أثار قرار المستشار محمد نصر سيد، رئيس محكمة استئناف القاهرة، الصادر بتاريخ 20 فبراير الماضي، والقاضي بزيادة رسوم التقاضي والخدمات المميكنة وكافة الرسوم القضائية، والمطبق فعليًا منذ الأول من مارس الجاري، موجة من الاستياء في الوسط القانوني المصري. إذ اعتبر محامون ونقابيون أن تلك الزيادات تتعارض مع الدستور المصري والقوانين النافذة، فضلًا عن المواثيق والمعاهدات الدولية التي تُلزم مصر بضمان حق المواطنين في الوصول إلى العدالة بتكلفة معقولة.
وصل الخلاف القانوني بشأن زيادة رسوم التقاضي إلى ساحة القضاء، حيث تقدم عددٌ من المحامين بدعوى جنحة مباشرة ضد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ووزير العدل المستشار عدنان فنجري، إلى جانب رؤساء المحاكم الذين أصدروا قرارات الزيادة الأخيرة، موجهين إليهم تهمة “الغدر” وفقًا لما تنص عليه المادة (114) من قانون العقوبات المصري. وتنص هذه المادة تحديدًا على أنه: «كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا أو ما يزيد على المستحق، مع علمه بذلك، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن»، وهو ما استند إليه المحامون في دعواهم، معتبرين أن فرض الزيادات الجديدة في الرسوم القضائية يُمثّل تحصيلًا لمبالغ مالية تزيد عن الحدود القانونية والدستورية المستحقة.
وتسبب القرار في أزمة بين المحامين والقضاة، ما دفع نقابة المحامين إلى إعلان وقف التعامل مع خزائن المحاكم، ولوحت بمقاطعة شاملة للمحاكم احتجاجًا على هذه الزيادات، معتبرة أن مثل هذه القرارات قد تؤدي عمليًا إلى تحويل القضاء في مصر إلى خدمة متاحة للأغنياء فقط، فيما يُحرم الفقراء ومحدودو الدخل من حق أساسي يتمثل في التقاضي والوصول إلى العدالة.
حصلت “زاوية ثالثة” على القائمة الكاملة للخدمات القضائية والمميكنة التي طالتها زيادات الرسوم، والبالغ عددها 38 خدمة. وتضمنت القائمة خدمات قضائية أساسية، منها تزييل الأحكام بالصيغة التنفيذية (لشئون الأسرة والعمال والعامة)، وعريضة الاستئناف عند القيد، وعريضة التجديد من الشطب، وعريضة التعجيل من الوقف والنقض، وتصحيح شكل الاستئناف، وإدخال الخصوم، والإعلان والتجديد من الشطب، وإعادة الإعلان.
كما شملت الزيادات رسوم خدمات الشهادات والاستعلام، مثل شهادات عدم حصول استئناف، والشهادات الإيجابية والسلبية، والاستعلام من واقع الجدول المدني، إضافة إلى خدمات تصوير الأحكام الجنائية، وصورة طبق الأصل من محاضر الجلسات، وتقارير الخبراء، والاستعلام الجنائي والتصوير الضوئي للجنايات، فضلًا عن طلبات سرية الحسابات البنكية وأتعاب المحاماة ومراجعة الحوافظ والمستندات والتظلم من قوائم الرسوم.
تأتي الزيادات الجديدة في الرسوم القضائية رغم صدور أحكام قضائية نهائية سابقة، ألغت زيادات مماثلة بسبب مخالفتها للقانون. ومن أبرز هذه الأحكام ما صدر عن المحكمة الإدارية العليا في 23 ديسمبر 2023، وهو حكم نهائي غير قابل للطعن، ألغى قرار فرض رسوم الماسح الضوئي “الميكنة” على صحف الاستئناف في دعاوى الأحوال الشخصية، وأيّد بإجماع الآراء إبطال قرار رئيس محكمة استئناف المنصورة بفرض هذه الرسوم.
كما سبق لمحكمة استئناف القاهرة، الدائرة السادسة مدني، أن أصدرت حكمًا في 6 يناير 2022، بإلغاء أمر تقدير الرسوم القضائية بشكل كامل، بسبب انعدام سنده القانوني، وذلك في منازعة قانونية تناولت أساس فرض الرسوم وليس مقدارها فقط.
نوصي للقراءة: بالمستندات.. تجاوزات مالية وتضارب مصالح في ندب القضاة.. والبرلمان يتحرك
المحامين توقف التعامل مع خزائن المحاكم
في مواجهة زيادة رسوم التقاضي الجديدة، أعلنت نقابة المحامين المصرية موقفًا حاسمًا ورافضًا، وقررت وقف التعامل مع جميع خزائن المحاكم بمختلف درجاتها في كافة أنحاء الجمهورية، احتجاجًا على هذه القرارات.
