يترقب المصريون زيادات جديدة في أسعار الوقود مع عودة الحكومة لاستكمال إجراءات خفض دعم الوقود بنهاية شهر مارس الحالي، وهو ما أكده رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده مجلس الوزراء، الأربعاء 15 مارس، بمقر المجلس في العاصمة الإدارية الجديدة.
وتستهدف الحكومة إنهاء ملف رفع الدعم عن أسعار الوقود والطاقة مع نهاية العام الحالي، على أن يكون رفع الدعم تدريجيا وصولًا إلى الإلغاء الكامل للدعم بنهاية 2025. فيما أوضح رئيس الوزراء في كلمته أنه سيكون هناك دعم بيني بين المنتجات وأنبوبة البوتاجاز ستظل مدعومة.
تأتي هذه الخطوة في إطار التزامات مصر تجاه صندوق النقد الدولي، الذي اشترط في مراجعته الأخيرة إعادة هيكلة الدعم لضمان كفاءة توزيع الموارد المالية. وكان المجلس التنفيذي لصندوق النقد قد وافق في 11 مارس، على صرف الشريحة الرابعة من قرض مصر بقيمة 1.2 مليار دولار، كما أقر طلب السلطات بالحصول على تمويل إضافي بقيمة 1.3 مليار دولار من صندوق المرونة والاستدامة، على أن يتم صرفه على شرائح وليست شريحة واحدة.
خلال الفترة من 2013 إلى 2020، ارتفعت أسعار الوقود والطاقة ست مرات. في المقابل، شهد عامي 2015 و2020 استقرارًا في الأسعار، كما هو موضح في الشكل التالي:
وخلال عام 2021، ارتفعت أسعار الوقود ثلاث مرات متتالية خلال نفس العام، كما هو مبين بالشكل الآتي:
وخلال عام 2022، ارتفعت أسعار الوقود ثلاث مرات متتالية في نفس العام، كما هو مبين بالشكل الآتي:
أما عام 2023، ارتفعت أسعار الوقود مرتين في الربع الأول للعام والربع الأخير، وفي الربع الثاني من العام، جرى تثبيت أسعار البنزين، مع زيادة سعر السولار جنيه واحدًا.
يرى زهدي الشامي السياسي والباحث الاقتصادي، أن الارتفاعات المتتالية لأسعار الوقود والطاقة نتيجة أن الحكومة رهنت مصر لصندوق النقد الدولي ولم تتحرر من سيطرته، بل لا تزال خاضعة له في وضع يعتبر استثناءً بين دول العالم.
وتابع في حديثه لزاوية ثالثة أن الحكومة المصرية تحاول إيهام المواطنين بأن هذا الأمر طبيعي، ولكنه في الحقيقة وضع شاذ نتيجة فشلها واتباعها لسياسات اقتصادية مدمرة للشعب المصري.
يستنكر الباحث الاقتصادي ارتفاع أسعار الوقود أكثر من 10 مرات خلال السنوات الأخيرة، حيث رفعتها الحكومة ما يقارب ثلاث مرات خلال عام 2024 فقط. مشيرة إلى أن الحكومة المصرية لا تدرك ما تفعله، فهي أسيرة لصندوق النقد الدولي ولا تأخذ بعين الاعتبار معاناة الشعب المصري. مؤكدًا أن الأضرار السلبية الناتجة عن هذه السياسات الممنهجة ستؤدي إلى تدمير الاقتصاد، نتيجة للبقاء تحت مظلة صندوق النقد الدولي والإصرار على هذه السياسات.
وأوضح الشامي أن القرارات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة المصرية مثل تخفيض العملة ورفع الدعم تؤدي إلى زيادات متسلسلة في الأسعار لا يبدو أن لها نهاية. هذه السياسات المفروضة من صندوق النقد الدولي تشكل جريمة بحق الشعب المصري وتعمل على تدميره. مشيرًا إلى أن الآثار الناتجة عن هذا العبث ستزيد من الضغط الاجتماعي الذي هو بالفعل في حالة احتقان كبير بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.
وخلال العام المنصرم، قفزت أسعار السولار ليصل إلى 10 جنيهات ووصل سعر أنبوبة البوتاجاز 100 جنيه. فيما وصل سعر غاز السيارات إلى 7 جنيهات بعد أن ارتفعت أسعاره أكثر من عشرة مرات متتالية خلال الفترة من 2013 وحتى عام 2024. كما هو مبين:
الطاقة والطبقة الفقيرة
وأعلن صندوق النقد الدولي في أغسطس 2024، أن مصر ربما تتخلى عن زيادات أسعار الوقود الفصلية مقابل التزام حازم برفع الأسعار إلى “مستويات استرداد التكلفة” بحلول نهاية عام 2025.
