شركات النقل التشاركي في مصر: أمان مفقود ورقابة غائبة

رغم وجود قانون ينظم عمل تلك الشركات، يرى قانونيون أن القانون أولى اهتمامه بالتراخيص وكيفية تحصيل الضرائب والأموال من الشركات، ولم يراعي توفير آليات الأمان للمواطنين في الخدمة
شيماء حمدي

ساعد في جمع المعلومات وتحليلها وإجراء هذا التحقيق الباحثة أميمة عماد

 

نظرات مريبة وخادشة عبر المرآة، دفعت تهاني لاشين إلى أن ينتابها القلق والتوتر، قبل أن تطلب من سائق السيارة التي استقلتها في رحلتها من منزلها  إلى إحدى المحال التجارية بالكف عن تلك النظرات والتركيز في طريقه، لكن رد السائق حُمّل بـ السخرية والتهكم والسباب، لتطلب هي التوقف فورًا وإنهاء الرحلة، مغادرة السيارة.

لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها “لاشين” لموقف تصفه  بـ “المرتبك والموتر” من شركات النقل البري باستخدام التكنولوجيا، إذ أنها اختبرت واقعة سابقة منذ أربع سنوات، عندما طلبت سيارة باستخدام إحدى تطبيقات سيارات النقل الذكي عقب الإفطار في رمضان من عام 2020، وأثناء الرحلة توقف السائق فجأة لتجد نفسها أمام محاولة سرقة قبل أن تستطيع الهرب، ومن ثم أرسلت للشركة شكوى لكنها اكتفت بتوجيهها إلى أقرب قسم شرطة لتحرير محضر.

شركات النقل التشاركي أو النقل الذكي؛ هي شركات تقدم خدمات النقل للركاب باستخدام تطبيقات عبر الهواتف المحمولة. ودشنت “أوبر” و”كريم” أولى التطبيقات التي بدأت في السوق المصري عام 2014 داخل العاصمة القاهرة، قبل أن يتزايد عدد الشركات المقدِمة للخدمة وتنتشر في أنحاء الجمهورية. ولا توجد إحصائية رسمية بعدد الشركات المرخصة في مصر منذ 2014 وحتى الآن، لكن هناك شركات برزت أسمائها في السوق المصري من بينها ( أوبر، إندريفر، ديدي، سويفل، زووم كار، بولت، بروفيشنال تاكسي، إيجي تاكسي، تاكسي لندن، دابسي”.


وخلال السنوات الأخيرة تزايدت شكاوى المواطنين مما يتعرضون له أثناء الخدمة في ظل غياب تام لوسائل الأمن والأمان أثناء رحلتهم، دون تدخل حقيقي سواء من الشركات أو الدولة للحد من تلك الانتهاكات، فعلى سبيل المثال كشفت تحقيقات النيابة في قضية حبيبة الشماع، أن هناك 13 امرأة أخرى تقدمن بشكاوى لشركة أوبر ضد السائق المتهم إلا أنه لم يتم الرد عليهن بعد، ولا توجد أي إحصائية رسمية حول عدد الشكاوى الرسمية التي يتقدم بها العملاء لشركات النقل التشاركي.

في هذا التحقيق ترصد زاوية ثالثة الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون في مصر أثناء استخدامهم وسائل النقل التشاركي باستخدام التكنولوجيا، والأسباب التي أدت إلى ظهور تلك الانتهاكات، التي تنوعت ما بين تحرش وسرقة واستغلال، ومدى تدخل الشركات والدولة لوقفها.

 في سبيل ذلك أجرينا مقابلات مع مواطنين/ات، وقمنا بإجراء استطلاع رأي استهدف 100 مواطن، تم اختيار العينة من خلال نشر الاستطلاع على عشر مجموعات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تضم عدد من النساء والرجال بمختلف الأعمار والخلفيات والوظائف.

 

سرقة وتحرش وانتهاكات أخرى

خلال السنوات الأخيرة، تزايدت الشكاوى المحملة بالانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون أثناء رحلاتهم، والتي تنوعت ما بين تحرش وسرقة وتهديد واستغلال وغيرها. بثينة سعيد -مواطنة مصرية أربعينية، تقيم في منطقة الشيخ زايد بمحافظة الجيزة، تعرضت لسرقة من سائق في إحدى شركات النقل التشاركي.

