إغلاق قضيّة منظّمات المجتمع المدنيّ بعد 13 عامًا: هل ودّعنا الملاحقة؟

أريد أن أرى ابنتي أكثر من مرتين في العام.. جمال عيد
أحمد جمال زيادة

بعد ثلاثة عشر عامًا من التحقيقات والتحفّظ على الأموال والمنع من السفر، في قضيّة منظّمات المجتمع المدنيّ، أصدر  قاضي التحقيق المستشار أحمد عبد العزيز قتلان، أمس الأربعاء، قرارًا بألّا وجه لإقامة الدعوى الجنائيّة في حقّ 5 منظّمات حقوقيّة، لعدم كفاية الأدلّة: (المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، المؤسسة العربية للإصلاح الجنائي “العقابي، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا العنف). وتضمّن القرار رفع أسماء من تضمّنهم الأمر من قوائم الممنوعين من السفر وقوائم المنع من التصرّف في أموالهم الثابتة والمنقولة.

أوضح قاضي التحقيق-في بيان صحفيّ- أنّه بصدور هذا الأمر يكون عدد المنظّمات والجمعيّات والكيانات الّتي صدر بشأنها أوامر بألّا وجه لإقامة الدعوى الجنائيّة 85 أمرًا شمل كافّة المنظّمات والكيانات والجمعيّات الّتي شملتها التحقيقات في القضيّة 173 لسنة 2011، وبذلك يكون قد أسدل الستار على أوراق القضيّة، وتكون قد وصلت إلى نهايتها بعد صدور هذا الأمر. ويأتي هذا القرار بعد رحلة طويلة من الملاحقة القضائيّة بدأت عام 2011، حين طلب مجلس الوزراء من وزارة العدل تشكيل لجنة تقصّي حقائق مختصّة بالتمويلات الأجنبيّة الّتي تتلقّاها منظّمات مجتمع مدنيّ، وفي ديسمبر 2011، اقتحمت قوّات الأمن مقارّ 17 من المنظّمات، واحتجزت عددًا من العاملين بها.

كيف يُفْهَم القرار؟

عايدة سيف الدولة، مدافعة عن حقوق الإنسان، وطبيبة نفسية، وإحدى مؤسسات مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، واحدة من المتهمين في القضية 173، قالت في تصريح إلى زاوية ثالثة “من الجيد أن القضية أغلقت، ورفع المنع من السفر، لكني لا أدرك كيف يُفْهَم القرار بعد كل هذه السنوات التي كنا نسمع فيها كثيراً عن إغلاق القضية”. وأضافت سيف الدولة “أنه مهما حدث لا يمكننا نسيان 60 ألف معتقل في السجون يشاركوننا بعض الاتهامات التي اتهمنا بها في القضية 173، مثل نشر أخبار كاذبة وتهديد الأمن القومي، وغيرها من الاتهامات”. وتساءلت مؤسسة مركز النديم “أليس من حقنا  اعتذار من الإعلام الحكومي الذي شهّر بنا على مدار سنوات؟ أليس من حقنا رد الاعتبار بعد كل اتهامات الخيانة والعمالة والتشويه؟، وأنهت سيف الدولية تصريحًا قائلة “أتمنى الإفراج عن كل المعتقلين والمتهمين بالباطل”.

وتعرض مركز النديم لمضايقات عدة خلال سنوات عمله الأخيره، انتهت بإغلاقه وتشميعه في فبراير 2017، على يد قوة من الشرطة وموظفين من الحي. وفي فبراير 2016 حاول مسؤولون في حي الأزبكية إغلاق المركز يرافقهم ممثلون عن وزارة الصحة، إلا أن الإغلاق تعذّر بسبب اعتراض العاملين بالمركز على المغادرة، وبالتالي حُرِّر محضر إثبات حالة بقسم شرطة الأزبكية لاتخاذ الإجراءات القانونية وتنفيذ قرار الإغلاق، وبعد 4 سنوات من التقاضي، حصل المركز النديم على حكم من القضاء الإداري، بإلغاء قرار إغلاق المركز.

