المجالس القومية في مصر: للحقوق أم لتجميل السلطة؟

ستعد القاهرة لاستعراض ملفها الحقوقي في يناير المقبل بجنيف، ضمن المراجعة الدورية الشاملة التي تُجرى كل أربع سنوات. يُنظر إلى هذا الاستعراض كفرصة حاسمة لتقييم أداء المؤسسات الوطنية
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

شهدت المجالس القومية، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة، انتقادات متزايدة خلال الأعوام الأخيرة، وسط اتهامات بعدم تحقيقها لأهدافها الرئيسية المتمثلة في تقديم التوصيات للحكومة بشأن السياسات العامة، ورصد الأزمات المجتمعية، واقتراح حلول، فضلًا عن دورها في دعم القيم الديمقراطية والحقوقية.

تجددت هذه الانتقادات بشكل لافت في 18 نوفمبر الجاري، عندما رفض المجلس القومي للمرأة، برئاسة المستشارة أمل محمود عطا عمار، استلام مناشدة عاجلة من 24 حقوقيًا وحقوقية، بينهم أساتذة جامعات ومحامون/ات، تطالب بالتدخل لإنقاذ حياة ليلى سويف، أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة، المضربة عن الطعام منذ أكثر من 50 يومًا. جاء ذلك احتجاجًا على استمرار سجن نجلها المدون والمبرمج علاء عبد الفتاح، رغم انقضاء محكوميته البالغة خمس سنوات في سبتمبر الماضي، ما أثار موجة من الغضب الحقوقي إزاء تجاهل المجلس لمطالب أساسية تتعلق بحماية حقوق الإنسان.

تأتي هذه الانتقادات في سياق أوسع من التشكيك في كفاءة المجالس القومية، إذ جددت ثلاث منظمات حقوقية، هي “منا لحقوق الإنسان”، و”لجنة العدالة”، و”الجبهة المصرية لحقوق الإنسان”، دعواتها إلى اللجنة الفرعية للاعتماد، من أجل تخفيض تصنيف المجلس القومي لحقوق الإنسان. وأرجعت المنظمات دعوتها إلى عدم امتثال المجلس لمبادئ باريس، خاصة فيما يتعلق بالاستقلالية، مما يُضعف من مصداقيته على الساحة الحقوقية.

وفي ظل هذه التحديات، تستعد القاهرة لاستعراض ملفها الحقوقي في يناير المقبل بجنيف، ضمن المراجعة الدورية الشاملة التي تُجرى كل أربع سنوات. يُنظر إلى هذا الاستعراض كفرصة حاسمة لتقييم أداء المؤسسات الوطنية، بما في ذلك المجالس القومية، ومساءلتها عن دورها في تعزيز حقوق الإنسان ومواجهة الأزمات المجتمعية المتصاعدة.

 

نوصي للقراءة: منزل ليلى سويف يتحول إلى مركز للتضامن في ذكرى ميلاد علاء عبد الفتاح

 

القومي للمرأة

في يوم 18 نوفمبر، توجه وفد يضم عددًا من السياسيين والحقوقيين وأساتذة الجامعات إلى المجلس القومي للمرأة، لتقديم شكوى تتعلق بإضراب أستاذة الرياضيات بجامعة القاهرة، ليلى سويف، الذي تجاوز 50 يومًا، احتجاجًا على استمرار حبس نجلها علاء عبد الفتاح رغم انتهاء مدة محكوميته في 29 سبتمبر الماضي.

تقول المحامية سوزان ندا، وكيلة مؤسسي حزب العيش والحرية تحت التأسيس وعضو الوفد، إن الزيارة جاءت بعد محاولات متكررة لتحديد موعد مع المجلس، لكنها قوبلت بالرفض. وخلال الزيارة، فوجئ الوفد بوجود أمني مكثف يضم رجال مباحث، وشرطيات، وأفراد أمن بملابس مدنية. وأثناء دخولهم، تعرضت الصحفية رشا عزب لواقعة خطف هاتفها المحمول من “جيبها الخاص”، قبل أن يتمكن الوفد، بعد مشادات كلامية، من مقابلة ممثلين عن المجلس.

