الاحتجاجات العمالية في مصر… غلق كافة النوافذ أمام التفاوض السلمي

اعتقلت قوات الأمن تسعة عمال على خلفية إضراب عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى الأخير، وكان بعضهم قد شارك في المفاوضات مع الحكومة
شيماء حمدي

اعتقلت قوات الأمن المصرية تسعة عمال على خلفية إضراب عمال شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة الكبرى الأخير، وكان بعضهم قد شارك في المفاوضات التي سبقت قرار الوزير المصري لقطاع الأعمال محمود عصمت، بالاستجابة الجزئية إلى مطالبهم.

وأعلن عددًا من عمال وعاملات الغزل والنسيج بالمحلة في 22 فبراير الماضي إضرابهم عن العمل، مطالبين بزيادة الحد الأدنى للأجور، وعدم استثنائهم من قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برفع الحد الأدنى للعاملين في الدولة إلى ستة آلاف جنيه، بحجة تبعية شركة غزل المحلة إلى قطاع الأعمال العام الذي لا تشمله الموازنة العامة، وبالتالي تتبع المجلس القومي للأجور، الذي رفع الحد اﻷدنى إلى 3500 جنيه فقط.

يأتي إضراب عمال شركة غزل المحلة ضمن موجة من الإضرابات العمالية التي تشهدها مصر مع بداية العام الجاري، إذ تعدد إضراب العمال في عددٍ من المصانع والشركات، وكان المطلب المشترك بينهم هو (الأجر)، إذ تأتي هذه الموجة في ظل أزمة اقتصادية تعيشها مصر وهو ما تبين في الارتفاع غير المسبوق في الأسعار وتراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار.

 

غزل المحلة.. إضرابات عمالية ممتدة

تضم شركة مصر للغزل والنسيج، عددًا من المصانع للغزل والنسيج والقطن الطبي، ومحطة للكهرباء، ويعمل بها ما يقارب 16 ألف عامل. في الـ22 من فبراير الماضي ولمدة أسبوع، أضرب عمال الشركة بعد أن فوجئوا بعدم تطبيق قرار الرئيس المصري برفع الحد الأدنى للأجور عليهم بحجة تبعية الشركة لقطاع الأعمال. وبدأ الإضراب عاملات مصنع الملابس، والبالغ عددهن 3700 عاملة، ومن ثم انضم إليهن العاملون والعاملات لتتسع رقعة الإضراب في الشركة، وهو ما أجبر إدارتها على التفاوض مع العمال والاستجابة الجزئية لمطالبهم، إذ أصدر وزير قطاع الأعمال العام قرار رقم (16) لسنة 2024 بمساواة عمال شركات قطاع الأعمال العام بالعاملين في الأجهزة الحكومية والإدارات المحلية وتطبيق قرار زيادة الحد الأدنى للأجور عليهم وعدم استثنائهم. الأمر الذي دفع العاملين والعاملات إلى إنهاء إضرابهم في الـ28 من فبراير الماضي.

وفي اليوم التالي من فض الإضراب، ألقت قوات الأمن القبض على عدد من العمال الذين شاركوا في الإضراب، واُحْتُجِزُوا دون الإفصاح عن مكان الاحتجاز لعدة أيام، قبل ظهور أربعة عمال في نيابة أمن الدولة العليا التي أمرت بحبسهم 15 يومًا على ذمة التحقيقات في القضية رقم 717 لسنة 2024، بعد أن وجهت لهم تهم الانضمام إلى جماعة أُسست على خلاف القانون، ونشر إشاعات وأخبار وبيانات كاذبة. إضافة إلى ذلك وجهت إدارة الشركة إنذارات بالفصل لاثنين منهم بحجة تغيبهم عن العمل لأكثر من عشرة أيام، وهو ما اعتبرته دار الخدمات النقابية (مؤسسة غير حكومية تهتم بشؤون العمال) عقابًا على مشاركتهم في الإضراب.

