زحام “مصطنع” في اليوم الثاني للانتخابات.. والمعارضة ما بين الرفض والتصويت العقابي

خالد داوود: طوابير وهمية.. و”الشعب الاشتراكي”: الناس محبطون.. إحالة منصة “صحيح مصر” للنائب العام بتهمة نشر أخبار كاذبة
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

على مدى يومي الانتخابات الأول والثاني، ردد الإعلام المصري، إلا قليلًا، أن الاقتراع عبّر عن انتخابات ديمقراطية، وهناك إقبال غير مسبوق وتاريخي، وبثت الفضائيات لقطات تظهر احتشاد الناخبين طوابيرَ أمام لجان التصويت، في حين انتقدت مصادر من المعارضة المدنية المشهد، واعتبرت أنه “مصطنع“.

وتداول نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع مصور لرجال من وزارة الداخلية يجبرون المواطنين، على النزول من سيارة ومن ثم التوجه إلى اللجنة للتصويت الإجباري.

كنا قد نشرنا أمس في “زاوية ثالثة” تقريرًا عن بعض مظاهر الحشد التي مارستها الدولة ممثلة في أجهزتها تحت عنوان “من الدوائر الحكومية إلى صناديق الاقتراع.. ما نعرفه عن حشد الناخبين“. إذ رصدنا ما تقوم به بعض المؤسسات والأجهزة من حشد للموظفين والعمال والحشد الإلكتروني أيضًا، للتوجه إلى صناديق الاقتراع.

وفي الوقت ذاته، باينت آراء المعارضة حول تقديرات المشاركة ما بين الضعيفة والأقل من المتوسط، وقال معارضون إن هناك حالة من الإحباط أصابت الشارع المصري بسبب الأوضاع الاقتصادية، عززتها الحرب التي تشنها قوات الاحتلال على قطاع غزة.

ويخوض الانتخابات الرئاسية والتي تبدو محسومة أربعة مرشحين، وهم: المرشح عبد الفتاح السيسي، والدكتور عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد، وفريد زهران رئيس حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهوري.

 

زهران والتصويت العقابي

فريد زهران أمام اللجان

 

تابعت حملة المرشح الرئاسي فريد زهران، رئيس حزب المصري الديمقراطي، سير العملية الانتخابية، من خلال غرفة عمليات دشنتها. ورصدت مخالفات من موظفين في السلطة التنفيذية وأنصار من تسميه “مرشح الدولة” عبدالفتاح السيسي، وقدمت الحملة قائمة بتلك المخالفات إلى الهيئة الوطنية للانتخابات، وذلك وفقًا لما قاله المحامي أحمد فوزي عضو الحملة.

وأكد فوزي أن هناك قطاعًا من القوى الديمقراطية تجاوز موقف مقاطعة الانتخابات، ودعا للتصويت لمرشحنا، وبهذا أصبح زهران بدرجة كبيرة، مرشح المعارضة أمام مرشح لديه نفوذ وسلطة.

رأى أن الحملة استطاعت أن تقدم أداء جيدًا، اعتبارًا من طرحها برنامجًا وتواجدها في المحافظات بنسبة معقولة مقارنة بإمكانياتها، مشيرًا إلى أن الإعلام كان متوازنًا ولم يكن فجًا في تأييده لمرشح السلطة.

كما أشار إلى عدم تدخل الاجهزة الأمنية في سير العملية الانتخابية سوى التنظيم فقط.

ووفقا لما رصدته الحملة في عدد من المحافظات، فإن الإقبال على التصويت يمكن تقديره بالأقل من المتوسط، وذلك بسبب الأزمات التي سبقت عملية الانتخابات فضلًا عن الوضع في غزة الذي ألقى بظلاله على الوضع العام في مصر.

وكانت الحركة المدنية الديمقراطية قد انقسمت حول الدعم والتصويت لفريد زهران، حيث قرر حزبا (المصري الديمقراطي والعدل) تجميد نشاطهما داخل الحركة، على خلفية بيان وقّع عليه غالبية أحزاب الحركة وشخصيات عامة في الحركة يعلنون عدم مشاركتهم في الانتخابات.

وكانت 9 أحزاب من أصل 12 حزبا في الحركة المدنية وقعوا بيان عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية؛ وعدم الدفع بمرشح يمثلهم، وهو البيان الذي نشره السياسي حمدين صباحي على صفحته على منصة “فيسبوك” في 12 من شهر نوفمبر الماضي.

