شهدت الأيام الماضية حالة من الجدل المجتمعي، إثر قيام طبيبة النساء والتوليد، وسام شعيب، بنشر بث مباشر على صفحتها الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي” فيس بوك”، اتهمت خلاله مريضات لديها بالحمل خارج إطار الزواج، داعية الذكور لإجراء تحليل إثبات النسب، للتحقق من نسب أبنائهم، فيما اُعتبر إفشاءً لأسرار المريضات وفرض الوصاية الأخلاقية عليهن ووصمهن اجتماعيًا، إضافة إلى التحريض على العنف ضد النساء، إذ دعت لاستخدام العنف ضد الفتيات بدعوى عدم صلاحية أساليب التربية الإيجابية، ورجم وجلد من يمارسن الجنس خارج إطار الزواج وعدم الاكتفاء بإصدار القضاء لأحكام السجن بحقهن. وإثر الهجوم عليها، خرجت الطبيبة في مقطع فيديو آخر، زاعمة أن غرضها كان توعية الأسر بشأن تزايد حالات الحمل خارج إطار الزواج، وأنها تشعر بالخوف على مصر.
لم تكن هذه الواقعة الأولى للطبيبة العاملة في مستشفى كفر الدوار بمحافظة البحيرة، التي أثارت جدلًا بسبب مقاطع فيديو نشرتها عبر حسابها الشخصي. ففي أكتوبر الماضي، زعمت أن أربع فتيات زرن عيادتها لإجراء كشف عذرية خلال يوم واحد، وهو ما اعتبرته نقابة الأطباء مخالفة طبية وإنسانية وقانونية. كما أفشت أسرار مريضة تعرضت لاعتداء من زوجها باستخدام مادة حارقة، لكنها تهكمت على المريضة بدلًا من إدانة فعل الزوج. بالإضافة إلى ذلك، سخرت الطبيبة من معاناة مريضات يعانين من العدوى التناسلية أو النزيف بسبب حبوب هرمونية، واتهمتهن بمحاولة التهرب من العلاقة الزوجية، وهمّشت آلامهن المتعلقة بمشكلات وسائل منع الحمل مثل اللولب.
لا تعد تلك المرة الأولى التي تعمد فيها طبيبة النساء والتوليد العاملة في مستشفى كفر الدوار بمحافظة البحيرة، إلى نشر مقاطع فيديو توصم خلالها المريضات أخلاقيًا واجتماعيًا، إذ سبق أن قالت في مقطع فيديو نشرته عبر حسابها الشخصي، في شهر أكتوبر المنقضي، إن أربع حالات لفتيات قصدن عيادتها، خلال يوم واحد، لتجري لهن كشف عذرية، ما اعتبرته نقابة الأطباء جريمة طبية وإنسانية وقانونية. كما سبق أن أفشت أسرار حميمية لمريضة لديها وضع زوجها مادة حارقة على جهازها التناسلي، وكتبت الطبيبة نفسها على صفحتها منشورًا تهكمت فيه على المريضة ولم تجرم فعل الزوج، كما همّشت من آلام النساء اللواتي يعانين من العدوى التناسلية أو مشكلات تتعلق باللولب، – أحد وسائل منع الحمل-، واتهمتهن بالتهرب من ممارسة العلاقة الحميمة مع أزواجهن، وسخرت من حالات النزيف لدى مريضاتها اللواتي تعاطين حبوب هرمونية لتأخير الدورة الشهرية لديهن في شهر رمضان.
تُشير لائحة آداب مهنة الطب، رقم 238 لسنة 2003، إلى التزام الأطباء بقواعد صارمة تهدف إلى حماية كرامة الإنسان وسلامته. تنص المادة الأولى على وجوب صيانة حياة الإنسان في جميع الظروف، وحفظ كرامته وكتم أسراره. بينما تؤكد المادة الثالثة على أمانة الطبيب في تقديم الرعاية الصحية للمواطنين.
وتنص المادة 13 على حظر استغلال الطبيب لوظيفته لتحقيق مكاسب شخصية أو مادية. وتشدد المادة 20 على ضرورة معاملة المرضى بشكل متساوٍ وتخفيف آلامهم دون تمييز. كما تمنع المادة 30 إفشاء أسرار المرضى إلا بقرار قضائي أو لتجنب ضرر جسيم قد يصيب الغير. أما المادة 35 فتُلزم الأطباء بتقديم رعاية صحية متساوية للمقيدة حريتهم، وتحظر مشاركتهم في أي أفعال تنطوي على التعذيب أو المعاملة القاسية.
