قبيل انتخابات النادي.. غضب قضاة بعد رسوب أبنائهم في الدورات العسكرية

رسب في الكشوف من أبناء القضاة والمستشارين عدد 47 بدفعة مجلس الدولة، و 26 بدفعة تظلمات النيابة الإدارية، ونحو 100 بدفعة النيابة العامة وتظلماتها، بينما هيئة قضايا الدولة لم تصدر نتيجتها
Picture of طارق جمال حافظ

طارق جمال حافظ

استحدث مجلس الوزراء في 22 إبريل من عام 2023، شرط مفاجئ يُلزم جميع المعينين في كافة قطاعات وجهات وهيئات الدولة بالحصول على دورة تأهيل في الأكاديمية العسكرية بالقاهرة مدة ستة أشهر، بما في ذلك المعينين الجدد في الجهات والهيئات القضائية المختلفة سواء كانت نيابة عامة أو مجلس الدولة أو نيابة إدارية أو هيئة قضايا الدولة.

قبل قرار مجلس الوزراء، كانت تعيينات أعضاء الجهات والهيئات القضائية تخضع فقط لـ قانون السلطة القضائية وتحديدًا المادتين 38 و 116 الخاصتين بشروط تعيين أعضاء الهيئات القضائية والنيابة العامة، والتي خلت من أي شرط إلزامي بخضوع المعينين الجدد لدورات تأهيلية بالكلية الحربية واجتيازها كشرط للتعيين، بل إنهما حددتا طرقًا محددة جميعها تخضع للسلطة القضائية، تتمثل في أن يشترط فيمن يولى القضاء والتعيين أن يكون متمتعًا بالجنسية المصرية، وكامل الأهلية المدنية، ولا يزيد سنه عند التعيين عن 30 سنة، وألا يقل سنه عن 30 سنة إذا كان التعيين بالمحاكم الابتدائية وعن 38 سنة إذا كان التعيين بمحاكم الاستئناف وعن 41 سنة إذا كان التعيين بمحكمة النقض، وأن يكون حاصلاً على إجازة الحقوق من إحدى كليات الحقوق بجامعات مصر أو على شهادة أجنبية معادلة لها وأن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان المعادلة طبقًا للقوانين واللوائح الخاصة بذلك، وألا يكون قد حُكِمَ عليه من المحاكم أو مجالس التأديب لأمر مخل بالشرف ولو كان قد رُدَ إليه اعتباره، وأن يكون محمود السيرة حسن السمعة، ولا يجوز أن يعين أحد مباشرةً من غير معاوني النيابة في وظيفة مساعد إلا بعد تأدية امتحان تحدد شروطه وأحكامه بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى.

استمرت التعيينات في السلطة القضائية بتلك المحددات حتى استحدث الشرط الجديد الخاص بالدورة التأهيلية، ما أثار غضب القضاة حينها وأعلنوا عن رفضهم القاطع لقرار رئيس الحكومة مصطفى مدبولي، بإخضاع المعينين في القطاع الحكومي إلى دورات تدريبية حكومية بالأكاديمية العسكرية كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، وشمول المعينين في الهيئات القضائية ضمن هذا الشرط.

وبحسب خطاب رسمي سري حصلت زاوية ثالثة عليه، فقد عبّر القضاة عن غضبهم من خلال رئيس نادي القضاة وقتها المستشار محمد عبدالمحسن، الذي أرسل الخطاب إلى رئيس محكمة النقض ورئيس المجلس الأعلى للقضاء وقتها المستشار محمد عيد محجوب، بتاريخ 9 يوليو 2023، أكد خلاله أن هذا القرار يمس باستقلال القضاء بشكل صريح، ويعد تدخل من قبل الحكومة في أعمال السلطة القضائية المنوط بها أعمال التدريب واختيار من يعمل في القضاء ويتولى عملية تدريبه، خاصة في ظل وجود مركز تدريب لأعضاء النيابة العامة، يُخضع المعينين حديثًا لدورات تدريبية مكثفة قبل انخراطهم في العمل المهني.

وطالب رئيس نادي القضاة من رئيس مجلس القضاء الأعلى، التدخل في الأمر بعد رفضه القاطع له، والتعامل معه بالطريقة التي يراها لمنع التدخل في أعمال السلطة القضائية، والمساس باستقلال القضاء الناتج عن هذا القرار.