وكان المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء المصري السفير محمد الحمصاني، قال في تصريحات متلفزة أن الدولة “مستمرة في جهودها لاستكمال مشروع الإصلاح الاقتصادي”، موضحا أن “ترشيد الدعم يأتي ضمن أولويات الحكومة لضمان وصوله إلى مستحقيه”.
وأوضح أن “عملية رفع الدعم ستتم تدريجيًا وبصورة متوازنة، مع استمرار دعم بعض المواد البترولية، بحيث يتم تغطية تكلفة بعض المنتجات البترولية من خلال تسعير منتجات أخرى، للحفاظ على مستوى أسعار السولار عند حد متوازن، نظرا لتأثيره المباشر على العديد من الخدمات”.
وأكد الحمصاني أن الحكومة “مستمرة في دعم السولار والبوتاجاز حتى بعد انتهاء العام المالي، لأنهما يؤثران بصورة مباشرة على أسعار السلع، خاصة تلك التي تهم محدودي الدخل”.
من جهتها ترى منى عزت الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أنه بغض النظر عن المرحلة التدريجية التي أعلنت عنها الحكومة في رفع الدعم عن الطاقة، فإن حدوث هذا دون ضبط الأسعار والأسواق، سيؤدي إلى ارتفاع ضخم في الأسعار وزيادة معدلات التضخم المرتفعة في الأساس خلال السنوات الأخيرة، مما سينتج عنه تراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
وأوضحت عزت خلال حديثها مع زاوية ثالثة، أنه بالرغم من الحديث عن مراعاة محدودي الدخل، وأن الدعم على السولار لن يُرفع بنسب كبيرة، فإن كل هذه الإجراءات لن تحد من الآثار السلبية على المواطنين ما لم تُتخذ إجراءات حقيقية لضبط الأسواق، مما سيسبب ارتفاعات رهيبة في الأسعار. وتساءلت: من يتحمل هذا العبء؟. مشيرة إلى أن الأزمة القادمة ستكون عاصفة على كافة المستويات، خصوصًا على المواطنين محدودي الدخل والطبقة الوسطى.
واستكملت الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن رفع الدعم في غضون أشهر قليلة، سيتزامن مع عدة مناسبات مثل الأعياد وبداية العام الدراسي الجديد، وهي أوقات تعيش فيها معظم الأسر المصرية حالة من الطوارئ، ما يعني أن هذه القرارات سيكون لها آثارًا سلبية على الأسر المصرية، إذ إن الطبقة الوسطى قد تتراجع إلى شرائح أدنى، والأسر الفقيرة ستزداد فقرًا.
ولفتت إلى أن هذه الإجراءات ستقلل من المكاسب التي حققها المواطنون، سواء من حيث ارتفاع الأجور أو الحزمة الاجتماعية التي أعلنت عنها الحكومة المصرية مؤخرًا أو الدعم المادي الذي تم تخصيصه للعمالة غير المنظمة. كل هذه المكاسب ستتلاشى نتيجة ارتفاع الأسعار الناتج عن رفع الدعم التدريجي عن الوقود، مما سيؤدي إلى تدهور شديد في أوضاع الأسر المصرية.
وأوضحت عزت أن رفع الدعم عن الوقود والطاقة معناه موجة من الغلاء ستمتد لفترات طويلة، لأن حجم رفع الدعم كبير، وهذا سيؤدي إلى موجة من التضخم لها آثار اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة. مشيرة إلى أن فئة محدودي الدخل أو العمالة غير المنظمة ستكون الأكثر تضررًا، إذ قد يتعرضون لفقدان مشاريعهم أو أنشطتهم الاقتصادية الصغيرة، والتي تأثرت بشكل كبير خلال أزمة كورونا والارتفاعات المتتالية في الأسعار، ولم تتعافَ بعد، ومع الموجة القادمة من ارتفاع الأسعار، ستواجه هذه الفئات صعوبة في الاستمرار في مشروعاتها الاقتصادية، مما سيؤدي إلى فقدان مصدر رزقها.
على سبيل المثال، الباعة الجائلون الذين يشترون من تجار التجزئة سيجدون أن ارتفاع الأسعار يهدد هامش الربح الخاص بهم، ومع الغلاء المستمر، سيكون هامش الربح مهددًا بالتراجع أكثر، مما يعني أن بعضهم قد يفقدون وظائفهم على أمل العثور على فرص أخرى تحقق هامش ربح أعلى لتلبية احتياجات أسرهم- بحسب عزت.