وجاء هذا القرار بعد اجتماع طارئ عُقد في 8 مارس الجاري بمشاركة النقيب العام ورئيس اتحاد المحامين العرب عبد الحليم علام، وأعضاء مجلس النقابة العامة، ونقباء النقابات الفرعية، لمناقشة تداعيات الأزمة الناتجة عن فرض زيادات وصفوها بأنها «غير مسبوقة»، والتي شملت 38 خدمة تحت مسمى «مقابل الخدمات».
وأكدت النقابة في بيان رسمي، أن تلك القرارات «خرجت عن الأطر الدستورية والقانونية»، التي تفرض ضرورة صدور الرسوم بقانون، مشددةً على أن ما حدث يُعد انتهاكًا صريحًا للحق الدستوري في التقاضي، باعتباره حقًا مصونًا ومكفولًا لجميع المواطنين دون تمييز.
وكلّف الاجتماع نقيب المحامين بالتواصل مع الجهات المسؤولة لحل الأزمة، معلنًا بقاء مجلس النقابة العامة والنقباء الفرعيين في حالة انعقاد دائم إلى حين التوصل إلى حل جذري للموضوع.
نوصي للقراءة: قبيل انتخابات النادي.. غضب قضاة بعد رسوب أبنائهم في الدورات العسكرية
انتهاك للدستور؟
وصف المستشار محمد ناجي دربالة، نائب رئيس محكمة النقض السابق، في تصريحات إلى «زاوية ثالثة»، القرارات الأخيرة بزيادة الرسوم القضائية بأنها «معيبة» وتمثل «انتهاكًا صارخًا» لمبادئ الدستور، خاصة المادة (97) التي تنص على أن «التقاضي حق مصون ومكفول للجميع، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضي وتسهيل إجراءاتها»، موضحًا أن هذه الزيادات فرضت «حاجزًا ماليًا هائلًا» يحول دون وصول المواطنين إلى قاضيهم الطبيعي.
وأشار دربالة إلى أن هذه القرارات تُكرس «التمييز» بين المواطنين على أساس القدرة المالية، وتخالف بوضوح نص المادة (53) من الدستور، والتي تؤكد أن «المواطنين أمام القانون سواء، ومتساوون في الحقوق والحريات»، معتبرًا أن مثل هذه الإجراءات تُحرم قطاعًا واسعًا من المواطنين من حقهم في اللجوء إلى القضاء بسبب التكلفة المالية المبالغ فيها.
وحذّر نائب رئيس محكمة النقض السابق من خطورة التداعيات المجتمعية لهذه القرارات، مؤكدًا أنها قد تدفع المواطنين إلى «الامتناع عن اللجوء للقضاء والبحث عن بدائل أخرى»، مطالبًا بضرورة التراجع الفوري عن هذه الزيادات، والتركيز بدلًا من ذلك على تعزيز استقلال القضاء وتيسير الوصول إليه، حتى لا يتحول التقاضي إلى «حكر على الأغنياء فقط».
أكد ناصر أمين، رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، لـ«زاوية ثالثة»، أن القرارات الأخيرة المتعلقة بزيادة الرسوم القضائية تمثل انتهاكًا غير مسبوق للقانون والدستور، معتبرًا أن ما تقوم به وزارة العدل والمحاكم المصرية والنيابات يمثل خرقًا صارخًا للمبدأ الدستوري الذي ينص بوضوح على أنه «لا رسوم ولا ضرائب إلا بقانون»، مضيفًا أن الأموال التي تجمع من المواطنين بموجب هذه القرارات هي «جباية» تم تحصيلها بالغدر، وتشكل جريمة قانونية واضحة.
وأوضح أمين أن ما يحدث الآن يُعد امتدادًا لسياسة بدأت منذ نحو عشر سنوات، تسعى من خلالها الدولة إلى «التحلل من التزاماتها» تجاه تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ومنها خدمات التقاضي التي يفترض أن تكون مجانية وفقًا للدستور والمواثيق الدولية، مشددًا على أن الدولة ملزمة بضمان سهولة وصول المواطنين إلى العدالة دون عوائق مادية أو مالية.
