عطش شمال سيناء: أزمة مياه تمتد وتتمدَّد

يعاني سكان العريش والشيخ زويد ورفح من انقطاع المياه منذ أكثر من أربعة أشهر، بعد توقف الإمدادات من خط المياه العذبة وتعثّر محطات التحلية، ما اضطرهم للاعتماد على صهاريج وآبار غير خاضعة للرقابة.

محمد سلمان 

في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، لم تعد أزمة المياه مجرد مسألة خدمية أو موسمية. فمنذ أكثر من أربعة أشهر، يعيش قرابة نصف مليون مواطن في شمال سيناء تحت وطأة انقطاع المياه العذبة، بعد توقف خط “1000” المغذي للمنطقة، وتعثّر محطات التحلية البديلة.

بين شهادات مرضى، وتصريحات مسؤولين، وصهاريج مياه بلا رقابة، يكشف هذا التحقيق كيف تحوّلت أزمة المياه إلى خطر صحي واقتصادي يهدد الحياة اليومية، وسط غياب حلول مستدامة.

 

بداية الحكاية من حي السبيل

منذ أوائل فبراير الماضي، لم تجد زهراء (23 عامًا) ووالدتها، المقيمتان في حي السبيل جنوب مدينة العريش، بديلًا عن مياه الصهاريج – وهي خزانات متنقلة تنقل المياه عبر شاحنات أو عربات صغيرة – التي يعتمد عليها معظم سكان المدينة بعد انقطاع مياه الشرب عن مدن العريش والشيخ زويد ورفح. لكن بعد ثلاثة أسابيع من الاعتماد على هذه المياه، أصيبتا بألم حاد في المعدة وإسهال شديد، استدعى نقلهما إلى مستشفى العريش العام، حيث شُخِّصت حالتهما بالنزلة المعوية وخضعتا للعلاج لمدة ثلاثة أسابيع.

تقول زهراء لـ زاوية ثالثة: “نجوت من الموت بأعجوبة. الطبيب حذرني من شرب مياه الصهاريج، وأكد أنها السبب وراء إصابتي. ما زلت أعاني من آلام في المعدة، وأخشى أن أتعرض للأذى مجددًا”.

الأزمة التي مرت بها زهراء ووالدتها لم تكن استثناءً، إذ يعيش سكان شمال سيناء – في مدن العريش والشيخ زويد ورفح – ظروفًا مشابهة، بعد توقف إمدادات مياه النيل التي كانت تصلهم عبر خط الـ1000 القادم من مدينة القنطرة شرق قناة السويس. ووفق بيانات الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بشمال سيناء، فإن الخط – الذي كان يغذي نحو نصف مليون نسمة – أُغلق، واستُعيض عنه بمحطات تحلية مياه البحر. لكن هذه المحطات توقفت عن العمل بسبب نقص مواد أساسية في تنقية المياه، بحسب ما أفادت به مصادر لـ زاوية ثالثة.

نتيجة لهذا التوقف، اضطر الأهالي إلى الاعتماد على مصادر بديلة، مثل مياه الآبار غير المعالجة وصهاريج مياه مجهولة المصدر، لا تخضع لأي رقابة صحية من مديرية الصحة أو الشركة القابضة، ما أدى إلى انتشار أمراض معوية ومهبلية، خصوصًا بين النساء.

وفي الشهر الرابع من الأزمة، بات الأهالي يشترون الجركن سعة 10 لترات من المياه المفلترة من الباعة بسعر 10 جنيهات، أو يلجؤون إلى صهاريج تجلب المياه من الآبار الجوفية، رغم عدم خضوعها لأي فحص صحي. ورغم حداثة إنشاء محطات التحلية، لا تزال خارج الخدمة، لأسباب مجهولة بالنسبة للسكان، في وقت تتزايد فيه الإصابات نتيجة شرب مياه غير صالحة للاستخدام الآدمي.

 

نوصي للقراءة: “صُنع في إسرائيل”.. منتجات مُهرّبة تُباع عَلَنًا في أسواق شمال سيناء

شهادات شعبية ومطالب بالمساءلة

في حي المساعيد بمدينة العريش، يصف الناشط المجتمعي إبراهيم الكاشف لـ زاوية ثالثة معاناة الأهالي في الحصول على مياه شرب نظيفة، متسائلًا عن مصير ملايين الجنيهات التي خُصصت – بحسبه – لتجديد محطات المياه والمواسير، ومتهمًا مسؤولي شركة مياه الشرب بعدم الاكتراث بالمواطنين.