وقبل بدء عملية الاقتراع بأيام قليلة بدأت شخصيات عامة من التيار الديمقراطي المعارض في إعلان دعمهم للمرشح فريد زهران، في الانتخابات الرئاسية الجارية، إعمالًا بسياسة (التصويت العقابي) ضد السيسي، ومن أبرز هؤلاء الناشطة ليلى سويف أستاذ الرياضيات بكلية العلوم ووالدة المعتقل السياسي علاء عبدالفتاح، وذلك على خلاف موقفها من الانتخابات الرئاسية في المرتين السابقتين.

ورأت “سويف” أن موقف المقاطعة بدون تحركات احتجاجية، سيرسل رسالة تسليم بالأمر الواقع، إلى جاني أن هناك المئات بل الآلاف سيتم الضغط عليهم للذهاب إلى اللجان الانتخابية والتصويت إما بالضغط عليها أو باستغلال فقرها، فهؤلاء من الممكن أن يتم توجيههم للتصويت لغير السيسي، ولاسيما أن ذهابهم للجان كان بالإجبار والتهديد.

 

زحام مصطنع

“هناك طابور من المواطنين ثابت أمام اللجنة بأعلام مصر بما يعطي إحساسًا زائفًا بالازدحام، لكن في الواقع هم ليس ناخبين، هم مواطنون وضعوا في هذا المكان بهدف افتعال ازدحام، وإعطاء شعور بالإقبال على الانتخابات، والحقيقة عكس ذلك”.

بتلك الكلمات وصف السياسي خالد داوود المتحدث باسم الحركة المدنية، ما سماه “مشاهداتي أمام اللجان” خلال تواجده بإحدى اللجان للتصويت للمرشح فريد زهران.

وأضاف: “عند مروري لم أجد زحامًا بالداخل، وكانت اللجان فارغة ما أكد لي أن هذا الازدحام مصطنع، لأنني انتظرت وقمت بعملية التصويت، وخرجت ولم يتحرك أي شخص من الطابور”.

وأوضح أن هذا الازدحام يهدف تصدير صورة عن رضا المواطن والإقبال على الانتخابات، وهو أسلوب متبع من قبل الأجهزة المعنية والأحزاب المؤيدة للسلطة، وتحديدًا حزب “مستقبل وطن” مختتمًا كلامه أن هناك حالة عدم رضا من المواطنين على الانتخابات لشعورهم بأنها محسومة.

وقالت مصادر من موظفي الدولة لـ”زاوية ثالثة” إن هناك تهديدات للعاملين بعقوبات ما لم يتوجهوا إلى مراكز الاقتراع، وتشمل العقوبات توقيع خصم مادي، بعيدًا عن عقوبة التخلف عن التصويت المقررة في قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر برقم 45 لسنة 2014 والمعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020، الذي يفرض غرامة مالية على من لم يشارك في الاستحقاقات الانتخابية.

 

الإحباط يسيطر

“بشكل عام لا يوجد غير مرشح واحد في هذه الانتخابات هو “السيسي”، فهذه الانتخابات محسومة مسبقًا والحشد يتم بالطرق التقليدية من قبل الأجهزة المعنية، سواء إداريًا من الموظفين أو من المجموعات الشبابية المجندة عن طريق الأحزاب الموالية من السلطة، لكن بشكل عام المواطن غائب”.. يقول الدكتور زهدي الشامي أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية ونائب رئيس حزب التحالف الشعب الاشتراكي، في وصفه مشهد الانتخابات في مصر.

وأضاف أن النظام يخشى أن تظهر اللجان خالية حتى لا يشكك أحد في شرعيته وبخاصة في الخارج، ولابد من رسم صورة تظهر وجود انتخابات وناخبين، لكن هذا لن يغير الحقيقة بأنه لا يوجد تنافس انتخابي حقيقي، وكل شيء محسوم دون انتخابات.

وأشار أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية إلى وجود حالة من الإحباط تسيطر على غالبية الشعب المصري، وأن هناك حالة عدم اقتناع بوجود منافسة وانتخابات حقيقية أو تعددية، ولا أن الدولة محايدة ولا أن المشهد حقيقي، وهذا ما يجعل المواطن عازفًا عن المشاركة.

