جامعة حلوان: مصير معلّق وعلاج ممنوع للعمال المؤقتين

يتعرض أكثر من 280 موظفًا مؤقتًا في جامعة حلوان لانتهاك قانوني وإداري ممنهج، يتمثل في عقود جديدة تُجردهم من صفة الموظف العام، وتهددهم بالفصل دون حماية أو حقوق، رغم أحقيتهم القانونية في التثبيت بموجب قوانين ولوائح سارية
Picture of آية ياسر

آية ياسر

منذ أكثر من 13 عامًا، التحق ماجد صبري (اسم مستعار) بالعمل كموظف تقني في جامعة حلوان، ضمن العمالة المؤقتة التي تجاوز عددها 200 عامل، على أمل التعيين. لكن طوال هذه السنوات، لم يتحقق الوعد الذي كان يُجدد كل عام: “سيتم التثبيت في النصف الثاني من السنة”.

قبل ثلاثة أشهر، طُلب من العمال توقيع عقود جديدة تحتوي على بنود وصفوها بـ”المجحفة”، تمنعهم من المطالبة بأي تثبيت دائم وتنفي عنهم صفة الموظف. وعند رفضهم، تلقوا تهديدات شفوية بالفصل والحرمان من الراتب.

يشير ماجد إلى أن العقود القديمة تضمنت ما يُعرف بـ”بند الاستمرارية”، والذي يضمن تجديد العقد تلقائيًا طالما التزم العامل بالحضور والتوقيع في سجلات الدوام. لكن بعد تعيين اللواء محمد أبو شقة أمينًا عامًا للجامعة، وُجهت تعليمات بإنهاء خدمة جميع المتعاقدين.

يقول لزاوية ثالثة: “العقود الجديدة تختلف جذريًا. تنص على أنه لا يحق للطرف الثاني – أي نحن – المطالبة بالتعيين، ولا نُعدّ موظفين لدى الطرف الأول. ويحق للجامعة تحويل هذه العقود إلى عقود استعانة أو يومية، ما يعني أن وجودنا مرتبط بطلب العمل اليومي فقط”. ويتابع: “لو وقعت اليوم، يمكنهم فصلي غدًا دون إنذار ودون أي التزام قانوني تجاهنا”.

ويضيف: “نحن أكثر من 280 موظفًا بعقود مؤقتة، موزعون بين أقسام الجامعة وكلياتها، بين تقنيين ومحاسبين وموظفي شؤون طلاب وعمال وسائقين. نتقاضى رواتب تتراوح بين 4 و5 آلاف جنيه، تُصرف من بند الصناديق الخاصة ذات الطابع الخاص. لكننا اليوم مهددون بالفصل، فقد أُمهلنا حتى الأول من يوليو، وبعده ستتوقف الرواتب، وسيُطلب منا تسليم العهد، وسيُمنع تسجيل الحضور والانصراف، وفقًا لما نُقل إلينا شفهيًا. حتى الآن، لا يوجد منشور رسمي واحد يقر بهذه الإجراءات”.

 يتابع ماجد: “حاولت الإدارة إغراء بعض الزملاء ماديًا، وأبلغتهم بأن توقيع العقود الجديدة سيمنحهم زيادات في الرواتب، وتطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور، إضافة إلى مكافآت مالية. وبالفعل، وقّع نحو 20 موظفًا، لكنهم سرعان ما أبدوا ندمهم وبدؤوا خطوات قانونية لإلغاء توقيعاتهم، عبر توكيل محامين”.

ويضيف: “اكتشفنا أن موظفين آخرين، التحقوا بالجامعة بعدنا بعقود مؤقتة، تم تعيينهم في عام 2017. بعضهم باشر العمل بعدنا بسنوات، لكن جرى تثبيتهم لأنهم من أبناء مسؤولين في وزارة التعليم العالي”.

تعاني منى أحمد (اسم مستعار) من الوضع ذاته. فقد التحقت بالعمل في الجامعة بعقد مؤقت عام 2013، وتؤكد أن إدارة الجامعة حاولت فرض توقيع عقود جديدة تحرمهم من التثبيت والمكافآت والتأمين الصحي والاجتماعي. وتقول: “هددونا بأن 30 يونيو سيكون آخر موعد، وبعده ستتوقف الرواتب وسنُمنع من تسجيل الحضور”.