يقول الكاشف: “السيارات تحمل جراكن وبراميل وتتجه إلى الآبار الجوفية لتعبئة المياه. هذا المشهد وصمة عار في جبين المسؤولين. كل ما نطلبه هو حل حقيقي لأزمة المياه التي تجاوزت كل الحدود، وتسببت في أمراض كثيرة، خاصة بين كبار السن والأطفال والنساء”.

من جانبه، يقول المهندس سليمان العماري، الرئيس الأسبق لجهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة بشمال سيناء، إن رئيس شركة المياه والصرف الصحي، وهو المسؤول عن محطة تحلية مياه البحر، يرفض الحضور إلى المحافظة “خشية من غضب الأهالي” على خلفية الانقطاع المستمر للمياه، مؤكدًا وجود عيوب في تصميم وتشغيل المحطة تسببت – بحسب تعبيره – في توقفها عن العمل.

ويضيف العماري أن “المياه غير صالحة للشرب أو الطهي، ورغم ذلك فهي غير متوفرة أصلًا. المسؤولون غائبون، ولا يخرج أحد منهم لشرح أسباب توقف المحطات. هذا عبث وتكبر ويجب محاسبة المسؤولين عنه”.

أما المواطن حسن سلامة السواركة، فيسأل: “كيف ينام المسؤول مطمئنًا ومحافظة بأكملها عطشى؟ أين نواب البرلمان – في مجلسي النواب والشيوخ – من واقع أن سكان القرى والمدن من الغرب إلى الشرق يشربون من آبار ملوثة وآسنة؟ هل هناك أزمة أخطر من حرمان عشرات آلاف الأسر من المياه، في ظل أوضاع اقتصادية خانقة وأسعار ملتهبة؟ هل ينتظرون حتى يموت الناس عطشًا؟”

ويتابع سلامة: “ما دور المسؤولين؟ ولماذا تتقاعس شركة مياه تمتلك رأس مال بملايين عن تأمين المياه للمواطنين، سواء للشرب أو للاستخدام المنزلي؟ لقد شارفنا على نهاية الشهر الثاني من الانقطاع، وخطوط المياه لا تنقل شيئًا سوى الهواء في ظل غياب كامل للمياه”.

المعاناة متعددة الأوجه التي يعيشها سكان مدينة العريش مرتبطة – وفق ما يوضحه الناشط محمد حجاج، أمين حزب التجمع بشمال سيناء – بمحطة الكيلو 17 الواقعة في المدخل الغربي للمدينة، والتي تُعد المصدر الرئيسي لمياه مدن العريش والشيخ زويد ورفح. ويقول حجاج إن الانقطاع الكلي بدأ منتصف سبتمبر الماضي، وأجبر الأهالي على شراء جالونات مياه الشرب من سيارات “بيك أب” تجوب الشوارع، أو اللجوء إلى صهاريج تنقل المياه من آبار جوفية راكدة في مناطق صحراوية خارج المدن، دون رقابة صحية.

 

نوصي للقراءة: عزلة سيناء في مواجهة الغلاء: انعكاسات الأزمة الاقتصادية على واقع المواطنين

مياه الصهاريج – بين الندرة والخطر

يقول محمد حجاج، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إن سعر متر المياه التي تنقلها سيارات الصهاريج ارتفع إلى نحو 200 جنيه مصري، بسبب استمرار انقطاع مياه الشرب المحلاة بعد خروج محطات التحلية عن الخدمة. ويشرح أن سعة الصهريج الواحد تبلغ حوالي 12 مترًا مكعبًا، ويتشارك سكان البنايات في دفع تكلفته وفقًا لحاجتهم وسعة الخزانات المثبتة على أسطح المباني، ما يضيف عبئًا ماليًا كبيرًا على المواطنين، الذين يواصلون دفع فواتير المياه المرتفعة رغم الانقطاع، دون أي مراعاة من الشركات لفترات التوقف.

من مدينة الشيخ زويد، يوضح المواطن سلام المعني أن مياه الصهاريج تُعبّأ من آبار جوفية يملكها أفراد في المناطق الصحراوية المحيطة، خاصة في الظهير الصحراوي الممتد بين العريش والشيخ زويد ورفح. وتُوزع المياه بعد ذلك على السكان مقابل أجر يختلف بين صهريج وآخر، وغالبًا ما يتفق السائقون على سعر موحد يزداد مع تفاقم الأزمة، في ظل غياب تام لأي رقابة على الأسعار.

