قبل أسبوع، أصيب هاشم محمد، 66 عامًا، المقيم في قرية أبو الريش بحري بمركز أسوان، بأعراض غثيان وقيء وإسهال مائي شديد استمرت لأربعة أيام. تدهورت حالته ليعاني هبوطًا حادًّا وجفافًا شديدًا، ما استدعى نقله بسيارة إسعاف إلى مستشفى الصداقة يوم الخميس الماضي. أجريت له فحوصات طبية كشفت عن انخفاض كبير في مستويات البوتاسيوم والصوديوم في الدم، وهي عناصر حيوية للحفاظ على توازن السوائل في الجسم وتنظيم وظائف القلب والعضلات. نقص هذه العناصر قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة مثل فشل الجهاز التنفسي، الغيبوبة، أو حتى الوفاة. شخّص الأطباء حالته بأنها نزلة معوية حادة.
تم حجز محمد في قسم الباطنة بالمستشفى، حيث لا يزال تحت الرعاية الطبية حتى اليوم. ورغم الجهود المبذولة، لم يتوصل الأطباء بعد إلى سبب مباشر للإصابة، لكنهم لم يستبعدوا أن تكون مياه الشرب الملوثة سببًا رئيسيًا، وفقًا لما صرحت به ابنته لـ”زاوية ثالثة”.
الحالة نفسها تقريبًا أصابت الشابة منة محمود، البالغة من العمر 17 عامًا والمقيمة في القرية نفسها. مساء يوم الاثنين، بدأت تعاني أعراض مشابهة لتلك التي أصابت محمد، إلا أن حالتها سرعان ما تفاقمت لتبدأ في التقيؤ دمًا بحلول فجر اليوم التالي، مما أدى إلى فقدانها الوعي ودخولها في غيبوبة. نُقِلَت على الفور إلى مستشفى أسوان الجامعي، حيث أجريت لها الإسعافات الأولية والفحوصات الطبية اللازمة. بعد استعادة وعيها، قرر الأطباء خروجها مع كتابة وصفة طبية لاستكمال العلاج في المنزل، نظرًا للاكتظاظ الشديد بالمستشفى، وفقًا لما ذكرته والدتها لـ”زاوية ثالثة”.
تعتقد الأم، ومعظم سكان القرية، أن تلوث مياه الشرب هو السبب وراء هذه الحالات المتكررة من المرض. ويزيد هذا الاعتقاد بعد تدهور الحالة الصحية لابنة شقيقتها، التي لا تزال محتجزة في المستشفى، بعد فشل محاولات الأسرة لعلاجها في المنزل.
تسود حالة من الذعر بين أهالي محافظة أسوان منذ 11 سبتمبر الجاري، ولا سيما في قرى أبو الريش وبعض القرى المحيطة بمركز دراو شمال أسوان، بعد انتشار أعراض مفاجئة بين العديد من السكان، شملت الإسهال المائي الشديد، الغثيان، القيء، وآلام البطن. نُقِل العديد من المصابين إلى مستشفيات الصداقة التخصصي، المسلة، الجامعة، ودراو، حيث شُخِّصُوا بنزلات معوية. ومع ذلك، تدهورت الحالة الصحية لبعض المرضى بشكل خطير، مما أدى إلى إصابتهم بجفاف شديد وتضرر وظائف الكلى، وحُجِز عدد منهم في أقسام الرعاية المركزة.
وفي تطور خطير، توفيت سبع حالات، من بينها ست حالات في يوم واحد، مما زاد حدة القلق في المنطقة، وطرح تساؤلات حول الأسباب المحتملة لهذه الإصابات المفاجئة والخطيرة.
نوصي للقراءة: حمى الضنك.. نفي حكومي وضحايا يستغيثون في الصعيد
قطع الطريق
تحكي هدى عبد الجليل، الناشطة في العمل الخيري التطوعي والمقيمة في قرية “أبو الريش بحري” بأسوان، لـ”زاوية ثالثة” أن ابنتها وابنها المراهقين يعانيان أعراض الإسهال والغثيان منذ أربعة أيام دون سبب واضح. توضح عبد الجليل أن الأسرة لم تتناول طعامًا من خارج المنزل، ولم تشتري حلوى المولد النبوي، أو تحضر احتفالاته، مشيرة إلى أن إحدى قريباتها الشابات أصيبت فجر الخميس بمغص معوي شديد صاحبه صراخ قبل أن تفقد وعيها، ونقلتها سيارة الإسعاف إلى مستشفى الصداقة.