وتضيف ندا أنها مُنعت من دخول المجلس بسبب عدم حملها بطاقة تحقيق الهوية، رغم تقديمها كارنيه نقابة المحامين الرسمي. وأوضحت أن الأمن رفض السماح لها بالدخول مع الوفد الذي لم يستغرق اجتماعه داخل المجلس سوى دقائق قليلة، حيث رفض ممثلو المجلس النظر في الشكوى، بحجة أن مضمونها لا يدخل ضمن اختصاصات المجلس، وهو ما يُخالف قانون تنظيم عمل المجلس القومي للمرأة رقم 30 لسنة 2018.

يذكر أنه من ضمن اختصاصات المجلس التي نصت عليها  المادة 7 من القانون “تلقي ودراسة الشكاوى الخاصة بانتهاك حقوق وحريات المرأة وإحالتھا إلى جهات الاختصاص، والعمل على حلھا مع الجھات المعنية، وتوفير المساعدة القضائية اللازمة”، كما نصت المادة نفسها على ”إبلاغ السلطات العامة عن أي انتهاكات لحقوق وحريات المرأة“.

تدين المحامية الحقوقية عزة سليمان، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة، ما تعرضت له ليلى سويف أثناء زيارتها للمجلس القومي للمرأة لتقديم شكوى. وتقول في حديثها مع زاوية ثالثة: “التواجد الأمني المكثف أثناء زيارة الوفد، وخطف هاتف إحدى المتضامنات، ورفض المجلس استلام الشكوى، يشير إلى أن مصر تتجه نحو ممارسات بوليسية. ويدفعنا ذلك للتساؤل حول الخيارات المتاحة أمام المواطنين إذا كان اللجوء للإجراءات القانونية يُظهر لاحقًا أنها غير عادلة. فعلى سبيل المثال، قضية علاء عبد الفتاح، الذي أنهى محكوميته، لكن الأجهزة المعنية ترفض احتساب مدة حبسه الاحتياطي – والتي تبلغ عامين – ضمن فترة قضاء حكمه، ما يشكل مخالفة واضحة للقانون”.

وتشدد سليمان على أن مضمون الشكوى التي تقدمت بها ليلى سويف يدخل ضمن اختصاص المجلس القومي للمرأة، مؤكدة أنه كان على المجلس أداء دوره المقرر بدلًا من التنصل من المسؤولية.

وترى سليمان أن المجالس القومية في مصر تعاني من تراجع كبير في أدائها مقارنة بالأهداف التي أنشئت من أجلها. وتضيف: “المجلس القومي لحقوق الإنسان لا يدافع عن حقوق المواطنين ولا يتناول الانتهاكات التي تُرتكب منذ أكثر من عشر سنوات، بينما يتجاهل المجلس القومي للمرأة دوره في مواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها النساء والأطفال في مصر”. وتختتم حديثها بقولها إن مصر تمر بمرحلة صعبة للغاية، تتسم بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان ومحدودية أفق الإصلاح.

نوصي بالقراءة: الحرية المؤجلة حتى 2027.. هل يُستخدم القانون كأداة للتنكيل بعلاء عبد الفتاح؟

 

حظي المجلس القومي للمرأة باعتراف دستوري رسمي بموجب دستور عام 2014 والمعدل في 2019، إلى جانب مجالس قومية أخرى. وشهد عام 2018 تقدمًا مهمًا بعد موافقة البرلمان على القانون رقم 30/2018، الذي منح المجلس رسميًا صلاحية مراجعة القوانين من منظور النوع الاجتماعي، مع اقتراح تعديلات تضمن إنصاف النساء والفتيات.

ومع ذلك، تعرض المجلس منذ عام 2020 لانتقادات متزايدة، خاصة بالتزامن مع الحملات الأمنية التي استهدفت سيدات من ذوي الدخول المتوسطة والمنخفضة بسبب تحميلهن مقاطع فيديو على منصة “تيك توك”، بدعوى مخالفة القيم الأسرية وفق المادة 25 من القانون رقم 175 لسنة 2018 المعروف بقانون مكافحة جرائم الإنترنت. وقد غاب دور المجلس القومي للمرأة بشكل ملحوظ في هذه الحملة، إذ لم يقدم أي دعم للنساء والفتيات اللواتي تم القبض عليهن، كما لم يدعُ إلى تعديل المادة القانونية التي استُخدمت كأداة للتنكيل بهن، وفقًا لما وثقه مركز حلول للسياسات البديلة.

أوضح المركز في ورقة  له أن تقاعس المجلس القومي للمرأة عن التعامل مع الغضب الجماهيري تجاه اعتقالات التيك توك وتطبيق قانون جريمة الإنترنت يعكس التباين بين تطلعات الرأي العام والدور الذي يفترض أن يقوم به المجلس. كما يسلط الضوء على غياب آليات تضمن محاسبة المجلس وتحميله المسؤولية عن أدواره المفترضة.

