معرض الرباط للكتاب يشهد غيابًا لافتًا لدور النشر المصرية

وفي مشهد أثار استهجان مثقفين وناشرين وكُتّاب مصريين، التُقطت صور للوزير والوفد الرسمي داخل جناح “كيان”، الذي بدا وكأنه يمثل الحضور المصري، وسط غياب شبه كامل لبقية الدور. وقد اعتبر كثيرون ما جرى “فضيحة ثقافية” تكشف خللًا جسيمًا في التنظيم أو شفافية الإجراءات
Picture of آية ياسر

آية ياسر

أثارت الدورة الثلاثون من معرض الرباط الدولي للكتاب، التي انطلقت في 18 إبريل واستمرت حتى 27 من الشهر ذاته، موجة غضب واسعة داخل الأوساط الثقافية المصرية. فوجئ الناشرون المصريون بعدم وصول شحنات الكتب الخاصة بدور النشر التي تمثلهم، رغم اعتمادها للمشاركة في المعرض.

وبينما كان وزير الثقافة المصري، أحمد فؤاد هنو، يزور الجناح المصري بصحبة السفير المصري في المغرب، أحمد نهاد عبد اللطيف، ووزير الثقافة المغربي، محمد مهدي بنسعيد، بدا معظم الجناح المصري خاليًا من الكتب. إذ لم تصل سوى 10% فقط من شحنات الكتب، عبر الشحن الجوي، إلى عدد محدود من الدور، أبرزها دار كيان للنشر.

وفي مشهد أثار استهجان مثقفين وناشرين وكُتّاب مصريين، التُقطت صور للوزير والوفد الرسمي داخل جناح “كيان“، الذي بدا وكأنه يمثل الحضور المصري، وسط غياب شبه كامل لبقية الدور. وقد اعتبر كثيرون ما جرى “فضيحة ثقافية” تكشف خللًا جسيمًا في التنظيم أو شفافية الإجراءات من جانب اتحاد الناشرين المصريين.

 

صورة تُظهر جناح مؤسسة شمس للنشر والإعلام خاويًا، نشرها الناشر إسلام شمس الدين، في 17 إبريل الماضي
صورة تُظهر جناح مؤسسة شمس للنشر والإعلام خاويًا، نشرها الناشر إسلام شمس الدين، في 17 إبريل الماضي

وسبق أن أبلغ رئيس اتحاد الناشرين، فريد زهران، في بيان رسمي له في 15 فبراير المنقضي، أعضاء اتحاد الناشرين المصريين المشاركين في معرض الرباط الدولي للكتاب، بتكليف شركة البراق للاستيراد والتصدير، بشحن إصدارات الناشرين المصريين المشاركين في المعرض، وذلك بسعر 150 جنيهًا مصريًا عن كل طرد صادر، شاملًا كافة المصاريف حتى توصيل الكتب إلى الجناح، وبسعر 55 درهم مغربى عن كل طرد مرتجع، شاملًا كافة المصاريف حتى توصيل الكتب إلى مخازن شركة الشحن، مؤكدًا على ضرورة أن تكون كشوف التعبئة والفواتير مطابقة لمحتويات الطرود، وألا تحتوي على أي كتب ممنوعة أو مخالفة لشروط المعرض، أو أي كتب أثرية أو مخطوطات أو كتب تراثية قديمة، وإلا سيتحمل الناشر كامل الغرامات المفروضة على الشحنة بالكامل، وكافة التعويضات الناتجة عن تعطلها.