وتضيف أن العشرات من أهالي قرية أبو الريش، من بينهم 20 شخصًا من أقاربها وأصدقائها، يعانون منذ الثلاثاء الماضي من أعراض مشابهة تشمل الإسهال الشديد، الغثيان، وآلام المعدة، وقد نُقِلُوا إلى مستشفيات أسوان التعليمي، الصداقة، والهلال الأحمر.
تشير عبد الجليل إلى أن الأهالي لا يعرفون حتى الآن سبب هذه الإصابات، إلا أنهم ينقسمون بين من يعتقد أن التلوث في مياه الشرب هو السبب، ومن يظن أن عدوى “الكوليرا” انتقلت إليهم عبر مهاجرين سودانيين. هذا القلق دفع بعض أهالي القرية إلى قطع الطريق على نحو مؤقت في محاولة للضغط على المسؤولين للتحرك وحل المشكلة، خاصة بعد حدوث حالات وفيات مرتبطة بهذه الإصابات.
كان العشرات من أهالي قرية “أبو الريش بحري” بمركز أسوان، قد أقدموا، الجمعة، على قطع الطريق احتجاجًا على الأوضاع الصحّيّة الّتي يعانيها العديد منهم، على مدار الأيّام العشرة الأخيرة، إذ يعتقدون أنّها بسبب تلوّث مياه الشرب، لا سيّما أنّهم يعانون غياب منظومة الصرف الصحّيّ، وإلقاء مخلّفات الصرف الصناعيّ لمصنع “كيما أسوان”، إضافة للصرف الصحّيّ وصرف مخرّات السيول، في مياه النيل، مطالبين بإنهاء مشروع ربط مياه الشرب بجبل شيشة إلى محطّة أبو الريش الجديدة، لحلّ مشكلة انقطاع المياه بشكل متكرّر والحصول على كوب مياه نظيف، حفاظًا على أهالي قرية أبو الريش. مطالبين بالإغلاق التامّ لمرشّح أبو الريش الحاليّ والقريب من “مصرف كيما” وضمّ القرية لمشروع حياة كريمة، لإدخال الصرف الصحّيّ وتجديد البنية التحتيّة للقرية، لإنقاذ أهالي أبو الريش من الموت.
في الوقت ذاته، تقدّم عدد من أهالي قريتي “أبو الريش، وبهريف”، بشكوى جماعيّة إلى رئاسة الوزراء، تحمّل الرقم (8678618)، أوضحوا خلالها أنّهم يعيشون في حالة هلع وخوف على حياتهم وحياة أطفالهم، ويعتقدون أنّ مياه الشرب أصبحت مصدرًا للمرض والخطر، وأنّهم يعانون بصمت، والمستشفيات تزدحم بالأهالي الّذين لا يملكون سوى الأمل في الشفاء.
اتهام شركة كيما أسوان
منذ بداية الأزمة الصحية في مركز “دراو” بأسوان، وجّه العديد من أهالي منطقة “أبو الريش/ قبلي وبحري”، أصابع الاتهام إلى شركة الصناعات الكيماوية المصرية “كيما”، التي يخوضون معها صراعًا ممتدًا يعود إلى عام 2007.
وسبق أن نظموا احتجاجات ضد الشركة منذ عام 2011، لتسببها في تلويث مياه النيل بمخلفات الصرف الصناعي؛ ما دفعهم إلى رفع دعوى قضائية عن طريق ممثلهم القانوني، حمدي الحرزاوي – وكيل نقابة المحامين بأسوان-، ضد رئيس مجلس إدارتها ومحافظ أسوان، وكل من رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزير الري، ووزير البيئة، ووزير الإسكان، ووزير المالية؛ لتشكل المحكمة لجنة معاينة لفحص نحو ثمانية كيلومترات، قبل أن تصدر محكمة القضاء الإداري بأسوان، حكمها في عام 2021، في الدعوتين (1685 لسنة 4 ق، و 4652 لسنة 4 ق)، بإلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة، لمنع تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في مخر السيل بأسوان، ومنها في نهر النيل؛ إلا أن الحكومة طعنت لدى المحكمة الإدارية العليا، ولم يُحَدَّد موعد الجلسة إلى اليوم، بحسب ما يفيد مالك عدلي – المحامي الحقوقي ومدير المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية-، إلى زاوية ثالثة،
إذ أنه يتولى ملف القضية منذ الطعن على الحكم في 2021.
