خزّن قطاع من مزارعي الأرز هذا العام إنتاجهم، رافضين بيع محصولهم بسبب ما أسموه انخفاض السعر المعروض عليهم من التجار للطن بما لا يتناسب مع تكلفة الإنتاج المتزايدة، ما قد يتسبب في أزمة وشيكة حال لم يطرح الإنتاج الجديد إلى الأسواق خاصة أن جزء كبير من المعروض لدى تجار التجزئة حتى الآن هو إنتاج العام الماضي 2023.
تواصلت زاوية ثالثة مع عدد من تجار الأرز، وأجرت جولات ميدانية للتحقق من المعروض من الأرز في الأسواق، وقد أكد لنا التجار أن المعروض إنتاج 2023 وليس العام الجاري الذي تم حصاده في سبتمبر الماضي 2024. العديد من المزارعين أكدوا تخزين إنتاجهم لأن سعر البيع غير مجزي، آخرين اتهموا التجار وأصحاب المضارب بعدم طرح ما قاموا بشرائه من مزارعين اضطروا لبيع إنتاجهم أو جزء منه لسداد مديونياتهم، ليقرر هؤلاء التجار طرحه بعد دخول فصل الشتاء وسقوط الأمطار بسعر أعلى مستغلين تعطش السوق للطرح الجديد، وهو ما أتفق معهم فيه بعض المزارعين الذين قرروا بيع إنتاجهم بعد ارتفاع سعره.
نوصي للقراءة: موسم القطن في مهب الريح: تداعيات انخفاض الأسعار على المزارعين
تخزين الأرز
زرع أيمن عبد الستار* (43 عامًا مواليد محافظة الدقهلية)، ثلاثة أفدنة أرز بإنتاجية عشرة أطنان هذا العام. منذ حصد زراعته لم يبع إنتاجيته مقررًا تخزينها، مُرجعًا ذلك لقلة المبلغ المعروض عليه من التجار لشراء الطن بـ 15 ألف جنيهًا، ما أعتبره غير مناسب لتكلفة زراعة الفدان.
يقول في حديثه مع زاوية ثالثة: “حصدت محصولي في 20 سبتمبر الماضي، ولم أبيعه حتى اللحظة لأن هامش الربح لا يتناسب والتكلفة التي أنفقتها على زراعته، إضافة إلى مجهودي الشاق خلال الدورة الزراعية، ونتيجة تعنت التجار في رفع سعر الشراء، آثرت الاحتفاظ بمحصولي لحين وصول عرض مناسب.”
يضيف: “تكلفة زراعة الفدان هذا العام تقدر بنحو 40 ألفًا، شاملة القيمة الإيجارية، ولا تشمل تكلفة عملي كمزارع”. وتتراوح إنتاجية الفدان من ثلاثة إلى 3.5 طن أرز، باع عبد الستار الطن منه خلال ديسمبر 2023 بسعر 19 ألف و600 جنيه للطن الواحد، لكنه يرى أنه لابد أن لا ينخفض السعر هذا العام عن 20 ألف جنيه للطن.
يكشف عبد الستار عن اتفاق التجار فيما بينهم بتثبيت سعر شراء طن الأرز من المزارعين، كوسيلة للضغط، ما يدفع المزارعين في نهاية المطاف إلى بيع إنتاجهم بثمن بخس، وجمع بعض التجار كميات أرز من الأسواق في بداية الموسم ليقوموا بتخزينه لحين رفع الأسعار، وهو ما اكتشفه العديد من المزارعين، ما دفعهم للامتناع عن بيع إنتاجهم للتجار لحين وصول عرض سعر مناسب. يضيف: “لن أتنازل عن تقدير مجهودي وعملي لأشهر خلال دورة زراعة الأرز.”
زرع نجيب المحمدي – نقيب الفلاحين بمحافظة الدقهلية- هو الآخر ثلاثة أفدنة أرز لم يبع منها شئ رغم مديونيته للبنك، إذ قرر تخزينه بعد أن طرح التجار عليه سعر خمسة آلاف للطن، ما اعتبره سعر متدني.
يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة إن وزارة الزراعة لم تصرف تقاوي للمزارعين الذين زرعوا خارج الدورة، باعتبارهم مخالفين، معتبرًا السعر المعروض لشراء طن الأرز من التجار يغطى التكلفة لكنه لا يحقق هامش ربح لهم، مقدرًا السعر العادل لبيع طن الأرز الشعير لا يقل عن 17 ألف جنيه، والأبيض 18 ألف جنيه.
ويحمل نقيب فلاّحين الدقهلية التجار مسؤولية حجب البعض محصول هذا العام عن الأسواق، فضلًا عن رفض مزارعين طرح إنتاجهم للسعر الهزيل المعروض من قبلهم للشراء، ما تسبب في رفع سعر الأرز المتوفر في الأسواق، مشيرًا إلى أن أرز العام الماضى المعروض في الأسواق أوشك على أن يصاب بسوس، وبحسب المحمدي تبلغ مساحة الأرض المنزرعة بالأرز في محافظة الدقهلية 180 فدان ألف وفقا للدورة المحددة من الوزارة، و 407 ألف فدان مخالف.
نوصي للقراءة: مصر الأكثر تضررًا من تضخم أسعار الغذاء.. لماذا؟
اكتفاء ذاتي
وفق حسين أبو صدام – نقيب الفلاحين في مصر- بلغت مساحة الأرض المنزرعة رسمية وغير الرسمية على مستوى الجمهورية مليون و600 ألف فدان بزيادة 200 ألف فدان عن العام السابق 2023. وتقدر الإنتاجية نحو ثلاثة ملايين و500 ألف طن أرز أبيض بزيادة 200 ألف طن عن العام السابق 2023.
وتتم زراعة الأرز في تسع محافظات فقط: (الإسكندرية، ودمياط، والدقهلية، وبورسعيد، والشرقية، والإسماعيلية، والبحيرة، والغربية، وكفر الشيخ). يبرر أبو صدام قيام البعض بحجب محصوله لرغبته في بيعه بسعر مرتفع، إذ يتراوح سعر طن الأرز الشعير من 15 ألف رفيع الحبة إلى 16 ألف للحبة العريضة، ما يعد أقل من العام الماضي، ويقدر نقيب الفلاحين متوسط تكلفة زراعة الفدان بالأرز بنحو 50 ألف جنيه شاملة القيمة الإيجارية.
من جهته، ينفي رجب شحاتة – رئيس شعبة الأرز بغرفة صناعة الحبوب باتحاد الصناعات- حجب مزارعين أو تجار أرز هذا العام عن الأسواق. ويضيف في حديثه معنا: “يقدر إنتاج مصر من الأرز الشعير نحو 6.5 مليون طن ما يعادل أربعة ملايين طن أرز أبيض تقريبًا، بعد تبييضه، بينما يستهلك المصريون نحو 3.6 مليون طن أي أن لدينا فائض إنتاج هذا العام 400 ألف طن. لدينا استقرار في الأسعار، فأسعار العام الجاري منخفضة عن مثيلاتها العام الماضي، إذ يتراوح سعر الطن الشعير من 14 إلى 14.5 ألف للحبة الرفيعة، أما الحبة العريضة يتراوح سعرها من 15.5 إلى 16 ألف جنيه، نافيًا تصدير السلطة أرز هذا العام إلى الخارج.
بحسب نشرة الإحصاءات الزراعية الصادرة عن وزارة الزراعة لعام 2022، قدرت المساحة الإجمالية لزراعة الأرز 1149427 فدان بإنتاجية 3.741 طن/فدان، بينما يبلغ مجمل الإنتاجية نحو 4300578 طن، وتبلغ مساحة الأراضى القديمة 1045533 فدان، بينما تقدر مساحة الأراضي الجديدة 103894 فدان، إلا أن وزارة الموارد المائية والري أصدرت قرارًا وزاريًا رقم 543 لسنة 2023، قضى بتقليص جملة المساحة المصرح بها لزراعة الأرز إلى 724200 فدان بنسبة 37%.
ونصت المادة الثالثة من القرار على حظر زراعة الأرز في غير المناطق المصرح بها، والتنسيق بين قطاع الري بوزارة الموارد المائية والرى وقطاع الخدمات الزراعية بوزارة الزراعة لزراعة الأصناف الجديدة التي تتحمل الجفاف والملوحة في المساحات التجريبية الإضافية بمساحة 200 ألف فدان تزرع بسلالات الأرز الموفرة للمياه، و 150 ألف فدان تزرع على المياه ذات الملوحة المرتفعة نسبيًا بشبكة الرى والصرف والأراضي التي بها مشاكل بالتربة بالمحافظات المصرح لها بزراعة الأرز بالدلتا.