وتناولت ورقة حلول للسياسات البديلة موقف المجلس القومي للمرأة في قضية الاغتصاب الجماعي داخل فندق “الفيرمونت”، والتي عُرفت إعلاميًا بـ”قضية الفيرمونت”. شجع المجلس الضحايا وشهود العيان على الإدلاء بشهاداتهم، مؤكدًا ضمان حمايتهم. إلا أن بعض الشهود تعرضوا لاحقًا للاعتقال ووُضعوا تحت الحبس الاحتياطي، بينما لم يقدم المجلس أي دعم للشاهدة المحتجزة، ما أثار تساؤلات حول التزامه بوعوده.

وأشارت الورقة إلى تقرير المجلس القومي للمرأة نهاية عام 2020، الذي وثّق التقدم المحرز في أدوار المجلس وفقًا لاختصاصاته القانونية، بما في ذلك قائمة القوانين التي ساهم في إعدادها ومراجعتها. ومع ذلك، انتقدت الورقة تشتت أنشطة المجلس، حيث تضمنت بعضها ما يناسب عمل المنظمات غير الحكومية أكثر من جهة رسمية، فيما افتقر البعض الآخر إلى التركيز والتأثير الواضح. تنوعت الأنشطة بين مبادرات خيرية، وتدريب النساء على الحرف اليدوية المدرة للدخل، دون تقديم أثر مقنع يعزز من دور المجلس.

واعتبرت الورقة أن غياب التركيز في وظائف المجلس يشكل تهديدًا مباشرًا لشرعيته، مشددة على أن استجابة المجلس للانتقادات الموجهة إليه خلال العام الماضي كانت ستعد خطوة إيجابية نحو استعادة مصداقيته، إذا ما اقترنت بإجراءات فعلية لمعالجة تلك الانتقادات.

ترى لمياء لطفي، استشارية النوع الاجتماعي ومديرة برنامج تعزيز المساواة ومناهضة التمييز، أن المؤسسات القومية الحقوقية في مصر، مثل المجلس القومي لحقوق الإنسان والمجلس القومي للمرأة والمجلس القومي للأمومة والطفولة، تعاني من أزمة استقلالية واضحة، رغم أن الأخير يظهر استقلالية نسبية إلى حد ما.

توضح لطفي في حديثها مع زاوية ثالثة، أن هناك تصورًا لدى نشطاء حقوق المرأة حول أهمية استقلالية هذه المجالس كآليات وطنية مستقلة عن سياسات الحكومة. وتشير إلى أن الاستقلالية تتيح لهذه المجالس القدرة على لعب دور حقيقي في وضع السياسات والاستراتيجيات والقوانين بما يدعم قضايا النساء بشكل ملموس. لكنها ترى أن الواقع يشير إلى تعامل هذه المجالس كهيئات حكومية تابعة للدولة، ما يجعلها عاجزة عن أداء دورها كحلقة وصل فعّالة بين المجتمع والدولة، وغير قادرة على اتخاذ مواقف أو قرارات قد تبدو معارضة لسياسات الحكومة.

تنتقد لطفي قانون تأسيس المجلس القومي للمرأة ولائحته التنفيذية، معتبرة أنهما لا يتماشيان مع طموحات نشطاء حقوق المرأة، مما يؤدي إلى استمرار الانتقادات الموجهة إليه. وتشير إلى أن المجتمع المدني يرى في هذه المجالس ملاذًا أساسيًا للمواطنين والمواطنات خلال الأزمات، سواء كانت اجتماعية أو مرتبطة بتعاملات مع الدولة. لكنها تضيف: “لا ينبغي أن يقتصر دور المجلس القومي للمرأة على قضايا الزواج والطلاق والنفقة، وهي أمور تختص بها الجمعيات الأهلية. في المقابل، المجلس لديه محامون كموظفين، ومع ذلك، تشكو العديد من النساء من عدم تلقي الدعم المناسب أثناء لجوئهن إلى المجلس، بما في ذلك تجاهل الخط الساخن أو رفض استقبال قضايا الفتيات المعنفات أو اللواتي تركن منازلهن بسبب العنف الأسري، بدعوى الخوف من مهاجمة المجتمع.”