وتوضح لزاوية ثالثة: “هناك زملاء تعاقدوا في أعوام 2014 و2015 و2016، وجميعنا نخضع لأحكام قانون الخدمة المدنية الصادر عام 2015 أو 2016. منذ 2019، بدأنا نتلقى سنويًا وثيقة بعنوان “استمرارية التعاقد”، بدلًا من العقود المباشرة التي كانت تُجدد تلقائيًا، واستمر هذا الإجراء حتى 2024”.

وتضيف: “هذا العام، قيل لنا إن العقود الجديدة تهدف إلى “ضمان المستقبل”، لكنها في الواقع تُسقط كل حقوقنا. تحرمنا من التثبيت، الإجازات، التأمينات، والمكافآت. بل وتحوّلنا إلى عمال يومية، في غياب أي قرار رسمي مكتوب. ولهذا تقدّمنا بدعوى قضائية للمطالبة بحقوقنا”.

اطلعت زاوية ثالثة على نسخة من العقد الجديد الذي تطلب إدارة الجامعة من العاملين توقيعه. ينص العقد على أن الطرف الأول، وهو جامعة حلوان ممثلة برئيسها أو من ينوب عنه قانونًا، يبرم اتفاقًا مع الطرف الثاني – الموظف – للقيام بأعمال وظيفية، ويقر الطرفان بالموافقة على هذا التعاقد.

وفقًا للبند الثاني، يلتزم الطرف الثاني بتنفيذ كل الأعمال التي يُكلف بها من الطرف الأول، بما يتفق مع طبيعة العمل، مع تقديم تقارير دورية عن الإنجاز. يحدد البند الثالث مدة التعاقد، مع تأكيد أنه لا يُجدد تلقائيًا، بل يتطلب موافقة صريحة من الطرف الأول.

أما البند الرابع، فينص على أن العامل يتقاضى “مكافأة تعاقدية شاملة” تشمل كل المستحقات، وتخضع هذه القيمة للضرائب المنصوص عليها في القانون المصري. ويُلزم البند الخامس الطرف الثاني بالالتزام بأداء العمل بدقة وأمانة، وتخصيص وقت الدوام لإنجاز المهام، مع حظر قبول أي هدايا أو عمولات، وتحميله المسؤولية عن أي أخطاء تنفيذية.

ينص البند السادس من العقد الجديد على أنه لا يحق للطرف الثاني المطالبة بالتثبيت استنادًا إلى هذا التعاقد، إلا في حدود اللوائح والقوانين الصادرة عن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزارة المالية. كما يُلزم العامل بعدم مخالفة أي من الأحكام القانونية أو اللوائح أو النظم الداخلية المعمول بها داخل الوحدة الإدارية.

أما البند السابع، فيحدد العقوبات التأديبية في حال مخالفة العامل لمقتضيات الواجب الوظيفي أو الظهور بما يخل بكرامة الوظيفة، وتشمل: الإنذار، خصم من المكافأة الشاملة لمدة لا تتجاوز عشرة أيام في المرة الواحدة أو ثلاثين يومًا في السنة، وخصم 15 يومًا مع توجيه إنذار بإنهاء التعاقد، وقد يصل الأمر إلى فسخ العقد نهائيًا.

البند الثامن يحدد الحالات التي يجوز فيها إنهاء التعاقد، وتشمل: طلب الموظف إنهاء التعاقد وموافقة الجهة المختصة، الانقطاع عن العمل خمسة أيام متتالية أو عشرة أيام متفرقة دون عذر مقبول، ارتكاب مخالفة تمس كرامة الوظيفة العامة، أو انتهاء الغرض من استمرار التعاقد. في هذه الحالات، تُخطر الجهة الموظف بقرار إنهاء التعاقد قبل شهر على الأقل. وينص أيضًا على أن إنهاء التعاقد لا يعفي الطرف الثاني من أي مسؤولية تأديبية أو قانونية.