تروى بثينة التي تعمل في مجال التجميل وتصفيف الشعر ما تعرضت له وتقول:”طلبت سيارة من تطبيق أوبر أثناء ذهابي لإحدى الشوارع التجارية في منطقة المهندسين بالجيزة، وبعد انتهاء الرحلة و نزولي من السيارة اكتشفت أن هاتفي ليس معي، سريعًا قمت بالاتصال على رقمي ليرد السائق الذي أكد لي بأنه وجد الهاتف، واتفقنا على المقابلة لاسترداد هاتفي بعد انتهائه من رحلته الجارية”.

وتابعت: ” بعد ساعات قليلة حاولت التواصل معه مجددا لكني وجدت هاتفي مغلقًا، ما دفعني للوصول لأقرب فرع لشركة الاتصالات وقمت باستخراج شريحة جديدة واستخدمت هاتف آخر كان معي واسترجعت كافة الحسابات، من بينها حساب أوبر واستطعت التواصل مع السائق، لكني فوجئت بأنه أنكر كل ما تم الاتفاق عليه، وأنكر وجود هاتفي معه وأصر على الإنكار، وهو ما دفعني للذهاب إلى قسم الشرطة وتحرير محضر بالواقعة لكن دون جدوى. ورغم مرور فترة زمنية كبيرة لم يتم التحقيق في الواقعة”.

وتؤكد “سعيد” أنها ذهبت إلى مقر شركة “أوبر” حينها في شارع محمد محمود المتفرع من ميدان التحرير لكن دون جدوى، وتضيف: “استخدم الآن تطبيقًا آخر غير أوبر، إذ أنني اعتمد بشكل كبير على مثل هذه التطبيقات في تحركاتي، بسبب طبيعة عملي”.

أما جيرمين غبريال تروي ما تعرضت له شقيقتها وطفلها مع سائق بشركة “ديدي” وتقول: “ذهبت شقيقتي لاستلام طفلي من الحضانة وطلبت سيارة باستخدام تطبيق ديدي، ثم طلبت شقيقتي من السائق تشغيل مكيف الهواء، لارتفاع درجة الحرارة في هذا اليوم، لكنها فوجئت برفض السائق الذي أبلغها أن تشغيل المكيف بتكلفة إضافية”.

تضيف: “شقيقتي طلبت من السائق التوقف وإلغاء الرحلة لأنها لن تستطع استكمالها دون مكيف في ظل ارتفاع درجة الحرارة داخل السيارة، خصوصًا أن الطفل لم يتحمل حرارة الجو، لكن السائق قابل طلبها بالسب والقذف وعصبية شديدة غير مبررة”. اتخذت بعد ذلك الإجراءات الاعتيادية في أن تتقدم بشكوى للشركة المسؤولة، لكن ردها لم يكن متوقعًا، إذ أرسلت رصيدًا بقيمة عشرة جنيهات، كتعويض مادي دون أية اعتبارات أو خطوات أخرى. 

وكانت محكمة جنايات القاهرة، قد قضت الإثنين 15 إبريل، بمعاقبة سائق شركة التوصيل أوبر، المتهم في واقعة وفاة حبيبة الشماع، بالسجن المشدد 15 سنة، وإلغاء رخصة القيادة، وغرامة 50 ألف جنيه.

 

وتوفيت حبيبة الشماع في منتصف شهر مارس الماضي، بعد تدهور حالتها الصحية على إثر قفزها من إحدى سيارات الأجرة، خوفًا من محاولة خطفها على يد السائق، بعد أن قام برش معطر داخل السيارة خلال قيادته بسرعة كبيرة على طريق السويس، ما بث الرعب في نفس الفتاة ودفعها للقفز إلى الخارج. وقد تعرضت إثر ذلك إلى نزيف في المخ، واضطراب في درجة الوعي، لتظل حبيبة في حالة فقدان للوعي مدة ثلاثة أسابيع قبل أن تفارق الحياة.

وكان محمد الأمين -محامي أسرة حبيبة الشماع- قد تقدم ببلاغ رسمي ضد الممثل القانوني لشركة “أوبر” في أميركا، ونظيره في مصر، متهمًا الشركة والسائق بالإهمال وتعريض حياة الآخرين للخطر، وذلك بعد ثبوت تعاطي السائق المتهم المخدرات، مطالبًا بالتعويض المدني وتحميل الشركة مسؤولية كافة التبعات القانونية.