ويضيف المعني أن بعض الصهاريج غير مؤهلة لنقل المياه الصالحة للشرب، إذ يستخدم بعضهم خزانات قابلة للصدأ أو خزانات كانت مخصصة للمحروقات وتم تنظيفها لاحقًا لاستخدامها في توزيع المياه. كما أن الكثير من أصحاب الصهاريج ومالكي الآبار لا يلتزمون بتعقيم المياه أو إضافة المواد المطهرة، خشية تلف الصهريج أو تغيّر طعم المياه، مما يعرّض الأهالي لمخاطر صحية جسيمة.

ويشير أحمد سامي، تاجر خضروات في سوق الرفاعي بمدينة العريش، إلى أن مئات الصهاريج تدخل يوميًا إلى مدن شمال سيناء لتغطية احتياجات السكان. وعلى الرغم من أن سعر الخزان الواحد – سعة 1000 لتر – يصل أحيانًا إلى 200 جنيه، فإن الأهالي مضطرون للاعتماد عليها باعتبارها البديل الوحيد بعد توقف المحطات.

وفي محاولة للتخفيف من الأزمة، توزع جمعيات ومؤسسات أهلية في مدينتي الشيخ زويد وجنوب رفح خزانات مياه سعتها بين 10 و25 برميلًا للشرب في كل حي أو قرية. لكن هذه المبادرات تبقى غير كافية لتغطية جميع السكان، ولا تزال المياه المشتراة من الصهاريج هي المصدر الأكثر استخدامًا.

من جانبه، يؤكد الناشط محمد الخليلي، من مدينة العريش، أن أزمة نقص المياه بدأت فعليًا منذ عام 2020 مع إغلاق خط المياه العذبة القادم من غرب قناة السويس إلى محطة القنطرة شرق، والذي كان يغذي مدن شمال سيناء. وأشار إلى أن الحكومة أنشأت عدة محطات لتحلية مياه البحر، تضخ المياه عبر أنابيب عملاقة إلى المدن، لكن المياه الناتجة عنها ذات رائحة وطعم مختلف، وتميل إلى الاصفرار مقارنة بمياه النيل.

 

نوصي للقراءة: من يحمل مفاتيح معبر رفح؟.. تجار الحروب ينشطون في استغلال العالقين في غزة

المستشفيات تتعامل مع تداعيات الأزمة الصحية

يؤكّد الدكتور أحمد حسان، طبيب الأمراض الباطنية بمدينة العريش، أن مياه الصهاريج الملوثة تمثل خطرًا مباشرًا على صحة المواطنين، خاصة في فصل الصيف، لما تسببه من التهابات معوية، تصل أحيانًا إلى الإصابة بالكوليرا. ويرى حسان أن هذه المياه، إلى جانب مياه التحلية، تُعد من العوامل الأساسية في تفشي الأمراض المعوية، مؤكدًا أن بعض الحالات قد تتدهور إلى درجة الوفاة إذا لم تُعالج في الوقت المناسب.

ويكشف طبيب آخر يعمل في مستشفى العريش العام – فضّل عدم الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية، وتمت الإشارة إليه باسم مستعار “أحمد إبراهيم” – أن قسم الطوارئ استقبل خلال الشهر الجاري أكثر من 45 حالة من العريش والشيخ زويد، ثبت إصابتها بنزلات معوية حادة، توفيت منها حالتان نتيجة التأخر في تلقي العلاج. وأوضح أن شهادات الوفاة لم تذكر السبب الحقيقي، وسُجلت كوفاة بسبب “جرثومة بالمعدة”.

ويضيف الطبيب أن الحالات المتبقية تماثلت للشفاء وغادرت المستشفى، بينما استمرت حالات أخرى في التوافد على قسم الطوارئ مصابة بأعراض مشابهة، لم تُحتجز بسبب عدم وجود فحوص تثبت العلاقة المباشرة بينها وبين تلوث المياه، رغم اعتماد أغلبها على صهاريج المياه بعد توقف محطات التحلية.

خلال زيارة أجراها مراسل زاوية ثالثة إلى مستشفى العريش العام، لوحظ وجود عشرات الأطفال المصابين بإسهال حاد، وفقًا لتصريحات ذويهم، بالإضافة إلى عدد أقل من المصابين بين البالغين. غير أن مدير المستشفى، الدكتور أحمد منصور، رفض تزويد المراسل بأي معلومات رسمية، مبررًا ذلك بـ”دواعٍ أمنية”.