ويشير البند التاسع إلى أن العقد يخضع لأحكام قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، ويحدد أن المحاكم المصرية المختصة هي المرجع في حال وقوع أي نزاع يتعلق بتفسير أو تنفيذ العقد.

أما البند العاشر والأخير، فينص على أن العقد يُحرر من نسخة واحدة تُودَع في ملف الموظف، على أن تُحسب مدته امتدادًا للمدة السابقة لتعاقد الطرف الثاني، منذ بداية أول عقد أُبرم معه.

 

صورة من العقد الجديد للعمالة المؤقتة بجامعة حلون، حصلت عليها زاوية ثالثة
صورة من العقد الجديد للعمالة المؤقتة بجامعة حلون، حصلت عليها زاوية ثالثة
صورة من العقد الجديد للعمالة المؤقتة بجامعة حلون، حصلت عليها زاوية ثالثة
صورة من العقد الجديد للعمالة المؤقتة بجامعة حلون، حصلت عليها زاوية ثالثة

 

نوصي للقراءة: لقمة العيش تحت أشعة الشمس: مخاطر بلا حماية لعمال التوصيل في مصر

التهديد بوقف العلاج

سناء محمد (اسم مستعار)، موظفة مؤقتة في جامعة حلوان ومصابة بسرطان الثدي، تتلقى علاجها الشهري على نفقة الدولة ومن خلال التأمين الصحي، بسبب عدم قدرتها على تحمل نفقات العلاج. منذ فبراير الماضي، بدأت تتعرض لضغوط ومساومات من إدارة الجامعة، تضمنت تهديدات بقطع العلاج إذا لم توقّع على العقد الجديد الذي ترى أنه ينتقص من حقوقها.

تقول سناء إنها بدأت العمل ضمن العمالة المؤقتة في الجامعة عام 2011، ثم اضطرت لتركه لظروف شخصية، قبل أن تعود في يناير 2015 وتواصل عملها حتى الآن. وتشير إلى أن العقد الجديد لا يتضمن أي تغطية تأمينية، ويحدد عدد أيام الإجازات السنوية بخمسة عشر يومًا فقط، مع فرض خصومات على أي غياب إضافي. وهو ما دفعها إلى رفض التوقيع.

وتوضح لزاوية ثالثة: “منذ فبراير، نتعرض لضغط متواصل لتوقيع العقود الجديدة أو ترك العمل مع بداية يوليو. تلقينا تهديدات شفهية من الإدارة، عن طريق مدير الموارد البشرية أو أمين عام الجامعة اللواء محمد أبو شقة، تفيد بأننا لن نُسمح بتسجيل الحضور، وسنُحرم من المرتب والتأمين وأي حق آخر. حتى جواب الفصل لن نحصل عليه، لنُفصل فعليًا بعد أكثر من عشر سنوات من العمل، دون أي مستند رسمي”.

اللجوء إلى القضاء

في حين اختارت رانيا عطية اللجوء للقضاء، متقدمة بدعوى أمام المحكمة الإدارية تطعن فيها على القرار السلبي الصادر عن جامعة حلوان بالامتناع عن تثبيتها بوظيفة دائمة، رغم استيفائها كافة الشروط المنصوص عليها في المادة 73 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، والمادة 187 من لائحته التنفيذية، كونها تعمل منذ 2013 بموجب عقود رسمية ومستمرة، وتصرف لها استمارات مالية وتأمينية، مما يثبت العلاقة الوظيفية، معتبرة أن ذلك يعد مخالفًا للقانون والدستور، ويمثل تعسفًا في استخدام السلطة. 