نوصي للقراءة: المزارعون في مواجهة الفقر المائي… آبار جوفية خوفًا من قرارات حكومية
تضخم التكاليف واستغلال
اضطر عبد الستار لشراء شيكارة الكيماوي بسعر 1300 جنيه، خاصة وأنه لم يتسلم شيكارة واحدة من مديرية الزراعة التابع لها لزراعته الأرز بصورة غير رسمية خارج الدورة الزراعية المحددة من قبل وزارة الزراعة سنويًا.
يشكو المحمدي هو الآخر ارتفاع تكاليف الإنتاج هذا العام، ما سيعود على السعر النهائي للمنتج، إذ ارتفع سعر شيكارة سوبر الفوسفات المحبب من 150 إلى 320 جنيهًا، فيما ارتفع سعر السوبر الناعم من 90 إلى 240 جنيهًا، وتضاعف سعر حصاد فدان الأرض من 1000 إلى 2000 جنيه وذلك خلال الفترة من 2023 إلى 2024، فضلًا عن ارتفاع تكاليف الإنتاج لتبلغ مجمل تكلفة الفدان بخلاف القيمة الإيجارية 15 ألف جنيه، في وقت تتراوح القيمة الإيجارية من 40 إلى 45 للفدان سنويًا.
المغالاة في سعر كيلو الأرز من مكان لآخر بما يفوق قدرة البسطاء على الشراء، دفع أسر للاعتماد على الخبز التمويني في وجباتهم الرئيسية لعدم قدرتهم على توفير ثمن كيلو الأرز، بينما خفضّت أسر أخرى استهلاكها الأسبوعي منه. من بين هؤلاء، مها أسامة *(63 عامًا- ربة منزل). تقول في حديثها معنا: “دخلي الشهري أنا وأسرتي المكونة من أربعة أفراد لا يتجاوز ستة آلاف جنيه، وفي ظل الظروف الاقتصادية مع غلاء أسعار الخدمات من ماء وكهرباء وغاز بتّ غير قادرة على الطهي يوميًا، فقط أطهو لمرتين أو ثلاثة أسبوعيًا وباقي الاسبوع نأكل خبزًا. قدرتي المادية لا تسمح بشراء كيلو أرز يوميًا في ظل ارتفاع الأسعار التي تشهدها الأسواق.”
قدّر موقع أمازون مصر سعر الكيلو من أرز “الضحى” بنحو 35.35 جنيه، بينما مثيله من أرز “الساعة” بسعر 47.8 جنيه للكيلو، فيما يباع سعر الكيلو من الأرز السوهاجي بـ41.5 جنيه، و”ريحانة” بـ 34 جنيه للكيلو، ويباع كيلو الأرز المعبأ بأسعار تتراوح ما بين 28 إلى 35 جنيه بفروع هايبر مصر بـ مصر الجديدة وأرض الجولف.
وفي دمياط التي تعد واحدة من أكبر المحافظات التي تزرع محصول الأرز، تواصلنا مع بعض التجار للسؤال حول سعر شيكارة أرز جملة للاستهلاك المنزلي، وتراوحت الأسعار ما بين 685 جنيه للشيكارة التي تزن 25 كيلو، بواقع 27.4 جنيه للكيلو، بينما رد تاجر آخر علينا بأن سعر البيع القطاعي 865 للشيكارة 25 كيلو، أي بسعر 34.60 جنيه للكيلو.
يُحمل نقيب فلاحي الدقهلية الحلقات الوسيطة أسباب ارتفاع سعر طن الأرز الأبيض لـ 38 ألف جنيه في بعض الأسواق على الرغم من أن التجار قاموا بشرائه شعير من المزارعين بسعر لا يتجاوز الـ 15 ألف جنيه، وتمثل الردة نسبة 35% من المحصول، أي أن الطن بعد تبيضه يسجل 650 ألف كيلو، ناصحًا المواطنين بعدم تخزين الأرز وشراء كميات محدودة وفقًا لاحتياجاتهم.
