للرجال فقط.. العفو الرئاسي لا يشمل “سجينات الرأي” في مصر

مشاركات النساء في المجال العام مقتصرة على القضايا النسوية، يعتبر تهميش لنا؛ وبالفعل انعكس على قضايا سجينات الرأي بالتجاهل
ريهام غريب

بنظرات يملؤها الإحباط، تُعيد “شيماء”  قراءة أسماء المفرج عنهم في قائمة العفو الرئاسي الأخيرة الصادرة في 19 أغسطس الماضي، علّها تجد اسمًا لإمرأة نالت حُرّيتها ضمن 30 سجينًا سياسيًا شملهم العفو الرئاسي؛ وكالعادة، لا نصيب للنساء في الحرية هذه المرة أيضًا.

“شيماء البنا”، ناشطة سياسية ونسوية، لجأت إلى السويد بعد إعادة فتح قضية مظاليم وسط البلد المتهمة فيها مع  226  آخرين،  وهي قضية اتّهم فيها  المتظاهرين بقتل زملائهم في المظاهرة فضلًا عن التظاهر والتجمهر. رغم فرار شيماء؛ إلا أنها ما زالت تناضل من أجل الإفراج عن السجينات، لا سيما سجينات الرأي والسجينات اللواتي يعانين من ظروف صحية خطرة أو الغارامات.

عفو لا يشمل النساء
بعد توقف لجنة العفو الرئاسي مؤقتًا؛ قرر الرئيس عبد الفتاح السيسي في مايو 2022، إعادة تفعيلها للإفراج عن عدد من السجناء والسجينات على ذمة قضايا سياسية بالإضافة للغارمين والغارمات، تمهيدًا للحوار الوطني الذي أجرته مصر مع المعارضة مؤخرًا والمعلّق مؤقتًا حتى الانتهاء من انتخابات الرئاسة 2024.  تعتمد اختيارات لجنة العفو في اختياراتها  للسجناء الذين تسعى للإفراج عنهم على معايير منها “عدم الانتماء لجماعات إرهابية وعدم ارتكاب جرائم عنف، أو الإدانة في قضايا التحريض والإرهاب”؛ حسب تصريحات أحد أعضائها. وتبحث لجنة العفو ملفات السجناء الذي يرون أنهم يستحقون العفو الرئاسي لرئيس الجمهورية الذي بدوره يصدق عليها باستخدام صلاحياته في العفو عن الأشخاص الصادر بحقهم أحكامًا نهائية.

نحجت لجنة العفو في إصدار عدد من القوائم التي تضم نشطاء معروفين مثل المحامي الحقوقي “محمد الباقر” و الباحث “باتريك جورج”، وجاء معها عدد من إخلاءات السبيل، لكن رصدت لجنة العدالة إفراجات عن حوالي 915 منذ 2020، من بينهم 23 سجينة فقط، أي بنسبة 2.5% من إجمالي المفرج عنهم.

تعتقد شيماء أن “التصور السائد عن المجتمع المدني أنه للرجال فقط، وأن مشاركات النساء في المجال العام مقتصرة على القضايا النسوية، يعتبر تهميش لنا؛ وبالفعل انعكس على قضايا سجينات الرأي بالتجاهل”.

بسبب حركة العفو وإخلاءت السبيل ومضادتها السريعة في إلقاء القبض على آخرين لا توجد أرقامًا مؤكدة بشان عدد السجينات والسجناء على ذمة قضايا سياسية، لكن بحسب إحصائية صادرة عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان وصل عدد السجناء والمحبوسين احتياطيًا والمحتجزين (جمعًا)  إلى 120 ألف حتى شهر مارس 2021، وعدد المحكوم عليهم إلى 82 ألف، بينما هناك 37 ألفًا رهن الحبس الاحتياطي.

لا حصر لأعداد السجينات
قالت “إسراء عبد الفتاح” الكاتبة الصحفية والحقوقية والسجينة السياسية السابقة، أنها لم تتلقى ردًا من اللجنة المكلّفة بإصدار القوائم، وأضافت لـ”زاوية تالتة”  أنه “للأسف لايمكننا حصر عدد السجينات والسجناء السياسيين؛ وهؤلاء الذين نستطيع الحديث عنهم/ن فقط من نعرفهم/ن ومن كانوا أو كنّ معنا في السجن”.

