في السابع من نوفمبر الجاري، أطلق نقيب الصحفيين المصريين خالد البلشي، نداءً عاجلًا إلى كل “أحرار العالم” -حسب وصفه-، للمساهمة في تسيير قافلة تخترق الحصار الذي تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، جراء الحرب الدائرة منذ يوم السابع من أكتوبر الماضي، والتي حسب أحدث إحصائيات معلنة من وزارة الصحة الفلسطينية أدت إلى مقتل 12415 فلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية حتى يوم أمس.
وجاء نداء “البلشي” خلال كلمته التي ألقاها بالمؤتمر الصحفى للجنة توثيق جرائم الاحتلال في السابع من نوفمبر الجاري، وذلك بمقر نقابة الصحفيين بالعاصمة القاهرة. مضيفًا: “ندعو كل الأحرار والشرفاء في العالم، الذين آلمهم الحصار الوحشي المفروض على الفلسطينيين العزّل، ومشاهدة أشلاء الأطفال في غزة، التي مزقتها أسلحة الترسانة الإسرائيلية إلى التحرك في أقرب وقت ممكن من كل أماكنهم، والتجمع برفح في قافلة ضمير العالم، لإرسال رسالة واحدة تطالب بوقف الحرب، وتسعى محمية بأجسادنا جميعا لكسر الحصار القاتل، الذي تفرضه سلطة الاحتلال وآلة حربها الوحشية، التي تستهدف إبادة الفلسطينيين، وتهجيرهم بمنع وصول مواد الإغاثة لهم في واحدة من أكبر جرائم الحرب في القرن الحالي”.
ارتباك لقلة المعلومات
بعد الحشد الذي قامت به مجموعة من الصحفيين أعضاء الجمعية العمومية؛ لقى النداء الذي خرج من بين جدران نقابة الصحفيين بالقاهرة ترحيبًا وتجاوبًا كبيرًا بين النشطاء والسياسين والحقوقيين في مصر وعدد من دول العالم العربية والغربية، إذ بدأت أحزاب ومنظمات مجتمع مدني داخل مصر وناشطون ومنظمات بالخارج في الحشد للمشاركة في القافلة لوقف نزيف الدم والإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون في قطاع غزة وإدخال المساعدات الغذائية والطبية.
بعد أيام من إطلاق نقيب الصحفيين المصريين “النداء الإنساني”، دشن عدد من أعضاء الجمعية العمومية بنقابة الصحفيين استمارة إلكترونية، تم نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة ومترجمة إلى 9 لغات لاستقبال طلبات الانضمام إلى القافلة من كل دول العالم، وحددت ما بين 17-24 نوفمبر كموعد مرجح لانطلاق القافلة، “دون تفاصيل إضافية”. وهو الأمر الذي أربك كثير من الراغبين في الانضمام للقافلة؛ خاصة من خارج مصر. فوفق عدد من الناشطين الدوليين في مجال حقوق الإنسان والذين تحدثوا لـ زاوية ثالثة، مثل البرازيلي تياجو افيلا، والنمساوية دانييلا فيلا، فإن هناك تساؤلات مطروحة حول موعد القافلة وما إذا كانت السلطة في مصر ترغب في تسييرها بالفعل. يقول تياجو وهو ناشط دولي في حقوق الإنسان والبيئة: “أنا أدعم القضية الفلسطينية ومعي كثيرون من أبناء دول أمريكا اللاتينية، جئت إلى مصر من أجل الاشتراك في القافلة حسب الدعوة، لكني اضطررت إلى المغادرة أمس بعد عدم اتضاح الموقف منها بالتحديد، غادرت لكنني سأستمر في الدفاع عن غزة والتدوين بشأنها”. بينما تساءلت دانييلا – ناشطة حقوقية ومؤسسة جبهة للدفاع عن فلسطين في فيينا واستريا- حول ما إذا كان هناك عرقلة أمنية. مضيفة: “ربما إن استمر الوضع هكذا سنقوم بوقفات احتجاجية في العاصمة فيينا أمام السفارة المصرية، كنوع من الضغط لتسيير القافلة، يجب علينا أن نتحرك فورًا، الآن أنا قمت بحجز تذاكر الطيران إلى القاهرة، ولم يحدد بعد موعدًا للقافلة. ماذا أفعل؟”.