وبعد أيام قليلة من وفاة حبيبة الشماع، ألقت الأجهزة الأمنية القبض على سائق في شركة “ديدي” ، لاتهامه بالتحرش ومحاولة هتك عرض طالبة أثناء توصيلها من الجامعة الكندية إلى منزلها في مدينة “السادس من أكتوبر” خلال نهار رمضان، وذلك قبل أن تقرر الطالبة التصالح معه والتنازل عن المحضر المحرر ضده. 

وكانت يارا طالبة طب الأسنان بالجامعة الكندية، قد استقلت سيارة تابعة لشركة التوصيل “دي دي”، من أمام منزلها بمدينة السادس من أكتوبر في اتجاهها إلى كليتها. 

وبحسب ما ذكرته طالبة طب الأسنان في التحقيقات قبل أن تقرر التنازل، فقد حاول السائق، أثناء الرحلة التعدي على الطالبة بعد أن أسقط بنطاله داخل السيارة، ما أثار ذعرها، فاستغاثت ببلاغ لدى الأجهزة الأمنية.

أمان منقوص وحقوق ضائعة

عقب حادثة حبيبة الشماع، تواردت شكاوى المواطنين/ات على مواقع التواصل الاجتماعي من ردود الفعل الواردة من سائقي شركات النقل التشاركي، ورغم تنوع الشكاوى والأسباب لكن معظمها توافقت حول تراجع مستوى الأمان خلال الخدمة التي تقدمها هذه الشركات، إلى جانب عدم اكتراثها بتوفير مستوى أعلى للأمان، فضلًا عن عدم اكتراث السلطة المصرية بتوفير آليات لتأمين مستخدمي الشركات رغم تزايد الشكاوى والمعاناة.

شارك 100 مواطن/ة في استبيان غير علمي أجريناه عبر مجموعات مختلفة على موقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك، تبين من نتائجه أن 54% من المشاركين/ات تعرضوا لأزمات ومشاكل أثناء استخدامهم الخدمة في مقابل 46% لم يتعرضوا لأي أزمات أو مشاكل أثناء الرحلة.

وجاءت النسبة الأكبر ممن تعرضوا لمشاكل وانتهاكات أثناء الخدمة من الذكور بنسبة 56.35%، في مقابل تعرض الإناث بنسبة أقل للانتهاكات والأزمات بمعدل 52.90%

 

ووفقًا لنتائج الاستبيان فإن النسبة الأكبر من المشاركين/ات في الاستبيان يلجأون لاستخدام خدمات النقل التشاركي باستخدام تكنولوجيا المعلومات بسبب السرعة والسهولة التي تقدمها الخدمة، حيث أكد 74% من المشاركين/ات أنهم على الرغم من الأزمات والمشاكل التي يتعرضون لها مازالوا يستخدمون هذه الخدمة، فيما أكد 58% من المشاركين/ات أنهم غير راضين عن الخدمة ويقيّمونها بـ “الضعيفة”، بينما رأى 1% فقط أن الخدمة ممتازة.

وتنوعت الانتهاكات التي تعرض لها المستخدمين/ات ما بين (تحرش، عنف لفظي، سرقة، بلطجة) فيما جاءت النسبة الأغلب في خانة انتهاكات أخرى بنسبة 64.81%؛ إذ تنوعت الأخرى ما بين السرعة المتهورة أثناء القيادة، ورفض استكمال الرحلة بسبب حالة الطرق، والتدخين رغمًا عن العميل، والتدخل في الحياة الخاصة، والشجار بسبب رغبة العميل الدفع عن طريق الفيزا وغيرها.

الجدير بالذكر أن أغلب ممن شاركوا في ملء الاستبيان كُن من الإناث بنسبة 68% في مقابل 32% من الذكور، وهو ما يشير إلى احتمالية أن يكون النسبة من عملاء خدمة النقل البري باستخدام تكنولوجيا المعلومات في مصر من النساء، نظرًا لما توفره هذه الخدمة من سهولة في الحركة بعيدًا عن زحام المواصلات العامة.