 

لماذا الآن؟

يرى حسام بهجت، مدير المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أن إغلاق قضية منظمات المجتمع المدني كان متوقعًا وغير متوقع في الوقت ذاته. فمن ناحية، كان متوقعًا لأن ضياء رشوان، رئيس الحوار الوطني ومنسق الاستعلامات، أعلن منذ عام تقريبًا أن القضية على وشك الإغلاق. كما أصدر قاضي التحقيقات في أغسطس الماضي بيانًا قال فيه أنه لم يتبق سوى 10 منظمات قيد الفحص، وأن قرارات بشأنهم ستُتخذ في الفترة المقبلة، وبدأ بالفعل بعدها إصدار قرار كل شهر تقريبًا بحفظ التحقيق مع منظمة واحدة من العشر منظمات “فمن هذا الاتجاه كان مفهومًا أن هناك مساراً يحدث وينفذ بالتوازي مع الأحداث المتعلقة بالانتخابات الرئاسية أو الأزمة الاقتصادية أو الأزمة في عزة أو المساعدات المالية الجديدة وقرض الصندوق الموسع”.

ومن ناحية أخرى، “لم يكن إغلاق القضية متوقعًا تمامًا”.. يقول بهجت لزاوية ثالثة، ويضيف “لأن توقيت القرارات في مصر غالبًا ما يكون غير مفهوم، ولا تلتزم الحكومة بما تعلنه”، ويشير  إلى أنه كان هناك 5 منظمات متبقية في القضية، ويُنظر إليها على أنها “ألد أعداء” الحكومة المصرية، إما بسبب نشاطها الحقوقي أو بسبب موقفها من ثورة يناير.

 وأوضح أن بعض هذه المنظمات جمد نشاطه مثل “مركز هشام مبارك والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان” وهذا كان يشكل صعوبة؛ لأن الدولة تطالبهم بتوفيق الأوضاع. كما تطرق إلى المنظمات التي انتقلت إلى العمل من المهجر مثل مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان والمنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إذ انتقالهم إلى العمل خارجًا وعدم وُجود القائمين على هذه المنظمات أدى إلى عدم إخضاعهم للتحقيق أمام القاضي أو أخذ أقوالهم، وبالتالي كان هناك ترقب إذا كانت ستغلق القضية دون التحقيق معهم، والباقين وهم مركز النديم والمبادرة المصرية، وهما منظمتان لا تبادلهم السلطة الحالية الكثير من المودة إذا صح التعبير.

 

بنية تشريعية تشكل أدوات تنكيل

“شهد عام 2023 الإفراج عن بعض الحقوقيين مثل محمد الباقر وباتريك زكي، لكن في العام نفسه، حُكم على 4 حقوقيين آخرين بتهمة توثيق ونشر انتهاكات حقوق الإنسان، منهم هدى عبد المنعم وعزت غنيم، كما واجهت هدى عبد المنعم تنكيلًا إضافيًا، حيث حُكم عليها بالسجن 5 سنوات؛ وكانت قد أوشكت أن تقضي الـ 5 سنوات في الحبس الاحتياطي وقت الحكم عليها، وفي يوم انتهاء محكوميتها؛ أُحِيلَت إلى نيابة أمن الدولة التي اتهمتها بقضية جديدة في أثناء فترة حبسها”. هكذا قال حسام بهجت بعد سؤاله عن ما اذا كانت هناك انفراجة سياسية تلوح في الأفق.

لا يزال 3 من زملاء حسام بهجت في المبادرة المصرية، محمد بشير وكريم عنارة وياسر عبد الرازق، ممنوعين من السفر ومن التصرف في أموالهم منذ ديسمبر 2020.

ويُحذّر حسام بهجت من أن إغلاق قضية منظمات المجتمع لا يعني بالضرورة عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل. ويُؤكد أن البنية التشريعية الحالية، التي سمحت بحدوث هذه الانتهاكات من الأساس، لا تزال تُشكل أدوات جاهزة للتنكيل والانتقام من أي شخص يُمارس المقاومة القانونية والسلمية للنظام الحالي. وأضاف بهجت أن مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية، يُعرض لأول مرة للإصلاح منذ صدور المشروع الحالي عام 1950. ويُشير إلى أن هذا المشروع، الذي انتهت لجنة برلمانية من صياغته مؤخرًا، يُمكن أن يُشكل فرصة لإصلاح البنية التحتية للعدالة في مصر، بما في ذلك قواعد المنع من السفر والتحفظ على الأموال، وسلطة النيابة العامة وقضاة التحقيق، والمواد القانونية المنظمة للحبس الاحتياطي.

