التطوير مقابل الإزالة: كيف ضّحت الحكومة بمواطنيها من أجل الطرق؟

يعيش سكان مناطق مختلفة، بما في ذلك قاطنو الحي السادس والسابع في مدينة نصر شرقي القاهرة، في توقع لإزالة منازلهم ونقلهم إلى مكان آخر لغرض التحديث والتطوير.
إمام رمضان
منار بحيري
منار بحيري

“إيجار الشقق كان عونًا لي على الأحوال المعيشية الصعبة، وشعُرت بأن الدنيا قد انتهت عندما تم هدم منزلي أمام عيني، لأنني كنت أنفق منه على الطعام والشراب وتعليم أولادي” هكذا تحدثت أمنية عبد الهادي، وقلبها يعتصر من الحسرة، على ضياع ملكيتها، دون الحصول على تعويض عن الأرض أو المباني، كما وُعدت من قِبل مندوبي هيئة الطرق والكبارى، الذين قاموا بتنفيذ قرار هدم منزلها. 

تروي أمنية صاحبة الـ 53 عامًا، قصتها مع العقار، الممتدة إلى ما قبل 15 عامًا، حين تملكته بينما كانت البناية دورين فقط، وقد أكملت بنائها حتى أصبحت ستة أدوار، كي تؤمن مستقبل أولادها الخمسة، البالغين من العمر على التوالي من ستة أعوام إلى 23 عامًا. كان إيجار شقق العقار، يساعدها في سداد احتياجات أولادها، وسط ظروف صعبة وغامضة تُخيم على زوجها القعيد. 

في هذا التقرير، نسلط الضوء على مخالفة الحكومة المصرية المادة 35 من الدستور المصري لعام 2014، التي تؤكد أن “الملكية الخاصة مقدسة ولا يمكن المساس بها إلا في حالة التعويض العادل”. تتنافى المخالفات أيضًا مع أحكام قانون نزع الملكية رقم 10 لسنة 1990 وتعديلاته الصادرة في عامي 2018 و2020، وتحدد أن قيمة التعويض يجب أن تكون مساوية للقيمة السوقية للملكية وقت إصدار قرار نزع الملكية، وأن يتم صرف التعويض في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ القرار.

في سبتمبر من عام 2020، أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بالتصديق على تعديلات القانون الخاص بنزع الملكية للمنفعة العامة، واشتملت التعديلات على أن يكون التعويض بما يساوي الأسعار السائدة ويضاف إليه 20%، وأن يتم تشكيل لجنة بكل محافظة بقرار من وزير الري لتتولى تحديد قيمة التعويضات.

تعيش السيدة في المنيا -إحدى محافظات جنوب/صعيد مصر-، لكنها دومًا ما واظبت على الذهاب إلى القاهرة من أجل الحصول على الإيجار فقط، وبعد هدم منزلها لم تعد تخطو نحو العاصمة، وبالرغم من ارتياحها من ضجيج قاهرة المُعز، إلا أنها تُعاني الأمرّين مع ظروف الحياة، بسبب عدم حصولها على التعويض حتى الآن، وترى أن سببه تأخر هيئة المساحة بمحافظة الجيزة عن صرفه، مؤكدة أن المسؤولين أخذوا منها أوراقها اللازمة ولكن دون طائل. 

“طالما لا زلت أتنفس سأظل أبحث عن حقي ولن استسلم، ودافعي في ذلك شعوري بضياع حلمي ومشاعري التي لا يمكن أن تُوصف عندما رأيت منزلي يذهب هباءً”، تستكمل أمنية حديثها مع “زاوية ثالثة” مُبينة أن مشهد هدم منزلها البالغ مساحته 150 مترًا مربعًا، لم يزل يُعاد أمام عينيها يوميًا، وتراه في منامها، ولا زالت تتذكر كافة التفاصيل التي أبُلغت بها هي وسكان المنزل، أن أمامهم مهلة 30 يومًا فقط للإخلاء. 

