حياة الماعز.. صورة مصغرة لمعاناة العمال المصريين؟

العمالة المصرية في السعودية تواجه تحديات كبيرة تحت نظام الكفالة، بما في ذلك الاستغلال، الاحتجاز غير القانوني، والتهديد ببلاغات الهروب، على الرغم من الإصلاحات المعلنة لتحسين ظروفهم
Picture of شيماء اليوسف

شيماء اليوسف

أثار فيلم حياة الماعز، وهو دراما هندية مستوحاة من قصة حقيقية، ضجة واسعة عند عرضه بسبب ما يطرحه من قضايا حساسة حول نظام الكفالة في دول الخليج، وتحديدًا في المملكة العربية السعودية. تدور أحداث الفيلم حول عامل هندي مهاجر يُدعى “نجيب”، يسافر إلى السعودية بحثًا عن حياة أفضل وفرصة لتأمين مستقبل أسرته، إلا أنه يتعرض لخديعة كبيرة حيث يتم استغلاله من قبل كفيله الذي يأخذه إلى الصحراء القاحلة ليعمل راعي غنم في ظروف قاسية. 

يعيش نجيب سنوات طويلة في العبودية، ويتعرض للضرب والحرمان من الطعام والشراب، ويحاول مرارًا وتكرارًا الهرب دون جدوى، حيث يصور الفيلم بشكل مؤثر معاناة نجيب النفسية والجسدية وكيف تمكن من الصمود والبقاء على قيد الحياة في ظل هذه الظروف القاسية. 

أوضح مركز الخليج لسياسات التنمية في ورقة بحثية أن نظام الكفالة المعمول به في دول مجلس التعاون الخليجي، يضع الكفيل أمام مسؤولية قانونية عن العمال الذين استقدمهم، حتى عودتهم إلى أوطانهم. وبناء عليه؛ فإن جوهر نظام الكفالة يتمثل في تفويض الدولة السلطة على حق الوافد لدخول الدولة والعمل فيها إلى المواطن صاحب العمل. وقد نشأ هذا النظام خلال حقبة الاستعمار البريطاني في الخليج، بداية من البحرين ثم الكويت في الفترة من عشرينات القرن الماضي (1928) إلى السبعينات، ثم امتدت إلى باقي دول الخليج.

قوبل الفيلم برفض واسع من بعض السعوديين الذين اعتبروه محاولة من دول منافسة للإساءة إلى سمعة حكومة الرياض؛ لكن شهادات واسعة انطلقت على منصات التواصل الاجتماعي، رصدت حالة من الغضب من عمال مروا سابقًا بتجربة العمل في إحدى دول الخليج؛ خاصة المملكة العربية السعودية، واصفين المصاعب التي واجهوها بسبب نظام الكفالة.

نوصي للقراءة: مشاريع هيئة الترفيه السعودية:ستنعش السينما المصرية أم ستُغرقها؟

 

بين النقد الفني والانتقادات الحقوقية

بعد انتشار فيلم “حياة الماعز”، أعرب العديد من المصريين على مواقع التواصل الاجتماعي عن غضبهم تجاه رئيس هيئة الترفيه السعودية، تركي آل الشيخ، الذي كان يرغب سابقًا في إنتاج فيلم يصور المصريين كمحتالين. بينما رأى آخرون أن الفيلم قدم تصويرًا دقيقًا لنظام الكفالة “الاستعبادي” الذي يهين إنسانية العامل. في المقابل، انتقد بعض المصريين صانعي الفيلم ووصفوه بالمبالغة، مشيرين إلى أن لكل نظام عمل ميزاته ومساوئه، وأن السعوديين يظلون أشقاء عرب. من جانبه، علق عادل حنفي، نائب رئيس الاتحاد العام للمصريين في السعودية، بأن المملكة تتعامل مع جميع الوافدين بإنسانية.

في سياق متصل، رأت الناقدة الفنية ماجدة خير الله أن نجاح فيلم “حياة الماعز” يعود إلى اعتماده على رواية قوية ورؤية فنية متماسكة، إذ قدم قصة استعباد عامل وانتهاك حقوقه وإنسانيته بشكل غير قانوني. وأضافت أن قيمة العمل الفني تكمن في تأثيره الإيجابي على المجتمع. وأكدت: “يجب تقييم الفيلم بناءً على المادة الفنية ذاتها بدلاً من الشماتة أو ربطه بمحاولات تركي آل الشيخ لجعل السعودية مركزًا لصناعة الفن. من حق المملكة أن تسعى لتحسين صورتها والتخلص من الفكر الرجعي الذي أخر تقدمها.”