ويُشدد بهجت على أن هذه الفرصة ربما لن تتكرر، وأنها ليست فقط لوقف الانتهاكات، بل لإنقاذ النظام نفسه من اتساع دائرة الظلم والمظلومين باسم القانون، والتي قد تُؤدي إلى دفع أثمان باهظة في حال تأخر الإصلاح، واستمرت الممارسات القمعية بشكل منهجي.

ويُضيف أن من بين الإصلاحات التشريعية المنتظرة أيضًا تعديل قانون العمل الأهلي الذي صدر عام 2019، والذي لا يزال يُتيح تدخلًا واسعًا من السلطة التنفيذية والأجهزة الأمنية في عمل المنظمات الأهلية، خاصةً الحقوقية منها.

 

انتقام” بُسِطَ عليه ثوب قضائي

“أنتظر أن يتحول القرار الورقي، إلى قرار فعلي بوقف هذا الظلم، أن أستطيع عمل توكيل قانوني، أن أستطيع ممارسة عملي كمحامي، وادفع رسوم القضايا بفيزا لأني ممنوع من إصدارها، أن أستطيع زيارة ورؤية ابنتي أكثر من مرة بالعام”. هكذا عبّر المحامي والناشط الحقوقيّ ومؤسّس الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد، عن شعوره المختلط بعد إغلاق القضيّة، واصفًا إيّاه بـ”الغريب” مع طرح سؤال حول دوافع تلفيقها من الأساس و”من له المصلحة في كلّ هذا الشرّ؟” وفق تعبيره.

 وانتقد عيد في تصريح إلى زاوية ثالثة مسار التحقيقات، مؤكّدًا أنّها لم تكن سوى “انتقام” بسط عليه ثوب قضائيّ، مخطّط له في غرف مغلقة، ونُفذّت في المحاكم.

وعن الأدلّة، اعتبر عيد أنّها لم تكن كافية لفتح القضيّة أصلًا، مشيرًا إلى أنه بالفعل كانت هناك تجاوزات من بعض المنظّمات، لكنها “المنظمات المقرّبة من الدولة والتي لم تُعاقب فلم تعاني من هذه القضيّة الانتقاميّة”.

وتحدّث عيد عن تأثير القضيّة على عمله كناشط حقوقيّ، مؤكّدًا أنّها شكّلت انتهاكًا ضمن انتهاكات واسعة يتعرّض لها كلّ الحقوقيّين المستقلّين. ورغم إغلاق القضيّة، توقّع عيد أن تبقى المنظّمات الحقوقيّة تواجه تحدّيات كبيرة، مشيرًا إلى قلّة عددها وضرورة مضاعفتها للحدّ من الانتهاكات. ورفض عيد اعتبار إغلاق القضيّة انفراجة، بل اعتبره تصحيحًا لخطأ ضمن أخطاء وكوارث تصل لحدّ الجرائم. وعن خطواته القانونيّة، أكّد عيد عدم ثقته بوجود قضاء مستقلّ ينصفه، ما دفعه لعدم اتّخاذ أيّ خطوات.

وفي ختام حديثه، طالب عيد بـ”الانفراجة الحقيقيّة” الّتي تتمثّل في الإفراج عن الأبرياء، وحقّ عودة المغربين عن أوطانهم دون انتقام، والسفر لمن يشاء، ووقف استخدام مطار القاهرة كمصيدة، وعودة الشرطة لخدمة الشعب فعلًا لا قولًا.

 

كان عيد قد أخبرنا في تصريحات سابقة أنه قرّر إغلاق الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان، لأن قانون العمل الأهليّ الجديد جائر، وبسبب استهداف الشبكة باعتقال موظّفيها وباحثيها، وكان واحدًا من الاسباب التي عدها عيد ضمن أسباب الأغلاق هو أنه ما زال متّهمًا في قضيّة 173، المعروفة إعلاميًّا بقضيّة منظّمات المجتمع المدنيّ، التي تمنعه من من التوقيع على أوراق، أو فتح حسابات بنكيّة، وتمنعه من السفر.