تحدثت أمنية عن عدم اتخاذها أي إجراء قانوني، للبحث عن حقها في التعويضات التي وُعدت بها عن الأرض والمباني، مؤكدة أنها تخشى كثيرًا من هذه الخطوة، خوفًا من أن تتعرض إلى أي بطش، حسب وصفها.

تشهد أسعار العقارات ازديادًا مضطربًا بشكل شهري، منذ بداية عام 2023، وبحسب تصريحات صحفية للنائب طارق شكري -وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، ورئيس غرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية-، فإن أسعار العقارات ارتفعت بزيادة مُقدرة بـ 100% في بعض المشروعات الجديدة، إثر ما تشهده البلاد من تضخم مرتفع، وكذا زيادة تكاليف الإنشاء، وارتفاع الطلب على العقار تخوفًا من انخفاض جديد في سعر صرف العملة المحلية. 

تُباغت معدلات التضخم الأساسي في مصر المواطنين، حيث وصلت إلى ما يزيد عن 38.1% في أكتوبر من العام 2023، أيضًا- وصلت حسب بيانات حديثة للبنك المركزي المصري إلى نحو 29.8% في يناير الماضي؛ ما زاد من هموم  المواطنين الذين لم يحصلوا على التعويضات اللازمة، سواء لاستبدال مساكنهم التي أنتُزعت منهم، أو للإنفاق على أنفسهم في الوحدة المُستأجرة.

عقار أمنية لم يكن الأول ولكن يقع ضمن 2000 عقار بدأت الحكومة المصرية هدمها منذ بداية عام 2021، لزيادة سِعة الطريق الدائري، مقابل تعويض اجتماعي قدّرته الحكومة بمبلغ 40 ألف جنيه عن كل غرفة. وتأتي إجراءات إزالة المباني لغرض توسيع شبكة الطرق وبناء نظام القطار الكهربائي، وشملت أحياء مختلفة في كل من القاهرة والجيزة والقليوبية.

اقرأ أيضًا: جرافات التطوير تصلُ “ضاحية الجميل” ببورسعيد: إخلاءٌ دون تعويض

التطوير يتحول إلى كابوس

بصوت حزين، وعيون تغمرها الدموع، يتحدث عبد الرحمن حسن (28 سنة)، من محافظة سوهاج -إحدى محافظات جنوب صعيد مصر-، عن مُعضلته مع الحصول على تعويض مقابل منزله الكائن بمنطقة “بشتيل” -إحدى المناطق الشعبية المُلاصقة للطريق الدائري- الذي هُدم، من أجل المنفعة العامة، ويقول: “في البداية حَضر جمعٌ لتنفيذ عملية هدم منزلي في العام 2021، وحينها اتفقوا مع المستأجرين على تعويضهم- تعويضا اجتماعيًا”. 

 

منزل متهدم بسبب مشروع توسعة الطريق الدائري- المصدر: مجموعة المتضررين من الطريق الدائري على فيسبوك
منزل متهدم بسبب مشروع توسعة الطريق الدائري- المصدر: مجموعة المتضررين من الطريق الدائري على فيسبوك

بالفعل، استلم المستأجرون مقابل إخراجهم من شققهم السكنية، وحصل كل مستأجر على 25 ألف عن كل حجرة، بدون احتساب أي تعويض لوحدتي الحمام والمطبخ، فحصل كل واحد منهم على ما يُقارب 60 ألف جنيه ما يُعادل نحو ألف و946 دولار بحساب الدولار في البنوك المصرية، وفقًا لحديث “عبد الرحمن”.

يضيف: “لم أحصل على التعويضات الخاصة كمالك للعقار عن الأرض والمباني، وبعد مرور عام كامل على هدم منزلي، استقبلت أحد المسؤولين من هيئة المساحة الحكومية -المسؤولة عن حصر المناطق المهدّمة لضبط عملية التعويضات-، و أبلغوني باقتراب استلام التعويض في خلال ثلاثة أشهر فقط، لكن هذا لم يحدث. وأبُلغت بعدها بأيام قليلة بأنني مطالب بإحضار مُخالصة من هيئة الضرائب العقارية، وبالفعل قمت بإحضارها، وبناء عليها حصلت على وعد آخر بالحصول على أموالي التي تم تحديدها بمبلغ مليون و 400 ألف جنيه مصري أي ما يُعادل 45 ألف و 426 دولار أمريكي بحساب البنوك الرسمية، ولكن أيضًا لم أحصل عليها في غضون المدة المحددة سلفًا من قبل المسؤولين، والتي انتهت في 26 يناير الماضي”. 