يدافع أحمد أبو الدهب – مالك مضارب أرز- عن أصحاب المضارب في حديثه معنا، يقول: “نحن لسنا السبب في زيادة الأسعار أو حجب السلعة. بعض المزارعين قرروا عدم بيع محصولهم هذا العام حينما تراجع سعر بيع طن الأرز الشعير من 20 ألف لعام 2023 إلى 16 ألف كحد أقصى للعام الجاري، على الرغم من ارتفاع سعره العام السابق يعود لعدة عوامل أهمها تذبذب سعر الدولار الذي وصل لـ 70 جنيه في السوق السوداء، إلى جانب تصدير جزء من الإنتاج، بينما سعر الدولار مستقر حاليًا عند 48 جنيهًا.”
بحسب أبو الدهب، يرغب المزارعون في بيع محصولهم بسعر أعلى من السعر العالمي للسلعة سواء في الصين والمسعر بـ32 ألف للطن أو الهند، يأتي ذلك في الوقت الذي يتراوح سعر الأرز محليًا بعد تبييضه في المضرب من 22.5 حتى 28 ألف جنيهًا، ويختلف السعر حسب الجودة ونسبة الكسر، وأي ارتفاعات أخرى سببها الحلقات الوسيطة – حسب قوله-، ويرى أن عدم تقبل المستهلكين أي زيادات عند هذا الحد؛ فالقوة الشرائية لشراء الأرز متراجعة هذا العام ولا تشجع على تحريك السوق، فمن كان يقوم بشراء 100 خفض استهلاكه لـ25 كيلو، يأتي ذلك في وقت يتحكم السوق العالمى للسلعة الجميع.
نوصي للقراءة: ما بين رفع أسعار الأسمدة والتقاوي.. لماذا يغادر الفلاحون الأرض في صمت؟
التغيرات المناخية
أثرت التغيرات المناخية التي شهدتها دول العالم ومنها مصر إلى حد كبير على الحبوب، التي تأثرت بـ الارتفاعات في درجات الحرارة والرطوبة، إذ تسهم تلك التغيرات في إصابة المحاصيل بالآفات وتلفها في بعض الأحيان، من المحاصيل التي تأثرت بتلك التغيرات محصول الأرز وإن كانت أقلهم تأثرًا. في هذا السياق، يكشف حسين أبو صدام – نقيب الفلاحين- أثر تلك التغيرات على الأرز. يقول: “تسهم درجات الحرارة المرتفعة في إصابة المحصول بالآفات كاللفحة، وتعفن الجذور، ودودة الحشد، ورغم من زراعة المزارعين محاصيل جديدة يفترض تكيفها مع بعض التغيرات المناخية، إلا أن التغيرات فوق العادة تؤثر سلبًا على المحاصيل بشكل عام.”
بحسب مركز معلومات تغير المناخ والنظم الخبيرة التابع لوزارة الزراعة، فإن الموجات الحارة تزيد من معدلات
الإصابة بمرض لفحة الأرز، إذ أن ضعف النبات يعد سببًا مباشرًا في إصابة المحصول بالأمراض الفطرية؛ ومنها لفحة الأرز. وعلق محمد علي فهيم – مدير مركز معلومات تغير المناخ- على أن الأصناف المنزرعة حاليًا مقاومة للفحة، عدا سخا 101 سخا 108، وأن مقاومة أمراض النبات قد تنكسر بسبب ضغوط المناخ. ويعتبر اللفحة من أخطر أمراض الأرز في مصر، إذ تسبب في اندثار الأصناف القديمة لاحتمال ظهور سلالات فسيولوجية جديدة للمرض، ما يؤدي إلى نقص محصول الأرز، ويلائم هذا المرض درجات الحرارة المرتفعة نوعًا والرطوبة العالية، كما أن جراثيم الفطر لا تتكون في درجة رطوبة أقل من 90%.
وفقًا لفهيم، من أعراض الإصابة ظهور بقع صغيرة تكبر تدريجيًا ويصبح لونها في الوسط رماديًا قذرًا وبلون القش بينما حافة البقع لونها بني داكن، وقد تمتد الإصابة إلى أغلفة الحبوب تضمر وتتلون الأغلفة بلون أبيض باهت، وتظهر على الحبوب المصابة بقع لونها رمادي، وعند اشتداد الإصابة تصاب السنبلة كلها، ويصبح لونها رماديًا، كلما كانت الإصابة مبكرة كلما زاد الضرر وتأثر المحصول بشدة.
