المعارضة تأكل نفسها.. هل تُطبّق الديمقراطية داخل مقر حزب الدستور؟

خلافات سياسية وتنظيمية داخل الحزب، وصلت إلى ذروتها أثناء انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة خلال الانتخابات الرئاسية، إذ هدفت إلى التصويت على قرار ترشح رئيسة الحزب في الانتخابات الرئاسية، انتهت بالتصويت بالانسحاب والتراجع عن قرار الترشح. وهو ما فعلته جميلة بالفعل
زاوية ثالثة

لفت حزب الدستور الأنظار على الساحة السياسية المصرية خلال الأيام القليلة الماضية، بعد أزمة توالت مظاهرها بداية من استحقاق الانتخابات الرئاسية الأخيرة، مرورًا بفصل عدد من قياداته الشابة إثر خلافات داخلية.

كان حزب الدستور قد تأسس في سبتمبر من عام 2012، برئاسة السياسي ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأسبق محمد البرادعي، ويصنف الحزب كواحد من أبرز أحزاب تيارات المعارضة المصرية، إذ ينتمي أغلب قياداته إلى التيار الليبرالي. 

لم تكن الأزمة الحالية هي الأولى التي تعصف بالحزب المعارض، إذ أنه وفي عام 2013، أعلن عدد من قيادات الحزب تقديم استقالتهم، بعد عام واحد فقط من تأسيسه، كان أبرزهم القانوني البارز حسام عيسى، وكان يشغل رئيس هيئة تسيير الأعمال بالحزب. وسرعان ما تطور الأمر إلى إعلان عدد من أعضائه الاعتصام داخله، تأثرًا واحتجاجًا على الطريقة التي يُدار بها. إذ تفجرت الأزمة بسبب تأخر الحزب في الإعلان عن جدول الانتخابات، لتشكيل مستوياته العليا وهيئته.

 وقد خرجت التصريحات حينئذٍ من بعض مؤسسي الحزب لتعلن أن “الحزب يُدار بطريقة فاشلة، وأن لائحة الحزب تُكرّس الاستبداد عبر تعيين مندوبي الحزب وليس انتخابهم”. وعلى مدار ثلاث سنوات من تأسيسه، شهد الحزب عددًا من الصراعات الداخلية التي أدت إلى انسحاب متتالي لعدد من قياداته (مثل. الحقوقي جورج إسحاق، ووزير الثقافة الأسبق عماد أبو غازي، ووكيل مؤسسي الحزب أحمد دراج، والناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح، والإعلامية بثينة كامل، ورئيسة الحزب في عام 2013 هالة شكر الله)، أيضًا- أدت الخلافات إلى انحصار العضويات داخل الحزب لتصل من 21 ألف عضو إلى ما يقرب من 3500 عضو.

 

ما يحدث داخل حزب الدستور

يشهد الحزب الذي تتولى رئاسته المرشحة الرئاسية السابقة جميلة إسماعيل، منذ يوليو عام 2022، خلافًا جديدًا بين أعضاء الهيئة العليا، بعد أن صدر قرار أول من أمس السبت، بفصل ثلاثة من أعضاء الهيئة العليا؛ هم: محمد حمدون – مدير الشؤون القانونية-، وريهام الحكيم – أمين التنظيم والعضوية المركزية-، ومحمد عادل – أمين الحزب في محافظة الجيزة-، إضافة إلى تجميد نشاط عدد من الأعضاء داخل الهيئة على إثر خلافات سياسية وتنظيمية؛ أبرزها انضمام الحزب إلى التيار الحر، وقرار “إسماعيل” بالترشح في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وبحسب ما وصل إلى زاوية ثالثة من معلومات، فإن الأزمة التي طفت على السطح خلال الأيام القليلة الماضية، تمتد إلى أشهر سابقة على خلفية خلافات سياسية وتنظيمية داخل الحزب، وصلت إلى ذروتها أثناء انعقاد الجمعية العمومية الأخيرة خلال الانتخابات الرئاسية، إذ هدفت إلى التصويت على قرار ترشح رئيسة الحزب في الانتخابات الرئاسية، انتهت بالتصويت بالانسحاب والتراجع عن قرار الترشح. وهو ما فعلته جميلة بالفعل.

