رفع أسعار الوقود للمرة الـ20.. الحكومة تختار الطريق الأسهل.. والشعب يدفع

زيادة أسعار الوقود في مصر للمرة الـ20 خلال 6 سنوات تكشف أن الحكومة المصرية تسلك الطرق الأسهل في معالجة الأزمة الاقتصادية، وسط وتزايد الأعباء على المواطنين من الفئات محدودة الدخل
Picture of رشا عمار

رشا عمار

في أحد الأحياء السكنية، عبّرت سيدة تعمل في مجال الخدمة المنزلية عن حزنها الشديد إثر الارتفاع الحاد في أسعار أسطوانات الغاز، قائلة إن سعر الأنبوبة وصل إلى 300 جنيه، مضيفةً بانفعال: “تعبنا من الأسعار، الرحمة”.
وفي محيط وحدة صحية بالقاهرة، أعرب مواطنون عن استيائهم من الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، مشيرين إلى أن تكلفة ملء خزان السيارة تجاوزت الألف جنيه. وبدت ملامح الغضب والاستياء واضحة على وجوه المارة، في وقتٍ تتكرر فيه شكاوى المواطنين من صعوبة تأمين احتياجاتهم الأساسية بسبب موجات الغلاء المتتابعة. عشية إعلان الحكومة رفع أسعار المحروقات، ساد حديث موحّد بين الناس، حيث أصبحت الأسعار محور النقاش اليومي، وصوت الغضب الصامت حاضرًا في تفاصيل الحياة اليومية.

مصر التي يزيد الفقراء فيها عن 37% من إجمالي السكان، وفق تقديرات رسمية، قررت حكومتها رفع أسعار البنزين للمرة العشرين خلال ست سنوات، والثانية خلال عام 2025، في إطار تطبيق آلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية التي تربط السعر المحلي بتغيرات السوق العالمية وسعر الصرف، ووفقًا للبيانات الرسمية، ارتفع سعر لتر بنزين 95 إلى 21 جنيهًا، وبنزين 92 إلى 19.25 جنيهًا، بينما بلغ بنزين 80 سعر 17.75 جنيهًا، والسولار 17.50 جنيهًا للتر الواحد. كما سجل غاز السيارات 10 جنيهات لكل متر مكعب.

وقالت الحكومة في بيانها إن الزيادة جاءت استجابةً لـ”فجوة تكاليف الإنتاج والاستيراد” الناجمة عن ارتفاع أسعار الشحن وتذبذب أسعار الصرف، مؤكدةً أن القرار يهدف إلى تثبيت الأسعار لمدة عام كامل لضمان استقرار السوق وتقليل أعباء الموازنة العامة. غير أن هذا التبرير لم ينجح في تهدئة الشارع الذي استقبل القرار بحالة من الغضب والاستياء، في ظل استمرار الضغوط المعيشية وارتفاع أسعار السلع والخدمات الأساسية.

ويأتي الارتفاع الأخير رغم تراجع أسعار النفط العالمية خلال الأشهر الماضية لتستقر عند حدود 78 دولارًا لبرميل خام برنت، أي أقل بنحو 10 دولارات عن متوسط الأسعار في منتصف 2024، ما أثار تساؤلات حول مدى التزام الحكومة فعليًا بآلية التسعير التلقائي، وحجم تأثير سعر الدولار المحلي مقابل الجنيه في معادلة التسعير.

 

نوصي للقراءة: ارتفاع أسعار البنزين في مصر: رحلة زيادات منذ 2014

ارتفاعات متكررة

سجلت أسعار الوقود ارتفاعات متتالية على مدار السنوات الماضية، ففي الفترة بين 18 أكتوبر 2019 و18 أكتوبر 2025 ارتفع متوسط سعر البنزين بنحو الضعف تقريبًا، بعدما زادت الحكومة الأسعار ثماني مرات متتالية في إطار خطة تحرير تدريجي للأسعار وربطها بالسوق العالمية، فيما تسارعت وتيرة الزيادات في السنوات الأخيرة، مع ثلاث زيادات في 2024 واثنتين في 2025، بسبب ضغوط اقتصادية مثل تخفيض قيمة العملة وتقلبات أسعار النفط العالمية.