نوصي للقراءة: قتل النساء باسم «الشرف»: هل تستطيع مصر التخلص من هذه الفوضى؟
شكاوى حقوقية وتحرك أمني
تقدمت منظمات مجتمع مدني، من بينها تدوين لدراسات النوع الاجتماعي ومؤسسة قضايا المرأة المصرية، بشكوى رسمية إلى وحدة شؤون المرأة وحقوق الإنسان بالنيابة الإدارية ضد الطبيبة وسام شعيب. تضمنت الشكوى اتهامات بإفشاء أسرار المرضى، التحريض على العنف الأسري، وإطلاق أحكام أخلاقية تتنافى مع قيم الرعاية الصحية. وأكدت الجهات المشتكية أن هذه التصرفات تهدد حقوق النساء والفتيات في الحصول على رعاية صحية آمنة ومحترمة، وطالبت النيابة الإدارية باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان الالتزام بأخلاقيات المهنة وحماية المرضى وسلامة الأسرة.
وأعلن المتحدث باسم النيابة الإدارية، محمد سمير، في بيان، الثلاثاء، أن النيابة الإدارية بكفر الدوار تحقق في واقعة نشر طبيبة نساء وتوليد بمستشفى حكومي مقطع فيديو يتضمن انتهاكًا لحقوق المريضات ومخالفة لآداب مهنة الطب. وأوضح أن مدير النيابة، عاطف الشواربي، أحال الواقعة إلى وكيل النيابة الحسن الصياد للتحقيق.
كما أصدرت النيابة أمرًا بتشكيل لجنة من مديرية الشؤون الصحية بالبحيرة تضم طبيبًا من الطب العلاجي، وعضوًا من إدارة الحوكمة، وآخر من الإدارة القانونية، وطبيبًا من إدارة العلاج الحر. وكُلفت اللجنة بفحص سجلات المستشفى وملفات المرضى حديثي الولادة، بالإضافة إلى معاينة عيادة الطبيبة الخاصة، وإعداد تقرير شامل لعرضه على النيابة تمهيدًا لاستدعاء الطبيبة ومواجهتها بما ورد في الفيديو.
كانت السلطات الأمنية قد ألقت القبض على طبيبة النساء والتوليد العاملة في مستشفى كفر الدوار بمحافظة البحيرة، وسام شعيب، الثلاثاء الماضي، ووجهت لها النيابة العامة في مركز كفر الدوار، اتهامات منها التعدي على المبادئ والقيم الأسرية فى المجتمع المصرى بهدف الإخلال بالنظام العام والإضرار بالسلم، وكذلك نشر أخبار كاذبة تكدر سلم الرأى العام، بالإضافة إلى إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وأمرت بحبسها أربعة أيام على ذمة التحقيقات، قبل أن تقرر، الخميس، تجديد حبسها 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
نوصي للقراءة: قرار يصف مصريات بـ«الفئات الدنيا» ويشترط تصريحًا للسفر إلى السعودية
نقطة في بحر
يوضح المحامي عمرو محمد – مؤسس مبادرة “حقي” المعنية بقضايا العنف القائمة على النوع الاجتماعي-، لزاوية ثالثة، أن المبادرة تقدمت بالاشتراك مع حركات ومؤسسات معنية بقضايا المرأة، ببلاغ الكتروني للنيابة الإدارية ضد طبيبة النساء والتوليد، وسام شعيب، بصفتها طبيبة في مستشفى حكومي، لارتكابها عددًا من المخالفات المهنية أبرزها: إفشاء أسرار المريضات، وصمهن أخلاقيًا، والامتناع عن تقديم الخدمة الطبية، وعدم الإبلاغ عن حالة زواج قاصر أو الاعتداء الجنسي على قاصر، التحريض على كشف العذرية المجرم قانونًا، والعنف ضد المرأة ، مبينًا أن عدد من المحامين والحركات النسوية تقدمت بشكوى ضدها إلى نقابة الأطباء آملين أن يتم اتخاذ إجراء ضدها كالوقف عن العمل أو لفت النظر أو سحب ترخيص مزاولة المهنة، إلا أنهم تفاجئوا بإلقاء القبض عليها والتحقيق معها في النيابة العامة بتهم أخرى كـ مخالفة قيم الأسرة وتكدير السلم الاجتماعي.