وقبل قرار إغلاقها كانت قد كشفت الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان في مصر 2019، عن وقوع اعتداء جديد على مديرها الحقوقيّ جمال عيد، من ضبّاط وأفراد أمن أكّدت أنّهم تربّصوا به بجوار منزله، واعتدوا عليه بالضرب، قبل إغراقه بالطلاء. وقبلها كانت الشبكة العربيّة لمعلومات حقوق الإنسان، قالت إنّ جهازًا أمنيًّا حطّم سيّارة محامية في الشبكة العربيّة فجرًا، بعد أيّام من اعتداء وحشيّ على مدير الشبكة، وسرقة سيّارته، واعتقال المحامي بالشبكة العربيّة عمرو إمام، الّذي أفرج عنه فيما بعد.

 

ضغوط أم انفراجة؟

قال مسؤول قسم المناصرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى منظّمة العفو الدوليّة حسين بيومي، أنّه منظّمته ترحّب بقرار إغلاق القضيّة، لكن بيومي أشار إلى أنّ “القضيّة كانت لا أساس لها من الصحّة وهدفها قمع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر بسبب نشاطهم، ودفاعهم عن عشرات الآلاف من المنتهكة حقوقهم من قبل السلطات المصريّة”.

وقال بيومي لزاوية ثالثة إنّه “يجب على السلطات المصريّة تقديم تعويض لمن أصابهم الضرر طوال هذه الفترة من منع من السفر، وتحفظ على الأموال واتّهامات غير صحيحة ويجب الاعتذار. فبعد كلّ هذه السنوات لم تسلّط سلطات التحقيق إلى أيّ شيء، بالإضافة إلى الضرر البالغ وحملات التشويه المبنيّة على هذه القضيّة”. كما اعتبر أنّه لا يجب أنّه “يجب ألّا يجعلنا إغلاق القضيّة ننسى أنّ هناك مدافعين عن حقوق الإنسان ممنوعين من السفر على ذمّة قضايا أخرى، بالإضافة إلى المحتجزين بسبب نشاطهم الحقوقيّ”.

سألنا بيومي عن رأيه في إغلاق القضيّة في هذا التوقيت، فقال “في ظلّ غياب الشفّافيّة لا يمكن الجزم بسبب التوقيت الحاليّ، لكن توجد بعض الإشارات، لقد جاء القرار بعد زيارة عدد من قادة الاتّحاد الأوروبّيّ لتوقيع ترفيع العلاقات إلى الاستراتيجيّة بين مصر والاتّحاد الأوروبّيّ، بالنظر إلى بيانات الزيارات الّتي سبقت الزيارة رأينا أنّه هناك تركيز على حرّيّة عمل المنظّمات في مصر، رئيس الوزراء البلجيكيّ أشار في خطابه إلى أهمّيّة حرّيّة العمل المدنيّ في مصر”.

سألنا مصدر مطّلعًا على العلاقات الأوروبّيّة المصريّة في بروكسل، أكّد لزاوية ثالثة أكّد أنّ هناك 3 نقاط تحدّث فيها الوفد الأوروبّيّ في لقائه مع السيّد الرئيس عبد الفتّاح السيسي، تمثّلت في رفع الحجب عن المواقع الصحفيّة، وإغلاق القضيّة 173 المتعلّقة بمنظّمات المجتمع المدنيّ، وبعض الحالات الفرديّة”. لم يسمّ المصدر تلك الحالات. 

ويرى أحمد عطا اللّه، المدير التنفيذيّ للجبهة المصريّة لحقوق الإنسان، أنّه بجانب أنّه لا يمكن  تسميتها انفراجة، وأنّه يجب توضيح أنّ ما حدث جاء نتيجة للضغوط، من الخارج، معتبرًا أنّ الحوار الوطنيّ الدائر في مصر، لا يمكن أن يكون له أيّ تأثير من دون هذه الضغوط الخارجيّة، لأنّ “الوضع لم يتغيّر نهائيًّا والكلّ معرّض للقمع”.