وخلال العام الجاري، ارتفعت الأسعار مرتين الزيادة الأولى في أبريل الماضي رفعت سعر بنزين 80 إلى 15.75 جنيه، وبنزين 92 إلى 17.25 جنيه، وبنزين 95 إلى 19 جنيه. ثم الزيادة الثانية في 17 أكتوبر رفعتها إلى 17.75، 19.25، و21 جنيه على التوالي، فيما التزمت الحكومة بتثبيت الأسعار لمدة عام على الأقل بعد هذه الزيادة، ما لم تحدث تغيرات كبيرة في أسعار النفط العالمية.

 

يوضح الرسم تطوّر أسعار البنزين والسولار في مصر بين عامي 2021 و2025، وهي الفترة التي شهدت 20 زيادات متتالية ضمن آلية التسعير التلقائي للوقود.

 

ورغم أن هذه العملية بدأت فعليًا عام 2014، فإنها تسارعت بعد عام 2020 مع اشتداد الضغوط المالية على الدولة، ففي أعقاب جائحة (كوفيد-19)، جرى تثبيت أسعار الوقود في أواخر 2020 دعمًا للتعافي الاقتصادي، قبل أن تستأنف لجنة التسعير التلقائي للمنتجات البترولية زياداتها تدريجيًا بدءًا من عام 2021. ومنذ ذلك الحين، باتت اللجنة تعلن كل ثلاثة أشهر قرارات المراجعة السعرية التي تربط الأسعار المحلية بتحركات النفط عالميًا وسعر الصرف، تنفيذًا لبرنامج إصلاح مدعوم من صندوق النقد الدولي يهدف إلى تحقيق تسعير يعكس التكلفة الحقيقية للوقود في السوق المحلية.

وخلال هذه الفترة، تراوحت الزيادات في كل مرة بين 5 و15%، شملت جميع أنواع البنزين (80 و92 و95 أوكتان) وغالبًا السولار، الذي يمثل عصب حركة النقل والإنتاج في البلاد. وبحلول أكتوبر الجاري، وصلت الأسعار إلى أعلى مستوياتها التاريخية، إذ بلغ سعر لتر بنزين 95 نحو 21 جنيهًا، و92 إلى 19.25 جنيهًا، و80 إلى 17.75 جنيهًا، بينما ارتفع السولار إلى 17.50 جنيهًا للتر الواحد.

وتشير الحكومة إلى أن هذه الخطوات ضرورية لتحقيق “الاستدامة المالية” وتوفير موارد لبرامج الحماية الاجتماعية مثل تكافل وكرامة، لكن الانتقادات تتصاعد في المقابل بشأن آثارها التضخمية، إذ أسهم ارتفاع السولار وحده في زيادة أسعار السلع الغذائية بأكثر من 30% خلال 2024. كما ارتفعت تكاليف النقل والمواصلات بنسبة تراوحت بين 15 و25%، ما زاد الضغط على ميزانيات الأسر متوسطة ومحدودة الدخل.

ومع إعلان لجنة التسعير أن الزيادة الأخيرة قد تكون النهائية قبل مرحلة من التثبيت النسبي، تبدو مصر مقبلة على مرحلة تسعير حر للوقود، يتحدد فيها السعر بناءً على المعايير الدولية وسعر الصرف،

يوضح هذا الرسم التفاعلي تطور أسعار البنزين والسولار في مصر بين 2019 و2025، حيث شهدت البلاد 20 زيادة رسمية منذ بدء تطبيق آلية التسعير التلقائي.

 

وتأثرًا بأسعار الوقود، شهدت أسعار اسطوانات البوتاجاز زيادات متتالية منذ عام 2019، حيث ارتفعت من 65 جنيهًا في 2019 إلى 225 جنيهًا خلال أكتوبر الجاري. فضلًا عن  ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، فضلاً عن تأثيرات تقلبات أسعار النفط العالمية وسعر صرف الجنيه مقابل الدولار.