تعليقًا، ترى آية حمدي المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، أن واقعة حبيبة الشماع  مع سائق أوبر أكدت أن المواطنين عمومًا وبشكل خاص النساء في حاجة لآليات حماية تكنولوجية أثناء استخدام وسائل المواصلات الخاصة. مضيفة أن هناك بعض وسائل الأمان التي يجب توافرها؛ أولها طلب تتبع من الشركة لخط سير العميل مع السائق، ثانيًا فتح الكاميرا بعد إذن العميل/العميلة أثناء الطريق للأمان، وتعد تلك الإجراءات من آليات الحماية التكنولوجية البسيطة، وفي نفس الوقت من الممكن خلالها تجنب تكرار واقعة حبيبة الشماع.

وعن كيفية التصرف في حال ارتكاب السائق لانتهاك في حق العملاء وبخاصة السيدات، تضيف: “على النساء في حال تعرضهن لأي انتهاك سواء كان تحرش أو سب أو تعنيف أو محاولة خطف، المحاولة بقدر الإمكان فتح كاميرا الموبايل وبدء بث مباشر وتهديد السائق بالاتصال بالنجدة، وإذا كانت نافذة السيارة مفتوحة عليها بالصراخ والاستغاثة بالمارين في الشارع. هذه الطرق تجعل السائق يتوقف فورًا، خوفًا مما سيتعرض له.

بالنسبة للشق القانوني، تستطرد: “أول ما يجب على الفتاة القيام به في حال تعرضها لانتهاك أثناء الرحلة، الاحتفاظ ببيانات السيارة  ومواصفاتها، واللجوء لأقرب قسم شرطة وتقديم بلاغ رسمي يرفق فيه كافة التسجيلات التي قامت بها العميلة أثناء الرحلة. وتعتبر تلك الإجراءات قرينة ضد السائق على حدوث الواقعة، سواء بالانتهاك أو تهديد حياة العميلة”. مشددة على ضرورة إخبار شخص من الأسرة على الأقل بخط الرحلة خصوصًا في المسافات الطويلة.

ووفقا للاستبيان طالب ما يقارب 70% من المشاركين/ات بضرورة توفير وسائل أمان داخل السيارات التي تعمل ضمن خدمة النقل البري باستخدام التكنولوجيا، ومن بين اقتراحات المشاركين/ات؛ ضرورة توفير خدمة عملاء متخصصة في استقبال الشكاوى من العملاء والرد عليها خلال فترة زمنية محددة.

 طالب المشاركون في الاستبيان بتسهيل الحصول على بيانات السائقين (صورة البطاقة أو الرخصة) لسهولة تقديم شكاوى قانونية أو محاضر في أقسام الشرطة إذا تطلب الأمر ذلك، وتوفير خصائص أخرى في البرامج لتوفير مزيد من الأمان خصوصًا للسيدات، وتطبيق الإجراءات الإلزامية المعتادة في كل الشركات على من يعمل بشركات التوصيل، مثل تقديم السائق أوراق الهوية الكاملة وفيش وتشبيه، فضلًا عن المطالبة بتوفير سائقات سيدات ووضع كاميرا في السياره تفتح بإذن الراكب، وكذلك ضرورة وجود اتصال مباشر بالجهات الأمنية داخل التطبيق، وتوفير طريقة سريعة للتبليغ حال الشعور بالخطر أو تقديم شكوى والرد عليها بشكل فوري وغيرها من المقترحات التي تستهدف رفع معدل الأمان.

 

حسابات مزيفة

يسرد محمود توفيق – يعمل في مكتب محاماة بمنطقة وسط البلد بمحافظة القاهرة-، ما تعرض له أثناء رحلته مع سائق أوبر. يقول: “قمت بطلب رحلة من خلال تطبيق أوبر، وأثناء الرحلة مررنا على كمين شرطة، سأل ضابط الشرطة، السائق، حول ما إذا كانت لديه أية سجلات قضائية أو جنائية، لكن السائق نفى تمامًا الأمر، مؤكدًا أن صفحته الجنائية نظيفة تمامًا”.

يستطرد: “الضابط لم يرد تعطيل الرحلة، وسمح لنا بالمرور دون الكشف عن بطاقة السائق، لكني فوجئت بالسائق بعدما مررنا من الكمين يخبرني أنه مدان في قضايا مخدرات، ما أصابني بالدهشة، خاصة أن شركة أوبر تطلب صحيفة جنائية قبل فتح الحسابات والعمل، ليجيبني أنه لا يملك الحساب”.

من جهته، يؤكد أحمد عبد السلام – مقيم بأحد أحياء جنوب القاهرة ويعمل في إحدى الشركات الخاصة كوظيفة أساسية وسائق في عدد من التطبيقات في عمل إضافي، لزيادة الدخل على حقيقة ما تعرض له محمود أثناء رحلته.