لم تكن هذه المرة الأولى التي تثار فيها انتقادات واسعة حول معاملة العمالة الوافدة في السعودية، حيث أصدرت مؤسسات حقوقية محلية ودولية تقارير تدين الممارسات المتبعة في نظام الكفالة، الذي يتهم بتسهيل استغلال العمالة الوافدة والاتجار بالبشر.

في عام 2019، أشار تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن السلطات السعودية اتخذت قرارات أسهمت في تدهور الحالة الإنسانية والمعيشية للعمال الوافدين، مما يتعارض مع معايير العمل الدولية. وأدى ذلك إلى انخفاض عدد العمالة الوافدة من 12 مليونًا في عام 2017 إلى نحو 10 ملايين في عام 2019.

وذكر التقرير زيادة رسوم الإقامة وسياسة الترحيل القسري، بالإضافة إلى سوء المعاملة في مراكز الاحتجاز. وأوضح أن معظم ما يكسبه العامل الأجنبي في السعودية يُنفق على رسوم الإقامة والخدمات الأساسية، خاصة مع حرمان العديد منهم من رواتبهم لأشهر طويلة، واستخدام بطاقات الإقامة كوسيلة ضغط عليهم للقبول بشروط العمل القاسية خوفًا من الطرد والترحيل.

وفي عام 2004، حذرت منظمة هيومان رايتس ووتش من الانتهاكات التي يتعرض لها العمال الأجانب في السعودية، مشيرة إلى أنهم يواجهون صنوفًا من التعذيب وانتزاع الاعترافات قسرًا، بالإضافة إلى المحاكمات الجائرة عند اتهامهم بارتكاب الجرائم. ووصف التقرير الظروف التي يعيشها العديد من هؤلاء العمال بأنها أشبه بالعبودية، مع تجاهل السلطات السعودية لهذه الانتهاكات المنهجية.

وفي بيان صدر في يوليو الماضي، أكدت المنظمة أن العمال الوافدين لا يزالون يواجهون قيودًا في تغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد. وأوضحت أن العمال يستمرون في دفع رسوم توظيف باهظة يتحملها أصحاب العمل قانونًا، وأن العمال المنزليين يظلون من الفئات الأقل حماية والأكثر عرضة للانتهاكات. كما حذرت المنظمة من مخاطر الإجهاد الحراري الناتج عن العمل في درجات حرارة مرتفعة. زاوية ثالثة، تحدثت مع عدد من العمال المصريين الذين خاضوا تجربة نظام الكفالة في السعودية، ووثقت شهاداتهم حول ما تعرضوا له من تجارب.

نوصي للقراءة: هل تغيّرت السعودية؟.. المسيحيون المصريون يختبرون حدود الانفتاح الديني 

صورة من فيلم حياة الماعز

محمد حسن، 34 عامًا، يعمل خبازًا، سافر إلى السعودية في عام 2012 للعمل مع صاحب مطعم سعودي بموجب عقد عمل رسمي. بعد فترة من العمل، نشب خلاف بينه وبين الكفيل، الذي تعدى عليه جسديًا واحتجز راتبه، مما دفع حسن للتشاجر معه بسبب حاجته الماسة للمال لإعالة أسرته.

تصاعد الخلاف بينهما إلى درجة أن الكفيل حرر ضد حسن بلاغ هروب، واستعان بمعارفه في مناصب سيادية، مما أدى إلى سجنه دون وجه حق. يروي حسن لزاوية ثالثة: “الكفيل اتصل بأمي مهددًا إياها بأنني قد أظل مسجونًا مدى الحياة، مما جعلها تتوسل إليه لإطلاق سراحي وإعادتي إلى القاهرة.”

لم يجد حسن مخرجًا سوى الهروب من السجن بعد دفع رشوة مالية جمعتها عائلته بصعوبة. تمكن من الهروب إلى اليمن، ومن هناك عاد إلى مصر، لكنه بقي مديونًا لعائلته لمدة عام لتسديد الأموال التي استخدموها لمساعدته في الهروب.

