسديد الاشتراكات بأنفسهم ولا يتم خصمها من رواتبهم لكونهم ليسوا موظفين مؤمن عليهم، ولم يكونوا على دراية بوجود رسوم يجب سدادها لتجديد الاشتراكات، بجانب تغير الحالة المادية لبعض المواطنين وتركوا عملهم أو انتقلوا من مكان سكنهم، مضيفًا أن الهيئة لم تصدر قرار بوقف الربط الحكومي للمواطنين الذين لم يسددوا اشتراكاتهم، ومنعهم من تجديد بطاقات الهوية ورخص القيادة وتسجيل الأبناء في المدارس، لكن بعض المحافظين هم من وجهوا بذلك، وهو إجراء غير قانوني.
وفي الوقت الذي يرى فيه بعض القانونيين والخبراء في النظم الصحية عدم مشروعية إجراء حرمان المواطنين من خدمات الربط الحكومي لحين سداد اشتراكات التأمين الصحي الشامل، فإن خبراء آخرون يعتقدون أنه إجراء قانوني يهدف لردع الأثرياء المتهربين من الدفع، بينما يمكن لغير القادرين اللجوء إلى وزارة التضامن الاجتماعي، وهو ما يجعل المواطنين بين ناري بيروقراطية إجراءات إثبات فقرهم أو تحمل أعباء مادية تثقل كاهل أسرهم، كي لا يتعرضوا للحرمان من خدمات الربط الحكومي.