وتتهم رانيا، أمين عام الجامعة باستغلال التعسف الوظيفي، والتهديد بفسخ العقد الحكومي الخاص بها بعد مرور 12 عام على التعاقد، مما يعد تغولًا بالسلطة في مواجهة عقود وظيفية حكومية غير قابلة للفسخ، بالمخالفة لقانون الخدمة المدنية، موضحة إلى زاوية ثالثة، مظاهر التعسف ضدها ، والتي تضمنت مطالبتها بتسليم العهدة الخاصة بها دون صدور قرار إداري مكتوب بذلك ومختوم بختم النسر، يتضمن تاريخ القرار وجهة إصداره واسم صاحب العهدة وتاريخ حصوله عليها وتوصيف دقيق لمحتويات العهدة، وأنه تم تهديدها بإيقاف راتبها عن شهر يوليو ومنعها من دخول العمل والتوقيع في كشوفات  الحضور والإنصراف، ما لم توقع على العقد الجديد قبل انتهاء المدة.

وتنص المادة 73 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، على تعيين العاملين المؤقتين والمتعاقدين الذين تم التعاقد معهم قبل 30/6/2016 في أدنى الدرجات على بند الأجور الثابتة، وذلك بعد مرور ثلاث سنوات على الأقل على نقلهم على بند (أجور موسميين) في الباب الأول (أجور)، مع استيفاء شروط شغل هذه الوظائف.

في حين تناولت المادة 187 من اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، شروط تعيين العمالة المؤقتة في الجهاز الإداري للدولة، وهي: أن يكون التعاقد قد أبرم قبل 30/6/2016، وأن يستوفي المتعاقد شروط شغل الوظيفة التي سيتم التعيين عليها، وهذا يعني أنه يجب أن تتوافر فيه المؤهلات والخبرات المطلوبة للوظيفة، وأن تكون الوظيفة التي سيتم التعيين عليها شاغرة وممولة في موازنة الوحدة، أي أن هناك وظيفة فعلية متاحة في الهيكل التنظيمي للوحدة.

وكان الدكتور صالح الشيخ، رئيس جهاز التنظيم والإدارة، قد أعلن في يناير 2022، أن الجهاز يقوم بتثبيت المتعاقدين إعمالا لنص المادة رقم 73 من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، بأن يتم التعيين فى أدنى الدرجات على بند الأجور الثابتة والتى تضع قواعد تثبيت العاملين المؤقتين الذين أمضوا ثلاث سنوات على الأقل فى وظائف واردة في موازنة الوحدة والخاضعين لقانون الخدمة المدنية بالباب الأول (أجور)، بشروط استيفاء شروط شغل تلك الوظائف، وتعاقده قبل 30/6/2016.

 وتضمنت شروط توظيف العمالة المؤقتة أن يكون التعاقد قد أبرم قبل 30 يونيو 2016، مراجعة طلبات وحدات بالجهاز الإدارى للدولة تمهيدًا لتثبيت المتعاقدين بهم ممن تتوافر فيهم شروط شغل الوظائف والواجبات الواردة في بطاقة وصف كل وظيفة، وملائمة الوظائف المقترح تثبيتهم عليها مع مؤهلاتهم، ومراجعة الموافقات المطلوبة لشغلهم هذه الوظائف إلى جانب مطابقة الأرقام القومية الخاصة بالمقترح تثبيتهم مع قاعدة العمالة والأجور للتأكد من عدم شغل أحد هؤلاء للعمل بجهة أخرى، وعدم بلوغ أحدهم لسن المعاش، وكذلك التأكد من أنهم لا زالوا على رأس العمل.

كما تشمل تثبيت العاملين المتعاقدين على الباب الأول سواء من تم التعاقد معهم قبل تاريخ حظر التعاقد وهو أول مايو 2012 وفقًا للقانون رقم 19 لسنة 2012، أو من تم التعاقد معهم بعد تاريخ الحظر في 30 يونيو 2016، وتثبيت العاملين المتعاقدين على الأبواب “الثاني والرابع والسادس” سواء من تم التعاقد معهم قبل أو بعد الحظر، وذلك بعد تعديل الشكل التعاقدى لهم من هذه الأبواب إلى الباب الأول في ذات المدة المشار إليها، وتثبيت العاملين المتعاقدين على الصناديق والحسابات الخاصة، المتعاقدين قبل قانون حظر التعاقد المشار إليه، والكتاب الدوري الخاص بالمثبتين على الفصل المستقل في النقل والندب والإعارة إلى جهات لديها صناديق خاصة.