وجاء في نص الخطاب: “بالنسبة للتعميم الصادر بقرار من رئيس مجلس الوزراء للوزراء بضرورة اجتياز المرشحين لأي وظيفة من الوظائف الحكومية دورة لمدة ستة أشهر مع اعتبار ذلك مسوغ من مسوغات التعيين، فإنه لما كان هذا الأمر غير متصور بالنسبة للمرشحين للعمل بالقضاء، لاستقلال مجلس القضاء الأعلى دون غيره وفقًا للقانون بوضع الضوابط اللازمة لشغل تلك الوظيفة باعتباره الأجدر على اختيار من يتحمل تلك الأمانة، بما يتعين معه ألا يشاركه أو ينازعه أحد في هذا الاختصاص الماس باستقلال القضاء.”

خطاب نادي القضاة الرافض لقرار رئيس مجلس الوزراء - خاص زاوية ثالثة
خطاب نادي القضاة الرافض لقرار رئيس مجلس الوزراء – خاص زاوية ثالثة

 

نوصي للقراءة: لا مكان للبُدناء والحوامل.. استحقاقات مفقودة لمعلّمي مصر 

 

رسوب أبناء القضاة

رغم غضب القضاة ومخاطبة رئيس مجلس القضاء الأعلى وقتها للتدخل في الأمر، إلا أن المجلس فشل في تلبية رغبة القضاة وعدم تنفيذ القرار عليهم. ومع بداية التطبيق رسب عدد من أبناء القضاة والمستشارين في الكشوف الطبية المؤهلة للدورة التدريبية بالكلية الحربية وذلك في دفعات 2021 نيابة عامة، وتظلمات نيابة عامة سابقة، وأيضًا تظلمات نيابة إدارية 2020، ودفعة مجلس الدولة، بحسب ما أكدته أربعة مصادر قضائية تحدثت إليها زاوية ثالثة.

بحسب مصادر قضائية بالمكاتب الفنية للهيئات والجهات القضائية، في حديثها معنا، فقد رسب في الكشوف من أبناء القضاة والمستشارين عدد 47 بدفعة مجلس الدولة، و 26 بدفعة تظلمات النيابة الإدارية، ونحو 100 بدفعة النيابة العامة وتظلماتها، بينما هيئة قضايا الدولة لم تصدر نتيجتها.

الأمر أثار غضب القضاة مجددًا بعد رسوب أبنائهم وبدأوا في الهجوم على شرط التعيين الجديد في الهيئات القضائية، وطالبوا بإلغائه، مشيرين إلى أن ذلك يعد تدخلًا في السلطة القضائية من قبل السلطات الأخرى في الهيكل الإداري بالدولة.

تعقيبًا، طالب القاضي أحمد شهاوي – رئيس محكمة استئناف‏ لدى ‏المحكمة الاقتصادية بمصر-، في تعليق له – حصلت عليها زاوية ثالثة – نشرها عبر المجموعة الخاصة بنادي القضاة على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” والمسمى بـ “نادي القضاة” – مجموعة مغلقة-، بتاريخ 9 يناير الجاري، بإلغاء شرط الحصول على الدورات التأهيلية بالكلية الحربية الإلزامية، كشرط رئيسي ضمن مسوغات تعيين أعضاء الجهات والهيئات القضائية الجدد.

وقال: “قرار إلزام المتقدمين لشغل وظائف القضاء بالحصول على الدورة يمثل خطورة تثير العديد من المخاوف والانتقادات، لما قد يترتب عليه من آثار تمس الطابع المدني لـ مؤسسات العدالة واستقلاليتها، هذا القرار يعد تعديًا على طبيعة العمل القضائي الذي يتطلب استقلالًا تامًا بعيدًا عن أي نفوذ عسكري، كما أن اشتراط الحصول على الدورة التأهيلية يشكل عائقًا أمام المؤهلين من الشباب الراغبين في الالتحاق بالسلك القضائي، خاصة في ظل الأعباء المالية والإدارية التي يفرضها، يضاف إلى ذلك أن هذا الشرط قد يفسر بأنه محاولة لجني عوائد مالية للكلية الحربية، ما يحول الدورة إلى أداة للربح بدلًا عن تطوير المهارات القضائية.”