كما امتنع الدكتور أحمد سمير، مدير مديرية الصحة بشمال سيناء، عن تقديم توضيحات، مكتفيًا بالقول إن الحالات التي استقبلتها المستشفيات “شُخِّصت لاحقًا على أنها التهابات حادة بالأمعاء”، نافياً وجود حالات نزلات معوية. إلا أن ممرضة تعمل في المستشفى – فضّلت عدم ذكر اسمها – قالت لـ زاوية ثالثة إنها تابعت بنفسها عشرات الحالات، معظمها من النساء والأطفال، عانوا من نزلات معوية سببها شرب مياه ملوثة من صهاريج غير خاضعة للرقابة.

في السياق ذاته، تواصل السيدة “أم حسام” (42 عامًا)، المقيمة في مدينة الشيخ زويد، معاناتها مع نوبات حادة في الكلى تعرف محليًا باسم “كريزات الرمل”، وتتردد بشكل دوري على عيادات الأطباء. وتقول إنها تلقت تأكيدًا من طبيبتها بأن للمياه الملوثة علاقة مباشرة بإصابتها، لا سيما في ظل انتشار الالتهابات النسائية.

تؤيد هذا الرأي الطبيبة حسناء رمزي، أخصائية أمراض النساء والتوليد في مدينة العريش، التي تشير إلى أنها تستقبل يوميًا حالات لسيدات يعانين من التهابات مهبلية وبولية، وبعض حالات الرمل الكلوي، نتيجة شرب مياه الصهاريج غير المعقّمة. وتوضح أن البكتيريا والجراثيم المتراكمة في هذه المياه، الناتجة عن توقف محطات التحلية، هي السبب المباشر في هذه الإصابات.

 

الغلي، المياه المعدنية، والبدائل المستحيلة

رغم الانتشار الواسع لعبوات المياه المعدنية في مدن العريش والشيخ زويد ورفح، والتي ينصح الأطباء بالاعتماد عليها كمصدر رئيسي للشرب، خاصة لمن يعانون من أمراض مزمنة مثل التهابات الأمعاء أو مشكلات في الكلى. لكن أسعار هذه المياه المرتفعة تجعلها خيارًا بعيد المنال لكثير من الأسر.

تبلغ تكلفة العبوة الواحدة (سعة 1.5 لتر) بين 10 و12 جنيهًا، وهو ما يعني أن الأسرة التي تحتاج إلى 10 عبوات يوميًا، تنفق ما يتراوح بين 100 و120 جنيهًا في اليوم الواحد – أي ما يعادل أكثر من نصف الدخل اليومي للعامل الذي لا يتجاوز أجره اليومي 200 جنيه في أفضل الأحوال.

ويؤكد سكان تحدثوا إلى زاوية ثالثة أن الأزمة لا تطال فقط الطبقات الفقيرة أو المتوسطة، بل تمتد أيضًا إلى بعض ميسوري الحال الذين لا يفضلون الاعتماد على المياه المعدنية بشكل دائم بسبب طول أمد الأزمة، وعدم وضوح موعد لانتهائها.

في الوقت ذاته، يُضطر المرضى – خصوصًا مرضى الكلى والمصابون بأمراض مزمنة أو من يعانون من التهابات متكررة – إلى شراء أكثر من عبوة يوميًا لكل فرد، خوفًا من الانتكاسة الصحية في حال العودة لاستخدام المياه الملوثة.

تقول زهراء، التي أنهت مؤخرًا رحلة علاج من نزلة معوية تسببت بها مياه صهاريج ملوثة: “لا يستطيع والدي شراء المياه المعدنية بانتظام، رغم أن الأطباء يوصون بها. يضطر لتقليل المصروف على الطعام لتوفير 5 إلى 8 زجاجات يوميًا لي ولإخوتي. الخبز لن يمرضنا، لكن المياه قد تقتلنا”.

في ظل هذه المعاناة، يلجأ معظم السكان إلى غلي مياه الصهاريج قبل شربها، في محاولة لتعقيمها وتفادي الإصابة بالأمراض. وتقول نساء تحدّثن إلى زاوية ثالثة إن بعضهن أصبن بالتهابات مزمنة جعلتهن يتجنبن حتى الاستحمام بمياه الصهاريج، ويقمن بغليها قبل استخدامها تفاديًا لتفاقم حالتهن الصحية أو انتقال أمراض جديدة.

ومع استمرار الأزمة وانعدام حلول مستدامة، تزداد معاناة الأهالي، الذين يجدون أنفسهم بين كلفة مادية مرهقة ومخاطر صحية داهمة، وسط غياب حلول حكومية فعالة.