وفي الثامن من إبريل المنقضي، كشف بيان صادر عن الأمين العام لاتحاد الناشرين، محمد عبد المنعم، عن احتمالية تأخر وصول الشحنة الأساسية الخاصة بالكتب المشاركة في معرض الرباط الدولي للكتاب، 2025 بالمغرب، مبينًا أنه سيتم تجميع شحنة طيران للناشرين المشاركين في المعرض، بنسبة 10% تقريبًا من الشحنة الأساسية على نفقة شركة الشحن، وتسلم لشركة البراق في موعد غايته 10 إبريل، غير أن الناشرين المصريين المشاركين، تفاجئوا باستمرار أزمة تأخر وصول الكتب، طيلة الأسبوع الأول من المعرض، الأمر الذي كبدهم خسائر طائلة، وأضرّ بمصداقيتهم لدى القُراء والكُتّاب المتعاقدين معهم، الأمر الذي دفع العديد من المثقفين لمطالبة وزير الثقافة بالتدخل لحل الأزمة.

 

نوصي للقراءة: مصادرة ومنع: كيف يعاني قطاع النشر في مصر من التضييق؟

أهمية التواجد المصري الثقافي

تُمثّل معارض الكتب، فرصة لبيع إصدارات الناشرين، وتسويق اسم دار النشر في بلد المعرض، ولقاء القرّاء والتعرّف إلى توجهاتهم القرائية، كما تتيح لقاء كُتّاب الدار مع جمهورهم من خلال حفلات توقيع ومناقشات، بالإضافة إلى لقاء كُتّاب جدد واستقطاب الموهوبين منهم لنشر أعمالهم، إضافة إلى كونها فرصة لعرض إصدارات الدار وإيصال إبداعات الكُتّاب من غير المواطنين إلى قرّاء من ثقافات مختلفة أو في بلدان جديدة، بحسب ما يوضح د. عماد الدين الأكحل، مدير عام شركات إيبيدي ودار نشر منشورات إيبيدي، إلى زاوية ثالثة، لافتًا إلى أن التواجد المصري الثقافي والترويج له يحافظ على المكانة الريادية لمصر في المشهد الثقافي العربي.

ويؤكد الأكحل أن خسائر غياب المشاركة أو تأخّر وصول الكتب ليست مادية فقط؛ فعلى الرغم من الخسائر المالية التي تُقدّر بنحو 10 ملايين جنيه، إلا أنها تُعدّ أقل بكثير من الخسائر المعنوية، حيث لم يجد الكُتّاب المغاربة، كتبهم الصادرة عن دور نشر مصرية، في أهم حدث ثقافي يُقام في بلدهم، وهو ما يُضعف ـ إن لم يُنهِ ـ الثقة في التعاون مع دور النشر المصرية. 

يقول، لزاوية ثالثة: “لا يمكنني وصف شعور كاتبنا المغربي يوسف الخصومي عند علمه بعدم وصول أحدث وأهم أعماله إلى المعرض، وهو العمل من المتوقع تحويله إلى دراما تاريخية كبيرة. وقد سبق أن أعلن الخصومي عن توفّر العمل في المعرض وإقامة حفل التوقيع، لكننا اضطررنا إلى إلغاء تلك الترتيبات وتقديم الاعتذار للقرّاء وسط شعور عميق بالحسرة، وكذلك وصف خيبة أمل القرّاء المغاربة الذين انتظروا الإصدارات الحديثة، إذ لا تتكرر هذه الفرصة إلا مرة واحدة في العام، في ظل صعوبات توزيع الكتاب المعروفة في الدول العربية عمومًا، ودول المغرب العربي على وجه الخصوص”. 

ويضيف أن جميع المؤشرات تؤكد ريادة مصر الثقافية، سواء من حيث عدد دور النشر، أو عدد الإصدارات، أو الكُتّاب، أو عدد المتوجين منهم، أو عدد المعارض، وغيرها؛ لذا فإن تأخر شحن الكتب إلى المعرض يُعدّ ضربة قاسية فمثل هذه الأخطاء لا تقع من الكبير القائد، خاصة أنها “ليست المرة الأولى، وكأننا لا نتعلّم من أخطاء الماضي ونُصرّ على تكرارها”، مُعتبرًا أن هذه المشكلة تستدعي، قبل تحميل المسؤولية لأي طرف، إجراء قراءة شاملة للأسباب، والعمل على تعديل أو استحداث كافة الإجراءات الكفيلة بضمان عدم تكرار ما حدث، ليس فقط في معرض الرباط، بل في جميع الفعاليات التي تشارك فيها مصر والمصريون.