وكشف رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة أنهم بصدد إقامة جنحة مباشرة أمام المحاكم المصرية، تتهم رسميًا رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، ورؤساء المحاكم الذين أصدروا هذه القرارات، بجريمة «الغدر» طبقًا لنص المادة (114) من قانون العقوبات، والتي تنص على أن «كل موظف عام له شأن في تحصيل الضرائب أو الرسوم أو العوائد أو الغرامات أو نحوها، طلب أو أخذ ما ليس مستحقًا أو ما يزيد على المستحق مع علمه بذلك، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن».
وختم أمين حديثه بتحذير من خطورة هذه القرارات، مؤكدًا أنها تُكرّس طبقية في الوصول للعدالة، حيث تُحرم الفقراء ومحدودي الدخل من حقهم في التقاضي، ما يؤدي إلى تراجع ثقة المواطنين في العدالة، وقد يدفعهم إلى محاولة الحصول على حقوقهم بطرق أخرى خارج إطار القانون، وهو ما ستكون له تداعيات خطيرة على استقرار المجتمع.
وأكد الدكتور محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، لـ«زاوية ثالثة»، أن فرض رسوم قضائية مرتفعة بهذا الشكل يُخالف بشكل واضح المبادئ الأساسية للقانون الدولي والدستور المصري والمواثيق الدولية التي وقعت عليها مصر، والتي تكفل جميعها حق التقاضي المجاني أو بتكلفة يسيرة لجميع المواطنين. وأوضح أن المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي صدّقت عليه مصر، تؤكد على ضرورة إزالة كافة العوائق، بما فيها الاقتصادية، لضمان الوصول المتساوي للعدالة.
وانتقد مهران التوسع الملحوظ في فرض رسوم إضافية باسم «مقابل خدمات»، مشيرًا إلى أن هذا التوجه لا يتناسب مع التزامات مصر الدولية، ولا مع الاتجاه العالمي نحو تخفيف الأعباء المالية عن المتقاضين. وأضاف أن بعض القضايا وصلت تكاليف تصوير أوراقها فقط إلى أكثر من ثمانية آلاف جنيه، في حين فرضت رسوم قضائية في دعاوى أخرى تصل إلى ملايين الجنيهات، مما أدى إلى إجراءات صارمة بحق المواطنين العاجزين عن السداد، وصلت إلى الحجز على ممتلكاتهم وأموالهم.
كما بيّن مهران خطورة هذه الزيادات على المجتمع، حيث توقع أن تؤدي إلى تراجع المواطنين عن اللجوء إلى القضاء، أو اضطرارهم للجوء إلى وسائل بديلة، منها غير القانونية، للحصول على حقوقهم. وأوضح أن هذا الوضع سيؤدي بالضرورة إلى تقويض هيبة القضاء الرسمي، وتعزيز اللجوء للتحكيم الخاص، الذي بات الآن خيارًا أقل تكلفة مقارنة بالتقاضي في المحاكم المصرية، محذرًا من أن يتحول القضاء إلى امتياز للأغنياء والشركات فقط.
وفي سياق متصل، قال أحمد حلمي، المحامي بالنقض والدستورية العليا، والمتخصص في الدفاع عن مئات المتهمين في القضايا ذات الطابع السياسي والإرهاب، لـ«زاوية ثالثة»، إن هذه الزيادات المبالغ فيها للرسوم ستؤدي إلى توقف شبه تام لمسار التقاضي في القضايا الكبرى، خصوصًا المتعلقة بالإرهاب. وذكر حلمي أن عدد أوراق قضايا الإرهاب يصل إلى الآلاف، ما يجعل رسوم تصوير أوراق قضية واحدة تصل إلى عشرات الآلاف من الجنيهات، إلى جانب الرسوم القضائية الأخرى.
وتساءل حلمي عن قدرة الأهالي وذوي المتهمين على تحمل هذه التكاليف الباهظة، موضحًا أن هذه الأعباء ستحصر حق التقاضي في طبقة الأغنياء فقط، بينما يُحرم الفقراء ومحدودو الدخل من الوصول الحقيقي للعدالة. وأشار إلى أن مكاتب المحاماة بدأت بالفعل في الامتناع عن قبول قضايا جديدة، وأنه شخصيًا اتخذ قرارًا بإغلاق جميع القضايا المدنية والتجارية، مع التفرغ فقط لإنهاء ما تبقى من قضايا أمن الدولة العليا، معلنًا عزمه على الاعتزال نهائيًا بعد إتمام هذه القضايا، مؤكدًا أن الوضع لم يعد يحتمل، وأن استمرار هذه السياسة سيحوّل المحاكمات إلى إجراءات شكلية، يُستكمل فيها التقاضي بمحامين منتدبين أو تكون قاصرة فقط على القادرين ماديًا.