وسبق أن أصدرت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار فارس فام، فتوى، تؤكد التزام الجهات الإدارية بأحكام القانون رقم 19 لسنة 2012، الذي حظر التعاقد على بند أجور الموسميين بعد تاريخ صدوره، وأوجب شغل الوظائف على أساس دائم، حرصًا على توفيق أوضاع العمالة المؤقتة التي تم التعاقد معها قبل سريان هذا الحظر، من خلال المادة 73 من قانون الخدمة المدنية.

واشترطت الفتوى ضوابط للتعيين، منها أن يكون التعاقد قد تم قبل 30 يونيو 2016، وأن تتوفر في المتعاقدين الشروط اللازمة لشغل الوظائف، وأن تكون تلك الوظائف شاغرة وممولة بموازنة الوحدة الإدارية، وتقديم صور رسمية من جميع العقود المبرمة منذ بدء التعاقد، إلى جانب استمارات الصرف المالي خلال كامل فترة التعاقد، على أن تكون جميع المستندات موقعة من المراقب المالي للوحدة، تمهيدًا لاعتمادها من الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة.

 

نوصي للقراءة: الصحة النفسية للعمال المصريين: 32 مادة للسلامة البدنية وصفر للنفسية

تلاعب الجهات الحكومية

من ناحيته يرى المحامي الحقوقي مالك عدلي، مدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن الأزمة التي يواجهها العاملون المؤقتون في جامعة حلوان الحكومية، لا تمثل تعارضًا مع القانون فحسب، بل تعارضًا مع الإنسانية بشكل عام، معتبرًا أن ذلك أصبح نهجًا لدى عدد من الجهات الحكومية والمؤسسات المملوكة للدولة بشكل عام، والتي أصبحت تفترس العمالة المؤقتة، مستغلة حاجتهم للعمل، وشعورهم بالأمل في الحصول على وظيفة حكومية دائمة بحثًا عن الأمان الوظيفي. 

يقول لزاوية ثالثة: “هذا الأمر ليس قانونيًا ولا دستوريًا، والأجور التي تحصل عليها هذه العمالة المؤقتة، أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة نفسها، وهي جريمة في حد ذاتها، وفوق ذلك، يتم حرمانهم من جزء من حقوقهم مثل التأمينات ورصيد الإجازات، وأن يظل العامل مهددًا طوال الوقت بالفصل؛ فهذه “قواعد مُهينة”. وعندما تكون هذه هي عقود الدولة، وعقود الجهات المملوكة للدولة، وعقود الجهات التي نُموّلها من ضرائبنا، فكيف ستكون عقود القطاع الخاص إذًا؟”.

ويضيف: “طالما أبرمت عقد عمل، فيجب أن يكون مطابقًا للقانون، وأن يمنح الناس حقوقهم، سواء استنادًا لقانون الخدمة المدنية أو قانون العمل، أما مسألة التثبيت من عدمه، فالقانون يعترف بوجود عقود محددة المدة وغير محددة المدة، أما ما يفرزه الواقع هو تلاعب الجهات الحكومية لأنها لا تملك الميزانيات الكافية لهذه العمالة، ليست لديها ميزانيات لأجور عادلة وامتيازات عادلة، في حين أن سبب لجوء الناس إلى العمل الحكومي هو البحث عن أعلى درجات الأمان الوظيفي، وحدًا أدنى محترمًا للأجور، وتأمينًا اجتماعيًا وصحيًا”.

ويرى عدلي أن بعض جهات العمل الحكومية لا تمتلك ميزانيات كافية لمنح قدر معين من العمالة الامتيازات الوظيفية، فيلجؤون إلى مثل هذه العقود المُهينة، ويعطون أجورًا أقل من الحد الأدنى، ويمنحون قدرًا من الإجازات أقل من رصيد الإجازات القانوني، ويحرمونهم من الضمان الاجتماعي (التأمين الاجتماعي والصحي)، ثم يبدؤون في استعبادهم، واصفًا ذلك بشكل من أشكال الاتجار بالبشر، الذي يمكن تفهمه في القطاع الخاص وفي ظل الرأسمالية المتوحشة، لكن لا يمكن فهمه في القطاع الحكومي، الذي يفترض أن يضرب المثل في حسن الإدارة، وإعطاء الحقوق للعمال.