ويعتقد مؤسس المبادرة أن مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت نقطة في بحر الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في القطاع الطبي في مصر، والتي تتنوع بين الوصم الأخلاقي وفرض الوصاية على أجساد النساء والامتناع عن تقديم الخدمة الطبية لهن دون موافقة من الزوج أو الأب، لا سيما في حالات استئصال الرحم أو الولادة القيصرية، إضافة إلى وجود حالات قام فيها مقدم الخدمة الطبية بإجراء طبي يخص الصحة الإنجابية للنساء كإجراء عملية ختان أو تعقيم أو إجهاض دون موافقتهن، لافتًا إلى أن واقعة طبيبة كفر الدوار فتحت الباب لحوار مجتمعي حول أشكال العنف الطبي والتمييز ضد النساء، وأن المبادرة رصدت انتهاكات لأطباء نساء وتوليد آخرين، من بينهم طبيب تعمد وصف عقاقير طبية تمنع الحمل لدى مريضاته الراغبات في الإنجاب، لمجرد كونه شخص غير إنجابي ويريد فرض معتقداته وخياراته الشخصية على الآخرين.
ميار مكاوي – الناشطة النسوية ومؤسسة مبادرة “بر أمان” لخلق مجتمع آمن وداعم للنساء-، تدين بدورها عددًا من المخالفات المهنية التي ارتكبتها وسام شعيب، طبيبة كفر الدوار، المتمثلة في عدم الإبلاغ عن حالة زواج قاصر أو اعتداء جنسي عليها، لا سيما أن أسرتها ترغب في إجهاضها وهي حامل في شهرها الثامن مما يشكل خطرًا داهمًا على حياتها، وإطلاق أحكام أخلاقية على المريضات وذويهن، وعدم تقديم الرعاية الصحية للأم الفاقدة للوعي، والتحريض على العنف الأسري، مشيرة إلى أن الوصم الأخلاقي وتهميش آلام النساء والوصاية على أجسادهن، من الأمور السلبية الراسخة في القطاع الطبي في مصر، وهو ما دفع المبادرة بالاشتراك مع مؤسسات حقوقية وحركات نسوية، إلى التقدم بشكوى رسمية ضدها في نقابة الأطباء وبلاغ للنيابة الإدارية.
تقول لزاوية ثالثة: “لا تعاني كل النساء من الانتهاكات بنفس الدرجة؛ إذ أن هناك أمور تتقاطع كالميول الجنسية أو الإعاقة أو العرق الذي تنتمي إليه، وتسبب في وقوع ظلم مضاعف عليها، وتواجه ذوات الإعاقة وصاية مضاعفة وحرمان من حق تقرير المصير، والنساء بشكل عام لا يفضلن زيارة عيادات النساء بسبب التجارب السيئة وأشكال العنف الطبي التي تتعرض لها بعضهن وتهميش آلامهن، وما كشف عنه فيديو طبيبة كفر الدوار من انتهاكات، يؤكد مخاوف النساء بشأنها.”
نوصي للقراءة: معركة النساء في ريف مصر.. حقوق ضائعة تحت سطوة العادات
العنف الطبي وفرض الوصاية
ترى مي صالح – استشارية النوع الاجتماعي والدعم المؤسسي-، أن تهميش آلام النساء ووصمهن أخلاقيًا من الممارسات المتأصلة في القطاع الطبي في مصر، والذي يشهد العديد من الانتهاكات القائمة على أساس النوع الاجتماعي، ولا سيما في تخصص أمراض النساء والتوليد، وتبدأ تلك الانتهاكات من فرض الوصاية الأبوية الذكورية على أجساد النساء فيما يتعلق ببعض الإجراءات الجراحية المؤثرة على الإنجاب كجراحة استئصال الرحم، أو توقيع الزوج على الموافقة المستنيرة وأوراق دخول المستشفى لزوجته المقبلة على الولادة القيصرية، ومرورًا بإجراء كشوفات العذرية، وانتهاك خصوصية أجسادهن في المستشفيات الجامعية، وإفشاء سرية الحالات الحساسة للمريضات من قبل الطبيب/ الطبيبة، وفرض الوصاية الأخلاقية عليهن ووصمهن اجتماعيًا من قِبل مقدم/ مقدمة الرعاية الصحية، ووصولًا إلى الولادة القيصرية دون داعٍ طبي، والإجراءات الجراحية بحق النساء اللواتي يدخلن المستشفيات للولادة دون حاجة كالختان أو إضافة غرزة الزوج (غرز إضافية في فتحة المهبل لإرضاء الشريك)، دون موافقة المريضة أو توسيع شق العجان، وممارسة أشكال من العنف الجسدي واللفظي والجنسي بحقهن.