يقول: “من خلال عملي لسنوات في تطبيق مثل أوبر، وديدي مؤخرًا، أستطيع أن أقول أن الأوراق الخاصة بفحص السيارات يمكن تزوير نتائجها وخاصة أن الشركات تعتمد ما يقدمه السائقون من أوراق دون التأكد من صحتها، إلى جانب انتشار حسابات غير حقيقية بين سائقي جميع التطبيقات، وهناك شركات مجال عملها قائم على هذا الأمر، تقوم بتدشين حسابات بأسماء مستعارة وتسليمها لأشخاص آخرين لاستخدامها والعمل من خلالها”.

يسرد تجربته الخاصة: “تعرضت لغلق الحساب في أوبر بسبب أن إطارات السيارة لم تكن أصلية الصنع. وجدت أن هناك شركة تواصلت معي بعدها بأيام لتقدم عرض حساب جديد للعمل من خلاله في مقابل 900 جنيهًا، كان ذلك منذ عامين تقريبًا”. موضحًا أن خطورة  شراء السائقين حسابات مزيفة تكمن في أن السائق يعمل بحساب شخص آخر، ما يعني أن كافة البيانات المتاحة للعميل في هذه الحالة لا تمت للسائق بصلة، وهو ما يصعب على العميل الشكوى واتخاذ أية إجراءات مع السائق المخالف أو من يقوم بالانتهاك”.

عبر مجموعات أُنشئت على تطبيق “فيسبوك” ضمت عددًا كبيرًا من السائقين أو الراغبين في العمل ضمن فريق سائقي النقل البري التشاركي باستخدام التكنولوجيا مثل مجموعة (مشاكل كباتن النقل الذكي)، انتشرت إعلانات مختلفة المصدر ومتشابهة المضمون للراغبين في فك الحظر الذي حصل عليه السائق من قبل الشركة نتيجة مخالفاته وانتهاكاته، إضافة إلى مساعدة السائقين في عمل الأوراق المطلوب تقديمها للشركات، فضلًا عن تسهيلات فحص السيارة.

تواصلت زاوية ثالثة مع إعلان من خلال رقم الهاتف الذي تركه أحد المعلنين عبر جروب على الفيسبوك. وأكد المعلن – فضّل عدم ذكر أية تفاصيل تدل على هويته الخاصة- استعداده لتقديم تسهيلات للتسجيل في تطبيقات أوبر وديدي وإن دريفر بمقابل مادي يتراوح ما بين 800 إلى 1200 جنيهًا، ويتم تحديد المبلغ وفقًا الإجراء المتخذ.

وأكد المعلن أن مبلغ الـ 800 جنيه، رسوم فتح حساب في حالة سلامة كل أوراق السيارة والسائق، بينما يتم دفع مبلغ 1200 جنيهًا، في حال تسهيلات فحص “ناسيتا” للسيارة التي ستعمل ضمن خدمة النقل التشاركي. مشددًا على ضرورة دفع مقدمة للخدمة عبر فودافون كاش قبل أية خطوات أو إجراءات.

وفحص ناسيتا، هو فحص يتم لعدة عناصر مختلفة في السيارة، بما في ذلك (نظام الفرامل، نظام التوجيه، أضواء المركبة، أحزمة الأمان، العجلات والإطارات، نظام العادم وانبعاثات العادم، الهيكل الخارجي للمركبة والتآكل، أنظمة الإنارة والإشارات… وغيرها).

معلن آخر تواصلنا معه – فضّل عدم ذكر اسمه أيضًا- يقول: “في حال كان موديل السيارة قديم لن يتم قبولها في فحص شركة أوبر، وبالتالي نحن نستطيع تعديل الموديل إلى آخر أحدث في الأوراق المقدمة إلى الشركة، أو بدء حساب للسائق بأوراق سيارة أخرى مقابل رسوم أعلى تصل إلى 1500 جنيه، وإذا كان لدى السائق مشاكل جنائية بمقابل 300 جنيه نستطيع الحصول على فيش (وثيقة الحالة الجنائية) خالي من أي أحكام”.

وتستعد نيابة الشئون المالية لإحالة المتهم في واقعة حبيبة الشماع، إلى قضية جديدة وهي “تزوير محررات رسمية للعمل في شركة أوبر” للمحكمة الاقتصادية لتحديد جلسة محاكمته عن التهم الموجهة له.