بسبب الهروب، تم تسجيل مخالفة قانونية ضد حسن. وفي عام 2022، تلقى عرض عمل جديد في السعودية، ولكن عندما ذهب إلى السفارة السعودية في مصر، اكتشف أنه ممنوع من العمل هناك بسبب البلاغ السابق، ولن يُسمح له بالسفر إلى السعودية إلا لأداء الحج أو السياحة.

 

الدفع أو الترحيل

وفقًا للقوانين السعودية المتعلقة بالعمل والعمالة الوافدة، يعد العمل عند غير الكفيل مخالفة قانونية جسيمة. تصل عقوبتها إلى إلغاء إقامة الوافد وترحيله، مع منعه من دخول السعودية لمدة لا تقل عن عامين. كما يواجه الكفيل، صاحب العمل، عقوبات تشمل إيقافه لعدة سنوات وغرامة تتراوح بين عشرة آلاف إلى 100 ألف ريال سعودي.

محمود عبد الحميد، الذي يعمل في مجال المقاولات بالسعودية منذ أربع سنوات، يعمل لدى جهة أخرى غير كفيله. ورغم ذلك، يفرض عليه كفيله “إتاوة” شهرية بقيمة 300 ريال سعودي (3902 جنيه مصري)، ويجمع نفس المبلغ من ثلاثة عمال مصريين آخرين يعملون تحت كفالته في وظائف مختلفة.

يقول عبد الحميد قائلاً: “رغم أنني لا أعمل مباشرة مع الكفيل الذي يمثلني قانونيًا أمام الحكومة السعودية، إلا أنني مهدد بالترحيل في أي لحظة إذا تقاعست عن دفع الإتاوة الشهرية. الكفيل يمكنه ببساطة اتهامي بالهروب، مما يجبرني على الدفع لضمان بقائي في السعودية وتأمين مصدر رزقي.”

يجبر الكفيل عبد الحميد على سداد المبلغ المطلوب بطريقة ملتوية، حيث يشتري له السلع الغذائية من سوبر ماركت بدلاً من تحويل الأموال عبر وسائل الدفع الإلكتروني، لتجنب كشف أمره.

تعلق انتصار بدر، المتخصصة في قضايا الحقوق العمالية، على حالة محمود عبد الحميد وغيرها بقولها: “عندما يضطر العامل إلى البحث عن فرصة عمل خارج وطنه بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، يجب أن يسافر بشكل قانوني منذ البداية، وذلك بالحصول على عقد عمل رسمي وموثق من الجهات المختصة في مصر. هذا يضمن له الحماية القانونية في حال تعرضه لأي انتهاك، كالإجبار على دفع إتاوات أو العمل في ظروف غير قانونية.”

 

القانون لا يحمي العمال

على الرغم من سفر العديد من العمال المصريين إلى السعودية بعقود عمل رسمية، إلا أن ذلك لم يمنعهم من مواجهة القسوة والمعاناة بسبب نظام الكفالة. يروي ميدو المصري، الذي سافر إلى السعودية مطلع العام الماضي بعقد رسمي، أن كفيله يجبره على أداء مهام شخصية خارج نطاق وظيفته. وعندما رفض إحدى هذه الأوامر، قام الكفيل بتحرير محضر هروب ضده كوسيلة للضغط، ثم عاد وألغى المحضر بعد تهديده.

رغم معاناة ميدو، إلا أن زميله في نفس المؤسسة واجه وضعًا أسوأ، حيث طلب منه الكفيل مرافقته إلى المصرف. هناك استخدم الكفيل بيانات العامل لفتح حساب بنكي باسمه، واستلم من خلاله مبالغ مالية كبيرة تجاوزت 650 ألف ريال سعودي (8.45 مليون جنيه مصري) خلال عامين. هذه التصرفات جعلت العامل عرضة للمساءلة القانونية، حيث تم اتهامه بغسيل الأموال بعد أن اكتشف البنك أن راتبه الفعلي لا يصل إلى ربع هذا المبلغ.