تشير لطفي إلى أن النساء اللواتي يعانين من أزمات يكون طرفها الآخر جهة حكومية، يواجهن حدودًا في تدخل المجلس القومي، حيث لا تتيح له السياسات التي وضعها لنفسه التعامل مع شكاوى المواطنين ضد مؤسسات أو هيئات حكومية. وتخلص لطفي إلى أن غياب الآليات المناسبة للتعامل مع الشكاوى يعزز من الشعور بعدم فعالية هذه المجالس في دعم حقوق النساء بشكل حقيقي.

الجدير بالذكر أن المجلس القومي للمرأة يحصل على دعم مالي من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وعدد من المؤسسات والمنظمات الأوروبية؛ مثل منظمة العمل الدولية، منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، مؤسسة التمويل الدولية – مجموعة البنك الدولي، السفارة الهولندية بالقاهرة، وسفارة جمهورية الصين الشعبية  بالقاهرة، السفارة البريطانية بالقاهرة، الاتحاد الأوروبي وغيرها من المؤسسات.

 

نوصي للقراءة: بين السجن والحرية.. كيف يتحول المفرج عنهم من سجناء إلى مواطنين مهمشين؟ 

 

المجلس القومي وأزمة حقوق الإنسان

خلال جلستي سبتمبر وأكتوبر من العام الماضي 2023، أمهلت الهيئة الفرعية للاعتماد التابعة للأمم المتحدة، المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر  12 شهراً لمعالجة عدد من النقائص والتعليقات السلبية الخاص بتعامل مصر مع ملف حقوق الإنسان. وهو ما يهدد موقف المجلس خلال هذا العام، حيث تطالب بعض المؤسسات بتخفيض تصنيف المجلس القومي باعتباره فشل في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر.

ويضم المجلس 27 عضوًا؛ من بينهم 25 عضوًا عاديًا، والرئيس ونائب الرئيس. كما يتألف المجلس من سبع لجان كل منها متخصص في مجال معين من حقوق الإنسان، مثل؛ لجنة الحقوق المدنية والسياسية، ولجنة الحقوق الثقافية. وست وحدات موضوعية، مثل؛ وحدة الشؤون القانونية، وحدة شؤون الإعاقة، ووحدة الاتجار بالبشر.

في أكتوبر 2006، منحت اللجنة الفرعية للاعتماد (SCA) التابعة للتحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان (GANHRI)، حالة “أ” إلى المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري، وتمت مراجعة المجلس مرة أخرى، في مايو 2018، حيث مُنح مرة أخرى الحالة “أ”، ويسعى المجلس من خلال هذه الدورة 2024، لتجديد اعتماده.

من جهته، يرى المحامي الحقوقي خالد الأنصاري، أنه لحفاظ المجلس القومي لحقوق الإنسان على  تصنيفه لابد أن  يحرص على استقلاله وأن يتم النظر في آلية اختيار وتعيين أعضاء المجلس وحصانتهم، بالإضافة إلى ضرورة القيام  بالصلاحيات المنصوص عليها بمبادئ باريس والممنوحة له وفقا للمادة 214 من الدستور المصري والقانون 94 لسنة 2003.

يوضح الأنصاري أن المجلس عليه أدوار ومهام لابد أن يقوم بها للحفاظ على تصنيفه ومكانته، من بينها أن يكون مستقل في ممارسة مهامه وأنشطته واختصاصاته،  أن يكون له صلاحيات عديدة أهمها إبداء الرأي والمقترحات بشأن المسائل المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها وتلقى الشكاوى ودراستها، وإحالة ما يرى المجلس إحالته للجهات المختصة، كما له أن يقدم المشورة القانونية ومساعدة الضحايا والعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان وعقد المؤتمرات والندوات في موضوعات حقوق الإنسان وإصدار تقارير عن أوضاع وتطور جهود مصر في مجال حقوق الإنسان وإصدار النشرات والمجلات والمطبوعات المتصلة بأهدافه واختصاصاته.

في السياق ذاته، ترى المحامية الحقوقية نورهان حسن – شقيقة الطالب المختفي قسريًا أحمد حسن-، أن أزمة مصر الحقيقية ليست في تشريعات وإنما في تطبيق القانون. وأضافت لدينا سجناء تجاوز حبسهم مدة الحبس الاحتياطي من عامين إلى أكثر في قضايا واتهامات مختلفة القاسم المشترك بينهم تحريات الأمن الوطني الذي غالبًا ما يفتقر إلى الكثير من المعلومات.