ويتابع: “الناس تحت دواعي الفقر وأكل العيش يقبلون بأي وظيفة، لكن ما يحدث في حقيقة الأمر هو أن هذا أصبح بابًا لاستغلال البشر، وطالما لا توجد قيود واضحة تمنع الهيئات الحكومية من تشغيل الناس بامتيازات أقل من قانون الخدمة المدنية، وبامتيازات أقل من الحد الأدنى للأجور، فسيظل هذا الوضع قائمًا، لأن القطاع الحكومي بات لا يختلف كثيرًا عن قطاع خاص يمص دماء العمال”.

وينصح مدير المركز المصري، العمالة المؤقتة المتضررة باللجوء إلى جهات الشكوى، وعلى رأسها: مجلس الوزراء، ونواب البرلمان، ورئاسة الجمهورية، ووزارة التعليم العالي، والمجلس الأعلى للجامعات، لأن كل هذه الجهات لها علاقة بما يحدث داخل هذه المؤسسة. 

فيما يؤكد المحامي العمالي والحقوقي هيثم محمدين، أن العمالة المؤقتة بجامعة حلوان، يُفترض أنهم موظفون عموميون في الدولة، باعتبار أن جامعة حلوان تتبع وزارة التعليم العالي، فإن وضعهم يختلف عن القطاع الخاص، وأن القانون نص على أن كل من مر على عمله ثلاث سنوات على “بند واحد أجور” قبل صدور القانون، يتم تثبيته وتعيينه، وهم ينطبق عليهم هذا الشرط وكان من المفترض أن يتم تثبيتهم، ويعني هذا البند أن العمال والموظفين الذين يعملون في مؤسسات الدولة ولكن تُصرف رواتبهم من خارج ميزانية الدولة، أي من الميزانية الخاصة بكل مؤسسة، ولا تُصرف رواتبهم من وزارة المالية، كانوا يُعتبرون مؤقتين، وعندما صدر قانون الخدمة المدنية فإنه نص على أن يتم تثبيتهم ما دام قد مر على عملهم ثلاث سنوات على “بند باب أول أجور” قبل صدور القانون.

يقول لزاوية ثالثة: “هذه مأساة كبيرة، أن تتحول الدولة هي الأخرى لممارسات أشبه بممارسات القطاع الخاص، وتتعامل مع قطاعات من الموظفين باعتباره عملاً مؤقتاً، لكي تحرم العمال من الأقدمية ومدة الخدمة، وتحرمهم كذلك من الحوافز والعلاوات المتعلقة بالترقي وتراكم الأجر، وتحولهم لعمالة مؤقتة بنظام المكافآت، فإن هذا يسهل فصلهم، ويسهل إلغاء التعاقد معهم، ولا يسمح بتراكم الأجر، أو الحصول على علاوات الأقدمية، فهم وفقًا للعقود الجديدة لا يترقون وفقاً للأقدمية لأن مدتهم مؤقتة، وهذا يسبب أزمتي غياب الأمان الوظيفي، وعدم تراكم وارتفاع الأجر بالنسبة للموظفين والعمال”.

 

نوصي للقراءة: تقييد حقوق العمال يضع مصر بين الدول الأسوأ في الحريات النقابية


مخالفة 5 مواد من قانون الخدمة المدنية

يوضح حسن بربري، الباحث في قضايا العمال، وأمين مكتب العمال بحزب التحالف الشعبي، أن العمالة المؤقتة في مصر أوضاعاً شديدة القسوة، وخصوصاً عندما تكون هذه العمالة تعمل لدى أجهزة الدولة، في ظل استمرار تجاهل الدولة لحقوقهم الأساسية، في حين يُفترض أن تكون الدولة هي القدوة في احترام القانون وضمان العدالة الاجتماعية، يمثل مشكلة كبرى، مبينًا أن أهم ما تعاني منه العمالة المؤقتة هو انعدام الأمان الوظيفي فهم مهددون بالطرد أو إنهاء التعاقد في أي وقت وبدون أي مبرر، وغياب التأمينات الكافية مثل: التأمينات الصحية والاجتماعية والمعاشات، والحرمان من الحقوق الأساسية مثل: الإجازات المرضية.