وقد أكد المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، في بيان له، الأحد، أن البيانات والتصريحات التي أصدرتها وزارة الصحة والسكان والجهات المحلية في أسوان، بخصوص سلامة مياه الشرب في قرية “أبو الريش”، تتناقض مع الحكم القضائي السابق الذي أثبت تصريف مخلفات الصرف الصحي والصناعي في المنطقة ذاتها، ومنها في نهر النيل، وقضى بإلزام الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة وأخصها الوقف الفوري لأسباب التلوث وإزالتها.
في المقابل نفت شركة “كيما”، وجود علاقة لها بتلوث مياه الشرب وحدوث بعض الإصابات، مؤكّدة في بيان، أنّها تخضع للمتابعة الدوريّة من الجهات الرقابيّة على البيئة والصحّة المهنيّة، وتتبّع البرامج اللازمة للمعالجات للصرف الصناعيّ، الّذي يوجّه إلى محطّة العلاقيّ للصرف الصحّيّ، التابعة لشركة مياه الشرب الصرف الصحّيّ بأسوان.
في القضيّة ذاتها، يخوض منذ نحو 20 عامًا، المحامي مصطفى الحسن – مدير مركز هشام مبارك للقانون-، نضالًا لمكافحة مصادر تلوّث مياه الشرب في أسوان، الناتج عن تراكم النفايات ومخلّفات الصرف الصحّيّ وصرف مصنع “كيما” ومطحنة غلال جمال عبدالناصر، إضافة إلى المخلّفات الطبّيّة وصرف مستشفى الصدر ومستشفى أسوان الجامعيّ، داخل مخر السيل، الّذي يصبّ في نهر النيل بالقرب من قرى “أبو الريش” بأسوان؛ ما دفعه إلى رفع دعوى قضائيّة ضدّ مصادر تلوّث المياه، في عام 1996، مبيّنًا أنّ تقرير وزارة العدل آنذاك أوضح أنّ هناك 120 ألف متر مكعّب من الصرف الصحّيّ والصناعيّ تُلْقَى يوميًّا في مياه النيل بأسوان.
يبيّن “الحسن” في حديثه إلى زاوية ثالثة أنّ الأهالي نظّموا وقفات احتجاجيّة في عام 2011، للتنديد بتلوّث المياه؛ ما دفع وزارة البيئة للإعلان عن برنامج لعلاج المشكلة بتكلفة بلغت نحو 70 مليون جنيه، لكنّ “شابّه الفساد ما أدّى إلى تعطّله”، ودفع الأهالي لخوض معركة قضائيّة صدر لصالحهم الحكم فيها؛ إلّا أنّ الحكومة طعنت على الحكم، ولم يُحَدَّد موعدًا للجلسة منذ ثلاث سنوات.
يلفت مدير مركز هشام مبارك للقانون إلى كون أهالي قرى “أبو الريش” هم الأكثر تضرّرًا من تلوّث المياه، وأنّ غالبيّة الإصابات الأخيرة جاءت بينهم؛ ما دفعهم للاحتجاج وقطع الطريق، واستجاب عدد المسؤولين المحلّيّين لهم، ووعدوهم بالعمل على إنهاء مشروع ربط مياه الشرب بجبل “شيشة” إلى محطّة أبو الريش الجديدة، وتدشين منظومة صرف صحّيّ في القرية.
ويوضح المحامي البيئي، أحمد الصعيدي إلى زاوية ثالثة أنه يفترض أن تعمل السلطات على تحليل المجاري المائية بشكل دوري، بموجب قانون الري والصرف، وقانون صرف المتخلفات السائلة، ويرسل التحليل لوزارات الصحة والبيئة والري ومديرياتها، لاكتشاف حالات الأمراض والأوبئة؛ إلا أن النتائج يصعب الوصول إليها ويُعَتَّم عليها، لافتًا إلى كون أزمة تلوث المجاري المائية لا يُتَعَامَل معها بحلول نهائية مستدامة.