وتوضح أن المجلس القومي لحقوق الإنسان  فشل في دوره للارتقاء بحالة حقوق الإنسان في مصر، ودوره  أن يكون جهة رقابية من بداية الاعتقال التعسفي والتعذيب في مقار الاحتجاز لأوضاع السجون السيئة.  مضيفة أن المجلس الحالي  أصبح دوره روتيني يثمل فقط في تلقي الشكاوى دون متابعتها أو الرد عليها حتى، وهو ما حدث معي شخصيًا فحتى هذه اللحظة قدمت ثلاثة شكاوى مختلفة لم يتم الرد على أي منهم ولا المتابعة. مشيرة إلى أن ملف مثل الاختفاء القسري يعتبر انتهاك واضح وصريح وفقًا لكل المواثيق والقوانين والاتفاقيات الموقعة عليه لكن المجلس القومي لا يقوم بدوره في رصد وتوثيق حالات الإخفاء ولا التحدث عنها.

وتلفت إلى أن والدتها كانت قد أطلقت استغاثة لمشيرة الخطاب رئيسة المجلس في وقت سابق، ولم يتم الرد عليها الو التفاعل معها، متسائلة أين يذهب المواطن للاستغاثة والشكوى والبحث عن حقه.

تُمثل حالة أحمد حسن جزءًا من ظاهرة  ممتدة منذ سنوات، يعاني بسببها مئات الأهالي نتيجة عدم تمكينهم من معرفة مصير ذويهم، والقلق المستمر حيال حياتهم وظروف احتجازهم- وفقًا لما ذكرته منظمات حقوقية غير حكومية.

وبحسب نورهان شقيقته؛ ألقت قوات الأمن القبض على أحمد حسن مصطفى (18 عامًا) الطالب بالسنة الأولى بكلية الحقوق، مطلع أبريل 2019، بالقرب من منزله بمنطقة المقطم، وحتى اليوم لم تتمكن الأسرة من معرفة مكان احتجازه؛ رغم مساعي البحث عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة.

وبحسب رصد أجرته حملة أوقفوا الاختفاء القسري التابعة للمفوضية المصرية للحقوق والحريات وحصلت عليه زاوية ثالثة، تم إخفاء 4677 مواطن/ة في الفترة من 2011 وحتى العام الجاري. ويلاحظ من الرصد أن أعلى نسبة إخفاء لمواطنين كانت في عامي 2015، 2019.

 

 

نوصي بالقراءة: عايدة سيف الدولة: شهادات من قلب النضال ضد التعذيب

 

مصر أمام الاستعراض الدوري الشامل

خلال هذا العام، قدمت مؤسسات حقوقية -غير الحكومية- تقارير تفيد باستمرار تدهور أوضاع  حقوق الإنسان في مصر، في الوقت الذي كثفت الحكومة المصرية جهودها خلال السنوات الأخيرة لخلق مبادرات وصفتها تلك المنظمات بــــ الزائفة تهدف اسميًا وشكليًا فقط لمعالجة الوضع الحقوقي، وذلك من خلال إعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسية، واعتماد الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والإعلان عن حوار وطني. 

يأتي هذا ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل، حول حالة حقوق الإنسان في مصر، في إطار الإعداد للدورة الرابعة للاستعراض الدوري للملف الحقوقي المصري أمام الأمم المتحدة، والمقرر عقدها في يناير المقبل.

وكشف التقرير المقدم لآلية الاستعراض الدوري الشامل من مؤسسة دعم القانون والديمقراطية عن استمرار تدهور حقوق الإنسان في مصر وتصاعد الانتهاكات الممنهجة التي ترتكبها السلطات المصرية في الداخل والخارج، بما يتناقض مع الالتزامات التي تعهدت بها الحكومة المصرية في دورات الاستعراض السابقة.