وفي وصف عقاره، يقول حسن، إنه كان عبارة عن ثمانية أدوار، على مساحة 130 مترًا. و بحسابات جهة التعويض، من المفترض أن يحصل مالك العقار على 200 ألف جنيه فقط أكثر من الثمن الذي دفعه في العقار الذي كتب عقد تملكه له في عام 2017، حينما ابتاعه بمبلغ مليون و200 ألف جنيه، يأتي ذلك في الوقت الذي قفزت فيه أسعار العقارات في مصر إلى أرقام غير مسبوقة.

وفق تقرير حديث أصدره موقع ماركت ووتش الأمريكي، ارتفع متوسط سعر الشقق السكنية في مصر في الربع الأول من عام 2023 بنسبة 30%، مقارنة مع الربع الأول من عام 2022، فيما قفز متوسط السعر المطلوب للفيلات بنسبة 25%، وسجل متوسط إيجار الشقق والفيلات زيادةً بنحو 24% مقارنة مع ذات الفترة من العام الماضي. 

تخلل اليأس إلى “حسن”؛ ما دفعه إلى السفر لبلده الأصلي في سوهاج، وافتتح “سوبر ماركت” هناك، إلى حين التوصل إلى حل أزمته التي ابتلعت مدخراته- كما يصف، فلم يحصل سوى على تعويضات مقابل ثلاث شقق ومحلين فقط كانوا باسمه، وباقي الشقق، تحصل المستأجرين على تعويضاتهم عنها بأنفسهم. 

تأثر “حسن” بما يُعانيه جيرانه الذين فقدوا منازلهم، ولم يحصلوا على تعويضات بعد، وليس لديهم أية منازل بديلة، وطالب المسؤولين بأن يمنحوا التعويضات للملاك في المدة المقررة قانونًا، أو أن يكون التعويض قبل الهدم، حتى يكون هناك ملاذ بديل أمام المتضررين.

اقرأ أيضًأ: أهالي رأس الحكمة.. سنواجه بيع مدينتنا

حكومة مخالفة 

تعليقًا، يقول النائب إيهاب منصور -رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ووكيل لجنة القوى العاملة-، إن ملف التعويضات ضخم للغاية، انطلقت فيه الدولة منذ بداية عام 2020، وبالتحديد في محافظة الجيزة، التي تُعد العاصمة الثانية في مصر بعد القاهرة. 

وفقًا للمادة 35 من الدستور المصري، كما يؤكد وكيل لجنة القوى العاملة في حديثه إلى “زاوية ثالثة” فإن من حق الدولة أن تنتزع ملكية المواطنين القائمة في المناطق المراد استغلالها في المنفعة العامة، ولكن نفس المادة تنُص أيضًا على ضرورة أن يتم ذلك مقابل “تعويض مادي عادل يُدفع مُقدمًا”، ولكنّ هذا التعويض لم يُدفع مُقدمًا في الجيزة أو غيرها من المحافظات الآخرى.

واتهم وكيل لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، حكومة مصطفى مدبولي، بمخالفة الدستور بوضوح شديد، فبالرغم من نزع ملكية المواطنين وإخراجهم من منازلهم، وانتهاء المرحلة الأولى من الهدم والتي وصل عدد المنازل فيها لحوالي 2200 منزل، وفقًا لحديث اللواء حسام الدين مصطفى، رئيس الهيئة العامة للطرق والكباري، إلا أن الدولة لم تصرف لهم تعويضاتهم لا مُقدمًا ولا بعد نزعها، مؤكدًا أن هناك العديد من المواطنين الذين أنتُزعت ملكياتهم في السنوات الثلاث الأخيرة، لم يحصلوا على التعويض كاملًا، وبعضهم لم يحصل على أي تعويض من الأساس. 