نوصي للقراءة: رشاوٍ وحقوق مهدرة.. 23 ألف قضية فساد عقاري في مصر
تطوير لم يحدث
تحدث المحامي الحقوقي محمد عفيفي لـ«زاوية ثالثة»، قائلًا إن تبريرات زيادة الرسوم القضائية التي اعتادت الجهات القضائية تقديمها بأنها تستهدف تطوير منظومة العدالة، لم تتحقق على أرض الواقع، إذ لم تشهد المحاكم أي تحسن يُذكر في الخدمات المقدمة للمتقاضين أو المحامين أو حتى موظفي المحاكم منذ بدء زيادة الرسوم قبل حوالي عشر سنوات وحتى الآن. ووصف عفيفي وضع المحاكم الحالي بـ«غير الآدمي»، قائلًا إن المتقاضين يضطرون للانتظار في طرقات غير مجهزة وقاعات تفتقر للحد الأدنى من الخدمات.
وأضاف عفيفي أنه حتى في حال قبول منطق الزيادة بغرض تحسين الخدمات، فإن السؤال المطروح: «ما هو التطوير الذي تم بالفعل في المحاكم على مدار السنوات الماضية؟»، مؤكدًا أن ما يحدث عمليًا هو فرض رسوم إدارية من جانب رؤساء المحاكم دون قانون، وهو ما يُمثل نوعًا من الجباية على المتقاضين، ولا ينبغي أن يصدر من قضاة. وأوضح أنه إذا كانت المحاكم في حاجة إلى موارد مالية إضافية، فالأمر يستوجب الرجوع إلى وزارة العدل، والتي بدورها تتواصل مع وزارة المالية والبرلمان لاعتماد الميزانية اللازمة، وليس فرض رسوم عشوائية يتحملها المواطنون بشكل مباشر.
كما أشار عفيفي إلى نوع آخر من الرسوم المفروضة على المواطنين، يصل إلى 7.5% من قيمة الأراضي والعقارات المتنازع عليها، وهو ما يعني أن القضاء أصبح شريكًا ماليًا في أملاك المواطنين، مما يزيد من أعباء المتقاضين بصورة كبيرة. وختم حديثه بالتحذير من أن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى تحول القضاء في مصر إلى خدمة مقدمة للأغنياء فقط، ويدفع الفقراء ومتوسطي الدخل للجوء إلى الحلول القبلية أو المجالس العرفية أو حتى استخدام القوة بعيدًا عن القانون، خاصة مع استمرار معاناة المواطنين من بطء إجراءات التقاضي.
في السياق ذاته، أكدت المحامية بالنقض والدستورية العليا، أمنية حسونة، لـ«زاوية ثالثة»، أن القرارات الأخيرة المتعلقة بزيادة الرسوم القضائية لم تراع الواقع المادي الصعب للمواطنين، ما سيدفع المتقاضين إلى البحث عن «عدالة موازية» مثل المجالس العرفية، وبالتالي قد يتحول المجتمع إلى بيئة تنتشر فيها الحلول غير القانونية أو الفردية لحل النزاعات.
وأضافت حسونة أن المحامين يلتزمون حاليًا بقرار نقابتهم في وقف التعامل مع خزائن المحاكم، إلا أن التأثير المباشر يقع على الموكلين الذين بدأوا بالفعل في الامتناع عن رفع دعاوى قضائية، بسبب عدم قدرتهم على تحمل الرسوم المقررة. وأكدت أن عددًا من الموكلين تراجعوا بالفعل عن اللجوء إلى القضاء وطلبوا منها البحث عن بدائل أخرى، ما يعكس حالة اليأس من الحصول على حقهم عبر القضاء بسبب ارتفاع التكلفة.
وفي شهادة مباشرة من أحد المتقاضين، كشف لـ«زاوية ثالثة» أنه تفاجأ بمطالبته برسوم قضائية تعادل 20% من قيمة الوحدة السكنية المتنازع عليها، رغم تصالحه مع الشركة الخصم وتنازل الطرفين عن الدعوى، ما دفعه للطعن على قرار تقدير الرسوم. وأوضح أنه في حال عجزه عن سداد هذه الرسوم، فإن ممتلكاته قد تتعرض للحجز من القضاء نفسه وليس من الشركة الخصم، ما يجعل المواطن يتضرر لمجرد اللجوء إلى المحكمة، بدلًا من أن يجد فيها حماية لحقوقه.