ويضيف “نحن أمام انتخابات مصطنعة لصالح الرئيس الحالي الذي حصل على الفترة الثالثة بعد تعديل للدستور، ولا استبعد إمكانية أن يعدل الدستور مرة ثانية قبل انتهاء الفترة الثالثة بما يسمح له الترشح مجددًا”.

وكان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قد أطلق حملة مدتين كفاية لمطالبة السيسي بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية الجارية، وذلك وفق الحزب “بعدما تسبب النظام الحالي في أزمة سياسية واقتصادية خانقة”.

كما رأى الحزب في بيان له أن الانتخابات الجارية لا تتيح إمكانية لاختيار سياسات بديلة للخروج من تلك الأزمة الممتدة من خلال تغيير سلمي للسلطة.

في السياق ذاته، رأى السياسي أكرم إسماعيل ممثل حزب العيش والحرية، تحت التأسيس، أن الشارع المصري مصاب بحالة من الإحباط الشديد والصدمة جراء ما يحدث في غزة إلى جانب الأزمة الاقتصادية والطريقة التي تعاملت معها السلطة مع الانتخابات في مرحلة التوكيلات.

وأشار القيادي بحزب العيش والحرية إلى أن هناك احساسًا يسيطر على غالبية المواطنين بعدم وجود مخرج مما يحدث وهو ما تسبب في حالة عدم الاكتراث بالمشهد السياسي في مصر برمته.

وأضاف أن العزوف والصمت حالة خطرة تنذر بغضب مكتوم قد ينفجر في أي وقت مؤكدًا أن الحرب على غزة كانت كاشفة جدًا لحالة الوهن، كما أنها كاشفة للنظرة الحقيقة التي ينظر إليها العالم للدول العربية.

وكان حزب العيش والحرية قد قرر عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية، لما شاب مرحلة جمع التوكيلات من انتهاكات جسيمة ضد حق المواطنين في تحرير نماذج التأييد الشعبي للمرشح الذي يرغبون تأييده ما أدى إلى استبعاد أحد المرشحين وهو النائب البرلماني السابق أحمد الطنطاوي، وفقًا لبيان الحزب.

وفي وقت سابق أصدر الحزب بيان بعنوان “الانتخابات الرئاسية فرصة للتعافي والخروج من الأزمة.. أم محطة جديدة لتردي وتبديد الأمل” أكد من خلاله أن العقبة الحقيقية أمام أي انتخابات جادة يمكنها أن تكون فرصة لتعافي المجتمع ‏وتجربة سياسات أخرى بديلة يمكنها أن تعيد الأمل إلى جموع المواطنين، هو ترشح الرئيس السيسي لدورة انتخابية جديدة، ما يفقد أجهزة الدولة بالضرورة حيادها، ويفقد العملية برمتها النزاهة والتعددية، ‏وهو الأمر الذي أكدته المشاهدات التي برزت في مرحلة جمع التوكيلات.

 

ختام “ليس مسك”

 

اختتم اليوم الأول من عملية الاقتراع، بإحالة المجلس الأعلى للإعلام، للمسئولين عن منصة “صحيح مصر” المعنية بتدقيق الأخبار للنائب العام، وذلك للتحقيق في بلاغات اتهمهم بنشر أخبار كاذبة عن انتخابات الرئاسة.

ونشرت المنصة عبر صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك وإكس”، قائمة “محظورات” أصدرتها الشركة المتحدة التي تدير أغلب المؤسسات الإعلامية والصحفية في مصر، لتجنبها خلال تغطية الانتخابات، وأرسلتها إلى إدارات القنوات التليفزيونية والمنصات الإلكترونية التابعة لها.

 ومن أبرز المحظورات -حسب تقرير “صحيح مصر”؛ منع تصوير أي خروقات تعتري عمليات الاقتراع، ومنع بث أي مواد تظهر أشكال التعبئة أو الحشد للمواطنين عبر الحافلات أو غيرها، بالإضافة إلى منع إظهار عزوف المواطنين عن المشاركة في التصويت. وذلك بالمخالفة للمادة 32 من قانون مباشرة الحقوق السياسية، رقم 45 لسنة 2014، والتي تنص على ضرورة دقة وسائل الإعلام في نقل المعلومات ومنع بث أي مشاهد تظهر المخالفات التي تعتري الانتخابات.

 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search