وتنفيذًا لنصوص الدستور، قدم “منصور” استجوابًا، طبقا للائحة الداخلية لمجلس النواب، موجه إلى رئيس مجلس الوزراء بسبب تأخير صرف تعويضات نزع الملكية للمنفعة العامة للمشاريع المنتهية والجارية بمحافظة الجيزة والتي صدرت قراراتها منذ ثلاث سنوات. وكانت النتيجة أنه سيتم تشكيل لجنة بمعرفة وزير العدل تجمع كل الجهات المعنية من أجل تسريع هذا الملف. 

وأوضح “منصور” في حديثه عن التعويضات، إنها تنقسم إلى ثلاثة أجزاء، “تعويض اجتماعي، وتعويض عن المباني، وتعويض عن الأرض”، مشيرًا إلى أن معظم الذين كانوا مستأجرين للوحدات حصلوا بالفعل على تعويض اجتماعي، ولكن باقي المواطنين من أصحاب الأراضي والمباني، لم يحصلوا بعد على تعويضات بالمخالفة للقانون.

وقد صلت مبالغ التعويضات الاجتماعية إلى ما يتراوح بين 100 ألف جنيه و160 ألف جنيه مصري، أي ما يُعادل ثلاثة آلاف و 244 دولار وأقصاه قُرابة الـخمسة آلاف و 191 دولار. 

ظل المواطنون المنتزعة ملكياتهم يوميًا طيلة هذه السنوات، ينتظرون الحصول على التعويض الاجتماعي، ومن بعده الحصول مباشرة على تعويض المباني والأرض، ولكن لم يحدث ذلك. ونتيجة لهذا الأمر، فإن معظم المواطنين الذين حصلوا على التعويض الاجتماعي، أنفقوه على الإيجار الجديد للوحدات البديلة، وفقًا لما أضافة وكيل لجنة القوى العاملة في البرلمان. 

وأرجع النائب “منصور” سبب الأزمة، إلى أن الحكومة تقول إنه ليست هناك أموالًا كافية لسداد التعويضات من خزينتها، ما دفعه إلى التواصل مع محافظة الجيزة، وأيضًا وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية، ووزارة التنمية المحلية، ووزارة النقل، ورئيس الوزراء، مؤكدًا أن هذه الجهات ردت بأنه تم تحويل أموال التعويضات بالفعل إلى هيئة المساحة في محافظة الجيزة، والتي كان من المفترض تقوم بدورها وتصرف التعويضات للمواطنين. 

وفي اتهام صريح، قال النائب إن هيئة المساحة في محافظة الجيزة، استحوذت على أموال التعويضات، ولم تقوم بصرفها للمواطنين، متهمًا إياهم بمخالفة الدستور وتعطيل مصالح المواطنين. وحسب وصفه، فإن أموال التعويضات لا تكفي لشراء شقة، بسبب الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات. واصفًا قيمة التعويضات بـ غير العادلة. مشيرًا إلى أنه على الدولة أن توفر سكنًا بديلًا للمتضررين، لأن قيمة التعويضات لا تكفي لشراء وحدة سكنية لائقة الآن، بعد أن تضاعفت أثمانها (كمثال. الوحدة السكنية المباعة سابقًا بقيمة 500 ألف جنيه، قفز سعرها الآن إلى نحو مليون جنيه، ما يعادل نحو 32 ألف و 477 دولار).

اتهام آخر وجهه النائب إيهاب منصور لوزير الري، مؤكدًا أنه ذهب لرؤيته في مكتبه، بصفته مسؤولًا عن هيئات المساحة في المحافظات، مؤكدًا أن الوزير لا يُقابل النواب، ولا يعلم شيء عن مشاكل المواطنين، ولا يُعيرها انتباهًا، وبناء عليه وجه إليه خطابًا من أجل توفير موظفين ماليين في مساحة الجيزة من أجل التسريع من إجراءات صرف التعويضات للمواطنين، مؤكدًا أن الهيئة تُخصص موظفًا واحدًا فقط لهذا الأمر، ما يُزيد من تعقيد الأمور. 