بدورها أكدت وزارة الثقافة، في بيان لها، في 19 إبريل المنقضي، أن الإجراءات اللوجيستية الخاصة بمشاركة دور النشر المصرية في المعارض الدولية، وفي مقدمتها شحن الكتب، تُعد من الاختصاصات الأصيلة لاتحاد الناشرين المصريين، الذي يتولى مسؤولية التعاقد مع شركات الشحن والتنسيق مع إدارات المعارض، مشددة على إيمانها بحرية واستقلالية الاتحادات المهنية في إدارة شؤونها، على أن يتم ذلك بما يصون صورة مصر الثقافية ويعكس مكانتها الريادية، ومجددة التزامها بدعم الناشرين المصريين وتعزيز حضور الكتاب المصري في الساحة الثقافية العربية والدولية.

وأضاف البيان أن أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، أجرى اتصالات مكثفة لمتابعة تطورات الأزمة والعمل على حلها، ويعتزم عقد اجتماع عاجل مع مسؤولي اتحاد الناشرين المصريين فور عودته من المغرب، لبحث أسباب التأخير وتداعياته، ووضع آليات تحول دون تكراره مستقبلًا، وأنه قام بالتنسيق مع السلطات المغربية المعنية لتسهيل خروج شحنة الكتب المصرية فور وصولها إلى الرباط خلال الأسبوع الجاري، بما يضمن مشاركتها في فعاليات المعرض دون مزيد من التأخير، في إطار الحرص على ضمان تمثيل مشرف للنشر المصري في هذا الحدث الثقافي العربي المهم.

وتعقيبًا على الأزمة قال بيان صادر عن رئيس اتحاد الناشرين، فريد زهران، في 20 إبريل، إن مجلس إدارة اتحاد الناشرين المصريين، يأسف لما تسبب فيه تأخر وصول شحنات الناشرين المصريين إلى المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط من إرباك لخطط الأعضاء المشاركين في المعرض وتعطيل لعرض إصداراتهم في الوقت المحدد، مما اضر بمصالحهم وأثر أيضاً دون شك في شكل المشاركة المصرية بالمعرض ولم يرتقي للمستوى المطلوب الذي يستحقه الناشر المصري، مؤكدًا أهمية الالتزام بالترتيبات اللوجستية لتليق المشاركة بصناعة النشر المصرية وتحافظ على صورة مصر في المحافل الثقافية العربية والدولية.

 وأوضح البيان أن مجلس الإدارة قرر فتح تحقيق شامل فور انتهاء الأزمة، يهدف إلى كشف كافة الحقائق المتعلقة بأسباب تأخر الشحنات، ومحاسبة المسؤولين المتسببين في هذه الأزمة، اياً كانوا، مراجعة جميع الإجراءات المتبعة في عمليات الشحن لكل المعارض، لضمان منع تكرار هذه المشكلة في المستقبل، وإلزام لجنة المعارض بتقديم تقرير تفصيلي للسادة الأعضاء حول متابعة كل شحنة يشرف عليها الاتحاد، لضمان دقة التنفيذ ورفع مستوى التنسيق مع شركات الشحن وإدارات المعارض الدولية.

 

نوصي للقراءة: منع ومصادرة وقضايا ضريبية.. كيف تستهدف السلطات المصرية دار نشر المرايا؟