رغم عدم إصابة محصوله هذا العام بالآفات إلا أنه قبل ثلاثة سنوات أصيب 50% من محصوله بلفحة الأرز، تسبب ذلك في خسائر كبيرة له. يقول عبد الستار” “فوجئت بإصابة 50% من محصولي به عام 2021 ما تسبب في فقدان 50% من إنتاجي، قمت بمعالجة الإصابات بالمبيدات وأخذت حذري كى لا يتكرر الأمر مجددا، لكن مع درجات الحرارة المرتفعة هذا العام تقلصت إنتاجية الفدان بنحو نصف طن مقارنة بالعام السابق.”
ويحيل نقيب فلاحي الدقهلية خسائر العديد من المحاصيل هذا العام أما لـ إصابتها بالآفات أو لحرق المحصول ما أدى لتناقص الإنتاجية هذا العام مقارنة بالعام الماضي. يقول: “التغيرات المناخية أفقدت المزارعين كثير من دخولهم، وطالت آثارها السيئة كافة المحاصيل ومنها الأرز، إذ تراجعت إنتاجية الفدان من أربعة إلى ثلاثة طن للفدان، فيما تقلصت إنتاجية القطن من ثمانية إلى أربعة قناطير للفدان، وتقلصت إنتاجية الذرة من 35 إلى أردب أردب، كما تسببت درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها مصر هذا العام في توليد الآفات وتسببت في خفض الإنتاجية ببعض المحاصيل بنسبة 50%.”
ويضيف: “فوجئت بإصابة سبلات المحصول المنزرع بصنف سوبر 300 بضمور بعد اكتمال السبلة خلال أغسطس 2024، لتضرر مساحة قدرها فدان وخمسة قيراط، وتنخفض إنتاجية الفدان بمعدل نصف طن، إذ تكرر الأمر خلال عامي 2023 و2024، كما أصيبت أراضي المزروعة بصنف جيزة 78 بمرض اللفحة، وقد اعتدنا التعامل مع المرض سنويًا بالمبيدات التي لا تتوفر في الجمعيات الزراعية ونضطر لشرائها من محلات مخصصة لبيعها، دون أن نعلم إن كانت مغشوشة أم لا”، مطالبًا وزارة الزراعة بتوفير المبيدات في الجمعيات الزراعية.
يكشف خليل المالكي – أستاذ البحوث بمركز البحوث الزراعية ورئيس لجنة مبيدات الآفات الأسبق بوزارة الزراعة- في حديثه مع زاوية ثالثة عن تأثر سنابل الأرز بفعل درجات الحرارة المرتفعة، ما أدى لتقلص إنتاج بعض الأصناف بما يتراوح من 25 إلى 30% خلال شهور يوليو وأغسطس وسبتمبر للعام الجاري 2024، داعيًا التجار والمصدرين بالاتجاه إلى قارة إفريقيا للزراعة ما يمكنهم من تصدير 50% من إنتاجهم وتوجيه المتبقى للسوق المصري، خاصة وأن بعضهم كان يقوم بالتحايل لتهريب جزء من إنتاج مصر للخارج خلال السنوات الماضية.
نوصي للقراءة: بين الأزمات والابتكار.. ماذا يزرع الفلاح المصري لمواجهة التحديات الاقتصادية؟
استنباط أصناف جديدة
يقول مجاهد حلمي – وكيل معهد بحوث المحاصيل الحقلية- إن الأرز أقل المحاصيل الصيفية تأثرًا بالتغيرات المناخية مقارنة بمحاصيل أخرى كالذرة.
يضيف في حديثه مع زاوية ثالثة، “يعد اللفحة أكثر الأمراض التي نقلق من أن يصاب بها محصول الأرز، وتعد الأصناف 101 و 104 و سوبر 300 و 108 من الأصناف المعرضة للإصابة به، وفي حال أصيب به، على المزارع استبداله بصنف آخر أقل تعرض للإصابة بالمرض العام التالي”، معتبرًا الإصابة بدودة الحشد أو أي آفة آخري أمر ثانوي.