تؤدي عوامل رفع أسعار الوقود إلى انعكاسات مباشرة على المواصلات وأسعار السلع والخدمات. فآلية التسعير التلقائي، المرتبطة بأسعار النفط العالمية وسعر صرف الدولار، تجعل أي زيادة في تكاليف الاستيراد أو ضعف قيمة الجنيه أمام الدولار تنعكس فورًا على أسعار البنزين والسولار، وبالتالي على تكلفة تشغيل الحافلات والميكروباصات وخدمات النقل الخاصة.

كذلك ارتفاع أسعار الوقود يزيد من تكلفة النقل والتوصيل للسلع الغذائية والمعلبات والخدمات الأساسية، ما يدفع التجار والمصنعين إلى رفع أسعار منتجاتهم لتعويض المصاريف الإضافية. وبذلك تتشابك أسباب رفع الوقود، من تقلبات النفط إلى سياسات الدعم وإصلاح المالية العامة، مع تزايد الضغوط الاقتصادية على الأسر، حيث يصبح المواطن مضطرًا لدفع أسعار أعلى للمواصلات والطعام والخدمات اليومية.

وفي تحرك برلماني، وجّه الدكتور فريدي البياضي، عضو مجلس النواب ونائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، سؤالًا عاجلًا للحكومة، معتبرًا أن القرار الجديد “امتداد لنهج الجباية واستنزاف المواطن المصري دون أي التزام فعلي بالحماية الاجتماعية التي يفرضها الدستور”. 

في السؤال البرلماني الذي اطلعت عليه زاوية ثالثة، استند البياضي إلى المادة (101) من الدستور التي تمنح البرلمان سلطة الرقابة والمحاسبة، وإلى المادة (8) التي تُلزم الدولة بتحقيق العدالة الاجتماعية وضمان حياة كريمة للفئات محدودة الدخل. وتساءل النائب، في لهجة حادة، ما إذا كانت توجيهات صندوق النقد الدولي قد أصبحت “فوق أحكام الدستور وحقوق المواطنين”.

وطالب البياضي الحكومة بالرد على خمسة أسئلة مباشرة وواضحة أمام الشعب، تشمل: “ما المعادلة السعرية التي تستند إليها الدولة في تسعير المحروقات؟ ولماذا تُعامل كأنها سر سيادي؟ إذا كانت أسعار النفط تتراجع عالميًا، فلماذا ترتفع محليًا؟ هل أصبح تنفيذ تعليمات صندوق النقد الدولي أولوية تتجاوز النصوص الدستورية الخاصة بالحماية الاجتماعية؟ ما هي خطة الحكومة لتعويض الفئات الأكثر تضررًا من الزيادة الجديدة؟ وإلى متى سيظل المواطن المصري الممول الوحيد لكل أزمة دون رؤية عادلة أو سياسة اقتصادية متوازنة؟”

 

نوصي للقراءة: وقود بلا دعم.. المصريون أمام موجة غلاء جديدة


زيادة غير مبررة

في تصريح إلى زاوية ثالثة، يقول – أستاذ الاقتصاد السياسي-، الدكتور كريم العمدة إن ملف دعم المحروقات يمثل أحد أكثر الملفات حساسية في الاقتصاد المصري، إذ يخضع لتدقيق مستمر من صندوق النقد الدولي. ويوضح أن الحكومة المصرية رفعت أسعار الوقود خمس مرات خلال عامين فقط، وهو رقم مرتفع جدًا بالنظر إلى الأعباء الاقتصادية التي يتحملها المواطن. ويرى أن الزيادة الأخيرة غير مبررة، خاصة في ظل تأكيدات مسؤولي صندوق النقد بأن رفع أسعار المحروقات ليس مطلبًا ملحًا في الوقت الراهن.