الأزمة ليست الأولى من نوعها

يكشف الناشر رجائي موسى، مؤسس “دار هن” للنشر والتوزيع، إلى زاوية ثالثة، أن الأزمة التي شهدها معرض الرباط الدولي للكتاب، في دورته هذا العام ليست الأولى من نوعها؛ إذ سبق أن حدث تأخير مشابه لوصول شحنات الكتب الخاصة بدور النشر المصرية، حتى اليوم الخامس من المعرض، العام الماضي، إلا أن حجم الكارثة هذا العام أكبر بكثير، مُحمّلًا اتحاد الناشرين المسؤولية كاملة عن ذلك، بسبب إدارته للأزمة؛ إذ سبق أن أُبلغ الناشرين قبل إنطلاق المعرض، بنحو 10 أيام بأنه سيحدث تأخير في وصول الشحنات البحرية للكتب، وبناءًا عليه سيتم 10% من شحنات الناشرين من الكتب عبر الجو، رغم كون التعاقد نص على شحن 30% جوًا، وهذا ما لم يحدث، كما تسلم الناشرون الشحنات الجوية قبل انتهاء المعرض بثلاثة أيام فقط، بعد رحلة طيران دامت 13 يومًا، متسائلًا عما إذا كانت الكتب قد مرت بمختلف مطارات العالم، خلال تلك الفترة؟!

ويقول لزاوية ثالثة: “شحنة الكتب التي جاءت عبر البحر، وصلتني في الرباط، بعد منتصف ليل يوم الجمعة الموافق 25 إبريل، وبالتالي لم أتمكن من عرضها في جناح دار هن، إلا في يوم السبت الـ26 من إبريل، قبيل انتهاء المعرض بيوم، وقمت برفعها بعد مرور 24 ساعة، نظرًا لانتهاء المعرض، وخلال تلك الفترة تلقينا عدّة بيانات هزيلة من الاتحاد كانت تعج بالأكاذيب والمغالطات، وعندما فاق الأمر الحد توقف الاتحاد عن إصدار البيانات لعدة أيام”.

ويضيف: “حجم الخسائر التي تكبدها الناشرون هائلة، فبالنسبة إلينا كدار نشر، تكبدنا خسائر تبلغ نحو 250 ألف جنيه مصري، إضافة للخسائر المعنوية الناجمة عن حرماننا من لقاء قُرائنا ودوائر علاقاتنا التي كونناها في المغرب، ولا أتوقع أن يفي الاتحاد بتعهداته المتعلقة بتعويضنا عن الخسائر التي لحقت بنا، وأتوقع أن نتعرض للماطلة والتهرب، وننتظر أن يتم تشكيل لجنة تحقيق محايدة تكشف حقيقة وجود فساد مالي، من عدمها، وتقرر إذا ما كان الاتحاد متورطًا ويجب إقالته، أم لا”.

صورة تظهر وصول الشحنة الجوية للكتب إلى معرض الرباط قبل يومين من انتهاء المعرض، نشرتها دار الرواق للنشر والتوزيع على صفحتها الرسمية
صورة تظهر وصول الشحنة الجوية للكتب إلى معرض الرباط قبل يومين من انتهاء المعرض، نشرتها دار الرواق للنشر والتوزيع على صفحتها الرسمية

في حين يرى الناشر محمد البعلي، مدير دار صفصافة للنشر، أن أزمة معرض الرباط أثرت بالسلب على المشاركة المصرية في المغرب، إلا أن ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك نتيجة أخطاء من شركات الشحن وكون الغرامات المالية المفروضة عليها ليست رادعة؛ إذ حدث تأخر بسيط قبل عامين في وصول كتب الناشرين المصريين إلى معرض الرباط، قبل سنتين، كما حدث تأخير مشابه في معرض أربيل للكتاب خلال العام 2019.

يقول لزاوية ثالثة: “الخسائر التجارية كبيرة ومؤسفة، والمشاركة في معارض الكتاب تحتمل مخاطر الخسارة التجارية واحتمالية تأخر وصول البضاعة، ونتمنى أن تكون لدى اتحاد الناشرين خطة لمساعدة الناشرين على تخطي الأزمة، وأن يلعب دوره كنقابة، ولا نعلم إذا كان لديه صندوق طوارئ يتولى التعويضات، إلا أن التعاقد بين الاتحاد وشركة النشر ينص على وجود غرامة مالية تتحملها الشركة، وعلى أي حال يجب على الاتحاد دراسة الأزمة جيدًا والعمل على تجنب تكرار حدوثها”.