وكان الممثل القانونى لشركة “أوبر” شهد أن المتهم في واقعة حبيبة الشماع، قد أُغلق حسابه عبر تطبيق الشركة من قبل، لكثرة شكاوى مستخدمي التطبيق ضده، إلا أنه أنشأ حسابًا آخرًا عن طريق استخدام رقم قومي مختلف، استطاع من خلاله إعادة استخدام التطبيق، وقد نسخت النيابة العامة صورة من الأوراق خصصتها لتحقيق واقعة التزوير تلك، كما طالعت الشكاوى المقدمة ضد المتهم بالشركة التي يعمل بها، فتبينت في واحدة منها شكوى لسيدة قررت أنه تحرش بها جسديًا.

تحركات برلمانية “هامشية دون المساس بالقانون”

عقب الواقعة التي أودت بحياة حبيبة الشماع، تقدمت النائبة ألفت المزلاوي – أمين سر لجنة القوي العاملة بالبرلمان- ببيان عاجل للمستشار حنفي جبالي -رئيس مجلس النواب-، موجه لوزير الاتصالات والجهات المعنية حول فتح ملفات شركات “أوبر” و “إن دريفر” و”ديدي” وإخضاع السائقين لـ تحاليل المخدرات قبل تعيينهم.

وفي تصريحات صحفية، قال النائب طه الناظر – عضو مجلس النواب-، إنه سيتم تعديل نظام شركات النقل الذكي لمنع تكرار الحوادث، لافتًا إلى أن لجنة الاتصالات بمجلس النواب بدأت في التحرك من أجل التعديل الخاص بالخدمة. مشيرًا إلى إضافة زر الاستغاثة أو طلب المساعدة داخل التطبيق، لضمان التدخل السريع على أن يتم تفعيله على النظام الخاص بمنظومة النقل الذكي، فضلًا عن إضافة برنامج لمراقبة الرحلة بأكملها. مبينًا أنه سيتم مراقبة كاملة على الرحلة من البداية والنهاية، وأيضًا توفير الأمان للسائق، ووضع حاجز بين العميل والسائق.

تجدر الإشارة بأنه في يوليو من عام 2020، أعلن أحمد سمير فرج القائم بأعمال رئيس جهاز حماية المستهلك بإلزام شركة “أوبر” بزيادة عناصر الأمان للمستهلكين، بعد استدعائه شركة أوبر لفحص شكوى إحدى الشاكيات بعد انتشارها على موقع التواصل الاجتماعى “فيسبوك” تضررت فيها من سوء الخدمة المقدمة إليها، وقد أشارت إلى الجهاز في محاولة منها لطلب المساعدة، نظرًا لعدم استجابة الشركة لها، إذ رفضت إمدادها ببيانات السائق لتحرير بلاغ في قسم الشرطة.

وكان القائم بأعمال رئيس جهاز حماية المستهلك قد أعلن بأنه تم الاتفاق مع الشركة على تفعيل خاصية الطوارئ بالتطبيق، وتتيح للعملاء الذين قد لا يشعرون بالأمان أثناء الرحلة بالتواصل مع فريق متخصص خلال دقائق قليلة لتقديم المساعدة دون علم السائق، وتعهدت الشركة بالانتهاء من تفعيل تلك الخاصية بناء على طلب الجهاز قبل نهاية أغسطس 2020، ما لم يحدث حتى الآن.

وينظم النقل البري المستخدم في الأغراض التجارية، قانون 87 لسنة 2018 الخاص بتنظيم خدمات النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، وقد أصدر القانون بعد ما يقارب من ثلاث سنوات من بدء خدمة أوبر وكريم في مصر.

ورغم وجود قانون ينظم عمل تلك الشركات، يرى قانونيون أن القانون أولى اهتمامه بالتراخيص وكيفية تحصيل الضرائب والأموال من الشركات، ولم يراعي توفير آليات الأمان للمواطنين في الخدمة.

يقول المحامي الحقوقي خالد الأنصاري: “لدينا قانون ينظم عمل شركات النقل البري الخاصة في مصر منذ 2018، لكنه فرض في عجلة من الزمن، محاولًا تنظيم العلاقة بين الدولة وشركات النقل البري فيما يخص الضرائب والتراخيص الخاص به والرسوم، في المقابل تضمن القانون جوانب قصور كثيرة فيما يخص تنظيم العلاقة بين شركات النقل البري والعملاء، وتنظيم العلاقة بين شركات النقل البري والعمال”.