ويضيف العمدة أن الحكومة كانت قد صرحت سابقًا بأن هذه الزيادة ستكون الأخيرة، لكن من الواضح أن الأمر غير محسوم، إذ قد تعقبها زيادات جديدة إذا ارتفع سعر الدولار أمام الجنيه أو زاد سعر برميل النفط عالميًا. مشيرًا إلى أن دعم المحروقات كان دائمًا أحد الملفات الصعبة التي واجهت الحكومات منذ عهد الرئيس السادات، مشيرًا إلى أن الحكومة الحالية هي الوحيدة التي ألغت الدعم بشكل شبه كامل، رغم ما لذلك من آثار سلبية على معدلات التضخم ومستوى المعيشة.

ويشدد العمدة على ضرورة أن تظل هناك نسبة معقولة من دعم الطاقة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، معتبرًا أن الكهرباء والوقود يمثلان أساس الصناعة والإنتاج، ومن ثم فإن رفع أسعارهما يؤثر بشكل مباشر على الأسعار ومستويات التضخم. ويلفت إلى أن “المواطن البسيط وموظفو الحكومة من محدودي الدخل لا يمكنهم تحمل الصدمات المتتالية في أسعار الوقود”، موضحًا أن تكلفة المواصلات اليومية ارتفعت بشكل كبير، إذ أصبحت الرحلات القصيرة داخل المدينة لا تقل عن 6 إلى 7 جنيهات، بينما تتجاوز تكلفة التنقل بين المحافظات أو عبر مسافات طويلة 50 جنيهًا يوميًا للموظفين والطلاب.

ويتابع العمدة أن هذه الزيادات تخلق ضغوطًا تضخمية هائلة على المصريين، مشيرًا إلى أن التضخم المنفلت ظل أحد أكثر الملفات تعقيدًا أمام كل الحكومات المصرية المتعاقبة. كما ينتقد تعامل الحكومة الحالية مع صندوق النقد الدولي، مؤكدًا أن المراجعتين الرابعة والخامسة لبرنامج الصندوق مع مصر لا تزالان مؤجلتين بسبب ضعف أداء الحكومة في الملفات الأساسية التي يطالب بها الصندوق، مثل الشفافية، الحوكمة، القضاء على الفساد، وتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي عبر الطروحات الحكومية.

ويختتم العمدة تصريحه بالتأكيد على أن الحكومة اختارت الطريق الأسهل عبر رفع أسعار البنزين والكهرباء بدلًا من تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الصعبة التي يطالب بها الصندوق، معتبرًا أن هذا النهج يعكس فشلًا في الإدارة الاقتصادية، في ظل مجلس نواب ضعيف لا يمارس دوره الرقابي الفعّال على القرارات التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر.


توقيت غير مناسب

من جهتها تقول – الصحفية والباحثة الاقتصادية-، ميرفانا ماهر في تصريح إلى زاوية ثالثة إن الحكومة تبرر قرار رفع أسعار الوقود بارتفاع تكلفة المنتجات البترولية على الموازنة العامة، مشيرة إلى أن الدافع الحقيقي وراء القرار هو تخفيف عبء النفقات على بند دعم الطاقة في ظل الضغوط المالية المتزايدة.

وتضيف أن الزيادة الأخيرة جاءت في توقيت غير مناسب تمامًا، موضحة أن المؤشرات الرسمية تتحدث عن تراجع معدلات التضخم، بينما الواقع في الأسواق يُظهر العكس، حيث تشهد أسعار السلع ارتفاعًا عامًا في كل القطاعات. متابعة: “الزيادة الأخيرة، التي بلغت جنيهين في اللتر، كبيرة مقارنة بالزيادات السابقة، كما أن رفع سعر السولار ينعكس تلقائيًا على تكلفة النقل والإنتاج، وبالتالي على جميع الأسعار في السوق.

وتشير ميرفانا إلى أن القرار جاء في وقت اتخذ فيه البنك المركزي قرارًا بخفض أسعار الفائدة، وهو ما أثّر سلبًا على أصحاب المعاشات وشرائح الطبقة المتوسطة التي كانت تعتمد على عوائد شهادات الادخار في البنوك كمصدر دخل ثابت. لافتة إلى أن “القرارات الاقتصادية تبدو متعارضة أحيانًا؛ فخفض الفائدة يضغط على المدخرين، ورفع أسعار الوقود يرفع تكاليف المعيشة عليهم في الوقت نفسه.”