يقول لزاوية ثالثة: “بدلاً من أن تسعى الدولة لتثبيت العمال الذين استوفوا الشروط، نجد أنها تجبرهم على الاستمرار في العمل في ظل هذا الوضع الظالم، مما يمثل انتهاكاً لمبدأ تكافؤ الفرص الذي يجب أن يكون أساس أي دولة تحترم قوانينها، وفي حالة عمال جامعة حلوان تحديداً، فإن الجامعة خالفت مجموعة من القوانين والمواد الصريحة في قانون الخدمة المدنية ولائحته التنفيذية”. 

ويضيف: “ما حدث مع عمال جامعة حلوان هو ظلم واضح ومخالفة صريحة لقانون الخدمة المدنية ولائحته، التي تحتوي على جزء كبير يدعم موقفهم، وعقود اليومية في الغالب لا تشمل أي تأمينات، هذا يعني أن العامل إذا أُصيب أو مَرِض أو كَبُر في السن، فإنه لا يملك أي حماية، وفي حالة الموظفة المصابة بالسرطان، فإن هذه العقود ترفع عنها أي شكل من أشكال الحماية القانونية”.

ويشرح بربري أن الجامعة قامت بمخالفة المادة (4) من قانون الخدمة المدنية، والتي تكفل حق المواطن في تولي الوظائف الحكومية على أساس المساواة والعدل وتكافؤ الفرص، دون أي تمييز، وأجبرت الجامعة العمال المؤقتين على توقيع عقود يومية، مما يحرمهم من حقوقهم ويثبت التمييز ضدهم مقارنة بالعمال المثبتين، وهو ما يخالف مبدأ المساواة الذي نصت عليه المادة، كما خالفت المادة (9) من القانون، والتي نصت على أن التعيين في الوظائف الحكومية يجب أن يكون على درجة مالية دائمة، وليس بعقد يومي أو شهري، في حين أن الجامعة لم تسعَ حتى لتوفير الدرجات المالية لهؤلاء العمال، وهو صميم دورها، بل وضعتهم تحت رحمة نظام مؤقت يفتقر إلى أي أمان.

كما يتهم الباحث العمالي، جامعة حلوان بمخالفة المادة (14) من القانون، والتي تُلزم الدولة بتحديد الوظائف التي تتسم بالديمومة، وتوضيح كيفية التعيين فيها، بينما لم تعلن الجامعة عن وظائف دائمة لهؤلاء العمال، ولم تحاول دمجهم في هيكلها الإداري، رغم أنهم يعملون فعلياً ويسدون عجزاً قائماً لديها، كما خالفت المادة (73) من اللائحة التنفيذية والتي تنص على أن العامل المؤقت الذي كان يعمل قبل تاريخ 30 يونيو 2016، واستمر في عمله لمدة ثلاث سنوات، من حقه أن يتم تثبيته على درجات مالية، بينما عمال جامعة حلوان يعملون منذ سنوات طويلة، وهناك اعتماد مالي ومخصصات لهم، ورغم ذلك لم تقم الجامعة بتثبيتهم، بل على العكس، قللت من قيمة أوضاعهم وفرضت عليهم عقوداً يومية، كما خالفت المادة (119) من اللائحة التنفيذية التي تنص على ضرورة التأمين على أي شخص يعمل بشكل مؤقت وتوفير تأمين اجتماعي له.