نوصي للقراءة: كارثة بيئية متجددة: مصنع سُكّر يُهدّد صحّة سكان قرية الفواريقة
الحكومة تنفي
تحدّثت “زاوية ثالثة” إلى العديد من أهالي أسوان، الّذين أكّدوا أنّهم منذ بداية الأزمة لجأوا إلى غلي مياه الشرب وشراء المياه المعدنيّة بناء على توصيات بعض الأطبّاء. كما بدأت الجمعيّات الخيريّة والمتطوّعون في إطلاق حملات لجمع التبرعات لشراء الأدوية والمحاليل وعبوّات المياه المعدنيّة للأسر الأكثر احتياجًا، وخاصّة تلك الّتي تضمّ مصابين يتلقّون العلاج في المنازل.
حصلت “زاوية ثالثة” أيضًا على صور من بعض المواطنين، تظهر تغيّرًا في لون مياه الشرب الّتي تخرج من الصنابير في بعض منازل قرية “أبو الريش”، حيث تحوّلت المياه إلى اللون الأصفر المائل للبنّيّ. ومع ذلك، تصرّ السلطات على نفي فرضيّة تلوّث المياه. وأكّد عبدالصبور الراوي، رئيس شركة مياه الشرب والصرف الصحّيّ بأسوان، في بيان أنّ جميع العيّنات المأخوذة من محطّة المياه في منطقة “أبو الريش” أو من المناطق المجاورة جاءت “سليمة وخالية من أيّ تلوّث أو سموم”. كما أعلن محافظ أسوان، إسماعيل كمال، عن تحديث منظومة الكلور في محطّة الشيخ علي بقرية “أبو الريش” لضمان أعلى درجات الأمان والسلامة في مياه الشرب ومطابقتها للمواصفات القياسيّة.
وقالت شركة مياه الشرب والصرف الصحى بأسوان، في بيان لها، الأحد، إنها أخذت عينات من جميع محطات وروافع محافظة أسوان بإجمالي 103 محطة ورافع بواسطة الجهات المركزية المختصة بتحليل المياه وجودتها، وقد أكدت على سلامة المياه من أي تلوث، وأخذت عينات من شبكات القرى محل الشكوى ومنازل المواطنين ووجدتها مطابقة وخالية من أي أشكال التلوث.
في تعليق له، أوضح البرلمانيّ أحمد صالح، النائب عن مراكز دراو وأبو سمبل وأسوان، في حديثه إلى “زاوية ثالثة” أنّه كان متواجدًا يوم الجمعة في مستشفى مركز دراو بمحافظة أسوان، لمتابعة الوضع الصحّيّ. وأكّد أنّ المستشفى استقبلت حالات مصابة بالمغص المعويّ، مشيرًا إلى أنّ الأطبّاء لم يحدّدوا بعد السبب الحقيقيّ للإصابات، لكنّهم يستبعدون أن تكون ناجمة عن تلوّث مياه الشرب، نافيًا وجود وفيات نتيجة الإصابات في المستشفى.
من جانبه، نفى محمّد سعيد، مدير عامّ الصحّة بأسوان، في تصريحات سابقة، وقوع حالات تسمّم أو وفيات بسبب تلوّث مياه الشرب داخل المحافظة. وأوضح أنّه لو كانت مياه الشرب ملوّثة، لكانت الإصابات بالآلاف. وأشار إلى أنّ الحالات المصابة تعاني نزلات معويّة بسبب فيروسات موسميّة أو تناول أطعمة ملوّثة. وفي بيان صدر السبت، أعلن وزير الصحّة، خالد عبدالغفّار، أنّه أُخِذَت عيّنات من 103 محطّات مياه في محافظة أسوان لفحصها، وتُؤُكِّد من مأمونيّة مياه الشرب في تلك المحطّات.