وفي 17 مارس 2024، دعت منظمة العفو الدولية جميع القادة إلى ضمان أن يكون احترام حقوق الإنسان في قلب جميع العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومصر. وقالت المنظمة  “بينما يسعى زعماء الاتّحاد الأوروبّيّ إلى تعزيز علاقاتهم مع مصر، يجب عليهم ألّا يخاطروا بالتواطؤ في الانتهاكات الخطيرة المستمرّة لحقوق الإنسان في البلاد. وقالت إيف جيّدي، رئيسة مكتب المؤسّسات الأوروبّيّة في منظّمة العفو الدوليّة، إنّ الصحفيّين والمدافعين عن حقوق الإنسان لا يزالون يواجهون الاعتقالات والرقابة وحظر السفر وتجميد الأصول وغيرها من إجراءات المضايقة وسط حملة قمع لا هوادة فيها ضدّ جميع أشكال المعارضة.

وأضافت “من أجل التعاون على نحو إيجابيّ لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر، يجب على زعماء الاتّحاد الأوروبّيّ التأكّد من أنّ السلطات المصريّة تتبنّى معايير واضحة لحقوق الإنسان، وخاصّة رفع الرقابة على وسائل الإعلام وغيرها من القيود المفروضة على حرّيّة التعبير، ووقف حملة القمع ضدّ المجتمع المدنيّ، وإطلاق سراح السجناء”. وجميع المعتقلين تعسّفيًّا بسبب ممارستهم لحقوقهم سلميًّا”.

وتوقّعت المنظّمة أنّه كجزء من الشراكة الإستراتيجيّة، من المتوقّع أن يتفاوض الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر على استثمار الاتّحاد الأوروبّيّ في إدارة الحدود، بما في ذلك تزويد السلطات المصريّة بالمعدّات والدعم لمراقبة الحدود ومنع المغادرة.

وفي 17 مارس الماضي، زارت رئيسة المفوّضيّة الأوروبّيّة، أورسولا فون دير لاين، مصر، برفقة رئيس الوزراء الإيطاليّ جيورجيا ميلوني، ورئيس الوزراء البلجيكيّ ألكسندر دي كرو، والمستشار النمساويّ كارل نيهامر، ورئيس الوزراء اليونانيّ كيرياكوس ميتسوتاكيس، لدفع المفاوضات مع مصر. الرئيس المصريّ عبد الفتّاح السيسي يتحدّث عن الشراكة الاستراتيجيّة بين الاتّحاد الأوروبّيّ ومصر. وبحسب ما ورد تتضمّن هذه الشراكة 7.4 مليار يورو يقدّمها الاتّحاد الأوروبّيّ على شكل منح وقروض حتّى نهاية عام 2027.

 

هل تعود منظّمات الخارج؟

من المبكّر الحديث عن أيّ انفراجة في مصر.. هكذا قال مسؤول قسم المناصرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى منظّمة العفو الدوليّة حسين بيومي، الّذي يعتبر أنّ القرار القضائيّ “لا هو قضائيّ ولا مستقلّ”. واعتبر بيومي أنّ معوّقات عمل المنظّمات ما زالت موجودة، والّتي من أهمّها “قدرة الأجهزة على التنكيل بالمدافعين عن حقوق الإنسان في أيّ وقت، والغياب التامّ لاستقلال القضاء واستخدامه في إعطاء شرعيّة على القرارات الأمنيّة” وفق تعبيره.

كما يرى أنّه من الصعب جدًّا أن تعمل من منظّمة العفو الدوليّة في مصر في الوقت الراهن، ربّما أيضًا من المستحيل الزيارة لعمل أبحاث أو تقارير، أو حتّى التسجيل في مصر، لكنّا سنتابع الأوضاع لنرى إذا كانت هذه الخطوة ستلحقها قرارات أخرى، أم أنّ هذا هو مفهوم الدولة عن إطلاق حرّيّة العمل المدنيّ في مصر.