وتنتقد الصحفية والباحثة الاقتصادية توقيت القرار، معتبرة أنه استسهال من الحكومة بدلًا من البحث عن حلول أكثر عدالة أو بدائل اقتصادية حقيقية، مؤكدة أن صندوق النقد الدولي نفسه لم يطالب مصر صراحةً بهذه الزيادة الأخيرة. معتبرة أن “هناك بدائل كانت متاحة، لكنها أصعب سياسيًا، مثل إعادة النظر في دعم المصدرين الذي تضاعف خلال السنوات الأخيرة، أو إعادة هيكلة الصناديق الخاصة التي لا تزال ملفًا غامضًا، أو تطوير قطاع الثروة المعدنية بما يوفر إيرادات مستقرة للدولة.”

وختمت الباحثة حديثها بالقول إن كل قرار اقتصادي يحمل أكثر من بعد، لكن التركيز المستمر على الحلول السريعة مثل رفع الأسعار “يعكس قصورًا في الرؤية الاقتصادية طويلة المدى”، مؤكدة أن العدالة الاجتماعية والابتكار المالي يجب أن يكونا محور أي إصلاح اقتصادي حقيقي.

 

نوصي للقراءة: زيادة الحد الأدنى للأجور في مصر.. بين الأرقام والواقع المعيشي


لماذا ترفع الحكومة أسعار الوقود؟

من جهته، يقول – الخبير الاقتصادي والقيادي بحزب التحالف الشعبي الاشتراكي-، زهدي الشامي لزاوية ثالثة إن السبب المباشر لرفع أسعار البنزين والبوتاجاز والغاز يعود إلى التزامات الحكومة المصرية تجاه صندوق النقد الدولي بموجب الاتفاق القائم بين الطرفين، وهو ما يجعل هذه القرارات مرتبطة بشكل مباشر بشروط الصندوق وإملاءاته. ويوضح أن هذا التوجه يتقاطع مع السياسة الجبائية العامة التي تنتهجها الحكومة، والتي تقوم أساسًا على زيادة الأعباء الضريبية وغير الضريبية على المواطنين بدلاً من البحث عن حلول هيكلية أكثر عدالة واستدامة.

ويضيف الشامي أن غياب المعارضة المؤسسية الحقيقية بسبب ما يصفه بـ”التضييق الشديد على الحريات العامة” جعل الحكومة تمرر مثل هذه القرارات دون مقاومة سياسية أو رقابية فعالة، وهو ما يضعف من قدرة المجتمع على مواجهة السياسات الاقتصادية التي تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. ويشير إلى أن ارتفاع أسعار الوقود والغاز سيؤدي بطبيعة الحال إلى زيادة حادة في تكلفة النقل والمواصلات، الأمر الذي سينعكس على أسعار جميع السلع والخدمات، من المواد الغذائية إلى المنتجات الصناعية، ما سيضاعف الأعباء على الأسر المصرية محدودة ومتوسطة الدخل.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أن الحكومة تفشل، كالعادة، في السيطرة على معدلات التضخم أو خفضها إلى مستويات مقبولة، مشيرًا إلى أن التوقعات تتجه نحو استمرار ارتفاع الأسعار في الأشهر المقبلة، وهو ما دفع البنك المركزي نفسه إلى رفع توقعاته لمعدل التضخم خلال الفترة القادمة. ويرى أن هذا الوضع يعكس غياب رؤية اقتصادية شاملة، إذ تكتفي الحكومة بالإجراءات السهلة مثل رفع الأسعار والضرائب، دون أن تقدم بدائل حقيقية لدعم الإنتاج المحلي أو تعزيز الحماية الاجتماعية.

ويتابع الشامي أن الحكومة الحالية أسيرة نهج اقتصادي واحد تتبعه منذ أكثر من عشر سنوات، بل إن جذور هذا التوجه تعود – على حد قوله – إلى سياسات الانفتاح في سبعينيات القرن الماضي، التي كرست الاعتماد المفرط على القروض والمساعدات الخارجية، وتجاهلت بناء قاعدة إنتاجية وطنية قوية. ويؤكد أن النهج الحالي يعيد تكرار نفس الأخطاء القديمة بالاعتماد على وصفات جاهزة من المؤسسات المالية الدولية، رغم ما أثبتته التجارب السابقة من فشل تلك السياسات في تحقيق تنمية حقيقية أو تحسين مستويات المعيشة للمواطنين.