ذكرت ورقة بحثية  لمركز نظرة للدراسات النسوية عام 2017، أنه على الرغم من أن نسبة النساء أقل من الرجال في السجون على المستوى الدولي؛ إلا أن هناك تزايد في الزج بمزيد من النساء في السجون، لحرمان النساء من حق الوصول للعدالة أو حرية التعبير والمشاركة واستخدام السلطات القمعية للجرائم المرتبطة بالشرف وقيم المجتمع كنوافذ لقمع ممارساتهن السياسية.

تقول “شيماء” “حتى وإن كان سجناء الرجال أكثر من النساء، لكن هذا لا ينفي وجود حالات تستدعي الخروج العاجل لا سيما  في حالة سجينات تخطّين مدة الحبس الاحتياطي، أو صدر ضدهن حكمًا نهائيًا وتعانين من ظروف صحية سيئة؛ بالإضافة للمُسنات والأمّهات”.

أوضح تقرير  للمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي أن العنف ضد النساء متأصّل في القيم المجتمعية والأنماط الثقافية، لذلك تنعكس هذه القيم على المنظومة الجنائية الخاصة بالسجون في التعامل مع النساء، وأن أشكال العنف والتمييز التي تلاحق النساء خارج أسوار السجن تنتقل معهن إلى داخل السجن”. 

ويفسر غياب التمثيل النسائي في المجال العام في مصر وجود لجنة عفو رئاسي عن المحبوسين السياسين مكونة من خمسة ممثلين من الرجال لا يوجد بينهم امرأة  واحدة، التمييز الجندري تجاه النساء في السجون المصرية.

حرمان من الفوط الصحية 

مصر لديها 78 سجنًا، شُيّد منهم 53 سجنًا عموميًا؛ ضمنهم 11 سجنًا للنساء، بالإضافة لأماكن احتجاز النساء في السجون المركزية والخاصة و المديريات وأقسام الشرطة. تفتقر جميعها لمراعاة الاحتياجات الخاصة بالنساء لأن القانون لا يعترف بالاحتياجات الخاصة بأجساد النساء داخل السجون، بل أحيانًا يتم التعامل مع خصوصيتهن الجندرية كأداة للضغط والتنكيل، وبجانب الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في التفتيش الذاتي في السجون يتم منعهن من استلام الفوط الصحية في الزيارة أو توفيرها في كانتين السجن بأسعار مضاعفة، وعدم تقديم الرعاية الصحية اللازمة للأمهات الحوامل أو وسائل ترحيل آمنة لهن ولأجنتهن.

كأغلب قضايا النساء تطلق حملات التضامن من السجينات والمطالبة بحقوقهن في تحسين أوضاعهن داخل السجون أو الإفراج عنهن في المناسبات القومية والدولية الخاصة بالمرأة، فأطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، في اليوم العالمي للمرأة عام 2019 حملة بعنون “الدورة الشهرية في السجون” كمحاولة ضغط لمراعاة خصوصية النساء وتهيئة يناسب طبيعتهن الجسدية، وفي عام 2021 تصدر وسم #عيد_الأم و #حريتها_حقها التداول على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر للتذكير بالسجينات على ذمة قضايا سياسية والمطالبة بالإفراج عنهن.

قضايا السجينات تُنسى
“كنت سأنسى مع المئات المنسيات خلف القضبان، وهذا مايؤلمني” قالت “شيماء” عن شعورها من التقصير في المطالبة بالإفراج عن النساء، وتضيف ” لم تطلق ولا حملة حقوقية واحدة هدفها فقط الإفراج عن النساء خاصة الغير مشهورات، نرى تقارير عدة عن أوضاع النساء في السجون، والتي تصدر في عيد الأم أو يوم المرأة المصرية واليوم العالمي للمرأة دون ذلك ننسى وجود النساء باقي السنة”.

تشارك إسراء في الحوار الوطني وترى أنها وسيلة الحوار الوحيدة للتواصل مع السلطة وتقول “نُصر على ذكر السجناء بشكل عام كلما اتسع لنا المجال، وخاصة في جلسات حرية الرأي والتعبير، لانريد أن ننسى أحد وبالأخص النساء فنحن كنا نتقاسم معهن الألم ذاته يومًا ما” وتضيف ”أشارت السفيرة مشيرة خطاب -رئيسة المجلس القومي لحقوق الإنسان- خلال كلمتها في جلسة حرية الرأي والتعبير الأخيرة بالحوار على ضرورة النظر للسجينات على ذمة قضايا سياسية”. 