 

نوصي للقراءة: أحمد دومة عن ديوانه “كيرلي”.. كتبته في السجن فرارًا من الهزيمة أو الانفجار

فساد مالي؟

في 21 إبريل الماضي كشف الاتحاد عن تشكيل لجنة للتحقيق في الأزمة برئاسة أحمد بدير وكيل الاتحاد، وعضوية كل من الناشرين أحمد رشاد، محمد عبد المنعم، إسلام عبد المعطي، هشام عبد الرحيم، محمود عبد النبي، محمود خلف، وليد مصطفى، وعقب ذلك أعلن الناشر إسلام عبدالمعطي، مدير دار روافد للنشر وعضو اتحاد الناشرين المصريين، انسحابه من اللجنة التي كان مقررًا عقد اجتماعها الأول في 22 إبريل المنقضي، مُلقيًا باللوم على مجلس إدارة الاتحاد وشركة الشحن، وسرعان ما اعتذر معظم أعضاء اللجنة، التي كان غالبيتها من الناشرين المتضررين، عن حضور الاجتماع، الذي اقتصر على أحمد بدير، وكيل الاتحاد ورئيس اللجنة، والناشر أحمد رشاد، ورئيس الاتحاد، فريد زهران.

يؤكد الناشر إسلام عبد المعطي، إلى زاوية ثالثة، أن أزمة معرض المغرب تكررت مرتين خلال الثلاث سنوات الأخيرة، وأنها ترجع إلى قرارات خاطئة يتخذها الشاحن نتيجة استهتار ورغبة في تحقيق مكاسب أكبر، ويصاحب ذلك إهمالًا في المتابعة من الجهة المتعاقدة معه، وهي اتحاد الناشرين المصري، مما ينتج عنه ضرر كبير للناشرين المشاركين سواء على المستوى المادي المباشر أو على مستوى الخطط المستقبلية داخل السوق المقام به المعرض. 

ويُبيّن الناشر أن التكلفة المباشرة لأي معرض للكتاب، لا تقل عن 3000 دولار، وأن هذه التكلفة لا علاقة لها بالمبيعات سواء تمت أم لم تتم؛ فهي تكلفة تتعلق بإيجار الجناح والطيران والشحن والإقامة، وأنه من المفترض أن تبلغ قيمة مبيعات دار النشر نحو ضعف هذه التكلفة على الأقل، مشيرًا إلى أن اهتزاز صورة الناشر في سوق الكتب، يضعف موقفه لدى المؤلفين والموزعين داخله، ويختلف ذلك من ناشر لآخر وباختلاف السوق، معتبرًا أن الحل لتفادي حدوث ذلك يتلخص في أمرين، الاعتراف من قبل الاتحاد بوجود خطأ، والاعتذار عنه، ثم توضيح الصورة من خلال تحقيق جاد، وهل نتج هذا الخطأ عن إهمال أم تجاوز ذلك لشبهة فساد؟، وأن يتم تطبيق العقد بكل تفاصيله مع الشاحن حتى يعرف كل الشاحنين مستقبلًا أنه لا مجال للتهاون مع من يضر بمصالح الناشرين.

من ناحيتها حمّلت اللجنة، مسؤولية أزمة معرض الرباط إلى شركة الشحن لمخالفتها الواضحة لكل التزاماتها حيال هذه الشحنة، وفشلها في الشحن في موعد مناسب يضمن وصول الشحنة قبل موعد افتتاح المعرض بمدة كافية، وفشلها في معالجة المشكلة وذلك بمخالفة بالتزامها التعاقدي بإجراء شحنات جوية عاجلة تنقل حوالي ثلث الشحنة الأصلية قبل موعد الافتتاح، مطالبة شركة الشحن بسرعة سداد مبلغ التعويض المنصوص عليه في العقد بقيمة قدرها 35 ألف جنيه بالإضافة إلى قيمة تكلفة شحنتي الطيران الثانية والثالثة التي لم تلتزم الشركة بتنفيذها.