تواصلت زاوية ثالثة مع عدد ممن تم فصلهم وتجميد عضويتهم في القرارات الأخيرة لحزب الدستور، وقد أجمعوا أن هناك عامل مشترك في تفجر الأوضاع داخل الحزب مؤخرًا، تكمن في دخول الحزب كشريك في التيار الليبرالي الحر الذي تأسس في يونيو من العام الماضي، وضمّ عددًا من الأحزاب السياسية الليبرالية المعارضة، وأعلن عن تأسيسه في مؤتمر بحزب المحافظين، بحضور عددٍ من الشخصيات السياسية البارزة أبرزهم أحمد الطنطاوي – المرشح الرئاسي المحتمل ورئيس حزب الكرامة السابق-، وأكمل قرطام – رئيس حزب المحافظين-، والبرلماني السابق محمد أنور السادات – رئيس حزب الإصلاح والتنمية-، والناشر هشام قاسم، والبرلماني السابق إيهاب الخولي، والدكتور عماد جاد – الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية-، والمهندس حسين منصور – القيادي بحزب الوفد-، وخالد داوود، الكاتب الصحفي والرئيس السابق لحزب الدستور.

كان ذلك قبل أن يقرر التيار تجميد نشاطه والانسحاب من المشاركة في أي استحقاق انتخابي أو سياسي، في أعقاب أزمة حبس رئيس مجلس أمناء التيار، الناشر هشام قاسم، وإحالته للمحاكمة أمام المحكمة الاقتصادية في سبتمبر الماضي، نتيجة تقدم عضو لجنة العفو الرئاسي كمال أبو عيطة – وزير القوى العاملة الأسبق والمعارض الناصري- ببلاغ يتهم قاسم بالسب والقذف.

واعترض عدد من أعضاء الهيئة العليا داخل حزب الدستور على فكرة التحاق الحزب بالتيار قبل أن ينتهي التصويت لصالح الانضمام إلى التيار، ويرجع ذلك إلى الاختلاف الأيديولوجي بين توجه التيار الليبرالي وتوجه الحزب الديمقراطي الاجتماعي المنضم إلى المجموعة.

من جهته، يقول محمد حمدون – المدير القانوني في حزب الدستور، وأحد الذين تعرضوا للفصل- في حديثه إلى زاوية ثالثة إن: “تصريحات صحفية لقيادات داخل التيار الحر تسببت في أزمة داخل حزب الدستور، ما نتج عنه عودة المطالبة بضرورة الانسحاب من التيار، وفي النهاية أخضع الأمر للتصويت بعد محاولتين سابقتين، لتكون النتيجة التصويت لصالح الانسحاب من التيار”.

يوضح أن قرار الانسحاب من التيار الحر جاء على عكس رغبة رئيسة الحزب جميلة إسماعيل، ما نتج عنه تعطيل نشر القرار وتنفيذه حتى قرر التيار تجميد نشاطه نهائيًا عقب قرار الحزب بأيام. ما اعتبره “حمدون” مؤشر يدل على الانفراد بالقرارات دون النظر إلى هيئة المكتب والأعضاء.

ويستطرد “حمدون” الذي كان ضمن قائمة جميلة إسماعيل في انتخابات الدستور الأخيرة، متحدثًا عن أن أزمته داخل الحزب والتي انتهت بفصله، بدأت عقب الانتخابات التي أجريت في يوليو عام 2022. مضيفًا: “بصفتي مديرًا للشئون القانونية أحيلت إليّ مجموعة من الشكاوى للتحقيق، لكني فوجئت بطلب من رئيسة الحزب بعدم التحقيق مع بعض الأسماء المعروف عنهم تقربهم منها، ما رفضته واعتبرته تدخلًا غير مقبول في اختصاص اللجنة، وبناء عليه افتعلت إسماعيل بعض الأزمات واتهمتني بعدم الحيادية، ونتج عن ذلك تعطل سير التحقيقات”.

وتابع: “عقب أزمة التيار الحر، بدأت أزمة جديدة خاصة برغبة ترشح إسماعيل في الانتخابات الرئاسية، ففي سبتمبر الماضي طلبت إسماعيل من الهيئة العليا إصدار قرار يطالبها بالترشح في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ديسمبر الماضي، ما عارضته رغم موافقة أعضاء بالهيئة العليا، وطالبتُ بتطبيق اللائحة بضرورة موافقة ثلثي أعضاء الهيئة العليا ومن ثم التصويت داخل الجمعية العمومية، وهو ما حدث بعد ذلك”. مضيفًا أنه تم التصويت داخل الهيئة العليا، وجاءت النتيجة بموافقة عشرة أعضاء بترشح إسماعيل مقابل اعتراض خمسة من الأعضاء، ومن ثم بدأ التحضير لاجتماع الجمعية العمومية الذي رافقه أزمة خاصة بمن يحق لهم الحضور، فبحسب اللائحة يحق حضور أعضاء الجمعية المسددين للاشتراكات، لكنهم وحسب “حمدون” فوجئوا أن أمين الصندوق كان قد امتنع عن إصدار إيصالات السداد للأعضاء بعدما قام بتحصيل الاشتراكات عبر حساب (فودافون كاش) الخاص به وهو ما يخالف القواعد الحزبية والقانونية.