يتّفق مع بيومي في الرأي، مدير البرامج في منظّمة هيومينا لحقوق الإنسان مصطفى فؤاد، الّذي استدعي للمثول أمام قاضي التحقيق في القضيّة 173، لكنّه سافر ليكمل عمله من الخارج قبل أن يمنع من السفر، إذا يعتبر فؤاد أنّه سيبقى في الخارج لفترة طويلة، لأنّه لا يرى تحسّنًا فعليًّا فيما يتعلّق بحرّيّة عمل المنظّمات الحقوقيّة، ويقول لزاوية ثالثة “بعد 13 سنة من القضيّة 173، وضمّ لها العديد من الأفراد والمنظّمات الحقوقيّة، تصحيح الخطأ ليس عدلًا” وتساءل عن أسباب اتّخاذ خطوة إغلاق القضيّة وما إذا كانت مؤشّرًا على أنّ السلطة الحاليّة قرّرت فتح الفضاء العامّ وحرّيّة العمل المدنيّ، أم أنّها فقط نتيجة ضغوطات أوروبّيّة مستمرّة، خصوصًا بعد الزيارة الأوروبّيّة الأخيرة. ودلّل فؤاد تخوّفه استنادًا إلى تقرير أصدره مرصد سيفكوس لقياس حالة المجتمع المدنيّ والحرّيّات المدنيّة، يقول إنّ مصر دولة مغلقة تمامًا، فيما يتعلّق بحرّيّة عمل المنظّمات الحقوقيّة.

 

تعوّد القضيّة 173 إلى عام 2011، عندما طلب مجلس الوزراء من وزارة العدل تشكيل لجنة مختصّة بالتحقيق في التمويلات الأجنبيّة الّتي تتلقّاها منظّمات المجتمع المدنيّ. طلبت المساعدة على هذا الشأن من وزارة التخطيط والتعاون الدوليّ، ووزارة التضامن الاجتماعيّ، وجهاز الأمن الوطنيّ، والمخابرات العامّة، ووزارة الخارجيّة. في ديسمبر 2011، داهمت الشرطة مقارّ 17 من تلك المنظّمات، واحتجزت عددًا من العاملين فيها وصادرت ممتلكاتهم. قبل أن تحال 43 من العاملين في تلك المنظّمات – من بينهم 27 أجنبيًّا – إلى المحاكمة في فبراير 2012، بتهم تشمل “تلقي الأموال من الخارج بهدف الإضرار بالمصلحة القوميّة أو المساس بالاستقلال الوطنيّ أو الوحدة الوطنيّة، وإدارة جمعيّات بدون ترخيص”. في يونيو 2014، أصدرت محكمة جنايات القاهرة أحكامًا بالسجن تتراوح بين سنة وخمس سنوات على 43 متّهمًا أجنبيًّا ومصريًّا من منظّمات دوليّة، وأمرت بإغلاق منظّمات مثل “المعهد الجمهوريّ الدوليّ” و “المعهد الديمقراطيّ الوطنيّ” و “فريدوم هاوس” و “المركز الدوليّ للصحفيّين” و “مؤسّسة كونراد أديناور”. بعد ذلك، انقسمت القضيّة إلى جزءين؛ الأوّل خصّص للمنظّمات الأجنبيّة العاملة في مصر، وانتهى في ديسمبر 2018 ببراءة جميع المتّهمين الأجانب. والثاني يتعلّق بالمنظّمات المحلّيّة.

وعلى مدى 13 عامًا، صدرت العديد من قرارات الحجز على الأموال ومنع السفر بحقّ العاملين في منظّمات المجتمع المدنيّ، قبل أن تصدر قرارات بحفظ التحقيق مع بعضهم، والّتي لم تشمل أغلب الممنوعين من السفر أو المتحفّظ على أموالهم. في أغسطس الماضي، أفادت وزارة العدل بأنّ قاضي التحقيق في قضيّة “التمويل الأجنبيّ” أنهى التحقيق في 75 منظّمة، وأصدر أوامر بحفظ القضايا بسبب عدم وجود ما يبرّر مواصلة الملاحقة الجنائيّة، ممّا يؤدّي إلى إلغاء قرارات منع السفر أو وضعهم على قوائم المراقبة أو حجز الأموال.

أحمد جمال زيادة
صحفيّ استقصائي مصريّ؛ رئيس تحرير زاوية ثالثة، حاصل على ماجستير علوم سياسيّة وعلاقات دوليّة من جامعة بروكسل الحرّة، وعلى ليسانس تاريخ وحضارة من جامعة الأزهر بالقاهرة، عضو نقابة الصحفيّين المصريّين. يكتب في ملفّات السياسة والحقوق والاقتصاد.

Search