نوصي للقراءة: غياب الرقابة.. من يجرؤ على مساءلة لجان التحفّظ على الأموال؟
تصعيد مستمر
تحدث عضو بمجلس نقابة المحامين لـ«زاوية ثالثة»، طالبًا عدم نشر اسمه، عن استمرار نقابة المحامين في تصعيد الإجراءات ضد زيادة الرسوم القضائية في حال عدم الاستجابة لمطالبها بإلغائها. وأشار إلى أن نقيب المحامين عبد الحليم علام، بدأ بالفعل في التواصل مع قيادات قضائية وجهات مسؤولة في الدولة بهدف التوصل إلى حل ينهي الأزمة القائمة، لافتًا إلى أن مجلس النقابة في حالة انعقاد دائم، وأن كافة الخيارات، بما فيها مقاطعة المحاكم وتعليق العمل القضائي، مطروحة بقوة إذا لم يتم التراجع عن هذه القرارات، مؤكدًا أن النقابة لن تسمح بتمرير هذه الزيادات التي اعتبرها «مدمرة لعمل المحاماة ومنظومة العدالة بأكملها».
في المقابل، برر مصدر قضائي رفيع بمحكمة استئناف القاهرة، في حديثه لـ«زاوية ثالثة»، قرار المحكمة بزيادة الرسوم القضائية بأن «ارتفاع الأسعار بشكل عام فرض واقعًا ماليًا جديدًا على المحاكم، مما جعل الزيادات ضرورية». وأوضح أن المحاكم تتلقى يوميًا طلبات من المحامين والمواطنين للحصول على خدمات قضائية متنوعة، كتصوير القضايا واستخراج الشهادات والمستندات، وهذه الخدمات تستهلك ملايين الجنيهات شهريًا من ميزانية المحاكم، وليس من الواقعي أن تتحمل الخزينة العامة للمحاكم هذه النفقات دون مقابل.
وأضاف المصدر القضائي أن مؤسسات الدولة الأخرى تطبق رسومًا على الخدمات التي تقدمها للجمهور، والقضاء ليس استثناءً من هذا الإطار، مشددًا على ضرورة فرض رسوم تغطي تكلفة هذه الخدمات وتضمن استمرار تقديمها بصورة منتظمة. وأشار إلى أنه في حال إلغاء أو تقليل الرسوم، فإن المحاكم ستتعرض لضغط كبير نتيجة زيادة الطلب على الخدمات، ما قد يؤدي إلى عدم قدرتها على تلبية احتياجات المتقاضين أو المحامين بالشكل المطلوب، وبالتالي فإن الرسوم الجديدة تساعد في تنظيم طلب الخدمات وتغطية نفقاتها دون إرهاق ميزانية المحاكم.
مع بدء تطبيق قرارات زيادة الرسوم القضائية، تزداد حدّة الأزمة بين المحامين والهيئات القضائية، ويبدو أن التصعيد أصبح وشيكًا، وسط تساؤلات عن مستقبل الحق في التقاضي وإمكانية تحوّله إلى امتياز خاص بالقادرين ماليًا. تطرح هذه الأزمة عدة احتمالات؛ قد يشهد الأمر تراجعًا جزئيًا من جانب القضاة، عبر تعديل بعض هذه الرسوم أو إلغاء أجزاء منها استجابةً للضغوط القانونية من المحامين ومنظمات المجتمع المدني، أو استمرار المواجهة القانونية وتطورها إلى صراع ممتد داخل المحاكم، مع صدور أحكام محتملة قد تلغي بعض تلك القرارات.
كما لا يُستبعد تصعيد نقابة المحامين موقفها من خلال إضرابات واعتصامات مفتوحة، ما قد يزيد الضغط السياسي والاجتماعي على الجهات القضائية والتنفيذية للتراجع عن هذه الزيادات. وفي المقابل، قد تُصر السلطة القضائية والتنفيذية على موقفهما الحالي، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة وعزوف المواطنين عن استخدام القضاء، الأمر الذي يهدد بشكل جدي مبدأ المساواة أمام القانون والحق في الوصول للعدالة.
ويبقى السيناريو الأخير مطروحًا، وهو الاستجابة الكاملة لمطالب المحامين وإلغاء قرارات زيادة الرسوم نهائيًا، حفاظًا على استقرار المنظومة القضائية وضمان وصول جميع المواطنين إلى العدالة دون عوائق مالية.
مهما يكن السيناريو الذي ستسلكه هذه الأزمة، فإن المؤكد أن استمرار ارتفاع تكاليف التقاضي يُهدد جوهر النظام القانوني والحقوق الأساسية للمواطنين في مصر. فهل تنجح الضغوط في إعادة التوازن إلى منظومة العدالة، أم أن القضاء المصري سيتحول إلى ساحة حصرية للنخبة المالية؟ الأيام المقبلة كفيلة بتحديد مسار الأزمة.