يستكمل: “فوجئنا بأن جميع الأعضاء ليس لديهم ما يثبت تسديد الاشتراكات، وأن الوحيد الذي يحق له التأكيد على سداد العضو من عدمه هو أمين الصندوق. وكان الهدف من ذلك هو التحكم في طريقة الحشد للجمعية العمومية كأحد وسائل هندسة نتائج التصويت”. مشيرًا إلى أن أمين الصندوق أخبرهم بأنه يستطيع دعوة عشرة أعضاء من أصل 80 فقط، اعترف بتسديد اشتراكاتهم، ما يخالف الحقيقة، حسب وصف “حمدون” الذي أكد أنهم وافقوا على رؤية أمين الصندوق شريطة عدم وضع شرط سداد الاشتراك مقابل حضور الجمعية العمومية والتصويت لترشح “إسماعيل” للانتخابات، لكنهم فوجئوا أن أمين الصندوق رفض التوقيع على الكشوف، ما نتج عنه إلغاء الجمعية العمومية التي كان من المقرر عقدها أول أكتوبر من قِبل رئيسة الحزب.

يتابع، أن الأمر تسبب في زيادة الاحتقان داخل الحزب، ما دفع إسماعيل إلى الدعوة لجمعية عمومية جديدة يوم 10 أكتوبر الماضي، صوتت برفض ترشح جميلة إسماعيل في الانتخابات الرئاسية. مشيرًا إلى أن “إسماعيل” قررت معاقبة تسعة من أعضاء الهيئة العليا الذين أصروا على عقد جمعية عمومية كاملة يحضر فيها ما يقارب 750 عضو محدث بياناتهم، وهو ما اعتبرته إسماعيل تحد لها، ونتج عنه إقدامها على تجميد الهيئة العليا من شهر نوفمبر الماضي. ومع تصاعد الأزمات وجدت أن الحل في التخلص من المعارضين فقامت بفصل ثلاثة وتجميد عضوية ستة أعضاء بالهيئة العليا، لتستطيع بعد ذلك إعادة تشكيل الهيئة بطريقة ترضيها. موضحًا أن من أصدر قرارات الفصل هيئة التحكيم، التي تعتبر بمثابة جهة استئنافية، في تجاوز واضح للجنة القانونية المنوط بها هذا الدور وفقًا للائحة.

 

وكان حزب الدستور قد أعلن عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، أمس الأحد، في منشورين، عن قرارين؛ الأول بخصوص فتح باب الترشح 21 أبريل الجاري، لأعضاء حزب الدستور فى محافظات الصعيد لانتخاب من يمثلهم وإعلان النتائج 26 مايو المقبل، والثاني إسناد أعمال أمانة التنظيم المركزية مؤقتًا إلى أمانة تنظيم محافظة القاهرة التى يرأسها محمد مصطفى، لحين انتخاب أمين التنظيم المركزي، وأيضًا- إسناد أعمال أمانة الشؤون القانونية بالحزب إلى ناصر صلاح الدين – المحامي بالنقض-، لحين إجراء الانتخابات لشغل المنصب.

 

من جهتها، تتفق ريهام الحكيم – أمين التنظيم التي صدر بحقها قرار الفصل- مع ما قاله “حمدون” فيما يخص أزمة حشد الجمعية العمومية والانتخابات ومحاولة  السيطرة عليها. متابعة أن الاختلاف وقت التصويت على الانضمام للتيار الحر، كان اختلاف صحيًا وطبقا لما يمارس في العمل السياسي.

وترى أن “إسماعيل” تعاملت بطريقة مهنية لائقة فيما يخص أزمة التيار الحر. مشيرة إلى أن التصويت بخروج الحزب من التيار الحر “بعدما فشلنا أكثر من مرة في أن يكون التصويت في صالح الخروج كان بداية انقلاب إسماعيل على المجموعة التي تراها معارضة داخل الهيئة العليا”.