أيضًا، استجاب كثير من النشطاء والداعمين حول العالم لنداء نقيب الصحفيين، حيث دشن 23 من الأحزاب التونسية والمؤثرين، صفحة للتواصل على فيسبوك بعنوان: “التنسيقية التونسية لإسناد قافلة ضمير العالم“، يدعون فيها إلى المشاركة في القافلة والتي تمثل دروعًا بشرية تتجمع من كل أنحاء العالم عند معبر رفح المصري، لكسر الحصار على غزة -حسب وصفهم-، ومن أبرز المشاركين في التنسيقية؛ الاتحاد التونسي العام للشغل، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وجمعية المحامين الشبان، وتنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين في تونس، وحزب العمال، وقاوم من أجل بديل اشتراكي.
التصاريح الأمنية تمنع
قبل أيام قليلة جدًا من الفترة الزمنية المقترحة التي أعلن عنها القائمون عن القافلة، استقبل المشاركون الذين سجلوا عبر الاستمارة الإلكترونية رسالة على بريدهم الإلكتروني، تعلمهم بتأجيل إعلان الموعد النهائي لانطلاق القافلة بسبب ” التنسيق الأمني”. وجاء فيها: “أنه تم استقبال طلبات كثيرة من أفراد ومؤسسات وشخصيات عامة وبرلمانية ومهنية للانضمام لقافلة ضمير العالم، وكانت معظمها تطلب بشكل واضح ضمانات أمنية، وكان هذا المسار ساريا بالفعل، ما دفعنا للمبادرة بتحديد الموعد، لكن مسار التنسيق والتصاريح الأمنية اللازمة للوصول إلى معبر رفح قد تعثر في الوقت الراهن، كما تتعرض القافلة لضغوط كبيرة”. مطالبة الأجانب المهتمين والمسجلين للمشاركة، بعدم حجز تذاكر السفر للقاهرة، حتى يتم الحصول على التصاريح الأمنية اللازمة لانطلاق القافلة. كما حثّ القائمون على القافلة، المسجلين للمشاركة فيها على استمرار النشر والتدوين عن القافلة وعن القضية الفلسطينية بشكل عام.
واستجابة لطلب القائمين على القافلة باستمرار التدوين بهدف الضغط على الجهات السياسية في مصر للسماح بإطلاق القافلة، تتوالى تغريدات الصحفيين والسياسيين والنشطاء في دول عدة من بينها مصر تحت هاشتاج ” لا لعرقلة قافلة ضمير العالم”. وقد تضامنت “حملة مقاطعة إسرائيل-لبنان” مع حملة التدوين مطالبة بفتح معبر رفح وتسيير القافلة.
ردود الفعل
في اتصال هاتفي مع نقيب الصحفيين خالد البلشي للوقوف على حقيقة تعثر انطلاق القافلة وماهية الأسباب الأمنية التي تواجهها وحقيقة تنسيق النقابة مع الحركة المدنية المصرية والتي تضم عددًا من الأحزاب المعارضة للسلطة، قال: “ما تقرره النقابة يصدر عنها في بيان رسمي، وليس لدي أي تعليق إضافي الآن”. في المقابل ذكر مصدر مقرب من دوائر المعارضة فضّل عدم ذكر اسمه منعًا للملاحقة، أن القافلة تتعرض لضغوط أمنية كبيرة بهدف منعها، وبخاصة أن أكثر من 140 منظمة مجتمع مدني من مختلف دول العالم أبدوا استعدادهم للمشاركة، فيما سجل نحو 40 برلماني أوروبي، أعضاء من بينهم البرلمان الفرنسي للمشاركة أيضًا. ويضيف: “سجل للمشاركة كتّاب وفنانين ونشطاء من ما يقارب 50 دولة في العالم للمشاركة. فضلًا عن وصول نشطاء وحقوقيين بالفعل إلى مصر للمشاركة في القافلة”.