أما بالنسبة للشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، تقول عزت أنها تعتمد بشكل كبير على الاقتراض والجمعيات، إذ تشتري احتياجاتها الأساسية بالتقسيط، مثل مصروفات المدارس. وبالتالي مثل هذه القرارات ستجعلها تواجه صعوبات في سد احتياجاتها الأساسية. مشيرة إلى أن مشروع “تكافل وكرامة” الذي يمنح النساء أموالًا لتعليم أولادهن، ستجد النساء أنفسهن مضطرات لإنفاق هذه الأموال لسد احتياجاتهن الأساسية، مثل الطعام، بدلاً من توجيهها للتعليم، وهو الهدف الأساسي من المشروع. هذا سيؤدي إلى تهديد استقرار هذه الأسر، إذ ستجد نفسها مضطرة لتلبية احتياجات أساسية أخرى قبل الالتفات إلى التعليم.
واختتمت الباحثة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية حديثها بأن الحكومة المصرية لم تأخذ كل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية في الاعتبار. الحديث عن زيادات في الأجور مع الموازنة الجديدة لن يكون كافيًا لمواجهة رفع الدعم في وقت قصير، حيث ستلتهم هذه الزيادات آثار التضخم وارتفاع الأسعار.
نوصي للقراءة: زيادة الحد الأدنى للأجور في مصر.. بين الأرقام والواقع المعيشي
مزيدًا من التضخم والإفقار
محمد رمضان الباحث في الاقتصاد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، يرى معدل التضخم سيتأثر بالتأكيد مع الزيادات المتوقعة لأسعار الوقود والطاقة بالإضافة إلى زيادة أسعار تكلفة السلع والأسعار بالتبعية.
وأوضح في حديثه إلى زاوية ثالثة أنه من المفترض أن نسبة التضخم الناتجة عن التعويم بدأت في الانحسار، لكنها حتى الآن غير محدد موعد انتهائها بالتحديد. نطرًا لأنها مرهونة بانتهاء أزمة السيولة الدولارية التي يعاني منها السوق المصري.
وعن مسألة التكافؤ بين الحد الأدنى للأجور وارتفاع الأسعار المتوقع، أوضح الباحث الاقتصادي أن القضية لا تتعلق بالتكافؤ فقط، لكن السؤال الأهم: أين يُطبق الحد الأدنى للأجور؟ ففي السنوات الأخيرة، رفعت الحكومة الحد الأدنى للأجور من 2000 جنيه إلى 7000 جنيه، ولكن حتى الحكومة نفسها لا تطبق الحد الأدنى للأجور على العاملين بعقود مؤقتة داخل المصانع والشركات الحكومية والقطاع العام. مشيرًا إلى أن مصر تعتبر من الدول التي يعمل فيها 7 من كل 10 عمال بدون عقود رسمية، خاصة في القطاع الخاص، هؤلاء لا يطبق لا حد أدنى للأجور ولا تأمينات اجتماعية ولا أي حقوق أخرى.
ويرى رمضان أن رفع الحد الأدنى للأجور هو وسيلة لتحريك الحد الأقصى للموظفين والعاملين المثبتين في الحكومة وفي الدرجات العليا، أما معظم العاملين فلا يطبق عليهم الحد الأدنى، ولا يوجد لدى الحكومة آليات فعلية لتطبيقه.
يوضح الباحث الاقتصادي أن الحكومة المصرية تدافع دائمًا عن الأجور المتدنية بحجة أن الأسر المصرية تستطيع العيش بها، ولكن الواقع يقول عكس ذلك. فإذا قارنّا الوضع بشكل أدق، نجد أن الدولار في عام 2020 كان يُباع بـ 16 جنيهًا، وكان الحد الأدنى للأجور 2000 جنيه، ما يعني أن الحد الأدنى كان يساوي 125 دولارًا.
أما اليوم، فقد تجاوز الدولار 50 جنيهًا، والحد الأدنى للآجور أصبح 7000 جنيه، ما يعني أن الحد الأدنى يساوي 140 دولارًا فقط في الشهر. بذلك، فإن الحد الأدنى للأجور لم يرتفع كما تروج الحكومة المصرية. بل على العكس، الزيادة ضئيلة جدًا مقارنة بمعدلات التضخم في مصر خلال السنوات الأخيرة، مما يعني أن قيمة الأجور تتراجع فعليًا بسبب انخفاض قيمة العملة أمام الدولار وضعف القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع التضخم، الذي من المتوقع أن يظل مرتفعًا خلال الفترة القادمة -بحسب رمضان.
سجل معدل التغير الشهري في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين للحضر، الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، 1.4% في فبراير 2025 مقابل 11.4% في فبراير 2024، و1.5% في يناير 2025. وعلى أساس سنوي، سجل معدل التضخم العام للحضر 12.8% في فبراير 2025 مقابل 24.0% في يناير 2025. ووصل التضخم إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 38% في سبتمبر 2023.