في السياق نفسه، طالبت قوى سياسية وعمالية وحقوقية بسرعة إخلاء سبيل عمال غزل المحلة المحبوسين الأربعة، والكشف عن مصير المختفين والتوقف عن سياسة فصل العمال. مشيرة إلى أن مكافأة الحكومة للعمال قبل شهر رمضان هي الحبس من جانب وتعويم الجنيه من جانب آخر.

وأطلقت القوى عريضة ضمت توقيعات أحزاب ومؤسسات وأكثر من 80 شخصية عامة، السبت 9 مارس، تحت عنوان “أفرجوا عن عمال المحلة أفرجوا عن سجناء لقمة العيش”. واعتبرت القوى أن عمال المحلة لم يرتكبوا جرمًا بممارسة حق الإضراب المنصوص عليه دستوريًا في الوثائق الدولية التي وقعت عليها مصر.

كما اعتبرت القوى أن المحرض الأساسي على هذا الإضراب هو سياسات الحكومة نفسها التي تسببت في ارتفاع نسبة التضخم، وموجات غير مسبوقة من ارتفاع الأسعار وانهيار العملة بعد التعويم المتكرر للجنيه، لذلك لم يكن الإضراب بسبب دعوة جماعات سياسية وتحريض من قيادات عمالية. كان “هبّة” عفوية خرجت من بين عاملات غزل المحلة.

 

أجور منخفضة وموجة إضرابات عمالية

بدأت موجة الإضرابات العمالية مع بداية العام الجاري، ففي 29 يناير الماضي، أعلن عمال الشركة التركية للملابس “تي آند سي جارمنت” بمدينة العبور بمحافظة القليوبية، إضرابهم عن العمل للمطالبة برفع أجورهم، وزيادة المنحة السنوية بشكل منتظم، وتثبيت العمالة المؤقتة.

في المقابل أغلقت إدارة الشركة الأبواب على العمال، وهددت بفصل القيادات العمالية في حالة عدم فض الإضراب، والقبول بوعودها برفع جزئي للأجور.

ويقدر عدد العاملين بالشركة حوالي سبعة آلاف عامل، لم يتعد الحد الأقصى لمرتباتهم حاجز الـ 4000، والقاعدة العريضة منهم تتقاضى 2500 جنيه، وهي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة المصرية للعاملين بالقطاع الخاص والمقدرة بـ 3500 جنيه.

في 29 فبراير 2024، أعلن عمال وموظفو شركة الإسكندرية للإنشاءات التابعة لمجموعة “طلعت مصطفى القابضة”، المملوكة لرجل هشام طلعت مصطفى الاعتصام احتجاجًا على تدني أجورهم وتسريح زملائهم من العمل. ورغم  أن أرباح مجموعة طلعت مصطفى خلال العام 2023 بلغت قرابة 142 مليار جنيه، ظلت الأجور هزيلة وهو ما دفع العمال إلى الإضراب عن العمل.

وفي 26 فبراير، أعلن عمال شركة الزيوت والمنظفات بأسيوط الإضراب عن العمل للمطالبة بتطبيق حد أدنى للأجور بمبلغ ستة آلاف جنيه شهريا للعاملين بقطاع الأعمال العام أسوة بالعاملين في الحكومة، وبعد يومين قرر العمال أرجاء الإضراب استجابة لطلب الإدارة التي وعدتهم بتنفيذ مطالبهم.

كما أعلن عمال شركة يونيفرسال لإنتاج الأجهزة الكهربائية بالمنطقة الصناعية الثانية بمدينة السادس من أكتوبر، إضرابهم عن العمل في ال14 من فبراير احتجاجا على عدم استجابة الإدارة لمطالبهم، والتي تتلخص في تطبيق الحد الأدنى للأجور البالغ 3500 جنيه وصرف منح الأعياد والمناسبات بواقع ثلاثة أشهر من الأجور كل عام.