وفي أوّل تحرّك برلمانيّ، تقدّم عضو مجلس الشيوخ بمحافظة أسوان، خالد العوني، بطلب عاجل إلى محافظ أسوان لتشكيل لجنة من الطبّ الوقائيّ والصحّة ومعهد السموم، بهدف التحقّق من أسباب الإصابات بنزلات معويّة حادّة، وذلك بعد زيارته لمستشفى دراو المركزيّ للاطّلاع على المستجدّات المتعلّقة بحالات المصابين.
نوصي للقراءة: مضاعفات صحّيّة.. كيف يعاني سكّان شرق القاهرة من الانبعاثات البتروليّة؟
الكوليرا؟
في الوقت الّذي تؤكّد فيه السلطات أنّ مياه الشرب في أسوان خالية من التلوّث، تداول العديد من مستخدمي تطبيقات التواصل الاجتماعيّ في مصر، من بينهم أطبّاء وعاملون بالقطاع الطبّيّ، منشورات تشير إلى احتمال ظهور حالات إصابة بمرض الكوليرا في مصر. كما تُدُووِلَت فرضيّات حول انتقال العدوى عبر مهاجرين سودانيّين دخلوا إلى أسوان عبر الصحراء الجنوبيّة بطرق غير رسميّة، أو احتمال انتقال بكتيريا الكوليرا عبر نهر النيل من السودان إلى مصر.
يحكي هاني جمال، أحد السكّان المحلّيّين في أسوان، عن وجود موجات نزوح يوميّة للمهاجرين السودانيّين الّذين يدخلون إلى المحافظة بطرق غير رسميّة. ويشير إلى أنّ أعداد السودانيّين في أسوان قد ارتفعت بشكل ظاهر خلال الفترة الأخيرة.
على صعيد آخر، تفشّت الكوليرا في السودان عقب السيول الأخيرة، ممّا أدّى إلى أزمة صحّيّة في ولاية الجزيرة، وتحديدًا في مدينة “ودّ مدنيّ”، تمّ تسجيل أكثر من 300 حالة إصابة، توفّي منها أكثر من 16 شخصًا. كما سجّلت قرية “أمّ جلّود” ستّ وفيات و40 إصابة. وفي ولاية سنار، بلغت الإصابات أكثر من 300 حالة، وتجاوز عدد الوفيات 30. في منطقة المناصير، تمّ تسجيل نحو 2000 إصابة و80 حالة وفاة. كما ظهرت إصابات إضافيّة في ولاية نهر النيل، شملت 200 حالة جديدة، و70 في “عطبرة”، و52 في “بربر”، و45 في “الدامر”، وأكثر من 10 حالات في “أبوحمد”. ظهرت حالات أخرى في “شندي” و”البحيرة”، وفقًا لتقارير غرف الطوارئ في الولايات السودانيّة ومشاهدات ميدانيّة نشرتها الصحفيّة السودانيّة داليا الطاهر عبر حسابها على منصّة “إكس” (تويتر سابقًا).
وفي الفترة من مطلع العام إلى 28 يوليو 2024، تم الإبلاغ عن 307433 حالة إصابة بالكوليرا و2326 حالة وفاة في 26 دولة، وفق منظمة الصحة العالمية، إلا أن وزارة الصحة السودانية لم تعترف بالأمر إلا بعد تفشي الوباء بصورة كبيرة؛ إذ كشف وزير الصحة السوداني، هيثم محمد إبراهيم، في منتصف أغسطس المنقضي، عن ارتفاع عدد الإصابات بالكوليرا إلى 354 إصابة، معلنًا وفاة 22 من المصابين وأن ولايتي كسلا والقضارف بشرق السودان الأكثر تضررا من الوباء، بسبب تدهور الأوضاع البيئية، والمياه غير الصالحة للشرب.
وتعرف منظمة الصحة العالمية الكوليرا بأنها مرض إسهال حاد يمكن أن يقتل في غضون ساعات إذا لم يُعالج، وهي مرض متعلق بالفقر، يصيب الأشخاص الذين لا يحصلون على ما يكفي من المياه المأمونة والمرافق الصحية الأساسية، مقدرة عدد الإصابات السنوية بالكوليرا بنحو 1.3 إلى 4.0 ملايين إصابة، والوفيات بين 21 ألف إلى 143 ألف وفاة في جميع أنحاء العالم.