توضح “الحكيم” أنها كانت تعارض دخول الحزب للتيار الحر لأنها رأت أنه “يحمل الخراب للحركة المدنية التي نحن جزء منها، وأن توجهات التيار مغايرة تمامًا لتوجهات الحزب”. مؤكدة أنها لم تعارض ترشح “إسماعيل” للانتخابات الرئاسية وكان هذا في شهر يوليو الماضي، لكنها دون سبب تأخرت في إعلان ترشحها أو اتخاذ خطوات حقيقية وجادة، ما جعل “الحكيم” تعيد النظر في قرار الترشح أثناء انعقاد الجمعية العمومية في أكتوبر الماضي، لـ تصوت ضد ترشحها.

معلقة على أزمة أمين الصندوق، تشير إلى أنه تعمد عدم تسليم ما يلزم بتسديد الاشتراكات لأعضاء الجمعية العمومية، وأن تسديد الاشتراك على المحفظة الإلكترونية الخاصة بأمين الصندوق الشخصي لا يعني إتمام السداد. مضيفة: “إصرارنا على حضور أعضاء الجمعية العمومية، جعل أمين الصندوق يطلب من هيئة التحكيم الخروج بفتوى بعمل استمارة إعفاء من الاشتراكات مقابل حضور الجمعية العمومية”.

تصر “الحكيم” على حشد الكشف الذي سبق ووقعت عليه، والخاص بدعوة كافة أعضاء الجمعية العمومية وعددهم نحو 750 عضوًا، واصفة ما حدث بـ “غير اللائحي”، وأنها سعت لوضع معايير سليمة ولائحة. موضحة أنه عقب فشل انعقاد الجمعية العمومية في بداية أكتوبر الماضي، انعقدت هيئة عليا ووجه لها بعض الحاضرين اتهامات بتعطيل الجمعية العمومية بعد أن رفضت الاقتصار على حضور عدد قليل من  الجمعية العمومية، وفقًا لرغبة أمين الصندوق. 

وعن أداء لجنة التحكيم التي أصدرت قراراتها الأخيرة، تقول إن اللجنة سبقت وأصدرت قرارًا بتجميد عضوية قياديين بالهيئة العليا هم أمير عيسى، ومحمد عادل، مدة ثلاثة أشهر، بدعوى التعدي على لجنة الانتخابات وهو ما لم يحدث – حسب شهادتها-، مردفة أن الأمر أثار الغضب وطرح تساؤلات بين أعضاء الحزب، ونتج عنه صدور قرار جماعي من الهيئة العليا بـ تعليق العمل بقرار لجنة التحكيم واستدعائها للمناقشة، التي رفضت الحضور للمناقشة. ومن هنا تدخلت جميلة إسماعيل لترأس جلسة الهيئة العليا وأصرت على عدم حضور محمد عادل، أحد المجمد عضويتهم حينئذٍ، وعمدت إلى تعطيل الهيئة العليا وإجبار الجميع على سريان قرار لجنة التحكيم.

واستطردت: “في النهاية قررنا الإعلان عن اجتماع هيئة عليا، لكسر حالة الجمود التي فرضتها رئيسة الحزب على الهيئة، في المقابل أصدرت لجنة التحكيم فتوى ببطلان اجتماعنا، ومن هنا انقسمت الهيئة إلى اجتماعين منفصلين، فيما قررنا سحب الثقة من هيئة التحكيم التي اجتمعت مجددًا وعند الحديث عن سحب الثقة انسحب الأمين العام ومعه المجموعة المؤيدة لرئيسة الحزب، لكننا استكملنا الاجتماع وقمنا بالتصويت على سحب الثقة من هيئة التحكيم، في المقابل، تقدم الأمين العام بشكوى ضدنا تسعة أعضاء ممن حضروا الاجتماع وهو ما نتج عنه قرار بتجميد نشاطنا وتم طردنا من مجموعات الحزب وسحب البيانات وقواعدها الخاصة بالحزب، ومن ثم أصدر قرار بفصل ثلاثة من الأعضاء، فصل نهائي واستمرار تجميد عضوية ستة من الأعضاء”.  

حاولت زاوية ثالثة التواصل مع رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، للتعليق على ما ورد من أعضاء الحزب المفصولين، إلا أنها لم توافينا بالإجابة على الأسئلة حتى كتابة هذا التقرير. فيما تحدثنا إلى بعض من أعضاء الحزب الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم، إذ أجمعوا على أن الحزب في طريقه إلى الانهيار جراء السياسات المتبعة، وأن الإدارة اختلقت العديد من المشكلات التي من الممكن أن تؤدي إلى تعزيز رغبة البعض في الدعوة إلى انتخابات مبكرة، لإزاحة “إسماعيل” عن رئاسته. ملمحين إلى الممارسات التي تجرى داخل حزب يعد من أحزاب المعارضة المصرية، لكنه لا يقبل المعارضة في داخله.

Search