يضيف: انتزعت هيئة المساحة ما يزيد على 12 ألف وحدة سكنية من المواطنين، منذ أغسطس 2020، وتخصيص موظف واحد فقط من هيئة المساحة لإنجاز أوراق التعويضات أمر مستحيل، وسوف يُعطل ذلك المواطنين لسنوات وسنوات طوال، وهذا أمر غير مقبول تمامًا، لذا تقدمت بطلب رسمي إلى الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة من أجل دعم هيئة المساحة بموظفين آخرين من أجل إنهاء طلبات التعويضات الضخمة، ولكن حتى الآن لا حياة لم تُنادي، والمنتظر هو اللجنة التي سيُشكلها وزير العدل لتسريع الإجراءات، وفقًا لرواية البرلماني. 

وطالب “منصور” بإقالة الحكومة ورحيلها على الفور، متهمًا إياها بأنها تسببت في مُعاناة المواطنين وضياع حقوقهم، متسائلًا: لماذا بخلت الحكومة على المواطنين؟ واصفًا الأمر بأنه فشل في التطبيق، وتعطيل لمصالح المواطنين وتأخر صرف مستحقاتهم.

اقرأ أيضًا: ناهيا تحت قضبان قطار التطوير.. تهجير وشيك وهدم مرتقب

معاناة بأمر حكومي

في قلب القاهرة، حيث تتلاطم أمواج الحياة بين القديم والجديد، يقف عبد الرحمن محمود ( 27 عامًا)، محملًا بحقيبة ذكرياته المؤلمة، يروي قصته مع فقدان منزله، الذي لم يكن مجرد جدران وأسقف، بل كان ركنًا دافئًا يحفظ كل تفصيلة وذكرى عزيزة.

يتحدث “محمود” عن الصعوبات التي واجهها أثناء عملية الإخلاء، وكيف تحول بيته، الذي شيّد كل ركن فيه بحب وعناية، إلى ذكريات مبعثرة. يقول بنبرة ملؤها الحسرة: “في البداية، كان الأمر صعبًا للغاية، خاصةً عندما بدأت فكرة ترك منزلي الذي بنيته بيدي تتحول إلى واقع مؤلم.”

في لحظات الوداع الأخيرة للمنزل، يصف مشاعره المريرة عندما اضطر لترك كل شيء خلفه “هذه الأشياء الصغيرة، التي ربما لا تعني الكثير للآخرين، كانت جزءًا من حياتنا هنا”.

يروي كيف تحولت الأيام الأخيرة في العقار إلى سلسلة من الأحداث المؤلمة. “جاء الرجل المسؤول عن الإخلاء في وقت كنت فيه مرتبكًا ومتوترًا، ولم أكن أعلم ما يحدث حقًا”، يقول عبد الرحمن. “قام بخلع أبواب الشقق ونوافذها، وكأن الأمر روتيني بالنسبة له، ولكن بالنسبة لي، كانت تلك لحظات مؤلمة جدًا. المفاجأة الأكبر جاءت عندما زار العقار مع صديق، ولم يجده، حيث أنه هدم دون إخبار ساكنيه، وحسب “محمود” فقد استأجر الشقة في عام 2019 بنظام الإيجار القديم، لكنها هدمت مع العقار بالكامل في عام 2023. ومن ثم انتقل إلى شقة بديلة في منطقة حلمية الزيتون.

هذه القصة ليست مجرد حكاية عن فقدان مأوى فحسب، بل هي تعبير عن الصدمة والخسارة التي يمكن أن يعاني منها الأشخاص عندما تتغير معالم حياتهم اليومية بشكل جذري ومفاجئ، تلقي هذه الواقعة الضوء على الحاجة الملحة لإجراءات أكثر إنسانية وشفافية في عمليات الإخلاء وإعادة التطوير الحضري.

 

متذكرًا، يصف الأسابيع التي سبقت الهدم بأنها كانت مرهقة ومحملة بالتوتر. “أعطونا أسبوعاً واحداً فقط لإخلاء الشقة. كانت فترة مضطربة، نقل الأغراض، البحث عن مكان جديد للإقامة، كل ذلك كان شديد الصعوبة”. كان التأقلم في شقتي الجديدة صعبًا للغاية، واستغرقت شهورًا للتعافي من الآثار النفسية السيئة. يقول “محمود”.