وفي فبراير الماضي، أعلن عمال مطاحن شركة الخمس نجوم الصناعية بالسويس الدخول في اعتصام مفتوح بمقر المصنع، للمطالبة بتعديل المرتبات بما يتناسب مع الزيادات في الأسعار، وعمل لائحة داخلية للشركة بحقوق وواجبات العاملين فيها، وإعادة البدلات التي أُلْغِيَت منذ قيام “مطاحن الجمل” بالاستحواذ على مطاحن الخمس نجوم منذ بضعة شهور.

وكانت إدارة الشركة قد تعهدت بتنفيذ مطالبهم وهو ما دفع العمال بفض الإضراب، قبل أن يعاود العمال، ويعلنون عن تراجع إدارة الشركة عن تعهداتها السابقة، وأعلنت عدم صرف أي زيادات في الأجور أو أي بدلات أو منح وتأجيل الاجتماع الذي كان من المقرر عقده مع مالك الشركة للاتفاق على لائحة للشركة إلى أجل غير مسمى، وذلك بعد أن سلم المصنع طلبية تصدير كان تُجَهَّز في أثناء المفاوضات.

وفي 26 ديسمبر الماضي، شارك نحو 400 عامل تابعين لـ”كير سيرفيس” ويعملون في معسكر قوات حفظ السلام في الشيخ زايد وشرم الشيخ بسيناء في إضراب؛ احتجاجًا على “الفساد وسوء الأوضاع وتدني الأجور”.

كان الأجر هو المطلب المشترك بين أغلب الاحتجاجات العمالية الأخيرة، كما كان التهديد والترهيب الأمني الذي لاحق العمال هو العامل المشترك بينهم أيضًا. فوفقًا لما ذكره مصدر عمالي في حديثه مع زاوية ثالثة -فضل عدم ذكر اسمه-، فإن الأمن الوطني يهدد العمال المضربين بالملاحقة الأمنية عقابًا على الإضراب، رغم أن الإضراب حق دستوري وقانوني للعمال.

من جهته، يرى كرم عبد الحليم -رئيس نقابة العاملين بأندية هيئة قناة السويس، ونائب رئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية- أن الاحتجاجات العمالية الحالية ستتصاعد خلال الفترة القادمة، في ظل تدهور وضع العملة المصرية مقابل الدولار، وارتفاع الأسعار.

وأشار في تصريح إلى زاوية ثالثة إلى أن هذه الاحتجاجات قد تخرج من النطاق العمالي إلى الحيز الاجتماعي، بخاصة أن المواطنين أصبحوا غير قادرين على توفير الاحتياجات الأساسية (المأكل والمشرب). في ظل استمرار السلطة الحالية لنفس السياسات السياسية والاقتصادية.

وأوضح نائب رئيس اتحاد تضامن النقابات العمالية أن الحركة الاجتماعية السلمية القادرة على التفاوض تحتاج إلى تنظيم، في المقابل الدولة تكره التنظيمات، ولا تسمح بوجودها سواء نقابات أو أحزاب أو اتحادات طلبة، ورغم العصا الأمنية التي ترفعها السلطة في وجه الجميع، عادت الاحتجاجات العمالية، وهو ما ينذر بعودة الاحتجاجات الاجتماعية.

وأضاف “أن السلطة لا تريد تغيير سياسة التعامل الأمني مع العمال، وهو القبض على العمال بعد انتهاء المفاوضات والموافقة على المطالب مثلما حدث مع عمال المحلة الذين ألقي القبض عليهم كعبرة للعمال الآخرين، لترهيبهم حتى لا يكرروا خطوة الإضراب والاحتجاج، وهذه الطريقة مع الوقت لن تجدي نفعا، وبخاصة في ظل وضع اقتصادي غير مفهوم التوجه”.

 

من العمالي إلى الاجتماعي

في عام 2008 وتزامنًا مع حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، شهدت مصر أكبر إضراب عمالي، دعا له العمال في ظروف مشابهة، وساعد على انتشار الدعوة نشطاء وسياسيين، ليتحول الإضراب العمالي إلى احتجاج اجتماعي تشهده مدينة المحلة الكبرى في مشهد يعد أبرز المحطات التي مهدت إلى طريق ثورة يناير في 2011.