وأكمل: “فرض اختبارات بدنية ونفسية كشرط للتعيين في وظائف قضائية يتعارض مع متطلبات المهنة، كما قد يمثل تمييزًا ضد شرائح مثل النساء وأصحاب الاحتياجات الخاصة، علاوة على ذلك فإن غياب الشفافية بشأن إجراءات الدورة، مثل تكاليفها ومعاييرها، يثير تساؤلات حول هذا القرار. هذا التوجه يشكل خطرًا على مبدأ استقلال القضاء وحياديته، الذي يعد أحد ركائز الديموقراطية وسيادة القانون، كما يقوض مبدأ تكافؤ الفرص ويمنح المؤسسة العسكرية نفوذًا غير مبرر على السلطة القضائية، ما يتعارض مع الدستور ومبادئه، لذا من الضروري إجراء مراجعة شاملة لضمان الحفاظ على استقلال القضاء وهيبته، مع احترام المبادئ الدستورية التي تؤكد على مدنية مؤسسات الدولة، وتجنب تحميل المتقدمين أعباء إضافية لا تساهم في تعزيز كفاءة العمل القضائي.”

نص ما كتب القاضي على مجموعة "نادي القضاة" - فيسبوك
نص ما كتب القاضي على مجموعة “نادي القضاة” – فيسبوك

 

نوصي للقراءة: منصة العدالة المتصدعة: بدل الطعون يثير الغضب في ساحات القضاء المصري

 

طلب استثناءات

استمر القضاة في غضبهم، وطالبوا بالتدخل لحل الأمر مع كبار المسؤولين في السلطة التنفيذية، وهو ما تم بالفعل. كانت البداية مع رئيس نادي القضاة المستشار أبو الحسين عدلي قايد، الذي أعلن عبر مجموعتين قضائيتين الأولى باسم (نادي القضاة – الجروب الرسمي) على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، والثانية باسم (أخبار وعروض نادي قضاة مصر) على تطبيق التواصل الاجتماعي “واتس آب”، تواصله مع وزير العدل المستشار عدنان فنجري، لاستثناء وقبول التظلمات الخاصة لأبناء القضاة فقط من الذين رسبوا بشأن الاختبارات الرياضية المؤهلة للدورة التأهيلية.

وقال رئيس نادي القضاة في رسالته للقضاة: “بخصوص ما يثار حاليًا بشأن أبنائنا من دفعة 2021 ممن لم يخطروا بالاختبار الرياضي، فقد تم التواصل مع وزير العدل، لإنهاء الأمر”، مطالبًا القضاة بإرسال بيانات أبنائهم إليه بشكل خاص.

عقب تدوينات رئيس نادي القضاة المستشار أبو الحسين عدلي قايد التي نشرها بتاريخ 9 يناير الجاري، انسحب جميع المرشحين المنافسين له على مقعد رئيس نادي القضاة والبالغ عددهم سبعة قضاة، في انتخابات التجديد الثلثي لمجلس الإدارة، والتي بدأت الدعاية الانتخابية لها بالفعل والمقرر أن تجري على مقعد رئيس مجلس إدارة النادي لاستكمال المدة المتبقية لمجلس الإدارة التي تنتهي بنهاية العام الجاري 2025، وأيضًا على مقعدين مخصصين للمستشارين، ومقعدين لرؤساء المحاكم والقضاة، ومقعدين لأعضاء النيابة العامة.

ولم يتوقف الأمر عند رئيس نادي القضاة في طلب استثناءات وتدخل لأبناء القضاة فقط دون غيرهم، بل أعلن أيضًا رئيس نادي هيئة النيابة الإدارية المستشار عبدالرؤوف موسى، تدخله لدى المسؤولين لحل الأزمة، إذ أكد في حديثه في المجموعة الخاصة بأعضاء النيابة الإدارية التي تحمل اسم (الصفحة الرسمية لنادي مستشاري النيابة الإدارية) بتاريخ 10 يناير الجاري، أن الأزمة في سبيلها للحل، وأن هناك – حسب تعبيره- انفراجة في مسألة الكشف الطبي لأبنائهم.

حديث رئيس نادي هيئة النيابة الإدارية - فيسبوك
حديث رئيس نادي هيئة النيابة الإدارية – فيسبوك

 

نوصي للقراءة: الحصانة القضائية: درع حماية أم سلاح للفساد في مصر؟ 

 

الدورات العسكرية

تتداول معلومات بين القضاة – حسب عدد منهم تحدثنا معهم- تشير إلى أن المتسبب في قرار خضوع المعينين في الهيئات القضائية إلى دورات تدريبية تأهيلية بالأكاديمية العسكرية كشرط رئيسي ضمن مسوغات التعيين، هو وزير العدل الأسبق المستشار عمر مروان، رئيس مكتب رئيس الجمهورية الحالي.