مروة وهالة

“أنا مش مصدقة إني من 20 إبريل ماروحتش، وممكن ماروحش لسنين، السجن وحش أوي ياماما” نص من رسالة السجينة السياسية مروة عرفة، كان قد استطاعت مروة إرسااله من عنبر 7 سياسي سجن القناطر.

16 أغسطس الماضي كان ذكرى عيد ميلاد مروة عرفة، وهي الذكرى الرابعة لها في سجن القناطر للنساء، المعروف بظروف احتجازه القاسية بحسب توصيف مؤسسة حرية الفكر والتعبير، مروة تقبع بين جدرات السجن بعيدًا عن أسرتها، وابنتها وفاء، التي تبلغ من العمر خمس سنوات والتي لم تتجاوز من عمرها 28 شهرًا وقت إلقاء على أمها، وشهدت وفاء صدمات نفسية عنيفة لا سيما بعد اقتحام قوات الأمن منزل أمها والقبض عليها أمامها.

تقول مؤسسة حرية الفكر والتعبير أن مروة تقبع “خلف أسوار السجن منذ أن ألقت قوة أمنية القبض عليها في أبريل 2020 بعد تفتيش منزلها، ومصادرة مبالغ مالية وهاتفها المحمول دون إبراز تصريح أو إذن من النيابة، وبعد إخفاء قسري استمر لمدة أسبوعين، ظهرت عرفة أمام نيابة أمن الدولة العليا، وأدرجت في القضية رقم 570 لسنة 2020. ودون محاكمة، أو أدلة تُثبت ما وُجِه إليها من الاتهامات كالتي تُوجه عادةً للنشطاء السياسيين مثل الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، وارتكاب جريمة من جرائم التمويل لغرض إرهابي، وبرغم غياب المشروعية القانونية لاستمرار حبسها، إلا أن محكمة الجنايات تستمر في تجديد حبسها لأكثر من ثلاث سنوات، وكانت آخر جلسة تجديد في 13 أغسطس، بما يخالف القانون الذي نص على ألا تتجاوز فترة الحبس الاحتياطي عامين كحد أقصى، وهي المدة التي تجاوزتها عرفة منذ 9 مايو 2022”.


كمثال آخر على السجينات السياسيات اللواتي لم يذكرن في قوائم العفو، قررت محكمة الجنايات في 19 أغسطس الماضي تجديد حبس الإعلامية السابقة بماسبيرو، هالة فهمي، لمدة 45 يومًا، على ذمة التحقيقات في القضية رقم 441 لسنة 2022 أمن دولة عليا. تعبير فهمي عن آرائها السياسية والاقتصادية كان سببًا في القبض عليها، حيث نشرت فهمي عدة مقاطع مصورة على موقع فيسبوك حول أزمة سد النهضة والاستثمارات الإماراتية في مصر. لتنشر بعد عدة أيام مقطع مباشر تتعرض فيه للملاحقة من قبل قوات أمن في زي مدني. وفي 24 أبريل ألقت قوات الأمن القبض عليها، وحققت معها النيابة في نفس اليوم ودون حضور محامي. كما وجهت إليها اتهامات بالانضمام إلى جماعة إرهابية، والتحريض على ارتكاب جريمة، ونشر أخبار كاذبة بالداخل والخارج.

مروة وهالة وغيرهن من النساء اللائي يقضين سنوات طويلة في غياهب السجون وأماكن الاحتجاز وينتظرن النظر لقضاياهم وشملهم في العفو وإخلاء السبيل للعودة لحياتهن وأسرهن مرة أخرى. كشفت “إسراء عبد الفتاح” لزاوية تالتة أنه وردتها “أخبارًا من لجنة العفو بأنه يتم الآن إعداد قائمة من النساء للإفراح عنهن” مضيفة “نأمل أن يحدث ذلك قريبًا”.

ريهام غريب
صحفية استقصائية مصرية مهتمة بالقضايا الحقوقية، وتغطي قضايا الأقليات. متخصصة في القصص المصورة بالهاتف، ومدرّبة لتغطية قضايا النوع الاجتماعي.

Search