 

نوصي للقراءة: سلامة العمال في مصر.. بين غياب الرقابة وتكرار الحوادث القاتلة

علاقات عمل هشة

يعتبر القيادي العمالي كمال أبو عيطة، وزير القوى العاملة الأسبق، أن الأمور تسير الآن نحو مزيد من الأوضاع السيئة للعمال في مصر وعلاقات العمل الهشة، وغياب الأمان الوظيفي للعمال، الذي كانوا يتمتعون به في فترات سابقة، كما أن النسبة الأكبر من العمالة في مصر أصبحت عمالة غير منتظمة، وهناك اقتصاد غير رسمي في البلد ينازع الاقتصاد الرسمي والعمالة به خارج الحماية الاجتماعية وخارج أي حماية، وهم النسبة الأكبر للأسف من العمال الآن في مصر، أصبح هناك عمال يعملون بلا عقود، ويعملون بلا أجر، ويعملون بالسخرة، وهي علاقة غير متكافئة، تشبه علاقة الرق أو العبودية في الأزمنة الغابرة.

يقول لزاوية ثالثة: “إنه لأمر محزن أن تُسلب حقوق العمال في هذه الأيام في مصر العظيمة بتاريخها المشرف، وبالحقوق التي اكتسبها العمال عبر تاريخ نضالهم وكفاحهم، وبعد الثورتين اللتين قامت بهما مصر، واللتين كان العمال جزءًا أساسيًا منهما، وعبرتا عن مشروع وطني واسع ذي بُعد اجتماعي شاركت فيه أيضًا قوى اجتماعية متعددة، كان في طليعتها العمال.. فحق العمل الآمن نحن نفتقده، وأغلبية عمالنا خارج نطاق الأمان الوظيفي وخارج نطاق الحماية الاجتماعية، وخارج نطاق التأمين الاجتماعي والصحي الذي صنعناه وحصلنا عليه حتى مع ثورة 23 يوليو”.

ويضيف: “أرى أن حتى التشريع الأخير للأسف الشديد لم يعالج أيًا من نواقص التشريع القديم، بل انتقص من حقوقهم التاريخية والمشروعة، وللأسف الشديد حُرمنا من حق التنظيم النقابي، أصبح التنظيم النقابي الذي من المفترض أن يدافع عن العمالة المنتظمة وغير المنتظمة ويكون وعاءً لقوة العمال، يُعامل الآن معاملة التنظيمات الإرهابية، علمًا بأن التشريعات التي أتت، والتي صغناها بأيدينا مع الثورتين، كانت تسمح بحرية التنظيم النقابي الذي يحمي حقوق العمال ويطالب بزيادتها وينميها ويناضل من أجلها”.

وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة تلقي بتداعياتها على معدلات التضخم وأسعار السلع والخدمات، يواجه أكثر من 200 موظفًا وموظفة من العمالة المؤقتة في جامعة حلوان، خطر الفصل والتسريح من وظائف شغلوها لعشر سنوات أو أكثر، دون أمان وظيفي أو حقوق قانونية مكفولة، وتكشف شهاداتهم لـ”زاوية ثالثة” أن ما يتعرضون له لا ينحصر فقط في غموض إداري أو سوء تدبير مالي، بل هو تعبير فجّ عن التعنت واستغلال السلطة في الضغط على أضعف الحلقات في منظومة العمل الحكومي، بإجبارهم على توقيع عقود تخلع عنهم صفة الموظف العام، وتحرمهم من الحق في التثبيت، والتأمين، والحد الأدنى من الكرامة المهنية.

ورغم وضوح النصوص القانونية التي تحمي حقوقهم، وتأكيدات الجهات الرقابية على أحقية من تم التعاقد معهم قبل 30 يونيو 2016 في التثبيت، فإن الواقع يقول عكس ذلك؛ إذ تشير الوقائع إلى نمط متكرر من الإهمال، والتمييز، والتلاعب الإداري، الذي لا يهدد حقوق العمال فحسب، بل ينسف فكرة العدالة الاجتماعية من أساسها.

في النهاية يمكن القول إن ما يحدث في جامعة حلوان، كما يقول محامون وخبراء عماليون، ليس مجرد انتهاك للقانون، بل استباحة لمبدأ المواطنة والحق في العمل الكريم، ويستدعي تدخلاً عاجلًا من الدولة لإنصاف من خدموها سنوات، لا لإنهاء عقودهم دون وجه حق.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search