كلفت اللجنة مدير عام الاتحاد بتقديم تقرير يجمع كافة المستندات الخاصة بالشحن بالإضافة إلى كافة المراسلات المتعلقة بهذا الموضوع، كما كلفته بمخاطبة الشاحن رسمياً للمطالبة فورا بتقرير خط سير كل الشحنات؛ سواء الجوية أو البحرية، موصيةً بمصادرة مبلغ التأمين الذي سددته شركة الشحن إلى الاتحاد، مع استدعاء ممثلها القانوني للتحقيق بشكل عاجل، وتقديم كل ما لديه من مستندات متعلقة بالشحنة، بما في ذلك الإفصاح عن المعايير أو التعليمات التي قامت شركة الشحن على أساسها باختيار الناشرين المستفيدين من الشحنة الجوية المحدودة التي وصلت بالفعل إلى المعرض، والتي أبدى عدد من الأعضاء اعتراضهم على حرمانهم منها.

كما قالت اللجنة إنها ناقشت تعويض المتضررين وتعهدت بمناقشة تدبير الموارد اللازمة لذلك مع مجلس الإدارة طبقا للقانون واللوائح الحاكمة لذلك، وعرضت البدائل المتاحة لمرتجع الكتب وقررت مناقشة الأمر في اجتماعها التالي بتشكيلها الكامل، مضيفة أنها راجعت العناصر الحاكمة للتعاقدات مع شركات الشحن وأوصت بمناقشة الأمر في اجتماعها التالي مع ضرورة وضع بعض الضوابط المالية والإدارية التى من شأنها منح الاتحاد القدرة على متابعة دقيقة للشحنات طبقا للجدول الزمني المناسب لكل معرض، مما سيؤدي إلى منع تكرار هذه الأزمة المؤسفة، بالإضافة إلى وضع قائمة سوداء بشركات الشحن غير الملتزمة والالتزام بعدم التعامل معها.

فيما يعتبر الأديب أحمد الخميسي، أن ما حدث في معرض الرباط شيٌء مخجل على كافة المستويات، لكون مصر بلدًا كبيرًا وعلاقته بالثقافة تمتد إلى 7000 عام، وليس النشر بجديد عليها ولا معارض الكتاب بجديدة عليها، لذا كان تأخر وصول الكتب إلى أصحاب دور النشر المصريين في معرض الرباط، أمرًا صادمًا، مستغربًا تعاقد اتحاد الناشرين مع شركة الشحن التي سبق لها أن أخلّت باتفاقياتها مع الاتحاد، ومع ذلك جدد الاتحاد اتفاقه مع الشركة.

ويقول لزاوية ثالثة: “من المؤسف أن تحدث مثل هذه المهزلة التي تفوح منها رائحة فساد مالي بين طرفي الموضوع، وهما: اتحاد الناشرين وشركه الشحن، ولا أدري كيف يمكن تعويض الناشرين عما حدث؟؛ لأن الخسارة في واقع الأمر ليست مادية فحسب؛ بل هي خسارة معنوية، ترجع في الأساس إلى فساد مالي.

 

نوصي للقراءة: هل أصبحت دُور النشر في مصر تُقيّم الكُتّاب بناءً على عدد متابعيهم؟

وعود بتعويض الناشرين

في 23 أبريل الماضي أعلنت لجنة التحقيق والتعويض في أزمة تأخر شحنة الناشرين المصريين للمعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط القاهرة، موافق المستشار القانوني د. حسام لطفي على الانضمام إلى اللجنة، بناءً على دعوة رئيسها، وأن اللجنة قامت بتشكيل مجموعة عمل غرضها تقدير الخسائر المالية التي تكبدها الناشرون المصريون المتضررون، تتكون من الناشرين هشام عبد الرحيم ورضا عوض، وستقوم المجموعة بالاتصال بكل ناشر متضرر لجمع كل المعلومات اللازمة لتقدير الخسائر، تمهيدًا للمطالبة بمبلغ تعويض يجبر تلك الخسائر، مطالبة في بيان لها، الأعضاء المتضررين من الواقعة أن يقوموا -خلال ما تبقى من فترة المعرض- بموافاة مجموعة العمل بعناصر التكلفة الأساسية التي تشمل: “تذاكر الطيران، الإقامة، المعيشة، إيجار الجناح ومساحته، الشحن”.