التعويض المالي الذي تلقاه عبد الرحمن وعائلته، والذي بلغ 40 ألف جنيه للغرفة الواحدة، لم يكن كافيًا في نظره لتغطية تكاليف شقة بديلة، “التعويض لا يكفي لشراء شقة جديدة، خاصة مع ارتفاع أسعار العقارات”، يشرح عبد الرحمن، معبراً عن عدم رضاه عن الوضع الحالي.

حل جراحي لمشكلات التكدس

يقول الدكتور حسن مهديأستاذ الطرق والنقل كلية الهندسة جامعة عين شمس-، في حديثه إلى “زاوية ثالثة” إن المشروع الخاص بتوسعة الدائري، هام، واصفًا إياه بأنه حل جراحي وجريء لمشكلات المرور والتكدس على الطريق الدائري، كون الكثافات المرورية في بعض قطاعات الدائري تصل أحيانًا إلى 130 ألف مركبة يوميًا، بما كان يُسبب العديد من الاختناقات المرورية على مدار اليوم. 

ويشهد الطريق الدائري الذي يمر بأكثر من ثلاثة محافظات، رحلات مرورية تصل إلى ستة ملايين و390 سيارة شهريًا، وفقًا لتقديرات كشف عنها اللواء حسام الدين مصطفى، رئيس الهيئة العامة للطرق والكباري. 

أستاذ الطرق في جامعة عين شمس، أكد أن الدولة تدخلت من أجل إجراء التوسعة المطلوبة، التي بلغت أكملها من سبع إلى ثماني حارات مرورية في الاتجاه الواحد، ما جعلها بمثابة حل جذري متكامل لمشاكل الطريق الدائري البالغ طوله 104 كيلو متر. وأنشئ في ثمانينات القرن الماضي، على شكل حارتي مرور في كل اتجاه، ولكن مع ضعف آليات القانون على مدار العقود الماضية، تعدى مواطنون على حرم الطريق وبدأت الأبنية الملاصقة لحرم الدائري في التزايد. 

وتابع في حديثه إلى “زاوية ثالثة” أن الدولة اضطرت إلى التدخل لتطوير الطريق وتوسعته؛ ما تطلب إزالة الكثير من الأبنية والمنشآت غير المقننة، الواقعة ضمن تلك التعديات، وبالتالي قررت الدولة الالتزام أمام المواطنين بتعويضات للبناية المُرخصة وغير المُرخصة، بحسب عدد الغرف في كل وحدة سكنية، مشيرًا إلى أنه يحق للمتضررين اللجوء إلى الطرق القانونية بما لديهم من مستندات.

في ظل استمرار الحكومة وهيئاتها في تطبيق خطط التطوير، يعيش سكان مناطق مختلفة، بما في ذلك قاطنو الحي السادس والسابع في مدينة نصر شرقي القاهرة، في توقع لإزالة منازلهم ونقلهم إلى مكان آخر لغرض التحديث والتطوير.

وفي مشهد يعكس معاناة العديد من المواطنين المتأثرين بمشاريع التطوير الحكومية، يقف الشاب عبد الرحمن حسن، الذي فقد مصدر رزقه الوحيد بعد هدم منزله، في انتظار التعويض الذي لم يتسلم منه شيئًا حتى الآن، بينما تواجه أمنية، المقيمة بالمنيا وتعول خمسة أولاد، تحديات مماثلة في انتظار صرف التعويضات المستحقة عن منزلها، الذي كان يمثل مصدر دخلها الأساسي، فيما يعيش عبد الرحمن محمود حالة من الحسرة بعد أن فقد شقته وذكرياتها الثمينة. في تجسيد للتحديات الإنسانية التي يواجهها سكان الأحياء المتأثرة بمشروعات التطوير العمراني.

إمام رمضان
صحفي مصري
منار بحيري
منار بحيري
صحفية مصرية

Search