ويضيف المحامي الحقوقي: لحماية العملاء نحتاج أن نبدأ من السائق نفسه، ويكون هناك قواعد صارمة لاختياره، إضافة إلى فحوصات طبية ونفسية دورية للتأكد من مدى أهليته للعمل، ومن المهم أن يتمتع العامل/ السائق بحماية اجتماعية وصحية وتأمين ضد مخاطر الحوادث، إلى جانب المتابعة الدورية أثناء العمل على مدار الساعة لمتابعة أداء العاملين بالشركات، فضلًا عن ضرورة وجود فريق تدخل سريع بالتنسيق مع الجهات الأمنية المختصة في حالة وجود أي مشاكل، وكذلك ضرورة تسجيل الرحلة بالصوت والصورة لدى الشركة والعميل والعامل. مطالبًا بتدخل السلطة التشريعية وتعديل القانون رقم 87 لسنة 2018 في أسرع وقت ممكن ليضع شركات النقل البري في مسئولية مباشرة عن نتائج أي جرائم تحدث طالما لم تتخذ تلك الشركات التدابير اللازمة لمنعها.

ويوضح أنه يجب أن يشتمل التعديل على بيان التدابير الواجب إتخاذها من قبل الشركات في اختيار العامل وحمايته وفي حماية العملاء ويجب أن يتم الاعتماد على تكنولوجيا تلك الشركات فيما يخص حمايتهم. كما يجب أن يكون هناك ممثل رسمي لتلك الشركات أو وكيل في مصر وليس فقط من خلال التطبيق أو من خلال ما يسمى شركات “الاوت سورس”.

من جهتنا، حاولنا التواصل مع ممثلي شركات “أوبر، وديدي، وإن درايف” لمعرفة الخطوات المبدئية التي اتخذتها للحد من تكرار مثل هذه الحوادث، لكننا لم نتمكن من الحصول على أي رد، نظرًا لعدم وجود خدمة عملاء في تطبيقي “ديدي” و”إن درايفر”، فيما لم ترد علينا شركة “أوبر” حتى كتابة هذا التحقيق.

وعن أهمية تعديل القانون للحد من تلك الجرائم ترى النائبة مها عبد الناصر -عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي-، أن: “القانون نفسه له لائحة تنفيذية وبها مواد لم تطبق بعد، والمطلوب الآن هو تطبيق القانون، هناك قوانين غير مفعلة من الأساس”. مشيرة إلى أن اللائحة التنفيذية للقانون تتضمن الكثير من الإجراءات للجهة التنفيذية من بينها؛ المراقبة.

توضح أن وزارة النقل هي المسؤولة عن قطاع النقل الذكي، وأن هناك قرار لوزارة العدل، بمنح 22 من العاملين بجهاز تنظيم النقل البري الداخلي والدولي صفة مأموري الضبط القضائي ولم يتم تفعليه. وترى أن الانتهاكات التي تحدث من سائقي شركات النقل البري فردية وليست منتشرة، وقد تم استدعاء ممثل شركة “أوبر” للمثول أمام لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، وناقشت اللجنة كل التفاصيل الخاصة بالواقعة وأهمية أمان العملاء والعمل على عدم تكرار واقعة حبيبة الشماع. مضيفة: “لدينا جميعًا تحفظات على مستوى الخدمة وتراجعها خلال السنوات الأخيرة وهو ما أخبرت به ممثل أوبر، لكن في المقابل ما زالت هي الأفضل”، مؤكدة أن الشركة ستعمل على تحديث الخدمة من خلال توفير زر أمان في حال إحساس العميل بالخطر يمكنه الضغط عليه ويكون الزر متصلًا بالشركة ووزارة الداخلية والتي من شأنها تستطيع تحريك شرطة النجدة.

في المقابل، ترى المحامية الحقوقية هالة دومة، أن القانون بشكله الحالي غير كافٍ لأنه يهتم بالمخالفات المرورية وكيفية تحصيل غرامات وضرائب أي كيفية تحصيل الأموال من تلك الشركات، لكنه لم يهتم بالضوابط وإجراءات الأمان، ما فتح الباب أمام هذه الشركات لوضع لوائح وضوابط وفقًا لأهوائها.