لا يتوقع أحمد جمال، مدير توزيع “ديوان الشرق للنشر”، أن يفي اتحاد الناشرين المصريين بوعوده بتعويض الدور المتضررة من أزمة معرض الرباط، رغم التصريحات المتكررة من رئيس الاتحاد وأعضاء لجنة التحقيق التي تم تشكيلها. ويُعزو جمال تشاؤمه إلى غموض الموقف حتى الآن، وإلى كون الاتحاد “ليس جهة تنفيذية عليا”.

ويُقدّر جمال الخسائر المادية التي تكبدتها كل دار نشر مصرية شاركت في المعرض وتضررت من الأزمة، بأنها تتراوح بين 5 آلاف إلى 10 آلاف دولار أمريكي، بحسب مساحة الجناح وتكاليف السفر والإقامة، فضلًا عن الخسائر المعنوية. ويقول: “القارئ المغربي شغوف بالأدب المصري، والغياب بهذا الشكل كان محرجًا”.

وفي تصريح إلى”زاوية ثالثة”، يوضح: “حتى الآن لم يتم إبلاغنا بالسبب الحقيقي. ما نعرفه أن شركة الشحن التي فازت بالمناقصة التي أجراها الاتحاد، هي التي تم تكليفها تلقائيًا، والناشرون وافقوا لأن السعر كان منخفضًا جدًا مقارنة بالشحن المنفرد. لكن المسؤولية في النهاية مشتركة. صحيح أننا شهدنا تأخيرات بسيطة في معارض سابقة، لكن ما حدث في الرباط لم يسبق له مثيل”.

في المقابل، يرد الناشر وليد مصطفى، عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين المصريين والعرب ومدير دار “المركز القومي للإصدارات القانونية”، على هذه الاتهامات. ويؤكد أن الاتحاد لم يُجبر أي من الناشرين على التعاقد مع شركة بعينها، بل أجرى مناقصة رسمية تقدمت لها ثلاث أو أربع شركات، وفازت بها شركة “البراق للاستيراد والتصدير” لأنها قدّمت أقل سعر. ويوضح أن للشركة سجل تعاملات سابق مع الاتحاد، مثل غيرها من الشركات الأخرى التي شاركت في المناقصة.

ويُضيف مصطفى، في حديثه لـ”زاوية ثالثة”، أن الاتحاد شكّل لجنة تحقيق من أعضاء مجلس الإدارة والجمعية العمومية لتقصي الحقائق، رغم انتهاء المعرض، مؤكّدًا أن الاتحاد لا يتنصّل من مسؤوليته ويعمل على تقييم شامل لما جرى.

رغم هذا، لا يخفي عدد من الناشرين تخوفهم من أن تتحول الأزمة إلى سابقة تكرّر نفسها، وسط غياب خطة واضحة لإدارة الأزمات، وشكوك متزايدة بشأن شفافية إجراءات الشحن. ويتساءل مثقفون وناشرون عن أسباب إسناد مهمة الشحن لشركة سبق أن تأخرت في مناسبات سابقة، مطالبين بمساءلة مجلس إدارة الاتحاد، بل وذهب بعضهم إلى حد المطالبة بإقالته، محمّلين إياه مسؤولية “الفشل التنظيمي” الذي مسّ صورة المشاركة المصرية في المعرض.

آية ياسر
صحافية وكاتبة وروائية مصرية حاصلة على بكالوريوس الإعلام- جامعة القاهرة.

Search