وحسب رواية القضاة المتداولة، فقد أخبر مدير الأكاديمية العسكرية عددًا من الخاضعين للدورات التدريبية أن من طلب الاقتراح “المستشار عمر مروان، ولم يكن ذلك توجه حكومي أو رئاسي”. وقد حاولنا في زاوية ثالثة التواصل مع وزير العدل الأسبق للرد على تلك الادعاءات، إلا أنه لم يرد علينا حتى نشر هذا التقرير.

يعلق رئيس مؤسسة دعم العدالة بالمركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، ناصر أمين، في حديثه معنا على تلك الدورات. يقول: “بالنسبة لقانونية الدورات التدريبية الإلزامية في الأكاديمية العسكرية للمرشحين في العمل القضائي، فإنها تمثل جريمة في حق السلطة القضائية وفي حق استقلال القضاء ومنظومة العدالة بالكامل، وهي جريمة غير مسبوقة منذ عام 1883 في مصر، وهي أن يعرض العاملين في السلك القضائي إلى دورات تدريبية في مؤسسات عسكرية.”

ويضيف أن هذه التدريبات واعتبارها شرطًا من شروط التعيين مخالف للدستور، وقانون السلطة القضائية والمعايير الدولية الخاصة بقواعد اختيار وتعيين أعضاء السلطة القضائية، كما أن هذه الدورات التدريبية تعرض كل من يشارك فيها إلى فقدان صلاحية ولاية القضاء، التي تفترض أن توضع المناهج المعرفية لتدريبهم عبر أعضاء السلطة القضائية وتحت إشراف السلطة القضائية وليست تحت إشراف السلطة التنفيذية أو أي جهة تتبع للسلطة التنفيذية بأي حال من الأحوال.

يوضح “أمين” أن هذه الدورات مخالفة لمبادئ الأمم المتحدة المعنية باستقلال السلطة القضائية الصادرة في عام 1985، كما أنها تؤدي إلى تشويه المحتوى المعرفي للمرشحين للعمل في النيابة العامة ومن ثم القضاء فيما بعد، وبالتالي “يجب أن تتوقف فورًا، لما تمثله من تعدي من السلطة التنفيذية على مسألة تكوين وتأهيل أعضاء السلطة القضائية.”

يؤكد رئيس مؤسسة دعم العدالة أن رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل وكذلك أعضاء نادي القضاة سوف “يحاسبون أمام التاريخ على قبولهم لهذه الإجراءات المشينة بشأن تأهيل وتدريب أعضاء السلطة القضائية، وقبولهم بتعريض المتقدمين إلى مثل هذه الدورات باعتبارها أحد شروط التي يمكن أن يقبل على أساسها العاملين في العمل القضائي”، مشيرًا إلى أن هناك تشوه كبير جدا يحدث الآن بفعل تلك الدورات التدريبية في الجسد القضائي، لا يعلم مدى أثره الضار والسلبي على منظومة القضاء في المستقبل.

ويشدد على أن هذا الأمر يعد أخطر تهديد لاستقلال القضاء منذ أكثر من 70 عامًا، مبينًا: “يتضمن شبهتين، أولهما الإخلال بمبدأ الفصل بين السلطات، وثانيهما المساس باستقلال السلطة القضائية، وأن أي تدخل في شئون القضاء بدءًا من تعيينهم، وتأهيلهم وتدريبهم وأعمالهم ونقلهم وانتدابهم يعد تدخلًا منهي عنه بموجب أحكام الدستور في مواده 165 بشأن استقلال السلطة القضائية، و166 بشأن استقلال القضاة وعدم جواز تدخل أية سلطة في القضايا أو في شئون العدالة، و 173 بشأن المجلس الأعلى للقضاء.”

 

نوصي للقراءة: حزب الجبهة الوطنية: صعود سياسي برعاية المال والمنابر

تمييز أبناء القضاء 

المحامي الحقوقي صالح حسب الله – المحامي بالنقض والدستورية العليا، والمستشار القانوني السابق لحركة استقلال جامعة عين شمس-، يؤكد في حديثه معنا أن تمييز أبناء القضاة فقط دون غيرهم في استثناءات وتظلمات ومراجعات وإعادة اختبار لهم بشأن الاختبارات الرياضية المؤهلة للدورة التدريبية، جريمة “مركبة” مخالفة للدستور المصري.

ويضيف: “إذا كانت الدورات التدريبية مخالفة قانونية بحق السلطة القضائية، فإن ما يرتكب حاليًا من تمييز، يعد جريمة إضافية أخرى بارتكاب مخالفة صريحة لنص الدستوري المصري، فإما أن تلغى على الجميع أو تطبق على الجميع دون تمييز.”