وتشير إلى ضرورة وجود ضوابط عامة وآليات موحدة تطبق على كافة الشركات، وأن يكون هناك ضوابط خاصة بتعديل اللوائح التي تقوم بها الشركات بشكل مستمر دون النظر للعميل. على سبيل المثال “عدم وجود خدمة عملاء أو وسيلة تواصل مع بعض الشركات، يصعب من إجراءات تقديم الشكوى ومتابعتها وهو ما حدث معي شخصيًا”.

وعن المسؤولية الجنائية المدنية، تقول المحامية آية حمدي، المحامية بالاستئناف العالي ومجلس الدولة: “شركات النقل التشاركي في القانون تمثل شخصية معنوية وليست طبيعية، والقاعدة في القانون المصري أنه لا يعترف بالمسؤولية الجنائية للأشخاص المعنوية، بمعنى لا تحاسب  جنائيًا عن الجرائم التي يرتكبها موظفوها أثناء تأدية عملهم وإنما يسأل مرتكب الجريمة شخصيًا. وعلى هذا الأساس لا يوقع عليها عقوبة جنائية، ولهذا لم توقع عقوبة جنائية على شركة أوبر في حادثة حبيبة الشماع”.

أما بالنسبة للمساءلة المدنية، أوضحت “حمدي” أنه يمكن مساءلة شركة أوبر مسؤولية مدنية قانونًا بوصفها “متبوع مسؤول عن أعمال تابعة” (السائق المتهم)، خاصة مع وجود شكاوى سابقة مقدمة ضد المتهم لم تحقق فيها الشركة ولم تأخذ فيها أي إجراء. وأساس ذلك قانونًا أن علاقة التبعية تقوم على توافر الولاية في الرقابة والتوجيه بأن يكون للمتبوع سلطة فعلية في إصدار الأوامر إلى التابع في طريقة أداء عمل معين، يقوم به لحساب المتبوع وفي الرقابة عليه في تنفيذ هذه الأوامر ومحاسبته إذا خرج عليها، حتى ولو لم يكن المتبوع حرًا في اختيار التابع وهذا وفقًا للمادة 174 من القانون المدني. لذا وحسب “حمدي” فإن هناك مسؤولية مدنية تقع على شركة أوبر ومن الممكن مطالبتها بتعويض.

وبدأ النقل التشاركي في مصر عن طريق “أوبر” لأول مرة عام 2014، بعد ما يقارب  خمس سنوات من تأسيس الشركة في الولايات المتحدة الأمريكية،  لحقتها شركة “كريم” التي تأسست في دبي عام  2012، وبدأت الشركتان في تقنين أوضاعهما عقب صراع مع الحكومة المصرية، إذ تم وقف تراخيص المزاولة لهما ووقف التطبيقات أو البرامج التي يستخدمونها، بموجب حكم قضائي من محكمة القضاء الإداري في 2018، بدعوى مخالفة قانون المرور، بعد مطالبات من سائقي التاكسي الأبيض بوقف عملهما نظرًا للأثر السلبي الذي سببته تلك الشركات لسائقي التاكسي وعدم التزامهم بضوابط القانون نفسه.

وفي نفس العام، بدأت وزارة النقل المصرية في تفعيل القانون رقم 87 لسنة 2018 الخاص بتنظيم النقل البري للركاب باستخدام تكنولوجيا المعلومات، الذي سمح للشركتين بالعمل تحت مظلة هذا القانون، وعقب إقرار القانون استحوذت أوبر على شركة كريم، في صفقة تجاوزت ثلاثة مليارات دولار. بينما في سبتمبر لعام 2019، أصدر مصطفى مدبولي – رئيس مجلس الوزراء- اللائحة التنفيذية بشأن تطبيق أحكام قانون تنظيم النقل البري باستخدام تكنولوجيا المعلومات وتتكون من 35 مادة. 

ورغم القوانين المشار إليها في تحقيقنا، إلا أن المشرع لم يقدم حتى اللحظة أية مواد من شأنها إلزام شركات النقل التشاركي بتوفير حماية مشددة للعملاء خاصة من النساء، وتزداد الشكاوى كل يوم من مضايقات وانتهاكات تتعرض لها العميلات من السائقين، فمتى تنتبه السلطة لحل تلك المشكلة؟.

 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search