وعن إمكانيّة تطوّر الاحتجاجات العمّاليّة ومدى إمكانيّة تحوّلها إلى حركة اجتماعيّة يقول هشام فؤاد -الكاتب الصحفيّ الاشتراكيّ المتخصّص في شؤون العمّال-، إنّ “من الناحية الكمّيّة الاحتجاجات العمّاليّة لم تختلف بالمقارنة بالفترة الزمنيّة خلال العام الماضي، لكن هناك اختلافًا له علاقة بالتوقيت بمعنى وجود حالة احتقان شديدة وغضب مكتوم على خلفيّة الأوضاع الاجتماعيّة وتدنّي مستوى المعيشة، وهو ما يجعل لهذه الاحتجاجات معنى سياسيًّا أكبر من وضعها الحقيقيّ”.

وأضاف في حديثه إلينا أنّ هناك اختلافًا آخر من زاوية طبيعة المطالب فمطلب الحدّ الأدنى للأجر أصبح مطلبًا مشتركًا بين العمّال، العام الماضي كان مطلبًا خاصًّا لكلّ شركة أو مصنع على حدّ سواء كانت المطالب تتنوّع بين حوافز أو مستحقّات متأخّرة، لكنّ المطلب هذا العام موحّد وهو الحدّ الأدنى للأجور وهو ما يوحّد الحركة العمّاليّة.

وتابع: مكسب عمال المحلة في الحقيقة بمثابة مكسب لكل العاملين في قطاع الأعمال، ويعتبر وجود مطلب واحد يوحد الحركة العمالية خطوة للإمام وفرق نوعي عن السنوات الماضية. مشيرًا إلى أن احتجاج عمال المحلة له تأثيره وملهم في قطاعات أخرى قد تقتضي بهذا الفعل الذي حقق نتائج إيجابية.

ويرى “فؤاد” أن هناك عوامل تجعل هناك فرصة حقيقية في تحول الإضرابات العمالية إلى حركة مقاومة اجتماعية؛ منها تصريحات الحكومة المختلفة عن العام الماضي، خلال العام الجاري تتحدث الحكومة عن الإنجازات والانفراجة الاقتصادية وبخاصة بعد صفقة رأس الحكمة، لكن العام الماضي كانت الحكومة تتحدث عن الديون والأزمة الاقتصادية وضرورة التحمل، وبالتالي تراجع الحديث عن الأزمة يجعل الطبقات المطحونة، والتي ترى أنها لا تستطيع العيش نتيجة لتدهور الأوضاع المعيشية تطالب بتحسين وضعها المعيشي وإعادة توزيع الثروة، وما يشجعها على ذلك هو دعاية الحكومة لنفسها.

واعتبر فؤاد أن الأمر يتشابه فيما حدث عامي 2006 و2007 عندما تحدثت الحكومة حينها عن تصاعد معدلات النمو، وأن مصر ستصبح النمر الأسود، وهو ما دفع العمال للانتفاض في أبريل 2008 للمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية، الوضع يتشابه وبخاصة مع وجود حزمة اجتماعية يطرحها الرئيس للعاملين في الحكومة ورفع المرتبات للعاملين في القطاع العام واستثناء العاملين في قطاع الأعمال الذين يبلغ عددهم تقريبا 250 ألف عامل، وهو ما يشجع أيضا العاملين في القطاع الخاص الذين يبلغ عددهم تقريبا 8 ملايين موظف المطالبة بتطبيق حد الستة آلاف جنيه، لأنهم يعيشون في نفس البلد، وينفقون نفس النفقات، ويعانون المعاناة نفسها، فهذا يعطي أفقًا للحركة الاجتماعية، وهذه عوامل تدفع الحركة الاجتماعية للأمام، خصوصا أن الحكومة في الوقت نفسه رفعت الدعم عن المواطنين وقراراتها الاقتصادية يدفع ثمنها المواطنين من تراجع مستوى الجنيه وغلاء أسعار السلع الأساسية.