ويوضح “حسب الله” أن المادة 53 من الدستور والخاصة من باب (الحقوق والحريات)، نصت على: “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون فى الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسى أو الجغرافى، أو لأى سبب آخر، والتمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون، وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على كافة أشكال التمييز، وينظم القانون إنشاء مفوضية مستقلة لهذا الغرض.”

المحامي الحقوقي مصطفى السيد علوان – رئيس مجلس إدارة مؤسسة “رايتس للاستشارات القانونية والتحكيم الدولي”-، يرى في حديثه معنا أن تدخل رئيسا ناديي القضاة ومستشاري هيئة النيابة الإدارية في تعيينات أعضاء الهيئات القضائية، بغية امتصاص غضب بعض رجال القضاء ممن لم يتوفر لذويهم شروط استيفاء شغل الوظيفة القضائية و تدخلهما في الأمر من منطلق موقعهما الرسمي، للضغط على صانعي القرار لإعادة تدوير ملفات قبولهم، استثناء يمثل انتهاك الحقوق المنصوص عليها دستوريًا وما أقرته المواثيق والمعاهدات الدولية بتحقيق مبدأ المساواة في شغل الوظيفة العامة، وبالأخص الوظيفة القضائية التي تتطلب استيفاء شروط شغلها حتى يتوافر للمرشح الحد الأدنى لـ اعتلاء المنصات القضائية.

يكمل: “إعادة تدوير ملفات أبناء أعضاء الهيئات القضائية الذين رسبوا في مقررات مسوغات الترشيح دون باقي المرشحين من أبناء الشعب، لاحتواء غضب ذويهم من أرباب الهيئات الفضائية، يعد انتهاكًا لمبدأ المساواة ويخلق احتقان داخلي بتوجيه دفة العدالة إلى طائفة معينة، ضربًا بعرض الحائط بالدستور والمواثيق الدولية.”

يرجح “علوان” أن انتهاج مثل هذا السلوك ابتغاء استخدامه كوسيلة في انتخابات قائمة، ويرى أن ذلك يبعد عن نزاهة المسلك وقصد سبيل الصالح العام، خاصة في ظل توقيت طرح التدخل لدى صانعي القرار تزامنًا من انتخابات قائمة كانت أولى نتائجها انسحاب كافة المنافسين لرئيس نادي القضاة من الترشح أمامه في الانتخابات التي بدأت مراحلها.

ويؤكد محمد محمود مهران – المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي-، أن التظلم يعد حقًا أصيلاً كفله الدستور المصري والقانون وكذلك كافة المواثيق الدولية، إلا أنه لا يجوز أن يقتصر على فئة واحدة دون بقية أفراد الشعب.

وينوه في حديثه مع زاوية ثالثة إلى أنه من غير المقبول التمييز في إعادة الاختبارات التأهيلية للدورة التدريبية، إذ أن المادة 53 من الدستور تنص صراحة على أن “المواطنين لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم”، لافتًا إلى أن أي استثناء لفئة معينة دون غيرها يتعارض مع هذا المبدأ الدستوري.

يبين المتخصص في القانون الدولي أن القضاة باعتبارهم آباء يتمتعون بكامل الحقوق الدستورية والقانونية في الدفاع عن مصالح أبنائهم كأي مواطن مصري، مشيرًا إلى أن تحركهم للمطالبة بحقوق أبنائهم أمر مشروع ومكفول بالقانون، لكنه أوضح أن هذه المطالب يجب أن تتم في إطار القانون والدستور وبما يضمن المساواة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز، مشددًا على أن النجاح في تحقيق مطلب إعادة الاختبارات يجب أن يستفيد منه جميع المتقدمين وفق معايير موحدة وشفافة، تحقيقًا لمبدأ المساواة أمام القانون الذي يعد من أهم مبادئ القضاء المصري.

وما بين القرار الحكومي بضرورة تطبيق شرط الدورات التأهيلية في الأكاديمية العسكرية لمن يرغب في الحصول على وظيفة داخل أجهزة الدولة، وبين غضب فئات العاملين في القضاء ومحاولة امتصاص الغضب بوعود تقضي باستثناءات لأبنائهم الراسبين، يبقى التساؤل: هل تعزز السلطة من الفجوة بين طبقات الشعب المختلفة إذا ما طبقت تلك الاستثناءات؟ وهل تطبيق القرار يفرض تدخلًا على السلطة القضائية المستقلة بحكم الدستور؟

طارق جمال حافظ
صحفي مختص بالتحقيقات في قضايا الفساد

Search