وكان مساعد وزير الصحة المصري، حسام عبد الغفار، قد أعلن في تصريحات صحفية خلال أغسطس الماضي، عن رفع درجة التأهب والترصد المكثّف بالمنافذ البرية مع السودان، وتشديد الإجراءات الاحترازية بالمطارات، لمواجهة تفشي الكوليرا في السودان.
نوصي للقراءة: كوارث بيئية تهدد أهالي بني سويف الجديدة
حالات إيجابية؟
في الوقت الذي نفى فيه إسماعيل كمال – محافظ أسوان-، أن تكون التحاليل التي يتم إجراؤها للمصابين بنزلات معوية في أسوان، قد أثبتت وجود أي حالة مصابة بالكوليرا، أفادت بعض المصادر من الأهالي والقطاع الطبي لـ”زاوية ثالثة” بظهور نتائج إيجابية لبعض مسحات المرضى، لكننا لم نتمكن من الحصول على أي وثائق أو تأكيد رسمي لهذه النتائج.
يحكي محمّد جمعة، من أهالي قرية أبو الريش، وزوج المصابة منى صالح الّتي تخضع للعناية المركّزة في مستشفى أسوان الجامعيّ، أنّ زوجته الحامل في شهرها الثالث أصيبت بإسهال مائيّ شديد وفقدان للوعي يوم الثلاثاء الماضي. نُقِلَت بسيّارة الإسعاف إلى مستشفى الصداقة حيث تلقّت العلاج الأوّليّ وعادت إلى المنزل، لكنّها استمرّت في المعاناة؛ ممّا دفع زوجها إلى نقلها لعيادة خاصّة. هناك، رأى الطبيب ضرورة تحويلها إلى العناية المركّزة في مستشفى أسوان الجامعيّ.
في المستشفى الجامعيّ، خضعت منى لفحوصات متعدّدة بين أقسام الاستقبال، النساء والولادة، وأمراض الباطنة، حيث أظهرت الفحوصات تدهورًا في وظائف الكلى. وتحدّث جمعة عن أنّ الأطبّاء في المستشفى أخبروه بإجراء مسحة لزوجته، وأفادوا بأنّها مصابة بالكوليرا، لكنّه أكّد أنّه لم يحصل على أيّ إثبات رسميّ لهذه المعلومة.
وفي حادثة مشابهة، تحدّثت “زاوية ثالثة” إلى قريبة الشابّ الثلاثينيّ علاء نصر من قرية الجعافرة بمركز دراو، الّذي كان يعاني الأعراض نفسها، ونُقِل إلى مستشفى أسوان الجامعيّ بعد تدهور حالته، حيث توفّي هناك. زعمت قريبة نصر، الّتي فضّلت عدم ذكر اسمها، أنّ الأطبّاء أجروا له مسحة، وأبلغوهم بنتيجة إيجابيّة للإصابة بالكوليرا، وطلبوا منهم عدم الإعلان عن الأمر.
كما تحدّثت “زاوية ثالثة” مع ممرّضة في مستشفى أسوان الجامعيّ، الّتي أوضحت أنّ بعض الإصابات تبدأ بآلام في المعدة وغثيان وإسهال، لكنّ حالات معيّنة تتدهور لتصل إلى الجفاف الحادّ وتدهور وظائف الكلى. وأشارت إلى أنّ الأطبّاء اشتبهوا في وجود إصابات بالكوليرا بعد ملاحظة ارتفاع معدّلات اليوريا والكرياتين في الدم لدى بعض المرضى، ممّا دفعهم لإرسال عيّنات إلى مديريّة الطبّ الوقائيّ. وأضافت أنّ أربعة من هذه الحالات أظهرت نتائج إيجابيّة، لكن طلب من الطاقم الطبّيّ التكتّم على الأمر.
وبحسب الممرّضة، يعتقد أنّ المرض ينتقل عبر التلامس والأحواض الملوّثة، وليس فقط من خلال المياه، ممّا يستدعي اتّخاذ الاحتياطات اللازمة مثل غسل اليدين بشكل مستمرّ واستخدام المياه المعدنيّة. كما أشارت إلى أنّ مستشفيات الصداقة والمسلّة قد تتحوّل إلى مستشفيات عزل، بناء على معلومات لم تُؤَكَّد رسميًّا.