لكن في المقابل، يرى الكاتب الصحفي الاشتراكي أن ما يذبح الحركة الاجتماعية القبضة الأمنية التي تترصد للمجال العام والتنظيمات، ففي عامي 2006، 2007 كان هناك هامش ديمقراطي ومساحات في الإعلام المستقل والفضائيات، كما كان هناك هامش سياسي وتنظيمات سياسية ساعدت على الحركة الاجتماعية، وهو ما أسفر عنه نقابات مستقلة، وسمح للعمال تنظيم أنفسهم.

واستطرد “أن القمع معناه منع المواطنين من تنظيم أنفسهم للاحتجاج بطرق سلمية مثل التظاهر والاعتصام والإضراب، وهو ما يفتح الطريق أمام الانتفاضة أو الانفجار الشعبي، مثل ما حدث في عام 1977 (انتفاضة الخبز) بمطالبه السياسية والاجتماعية. وبناء عليه إما مسار منظم سلمي يسمح بالتفاوض أو انتفاضة شعبية أوسع، وهذا يتوقف على مدى استجابة العمال للقمع ومدى تأثيره في الحركة وهو ما سيتضح في الشهور القادمة، ولا يمكن قياسه حاليًا خصوصا مع حصار القوى السياسية المفروض من السلطة منذ 10 سنوات وغياب التنظيمات النقابية المستقلة وحتى الموجودة حاليا يعد تمثيلها رمزيًا، فغياب تلك التنظيمات تحجب الرؤية أو التوقع بما سيحدث خلال الفترة القادمة”.

قبل عام 1977 قامت قطاعات عمالية باضطرابات وانتفاضات خلال عامي 1975 و1976، وفي يوم 17 يناير 1977 أعلن نائب رئيس الوزراء المصري للشؤون المالية والاقتصادية الدكتور عبدالمنعم القيسوني في بيان له أمام مجلس الشعب مجموعة من القرارات الاقتصادية منها رفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية؛ وبذلك رفع أسعار الخبز والسكر والأرز والزيت وغيرها من السلع، ما نتج عنه انتفاضة شعبية على مدار يومي 18 و19 يناير، بدأت بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة، وبالتوازي شهدت الجامعات المصرية الاحتجاجات، ومن ثم انتقلت الاحتجاجات بين فئات الشعب لتصل إلى الميادين، حيث وقف المحتجون يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية، عرف اليوم سياسيًا بــ”انتفاضة الخبز” بينما أطلق عليه النظام “انتفاضة الحرامية”.

 

العمال في أزمات متتالية

تتفق منى عزت، الباحثة في القضايا العمالية، مع الكاتب الصحفي الاشتراكي هشام فؤاد، في أن الاحتجاجات العمالية هذا العام لا تختلف كثيرًا عن العام الماضي، كما أنها تتفق أيضًا على أن مطالب العمال حاليا موحدة حول مسألة الأجور، لكنها ترى أن الحركة العمالية كثيرًا ما تنهي إضرابها قبل تحقيق انتصارات حقيقة، فإذا بدأ الإضراب في مصنع أو شركة ما بمجموعة من المطالب، في الغالب ينتهي الإضراب بمجرد وعد تحسين الأجر فقط وهو النهج الذي تتخذه الحركة العمالية خلال آخر 20 سنة تقريبا.

وأضافت عزت في تصريحها إلى زاوية ثالثة أن الحركة العمالية تفتقر إلى وجود تنظيم نقابي قادر على صياغة مطالب العمال وعمل حركة مطلبية أوسع قادرة على التفاوض بشكل حقيقي، إذ يعتبر التنظيم النقابي كلمة السر للعب عدة أدوار لتطوير الحراك العمالي، إذ يعمل على تثقيف العمال وتعريفهم بالمطالب والقضايا الخاصة بهم، وهو ما يقطع الطريق على الحراك الاجتماعي.