تضيف في تصريحها إلى زاوية ثالثة: “العنف الطبي ضد النساء والانتهاكات التي تتم بحقهن من قبل مقدمي الرعاية الصحية تحولت إلى أمر اعتيادي، فهم على الأرجح لا يهتمون كثيرًا برأي المريضة وحاجتها إلى فهم طبيعة حالتها والموافقة المستنيرة على أي إجراء طبي يتم بحقها، بل يتم اعتبارها في بعض الأحيان غير كاملة الأهلية، كأن تكون في حالة وضع، ويتم أخذ موافقة الزوج دون موافقتها على إجراء الولادة القيصرية أو إضافة غرز إضافية في فتحة المهبل، كما أن النساء ذوات الإعاقة هن الأكثر تعرضًا للانتهاكات في المجال الطبي وخاصة ذوات الإعاقة الذهنية.”
تستطرد، المجتمع والزوج والعائلة يتحكمون في الخيارات الإنجابية للنساء؛ إذ يتعرضن إلى الإكراه الإنجابي أو الإجبار على استخدام وسيلة لمنع الحمل بعينها، أو الإجهاض القسري لأسباب اقتصادية أو عدم رغبة الزوج في مزيد من الأبناء ونظرًا لتجريم الإجهاض في القانون المصري فإنهن يلجأن إلى الإجهاض المنزلي سواء الدوائي منه أو عبر أساليب بدائية مهددة للحياة أو يقصدن عيادات طبية غير مرخصة.
ينص الباب الرابع من مشروع القانون الموحد لمواجهة العنف ضد المرأة، المقدم من النائبة نشوى الديب وأكثر من 60 نائبًا ونائبة، على عقوبات صارمة ضد من يسقط عمدًا امرأة حامل دون رضاها، حيث تصل العقوبة إلى السجن المشدد، وتزداد إذا كان المُسقط طبيبًا أو جراحًا أو صيدليًا. كما يعاقب بالسجن المشدد الزوج أو أي فرد من عائلة الضحية إذا استخدم العنف والإيذاء. ولا يعاقب القانون المقترح على إسقاط الحمل دون موافقة الشريك إلا إذا كان لسبب طبي ضروري بشهادة الطبيب، أو إذا كان الحمل نتيجة اغتصاب أو سفاح محارم.
وتنص المادة 40 من مشروع القانون، التي تضمنت تعديلات على المواد 242 و242 مكرر من قانون العقوبات، على أن مرتكب جريمة الختان من الأطباء أو ممارسي التمريض يُعاقب بالسجن المشدد لمدة لا تقل عن عشر سنوات إذا أدى الفعل إلى عاهة مستديمة، وبالسجن المشدد من 15 إلى 20 سنة إذا أفضى الفعل إلى الموت. كما تُلزم المحكمة بحرمان مرتكب الجريمة من ممارسة المهنة لمدة ثلاث إلى خمس سنوات بعد انتهاء العقوبة، مع غلق المنشأة التي جرت فيها الجريمة للفترة ذاتها، ونزع لوحاتها ولافتاتها، سواء كان الطبيب هو المالك أو كان مديرها على علم بالجريمة.