وأضاف في حديثه لـزاوية ثالثة أن هناك محاولات تقوم بها الحركة المدنية الديمقراطية والتي تضم ما يقارب 12 حزبًا سياسيًا بالتنسيق مع اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني، لإطلاق القافلة يوم الجمعة 24 نوفمبر المقبل، دون تأجيل، لكن المفاوضات لا تزال جارية ولا يعلم أحد عن ماذا ستسفر حتى اللحظة.
وحسب معلوماتنا، فإن المشاورات الدائرة الآن بين الحركة المدنية واللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني لإطلاق القافلة في موعدها المحدد 24 نوفمبر الجاري، تهدف إلى إعطاء غطاء سياسي للقافلة، للتحرك بشكل واسع في قوافل سياسية لفتح معبر رفح وكسر الحصار. تعليقًا، يقول أكرم إسماعيل القيادي بحزب العيش والحرية وعضو الحركة المدنية الديمقراطية، إن: “الحركة السياسية المصرية لابد وأن تتلقى هذه الدعوة وتسعى بكل ما تمتلك من أدوات لتفعيلها، ولذلك تم اقتراح موعد مبدئي يوم الجمعة، على أمل أن ينجح التفاوض الأمني بعد الإعلان”. مشيرًا إلى أن الحركة السياسية في مصر لابد أن تساند القافلة وتعلن عن موقفها بكل وضوح حتى مع التعثر الأمني، وإلا “سنكون مقصرين جدا في حق الشعب الفلسطيني، وإذا تم منعها أمنيًا سنعلن عن ذلك بشكل واضح”.
الأمر نفسه أكد عليه المتحدث الرسمي للحركة المدنية خالد داود، إذ قال أن الحركة بالتنسيق مع اللجنة الشعبية لدعم الشعب الفلسطيني تعمل على إطلاق القافلة. مضيفًا أن أغلب الأحزاب الموجودة في الحركة المدنية ستشارك في القافلة سواء بأعضائها أو بمساعدات تم جمعها لإرسالها إلى القطاع المحاصر.
في وقت سابق أعلنت اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني في مصر، ترتيباتها لإطلاق القافلة دون تحديد الموعد، وقالت في بيان لها إنها “تشارك للتضامن مع الشعب الفلسطيني، النداء الذي أطلقته نقابة الصحفيين المصريين، لكل شعوب العالم، للانضمام إلى قافلة ضمير العالم. كما أصدرت 6 كيانات سياسية ب6 دول عربية (الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني، حملة مقاطعة داعمي إسرائيل ” لبنان”، الحملة الوطنية الأردنية لإسقاط اتفاقية الغاز مع الكيان الصهيوني، حركة نستطيع موريتانيا، الكويت تقاطع، الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني)، بيانًا مشتركًا لدعوة الجهات المصرية السيادية المعنية لعدم عرقلة القافلة. وأكد الموقعون على البيان أنه في حال عرقلة الحكومة المصرية للقافلة سيفهم من ذلك مشاركة القاهرة في حصار غزة.
في السياق ذاته، وحسب ما وصلنا من معلومات فإن حملة المقاطعة الشعبية لإسرائيل (BDS) تستعد لإطلاق بيان يتضمن توقيعات لكيانات سياسية بعنوان “لا لعرقلة سير قافلة ضمير العالم”، وتطالب الحملة من خلال بيانها الحكومة المصرية بتسهيل إصدار التصريحات الأمنية اللازمة لسير القافلة ووصلوها إلى معبر رفح لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة. وحسب المسئولين عن الحملة فإنه في حال استجابت الحكومة المصرية، ستكون القافلة أممية، بمشاركة كل المتضامنين من دول العالم من قيادات سياسية أوروبية ومسؤولين.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتداول الحديث عن وجود عراقيل أمنية ورفض حكومة للقوافل البشرية المتجهة إلى رفح، حيث كانت الحكومة المصرية تمنح تلك الموافقات بسهولة ويسر في أوقات الانتفاضات السابقة وحتى العام 2013. فهل ستوافق السلطات المصرية على تسيير القافلة العالمية في موعدها؟