يبين: “حال أصيب الأرز باللفحة، فإن نسبة الإصابة لا تتجاوز الـ5 % من إجمالي المساحة المنزرعة، وبناءً عليه يستطيع المزارعون التعامل مع الأمر ولا داعِ للقلق”، محذرًا من عدم التعامل بشكل سليم مع المرض أو إستخدام مبيدات رديئة ما قد يفاقم من الخسائر.
يكشف وكيل معهد البحوث الحلقية عن أثر ارتفاع درجات الحرارة عن الـ45 درجة على حبوب اللقاح أثناء التلقيح والإخصاب، وهو ما يتخوف منه الباحثون، عدا ذلك يعد محصول الأرز في أمان من تلك التغيرات وإذا تم التعامل مع اللفحة بالشكل السليم تأثيراتها على المحصول ستكون محدودة.
بحسب مجاهد تزرع مصر تسعة أصناف تتميز بمرونتها العالية في مواجهة التغيرات المناخية؛ من بينها: “جيزة 178، جيزة 179، جيزة 183″، وتعد أصناف هندية يابانية رفيعة الحبة، إضافة إلى أصناف عريضة الحبة مثل: “سخا سوبر 300، 301، 302 و 303″، تلك الأصناف تحتاج فترة نمو قصيرة، فضلًا عن استهلاكها كميات قليلة من المياه وتحملها الإجهادات البيئية المختلفة. وقد بدأت مصر استنباط أصناف جديدة من الأرز عام 1995 حينما استنبطت صنف جيزة 178 الذي مازال يزرع في أي أرض مهما كانت جودتها وتحت أي ظروف تواجهها من نقص مياه أو ملوحة، ولعل آخر الأصناف المستنبطة جيزة 183، سخا سوبر 301 و 302 و 303 التي طرحت في الأسواق العام الجاري.
وحسب من تحدثنا معهم، فإن هناك كثير من المطالبات التي يوجهونها إلى السلطة، إذ يطالب عبد الستار بتدخلها لتحديد سعر بيع الأرز بعد تحديد هامش ربح مناسب للمزارع، متهمًا بعض التجار وأصحاب المضارب بخلق أزمة عقب تحديدهم سعر بخس، ما يدفع العديد من المزارعين إلى تخزين إنتاجهم وعدم طرحه للبيع ما سيعود بالسلب على المستهلك لأن المعروض أقل من المطلوب. وهو ما أتفق معه نجيب من ضرورة تدخل السلطة لحل أزمة الأرز وتطبيق الدستور بتوليها مهمة تسعيره وتفعيل صندوق موازنة الأسعار بين المستهلك والفلاح، كي لا تحدث أزمة كل عام ليحمي المزارعين من الخسارة، وتنفيذ الزراعة التعاقدية لحماية المزارعين من جشع التجار.
من جهته، يبرر أبو الدهب موقف الفلاحين الرافضين بيع إنتاجهم إلى تراجع الدعم المقدم لهم وارتفاع التكلفة عليهم، مطالبًا بتكثيف حملات الجهات الرقابية لضبط الأسواق والتأكد من أن المحصول المعروض هو إنتاج هذا العام وليس العام السابق. يضيف: “للمرة الأولى يقوم المزارع بحجب سلعته وليس التاجر الوسيط أو المضرب، بهدف البيع بسعر أعلى ليغطي تكاليف الإنتاج”، معتبرًا ذلك أمر لا يخيفهم لأن المزارع سيبيع إنتاجه كلما احتاج للمال، لأن غرضه ليس تعطيش السوق كالمحتكر، كما أن سوق التصدير لا يتقبل هذا الارتفاع في الأسعار حاليًا، مطالبا الحكومة بدعم الفلاح في مستلزمات الإنتاج. فيما يطالب نقيب الفلاحين بتشديد الرقابة على المضارب وشراء جزء من المحصول إجباري من الفلاحين لطرحه على البطاقة التموينية ومنافذ المجمعات الاستهلاكية بأسعار مخفضة، كما في السابق حين كانت الحكومة تأخذ مليون ونصف طن أرز منهم، معتبرًا السعر العادل للأرز الأبيض من 28 إلى 30 جنيه للكيلو جرام الواحد.