وترى أن الحراك الاجتماعي لن يحدث من نقابات فقط، فهذا الحراك يحتاج إلى تحرك مجموعات مختلفة من المواطنين ليس فقط على الأجور إنما تمتد التحركات على الضرائب والتأمينات والأسعار، ولكي يحدث هذا لابد من وجود فرصة مواتية وشروط موضوعية، ولذلك فإن الانتقال من نقطة الاحتجاج العمالي إلى الاجتماعي تحتاج إلى خطوات أكبر.

في تقرير بعنوان “الهبوط إلى القاع” أًصدر عن دار الخدمات النقابية، ويتناول حالة الحريات النقابية لعام 2023. أوضح أن العمال يعيشون أزمة الأجور منذ عقود، التي لا تحتسب على قدر احتياجاته، وإنما بحسب مزاجية صاحب العمل، وأعلى ربح ممكن له، فالحد الأدنى للأجور الذي بدوره وصل إلى أربعة آلاف جنيه، أي ما يوازي 80 دولارًا شهريًّا (حسب سعر الدولار غير الرسمي)، يطبق فقط في القطاع العام الذي يمثل أقل من ثلث مجموع القوى العاملة في مصر.

جديرٌ بالذكر أن الحد الأدنى للأجور، يُحْتَسَب مشمولًا بالمقتطع التأميني التي يفترض أن يدفعه صاحب العمل لا العامل. أما الوضع في القطاع الخاص، فحدث ولا حرج، حيث لا يسمح للعمال بإنشاء النقابات التي تحميهم ولا تراقب الوزارة عليه، ما يخلق وضعًا جائرًا يجعلهم من الفقراء، أو على الأقل من المهددين بالجوع، الذين يعملون لساعات طويلة، بلا عائد يقيهم العوز.

للوقوف على حجم الأزمة التي يعيشها العمال، وفروق العملة، والتضخم، يمكننا الاستعانة بالعام 2013 كسنة قياس، إذ كان الحد الأدنى للأجور 1200 جنيه، وكان يعادل 172 دولارًا تقريبًا، حيث كان الدولار أقل من سبعة جنيهات، وعليه فالزيادة في الحد الأدنى التي تروج لها الحكومة أصبحت تعادل 80 دولارًا، ليست زيادة حقيقية، بل أوهام تفضحها نسب التضخم التي تآكلت معها الدخول- بحسب ما جاء في التقرير.

ووصل حجم الانتهاكات التي تعرض العمال والعاملات خلال عام 2023 في مصر وفقًا لهذا التقرير نحو (6241) انتهاكًا، تركزت الأغلبية العظمى منها في القطاع الخاص يليه قطاع الأعمال العام، ثم القطاع الحكومي، حيث تنوعت الانتهاكات بين (نقل العمال تعسفيًّا من أماكن عملهم كعقاب/ تقييد الحرية وتوجيه تهم جنائية / الفصل / تهديد بالفصل / تهديد بالأمن الوطني / امتناع من دفع الأجر/ استدعاء الشرطة / إيقاف عن العمل / طرد العمال خارج مقار العمل / إنذار بالفصل / العنف اللفظي والبدني / التحقيق مع العمال / الجزاء المالي للتعبير عن الرأي).

وخلص التقرير إلى أنه في ظل توقف برنامج تعزيز علاقات العمل ومؤسساتها في مصر تمامًا، ووضع العقبات والعراقيل أمام إنشاء نقابات مستقلة، أصبحت النية مُبيتة للقضاء على الصوت العمالي المستقل، والعمل على تغييبه، كجزء من سياق عام متأزم لا ترى فيه السلطة المجال العام إلا عقبة غير ضرورية أمام إرساء قواعدها للحكم، والبعيدة عن أفكار المفاوضة على الحقوق، أو الحوار المجتمعي عمومًا.

وحذرت دار النقابات العمالية من أن استمرار محاولات الانقضاض على الكيانات النقابية، وتجاهل أهمية مبادئ مثل المفاوضة الجماعية، في تحقيق علاقات متوازنة، طويلة الأمد داخل أماكن العمل، أمر مهدد للسلم المجتمعي، والاستقرار الاقتصادي المنشود، ولا يحقق سوى الفوضى.

 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search