تلقى العامل رسالة من البنك تطالبه بالحضور لاستفسار عن الفيزا الخاصة بالحساب البنكي المسجل باسمه. عند حضوره، أخبرهم أن الفيزا بحوزة الكفيل، ولكن ذلك لم يمنع البنك من تحرير قضية غسيل أموال ضده. نتيجة لذلك، أعاد الكفيل العامل إلى مصر حيث حكم عليه بغرامة قدرها 50 ألف ريال سعودي (650 ألف جنيه مصري).

عامل مصري آخر كان يعمل محاسبًا لدى نفس الكفيل ويشرف على الحسابات المالية للشركة. عندما ضبطت لجنة من الرقابة مبلغ 250 ألف ريال سعودي (3.25 مليون جنيه مصري) غير مدرج في السجلات الضريبية للشركة، ألقى الكفيل بالمسؤولية على المحاسب، مدعيًا أن المبلغ يخصه، مما عرض المحاسب للمساءلة القانونية.

تعقيبًا على هذه الانتهاكات التي يتعرض لها المصريون في السعودية، أوضح عبد الوهاب خضر، المتحدث الرسمي لوزارة العمل المصرية، أن الوزارة تتعامل مع شكاوى العاملين بالخارج فور وصولها، وتنسق مع السفارات المصرية لحل المشكلات واسترداد حقوق العمال. وشدد خضر على ضرورة أن يتحلى العمال بالشجاعة في الإبلاغ عن الانتهاكات، وتقديم الأدلة التي تدعم شكواهم لمواجهة أصحاب العمل المتجاوزين.

 

تتيح وزارة الموارد البشرية السعودية، إمكانية تقديم الشكاوى من العمال المتضررين من الكفيل السعودي، حالة استخدم سلطته بممارسة أفعال تعسفية ضد العامل، عن طريق تقديم بيانات الشكوى والمستندات الخاصة بها، وتقوم الوزارة بتسوية نزاعات الطرفين بشكل ودي في مكتبها، خلال 21 يومًا من تقديم الشكوى، وعند امتناع العامل عن حضور الجلسات الودية تحفظ الدعوة ولا يحق للعامل فتح الشكوى من جديد، كما يمكن للعامل التقدم بالشكوى عبر مكتب العمل مباشرة.

 

كانت تجربة المصري عصام عبدالله، مع الجلسات الودية غير مرضية، وصدر حكم ابتدائي من المحكمة العمالية بالسعودية، لصالح الكفيل، الذي استقدمه للعمل بالمملكة بعقد رسمي، من خلال مكتب عمل، وصل منتصف أغسطس 2023، واكتشف أن الكفيل استخرج له تصريح خروج نهائي من الدولة دون أسباب، بعدما بلغت حصيلة إنفاقه على السفر قرابة 50 ألف جنيه، وعندما سأل الكفيل عن تداعيات موقفه، رد عليه بعبارة: “لا أريدك”. 

استهدفت استراتيجية 2030، للمملكة العربية السعودية، التي شرعت المملكة في تنفيذها منذ إعلان محمد بن سلمان، وليًا للعهد، توطين قطاعات العمل والمهن المختلفة، وشملت خطة لتوطين الوظائف، بهدف تنمية رأس المال البشري، وأصدر وزارة التنمية والموارد البشرية قراراً بتخصيص 25% من نسبة العاملين بالمنشآت الهندسية وتم تفعيله منذ شهر يونيو المنقضي. 

نوصي للقراءة: لماذا أصبحت مصر وجهة مفضلة للشركات العالمية في مجال التعهيد؟

 

هل أنهت السعودية نظام الكفيل؟ 

طبقت السعودية نظام إلغاء الكفالة منذ منتصف مارس 2021، جاء ذلك ضمن فعاليات مبادرة تحسين العلاقات التعاقدية مع العمال ومنحهم عدد من المزايا التي تساعدهم في تحسين ظروف عملهم، بما يساهم في تحسين سوق العمل السعودي، وطبقت وزارة الموارد البشرية نظام كفالة جديد، يتيح للعامل الانتقال من مؤسسة عمل إلى أخرى بعد انتهاء فترة التعاقد صاحب الأول إلى غيره دون انتظار موافقته، وتظل العمالة المنزلية قائمة على نظام الكفيل الملغي. 