لم تتمكّن زاوية ثالثة من التحقّق من صحّة المعلومات الّتي أفادت بها الممرّضة، غير أنّ صحيفة الوفد كانت قد نشرت، مساء أمس الأحد، خبرًا يفيد بتحوّل مستشفى الصداقة إلى عزل صحّيّ خلال ساعات، لكنّها حذفت الخبر بعد وقت قصير.
وتتناقض شهادات الأهالي وبعض العاملين بالمجال الطبّيّ مع الرواية الرسميّة لوزير الصحة الّذي يعزو الإصابات إلى النزلات المعويّة الحادّة.
وبسؤاله عن مدى توفّر وفاعليّة لقاحات مرض الكوليرا في مصر، يؤكّد أمجد الحدّاد – رئيس قسم الحساسيّة والمناعة بالمصلّ واللقاح-، أنّها لا تعطي مناعة طويلة الأمد؛ ومن ثم لا تستخدم إلّا في حالة وجود وبائيّات، أو قبل السفر إلى مناطق موبؤة، وهي عبارة عن نقط تُوضَع تحت اللسان، وتمنح من عمر سنتين إلى خمس سنوات ثلاث جرعات منها، وجرعتين للأعمار فوق خمس سنوات، بفاصل يتراوح بين أسبوعين إلى شهر، ويعطي اللقاح مناعة بنسبة 85%، خلال الأشهر الستّة الأولى، وتقلّ المناعة تدريجيًّا لتصل إلى 50% خلال عامين، مشيرًا إلى أنّ اللقاحات متوفّرة لدى وزارة الصحّة والمراكز الصحّيّة، ولا يُعَمَّم أخذه للجميع أو بصورة إلزاميّة، وهو مرتبط فقط بالوبائيّات.
ولا تعدّ تلك المرّة الأولى الّتي يتردّد فيها الحديث عن الكوليرا في مصر، وتنفيه السلطات، إذ تردّدت في عام 2016، أنباء تفيد بظهور مرض الكوليرا في محافظة أسوان بعد ظهور حالات لها في السودان؛ إلّا أنّ مركز المعلومات ودعم اتّخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء اعتبرها مجرّد شائعات لا أساس لها من الصحّة، هدفها إثارة البلبلة لدى المواطنين، مؤكّدًا أنّ مستشفيات محافظة أسوان بالكامل لم تستقبل أيّة حالة إصابة بهذا المرض، وأنّ الصحّة اتّخذت كافّة التدابير والإجراءات الوقائيّة اللازمة لمواجهة مرض الكوليرا ومنع انتقاله من السودان، وشُدِّدَت الإجراءات الصحّيّة على منافذ الدخول والخروج بميناء السدّ العالي ومطاري أسوان وأبو سمبل وإعدام أيّ أغذية أو كمّيّات من المياه قادمة من السودان من خلال لجان الحجر الصحّيّ.
شهدت مصر أوّل انتشار لمرض الكوليرا في عام 1831، وتكرّرت موجات انتشار الوباء في عدّة أعوام لاحقة، منها 1834، 1850، 1855، 1865، 1883، 1895، 1902، و1947. وأسفر الوباء خلال هذه الفترات عن وفاة نحو 150 ألف شخص.
ورغم نفي السلطات الصحّيّة لوجود حالات كوليرا في مصر، وعدم الكشف عن دليل قاطع يؤكّد الشهادات والتدوينات الّتي تزعم أنّ الكوليرا ظهرت بأسوان، أو ينفيها؛ فإنّ المخاوف لا تزال قائمة بين قطاع كبير من المصريّين من احتماليّة كون الحكومة تتعمّد التكتّم على الإصابات، والّتي يمكن أن تتحوّل إلى وباء كما حدث في السودان، ويتّهم البعض عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ، السلطات الصحّيّة بأنّها أخفت حقيقة أعداد إصابات ووفيات فيروس كورونا في بدايتها؛ ما أدّى إلى زيادة انتشار الفيروس وزيادة أعداد الضحايا.
نوصي للقراءة: الري بمياه الصرف الصحي يهدد الأمن الغذائي في القليوبية