 

الرواية الرسمية، الأعطال، ووعود الحلول

في ظل تفاقم الأزمة، دعا المحامي والناشط الحقوقي سليمان زايد السلطات المحلية، وعلى رأسها اللواء دكتور خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، إلى اتخاذ قرار عاجل بإعادة تشغيل خط المياه العذبة المعروف بـ”خط 1000″ بشكل كامل وفوري، والضغط على الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي لتفعيل مسؤولياتها، مع اعتبار محطات تحلية مياه البحر حلولًا طارئة في حال تعطل خطوط مياه النيل.

وأكد زايد في حديثه إلى زاوية ثالثة على أهمية فرض رقابة صارمة على صهاريج المياه التي تنقل المياه إلى السكان في ظل خروج محطات التحلية عن الخدمة، وتزويدها بمواد التعقيم، لتأمين وصول مياه نقية وآمنة إلى سكان العريش والشيخ زويد ورفح حتى تجاوز الأزمة.

من جانبه، أوضح المهندس ياسر العماري، مدير المتابعة بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف الصحي بشمال سيناء، أن خط 1000 لم يُلغَ، بل يعمل بشكل جزئي، ويضخ يوميًا نحو 15 ألف متر مكعب إلى مدينة العريش. وذكر أن محطة التحلية الواقعة في الكيلو 17 تم ربطها بهذا الخط، مما يجعل المياه الواصلة إلى المدينة مياهًا عذبة سواء مصدرها البحر أو النيل.

وأشار العماري إلى أن سبب الانقطاع الحالي يعود إلى عطل مفاجئ في محطة الكيلو 17، وهي المحطة الرئيسية التي تضخ المياه إلى العريش والشيخ زويد وجنوب رفح. وبيّن أن شرق العريش يضم خمس محطات لتحلية مياه البحر، إلى جانب 18 محطة لتحلية الآبار الجوفية. وتعد محطة السكادرة 1 بالشيخ زويد، التي بدأت العمل عام 2014 بطاقة 5000 متر مكعب يوميًا، أولى هذه المحطات، تلتها عدة محطات أخرى في رفح والمساعيد والريسة.

وأضاف أن معظم محطات التحلية متوقفة حاليًا لإجراء عمليات الغسيل الكيميائي، إلى جانب النقص الحاد في مادة “الكالسايت” المستوردة والمكلفة، ما اضطر الشركة إلى استخدام مواد بديلة محلية لا تزيل اللون الأصفر الناتج عن تفاعل المياه مع المواد الكيميائية.

وأوضح أن محطة الكيلو 17 – التي تُعد الأكبر في الشرق الأوسط – لم تستكمل مراحلها الثلاث بعد، وأن انخفاض إنتاجها يرجع إلى عدة عوامل، من بينها ارتفاع نسبة العكارة في مياه البحر، وعدم استقرار الكهرباء، وارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة.

في السياق ذاته، تحدث فهيم تادروس، مدير المشروع في تحالف “أوراسكوم – ماتيتو” المنفذ لمحطة الكيلو 17، مؤكدًا أن المحطة تعتمد على أحدث تقنيات المعالجة عالميًا، وتبدأ مراحل الإنتاج بسحب المياه من البحر، مرورًا بالفلاتر الرملية، ثم الدقيقة، تليها وحدات التحلية لنزع الأملاح، وانتهاءً بالمعالجة النهائية والتخزين.

وأشار تادروس إلى أن المحطة صُممت لتغطية احتياجات أكثر من مليون ونصف المليون مواطن، وتمثل طفرة في استغلال الموارد وتوفير المياه على مدار 24 ساعة، بشرط استمرار أعمال الصيانة وعدم تعطّل خطوط الضخ.

من جهته، أكد اللواء خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، في تصريح لـ زاوية ثالثة، أنه زار محطة الكيلو 17 للوقوف على أسباب توقف الضخ، موضحًا أن السبب يعود إلى عطل كبير في إحدى الطلمبات، ما أجبر فرق التشغيل على إيقافها تجنبًا لانفجار الخط الرئيسي. وبيّن أن الجهود جارية بالتنسيق مع رئيس الشركة القابضة، المهندس ممدوح رسلان، لإصلاح العطل واستئناف الضخ.

وأشار المحافظ إلى أن محطة الكيلو 17 تقع على بعد 20 كم من مدينة العريش، و45 كم من الشيخ زويد وجنوب رفح، وأنه يتم حاليًا توزيع المياه على الأحياء والتجمعات السكنية عبر صهاريج متنقلة، بشكل مؤقت إلى حين عودة المحطة للعمل بكامل طاقتها.

 

محمد سلمان 
صحفي ومراسل زاوية ثالثة من سيناء

Search