 

واعتبرت تلك المبادرة إحدى مبادرات برنامج التحول الوطني التي تستهدف تطوير بيئة العمل لـ10.43 مليون عامل أجنبي، يمثلون 76.5 % من إجمالي الأيدي العاملة في المملكة، وفقًا لبيانات هيئة الإحصاء السعودية. غير أن الإصلاحات لا تشمل خمس مهن وهي “السائق، والعاملة المنزلية – أعدادهم وصلت إلى نحو 3.7 مليون عامل وعاملة منزلية-، والحارس، والراعي، والبستاني”.

تعقيبًا على تلك الإصلاحات المعلنة، قالت هيومان رايتس ووتش في بيان لها، في مارس 2021، إن الإصلاحات لا تصلح لتفكيك نظام الكفالة المعقد والمُنتَهِك، مردفة: “العاملات وعمّال المنازل والمزارعين، من بين الأقل حماية والأكثر عرضة للانتهاكات، ولم تشملهم قوانين العمل. وتسمح الإصلاحات للعمال الوافدين بطلب تصريح سفر من دون إذن صاحب العمل للمرة الأولى، لكنها لا تلغي تصريح السفر، الذي ينتهك حقوق الإنسان”.

رصدنا في زاوية ثالثة، عددًا من الشكاوى التي أعقبت الإعلان عن بدء إلغاء نظام الكفيل، عبر مواقع التواصل الإلكتروني. إذ اشتكى مصريون من استمرار تعنت الكفيل معهم، ومن الممارسات القمعية وعمليات التهديد التي تلاحقهم، إذ حرر الكفيل السعودي بلاغ هروب ضد المهندس المصري محمد مصطفى، في يناير 2022، الذي إذ كان يعمل معه بمنطقة الدمام، فيما تعنت الكفيل ورفض كل أشكال التصالح معه، وبدوره قام الثاني بالتواصل مع الجهات المسؤولة لمساعدته في حل مشكلته، لكن انتهت محاولاته بالفشل وتم إيقافه عن العمل. 

كما يتداول عمال مصريون شكواهم من الكفلاء عبر مجموعات عامة على مواقع التواصل الاجتماعي، يستخدمون صيغة المنشورات مجهولة الهوية لـ محاذير ومخاوف شخصية، ويتضح فيها أن نظام الكفالة الجديد وإن كان أضعف من سلطات الكفيل على العامل فإنه لم ينهيها كلية، فيظهر أحد الأشخاص يشتكي من مماطلة الكفيل في السماح له بنقل كفالته لشركة أخرى للعمل فيها. 

يستخدم الكفيل سلطة التهديد ببلاغات الهروب التي تتسبب في منع العامل من العمل بالسعودية لمدة تصل من عامين إلى خمس سنوات، وكان هذا النوع من البلاغات شائعًا في ظل نظام الكفالة القديم، ويظهر في شكوى لعامل يدعى كريم، موثقة بتاريخ يونيو 2016، الذي قال إن الكفيل سحب منه مبلغ التأشيرة، و فصله بشكل تعسفي عن العمل، وهدده بتحرير بلاغ هروب ضده، وفي يونيو من العام الجاري، تعرض أبو مازن، للتهديد من الكفيل بتقديم بلاغ هروب ضده إذا لم يتمكن من إيجاد عمل جديد ونقل كفالته إليه. 

يؤكد الفقيه الدستوري عصام الإسلامبولي، خلال حديثه إلى زاوية ثالثة أن عدم وجود ضمانات قانونية تحمي حقوق العامل المصري في السعودية يرجع إلى عقد العقود بين الكفيل والعامل بشكل ودي، خارج وزارة القوى العاملة، التي لا تصبح طرفًا وبهذا لا تملك أي سلطات لحماية حقوق العامل.

 ويضيف: “بنسبة كبيرة قد لا يجد العامل ما تم الاتفاق عليه في العقد، سواء من حيث الراتب أو نفس المهام الوظيفية، إضافة إلى استغلاله في أعمال السخرة”. 

ويشير إلى تراجع دور السفارات المصرية في متابعة المصريين بالخارج وعدم حصول العمال على أي دعم من هذه الجهات ويرى أن السفراء والقناصل مشغولين بمصالحهم الخاصة، ولا يهتمون معاناة المواطن المصري، مؤكدًا غياب دور وزارة الخارجية لحماية المصريين بالخارج، ويضيف: “إذا أدت هذه الجهات دورها سيظل العامل المصري في الخارج محميًا، حماية تشمل تعاقد العمل والمتابعة”. 