وأكدت المؤسسة في تقرير لها، أن السلطات المصرية لم تلتزم بتنفيذ التوصيات التي تلقتها خلال الدورات السابقة، والتي تضمنت ضمان حرية التعبير، وحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، وضمان نزاهة العملية الانتخابية. بل شهدت الفترة الأخيرة تصعيدًا ملحوظًا في الانتهاكات، شمل القمع العابر للحدود الذي يستهدف النشطاء المصريين في الخارج، وكذلك استمرار تهميش المعارضة وإغلاق المجال العام بالكامل، حتى خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

في هذا الإطار قدمت 10 منظمات حقوقية مصرية تقرير مشترك للأمم المتحدة. أكدوا خلاله على استمرار وتفاقم أزمة حقوق الإنسان في مصر منذ جلسة الاستعراض الماضي في نوفمبر 2019، والتي تلقت فيها الحكومة المصرية 375 توصية أممية بتحسين أوضاع حقوق الإنسان؛ دون وجود تحسن ملموس في هذا الصدد بحسب التقرير. بل على العكس تتصاعد حدة الانتهاكات الحقوقية وفق استراتيجية ممنهجة تشارك فيها كافة مؤسسات الدولة، مما أدى لتفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالمصريين.

تقرير المنظمات تناول بالرصد والتوثيق مدى عصف الحكومة المصرية بالتزاماتها في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك التوصيات التي تعهدت بتنفيذها في 2019. إذ استعرض التقرير أمثلة لتصاعد الانتهاكات في الفترة من نوفمبر 2019 وحتى منتصف العام الجاري، في مجالات؛ الحق في الحياة ومكافحة الإعدام، وأوضاع أماكن الاحتجاز والحماية من التعذيب والإخفاء القسري، الحق في حرية التجمع السلمي والتنظيم، حقوق النساء والعنف ضد المرأة، والحقوق والحريات الجنسانية، وأوضاع حقوق الإنسان في سيناء بالإضافة إلى أوضاع اللاجئين والإخلاء القسري للسكان، والقمع العابر للحدود بحق النشطاء المصريين في الخارج.

ورصد مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب خلال النص الأول من العام الجاري 1958 انتهاكاً مختلفاً لحقوق الإنسان، في السجون ومقار الاحتجاز المختلفة. وجاءت أعلى الاحصائيات في عدد المختفين قسرياً  الذين ظهروا بعد مدد وفترات إخفاء متباينة والذين وصل عددهم 1057 مختفيًا.

 

من جهته، يرى المحامي الحقوقي ياسر سعد أن المجلس القومي لحقوق الإنسان متعطل بشكل تام منذ فترة، وأن هذا التعطل ظهر بشكل واضح سواء على صفحاته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك أو خدماته التي يقدمها للمواطنين على مستوى مراكز المساعدة أو تلقى الشكاوى أو حتى الندوات والدورات التي كان يقدمها.

ويوضح في حديثه لزاوية ثالثة أن المجلس لم يقدم أي دعم سواء للمسجونين أو المختفين أو الذين يرغبون في تلقي العلاج داخل أماكن الاحتجاز. في المقابل يتعامل المجتمع الدولي مع المجلس على أنه المصدر الرسمي للبيانات والإحصائيات والمعلومات الخاصة بملف حقوق الإنسان في مصر، بخلاف مؤسسات المجتمع المدني التي يتم التعامل معها على أنها قائمة بشكل غير قانوني، على الرغم من أن هذه الأزمة كان من المنتظر حلها عقب صدور قانون الجمعيات الأهلية الخاصة بتوفيق الأوضاع.

يشير إلى أنه رغم سعي بعض المؤسسات لتوفيق أوضاعها، إلا أنها حتى الآن لم توفق في التسجيل ويتم التعامل بتجاهل من قبل المجلس رغم عمل تلك المؤسسات على نفس الملفات التي من المفترض أن يعمل عليها المجلس الخاصة بحقوق الإنسان، في المقابل يتعامل المجلس مع المؤسسات التي تعمل على ملفات غير شائكة ولا تمس المشاكل والأزمات الحقيقة التي يعاني منها المواطنين فيما يخص ملف حقوق الإنسان.

وأُسس المجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2004، بموجب قانون رقم 94 لسنة 2003 برئاسة الدكتور بطرس بطرس غالى الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، وجاء القرار بإنشاء المجلس وفقاً للتوصية الصادرة عن مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في فيينا عام 1993، ويعمل على تعزيز وحماية حقوق الإنسان في مصر. ومن مهامه رصد الانتهاكات الحقوقية، تقديم تقارير وتوصيات حول الوضع الحقوقي في البلاد، والمساهمة في تطوير التشريعات بما يضمن حقوق الأفراد. بينما أُسس المجلس القومي للمرأة عام 200 بالقرار الجمهوري رقم (90) لسنة 2000، هو مجلس معني بقضايا المرأة في مصر، ويهدف إلى تعزيز مكانتها في المجتمع، دعم حقوقها، والمساهمة في التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي لها.

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search