ويختتم الشامي حديثه بالتأكيد على أن معالجة الأزمة الاقتصادية في مصر تتطلب تحولًا جذريًا في فلسفة الإدارة الاقتصادية، يقوم على العدالة الاجتماعية، ودعم الفئات الأكثر تضررًا، وإعادة الاعتبار للسيادة الاقتصادية الوطنية بعيدًا عن التبعية لشروط صندوق النقد الدولي أو غيره من المؤسسات المالية العالمية.

قال صندوق النقد الدولي في تقريره الصادر في مارس الماضي إن الحكومة المصرية لا تزال ماضية في تنفيذ التزاماتها المتعلقة بـخفض دعم الطاقة تدريجيًا، بهدف مواءمة الأسعار المحلية مع التكلفة الفعلية للإنتاج والتوريد بحلول ديسمبر المقبل، ويأتي هذا التوجه ضمن حزمة إصلاحات اقتصادية أوسع تستهدف تقليص العجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية وتحسين كفاءة الإنفاق العام، وفقًا لما أكده الصندوق في بيانه.

وفي المقابل، أوضحت الحكومة المصرية أنها ستواصل دعم السولار باعتباره الوقود الأساسي لوسائل النقل العام والإنتاج الزراعي والصناعي، حتى لو تطلب ذلك رفع أسعار البنزين والغاز الطبيعي فوق مستوى التكلفة الفعلية لتعويض فرق الدعم، واعتبرت وزارة البترول أن هذه السياسة تهدف إلى الحفاظ على استقرار أسعار النقل العام وتفادي موجات تضخم مفرطة تمس الفئات محدودة الدخل.

ويمارس صندوق النقد الدولي ضغوطًا متزايدة على الحكومة المصرية لتنفيذ إصلاحات هيكلية في منظومة الدعم تشمل الوقود والكهرباء والمواد الغذائية، بالتوازي مع توسيع شبكات الأمان الاجتماعي مثل برامج تكافل وكرامة والتحويلات النقدية المباشرة. وتأتي هذه الإجراءات ضمن اتفاق القرض المبرم بقيمة 8 مليارات دولار، الذي يربط صرف شرائحه بمدى التزام القاهرة بتطبيق تلك الإصلاحات، وتعزيز الشفافية في إدارة المالية العامة. فيما يشير خبراء اقتصاديون إلى أن الصندوق يسعى من خلال هذه السياسات إلى تحقيق تسعير أكثر واقعية للطاقة يراعي التغيرات في الأسواق العالمية وسعر الصرف، لكنه في المقابل يثير مخاوف داخلية من اتساع الفجوة بين تكلفة المعيشة والدخول الفعلية، في ظل استمرار تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.

في خضم هذا الجدل المتصاعد بين الحكومة التي تبرر قراراتها باعتبارات اقتصادية، وصندوق النقد الدولي الذي يضغط لتطبيق إصلاحات قاسية، والمواطن الذي يقف وحيدًا في مواجهة الغلاء، يبدو أن معادلة الأسعار في مصر باتت أبعد ما تكون عن العدالة الاجتماعية. فكل زيادة في الوقود تُترجم فورًا إلى أعباء جديدة على الناس، دون أن يقابلها تحسن في الدخل أو الخدمات أو حتى في مستوى الشفافية حول طريقة اتخاذ القرار. وبينما تتحدث الحكومة عن “استدامة مالية”، يتحدث الشارع عن “استنزاف يومي”، وعن إحساس عام بأن الأزمات الاقتصادية تُحل دائمًا من جيوب الفقراء.

رشا عمار
صحفية مصرية، عملت في عدة مواقع إخبارية مصرية وعربية، وتهتم بالشؤون السياسية والقضايا الاجتماعية.

Search