وتوضح استشارية النوع الاجتماعي أن معظم النساء لا يفضلن زيارة طبيب/ طبيبة النساء والتوليد بسبب تهميش آلامهن والاستخفاف بها، كأن يقال للفتاة التي تعاني من آلام الدورة الشهرية إن آلامها ستنتهي بعد الزواج، أو تعنيف السيدات لخوفهن وتألمهن أثناء تركيب اللولب الرحمي ـ وسيلة منع الحمل ـ، أو أن تعيد المستشفى السيدة الحامل التي تعاني من آلام المخاض، إلى بيتها بحجة أن الرحم لم يفتح بعد، أو يتم تركها لساعات طويلة في المستشفى تتألم دون رعاية صحية، أو إخضاعها للكثير من الفحوصات المهبلية القسرية (فحص الحوض) دون داعٍ، أو القيام بإجراءات مؤلمة كخياطة شق العجان أو بضع الفرج عقب الولادة الطبيعية دون مخدر، لافتة إلى تعرض بعض النساء إلى التحرش الجنسي من أحد مقدمي الرعاية الصحية لا سيما في حالات الغياب عن الوعي، معتبرة أن التصدي لتلك الانتهاكات التي تتعرض لها النساء لا يكون فقط بتغليظ العقوبات وتعديلات القوانين، ولوائح نقابة الأطباء المتعلقة بأخلاقيات المهنة، بل يجب أن يصاحبه تأهيل الأطباء للالتزام بتلك الأخلاقيات ونشر الوعي بين النساء بشأن حقوقهن كـ مريضات وكيفية التصرف عند انتهاكها من قبل مقدمي الرعاية الصحية.
نوصي للقراءة: الزاوج غير الرسمي في مصر.. طريقك إلى الاستعباد والعنف
تهميش آلام النساء
تكشف ماريا أرميا – طبيبة أخصائية في أمراض النساء والتوليد-، لزاوية ثالثة، أن أبرز أشكال الانتهاكات التي قد تتعرض لها بعض النساء المريضات، في قطاع الطبي تتمثل في التقليل من شكوى المريضة واتهامها بالمبالغة والدلال، وهي ظاهرة عالمية تتعرض لها النساء، إضافة إلى عدم توفر الخصوصية الكاملة في ظل عدم توفر طبيبات نساء في أقسام المسالك البولية والجراحة العامة، وجهل المريضة بحالتها إما بسبب تقصير الطبيب في شرح الحالة أو بسبب منع عائلة المريضة لها من الكشف و المتابعة الطبية وهذا يحدث بكثرة في المناطق الفقيرة، مشددة على أنه لا يحق أبدًا للطبيب فرض الوصاية الأخلاقية على المريض/ المريضة؛ إذ يقتصر دور الطبيب على النصح فقط، وفي المقابل من حق الطبيب/ الطبيبة رفض عمل أي إجراء طبي غير شرعي مثل: إجهاض الحمل غير المرغوب فيه، معتبرة أن إجهاض الجنين الحي بدون وجود تشوهات خلقية واضحة مؤثرة على الحياة، هو مسألة ضميرية للغاية، ترفض القيام بها، سواء كانت الحامل غير متزوجة أو كانت متزوجة ولا ترغب بالجنين لأسباب اقتصادية مثلًا.
وتعزو الطبيبة تهميش آلام النساء والتقليل من شكواهن، من قبل مقدمي الرعاية الصحية إلى تحامل بعض النساء على أنفسهن وعدم اللجوء إلى الرعاية الصحية إلا عندما تسوء الأمور بشدة، إضافة إلى عدم قدرة الأطباء على الوصول للشكوى الدقيقة ومحاولتهم الوصول للتشخيص؛ إذ يصعب الأمر مع بعض الحالات التي لا تستطيع التعبير عن شكواها بشكل جيد، مضيفة أن توعية النساء وتشجيعهن على الولادة الطبيعية قد يحد من عمليات الولادة القيصرية دون مبرر طبي، لكون كثير من النساء يصبن بالفزع مع بداية الطلق ويطلبن إجراء عملية ولادة قيصرية لهن، مؤكدة أن عمليات ترقيع غشاء البكارة غير طبية من الأساس، ولا يوجد في الطب ما يسمى بكشف العذرية بل هناك كشف ظاهري يكشف عن وجود تمزقات بغشاء البكارة من عدمه و المسئول عن هذا الفحص هو الطب الشرعي، ولا يجب إجراؤه في عيادات النساء والتوليد، كما يحظر على الطبيب/ الطبيبة إجراء كشف نسائي على فتاة عذراء دون وجود سيدة من أسرتها برفقتها.