نوصي للقراءة: خطة مُحكمة لتوفير الدولار أم استجابة للتوجيهات.. تصدير العمالة المُدرّبة

 

بدائل العمل في الخليج العربي

حسب صحف سعودية محلية فإن العمالة المصرية تنتشر في عدد من المناطق داخل المملكة العربية السعودية، إذ تتصدر الرياض بنحو مليون مصري، بينما تضم مدينة جدة نحو 500 ألف مصري، في حين أن الدمام يسكنها نحو 300 ألف مصري، و200 ألف في مكة، تليها المدينة المنورة بنحو 100 ألف مصري، وينتشر أعداد أخرى من المصريين في عدد من المناطق. وتعد مهن البناء والطب والتعليم والخدمات، أبرز المهن التي يمتهنها مصريون داخل السعودية. بينما وفق تعداد المملكة للعام 2022، فإن المصريين يحتلون المركز الخامس من حيث عدد العمالة الأجنبية في المملكة – بما يشمل الوافدين وذويهم-، إذ قدروا بنحو 10.9% من عدد الأجانب الذين وصلوا إلى نحو 13.33 مليون شخص، وقدرت أعدادهم بنحو مليون و471 ألف مصري/ مصرية.

وفي الوقت الذي بدأت فيه أنظار الشابات/ الشباب المصريين للعمل في أوروبا بديلًا عن دول الخليج، خاصة بعد بدء إجراءات “خلجنة” الوظائف في دول خليجية، منها السعودية، سعت السلطة في مصر، لاستحداث طرق جديدة لتوفير فرص عمل للمصريين في الخارج، عبر برنامج أطلقته وزارة العمل يهدف إلى تصدير العمالة المصرية. وسعت وزارة الهجرة إلى اتفاقيات وشراكات مع الاتحاد الأوروبي، لتدريب وتأهيل الشباب المصري للعمل في داخل الأسواق الأوروبية.

في يونيو الماضي، أعلنت وزارة العمل المصرية عن فتح أسواق جديدة للعمل في دول الاتحاد الأوروبي والبلقان، بالتعاون مع مكاتب تمثيل العمل ووزارة الخارجية. يأتي ذلك من خلال شركات إلحاق العمالة بالخارج (المرخص منها نحو 1400 شركة، حسب تصريح هبة أحمد – مدير إدارة التشغيل بوزارة العمل المصرية).

تشير انتصار بدر، إلى انخفاض الطلب على العمالة المصرية بالنسبة لدول الخليج، إذ بات الطلب عليها ضعيف مقارنة بالماضي ويلجأون إلى استقدام عمالة أسيوية، نظرًا لانخفاض أجورها مقارنة بالعامل المصري. إضافة إلى الاتجاه إلى نظام السعودة الذي يستهدف توطين الوظائف وجعل النسبة الأكبر من العاملين من المواطنين السعوديين.

تضيف: “مؤخرًا إيطاليا طلبت من وزارة العمل المصرية طلب استقدام عدد أربعة آلاف عامل مصري من عمال صناعة الآثاث – نجارين-، ومن المهم أن يقوم الحرفيون بتسجيل أسمائهم وحرفهم في مكتب العمل بوزارة القوى العاملة، حتى يتم تصديرهم للخارج، بشكل قانوني يشمل لهم الرعاية وحفظ حقوقهم القانونية”.

ورغم الإصلاحات المعلنة من الجانب السعودي، ومحاولات السلطة في مصر إيجاد فرص عمل بديلة للمصريين، يتخوف بعض العمال المصريين من التقدم بشكوى ضد أصحاب المؤسسات التي يعملون لصالحها في السعودية، حتى لا يتم تحرير بلاغات ضدهم ومن ثم ترحيلهم. وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة في مصر، مع غلاء المعيشة والتزامات الأفراد المادية، يجبر العاملون على التحلي بالصبر والعمل تحت ضغط، ما يطرح تساؤلًا حول: متى تفتح مصر أسواق الصناعة والإنتاج وخلق فرص عمل بأجور عادلة تحمي المصريين من الاستغلال في الخارج؟

شيماء اليوسف
صحفية مصرية

Search