نوصي للقراءة: وسوم الكفاح من أجل الحرية الجسدية للمرأة
الحاجة لقانون المسؤولية الطبية
الباحث في ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أيمن سبع، يؤكد أن هناك قواعد عامة لممارسة مهنة الطب، تتضمن الحفاظ على خصوصية المريض وعدم إفشاء السر، وتندرج بعض تلك القواعد ضمن نص اليمين الذي يقسم عليه الطبيب/ الطبيبة، والآخر تنص عليه لائحة نقابة الأطباء، إلا أن الأصل في الأمر ألا يسبب مقدمو الخدمة الصحية للمريض/ المريضة أي ضرر، مشيرًا إلى أن طبيبة كفر الدوار لم تذكر في الفيديو الشهير لها أسماء أيٍ من مريضاتها أو بياناتهن الشخصية إلا أنه بمعرفة اسم الطبيبة وعيادتها الخاصة والمستشفى التي تعمل بها في محافظة البحيرة وتاريخ اليوم الذي زارتها خلاله الحالات المذكورة، وما ذكرته من تفاصيل تخصهن وذويهن، وفي ظل انتشار الفيديو فإنه يصبح بمقدور الأشخاص من الدائرة المحيطة بها في المجتمع المحلي تخمين هوية الحالات والكشف عنها، كما أنها ارتكبت مخالفات أخرى تمثلت في امتناعها عن تقديم الرعاية الطبية للسيدة التي فقدت الوعي وإطلاقها للأحكام الأخلاقية على الحالات وذويهن وتأثير ذلك على تقديمها للخدمة الطبية، إلا أنه يرفض بشكل قاطع معاقبة مقدم الخدمة الطبية بالحبس في حال ارتكابه لانتهاكات مشابهة.
ويبين أن هناك انتهاكات تتعرض لها النساء أثناء تقديم الخدمة الصحية لهن أو ما يعرف بالعنف من قبل مقدم/ مقدمة الخدمة، والذي يشمل العنف اللفظي والبدني والمعنوي، ويندرج ضمنه تهميش آلام النساء وعدم الاهتمام بشكواهم أو فرض إجراء طبي ليست المريضة بحاجة إليه كالولادة القيصرية دون داعٍ، والإجراءات المجرمة مثل: ختان الإناث وكشوفات العذرية، إلا أنه لا توجد مرجعية لأخلاقيات مهنة الطب باستثناء لائحة نقابة الأطباء والتي تعود بالأساس إلى الخمسينات من القرن الماضي، ولا يوجد إطار تشريعي ملزم، إذ لا يغطي قانون العقوبات الحالات المتعلقة بانتهاكات الممارسات الطبية، ورغم تداول مشروع قانون المسؤولية الطبية لسنوات إلا أنه لم يتم إقراره بعد، مؤكدًا أن القانون سيحدد حقوق المرضى وواجبات مقدم/ مقدمة الخدمة الطبية، على ألا يتضمن عقوبة السجن.
تتضمن مسودة مشروع قانون المسؤولية الطبية التي نشرتها نقابة الأطباء في يوليو المنقضي، وطرحتها للمناقشة في مجلس النواب، إنشاء “اللجنة العليا للمسئولية الطبية وحماية المريض”، تشكيل لجان فنية نوعية في كل تخصص يشمل استشاريين في التخصص والطب الشرعي لفحص شكاوى الخطأ الطبي، وتدشين صندوق تأميني من اشتراكات الأطباء والمنشآت الصحية لتعويض المريض ماديًا، وإلغاء عقوبة الحبس للأطباء المؤهلين والمرخص لهم بالإجراء الطبي إذا حدث جراءه ضرر طبي نتيجة خطأ، وأن تكون العقوبة في هذه الحالة تعويضاً مادياً بحسب الضرر الطبي، على أن يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين من يتسبب من مقدمي الخدمة بخطأه الطبي في وفاة متلقي الخدمة.
وفي الوقت الذي تواجه فيه طبيبة النساء والتوليد، وسام شعيب، عدة اتهامات أمام النيابة العامة والنيابة الإدارية، بعد إلقاء القبض عليها؛ فإن حقوقيون/ حقوقيات ومؤسسات معنية بقضايا المرأة ترى أن الحلول الأمنية وتغليظ العقوبات وتعديلات القوانين ولوائح نقابة الأطباء المتعلقة بأخلاقيات المهنة، وإقرار مشروع قانون المسؤولية الطبية، لن يؤدي إلى توقف الانتهاكات بحق النساء على أيدي مقدمي الرعاية الصحية، ما لم يصاحبه تأهيل للأطباء للالتزام بتلك الأخلاقيات ونشر الوعي بين النساء بشأن حقوقهن كـ مريضات وكيفية التصرف عند انتهاك تلك الحقوق.