عقد البرلمان المصري صباح الثلاثاء، الجلسة الأولى بدور الانعقاد الخامسة، وهي الأخيرة في الفصل التشريعي الثاني، وتستمر لمدة تسعة أشهر، في الوقت الذي تشهد أوساط سياسية وحزبية حالة من الجدل الكبير حول العديد من القوانين المفترض مناقشتها خلال تلك الفترة، لعل أبرزها قانون الإجراءات الجنائية، الذي أثار جدلًا واسعًا منذ البدء بمناقشته خلال جلسات الحوار الوطني ثم داخل اللجنة التشريعية في البرلمان التي أحالته بدورها للمناقشة العامة، كما سيناقش البرلمان عدة قوانين هامة، منها قوانين المرور، وتنظيم العمل، وتنظيم زراعة الأعضاء البشرية، إضافة إلى توقعات حول احتمال مناقشة تعديلات على قانون تنظيم الانتخابات والمجالس المحلية.
كانت وزارة المجالس النيابية والتواصل السياسي، أعلنت مطلع الأسبوع الجاري أن الرئيس عبدالفتاح السيسي بموجب صلاحياته الدستورية قد دعا مجلس النواب للانعقاد في الأول من أكتوبر، لافتتاح دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني، كما دعا رئيس الجمهورية مجلس الشيوخ للانعقاد يوم الأربعاء 2 أكتوبر، لافتتاح دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الأول.
وتنص المادة 115 من الدستور على أن يدعو رئيس الجمهورية للانعقاد للدور العادي السنوي قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر، فإذا لم تتم الدعوة، يجتمع المجلس بحكم الدستور في اليوم المذكور، ويستمر دور الانعقاد العادي لمدة تسعة أشهر على الأقل، ويفض رئيس الجمهورية دور الانعقاد بعد موافقة المجلس، ولا يجوز ذلك للمجلس قبل اعتماد الموازنة العامة للدولة.
وتنص المادة 274 من اللائحة الداخلية لمجلس النواب على :”يدعو رئيس الجمهورية مجلس النواب للانعقاد للدور العادي السنوي قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر، فإذا لم تتم الدعوة، يجتمع المجلس بحكم الدستور في اليوم المذكور. ويستمر دور الانعقاد العادي لمدة تسعة أشهر على الأقل، ما لم يكن المجلس قد بدأ عمله في تاريخ لا يسمح بانقضاء المدة المشار إليها، ويفض رئيس الجمهورية دور الانعقاد بعد موافقة المجلس، ولا يجوز ذلك للمجلس قبل اعتماد الموازنة العامة للدولة”.
أما المادة 158 من اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ، فتنص على :”يدعو رئيس الجمهورية مجلس الشيوخ للانعقاد للدور العادي السنوي قبل يوم الخميس الأول من شهر أكتوبر، فإذا لم تتم الدعوة، يجتمع المجلس بحكم الدستور في اليوم المذكور، ويستمر دور الانعقاد العادي لمدة تسعة أشهر على الأقل، ما لم يكن المجلس قد بدأ عمله في تاريخ لا يسمح بانقضاء المدة المشار إليه”.
وخلال كلمته في الجلسة العامة لدور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني، أكد المستشار حنفي جبالي – رئيس مجلس النواب-، تعهد المجلس باستكمال صياغة تشريعات تدعم حقوق المواطن ويعزز دوره الرقابي، مشددًا على أهمية التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية كضمانة للتنمية، كما برزت السياسة الخارجية كعنوان هام للجلسة، في ضوء التوترات الإقليمية الراهنة، إذ أكد الجبالي على دعم قضية فلسطين، مشيرًا إلى انتهاكات قوات الاحتلال الإسرائيلي ودعم مصر للفلسطينيين، وأشاد بموقف الرئيس المصري ضد تصفية القضية.
في سياق آخر، حذر من الوضع في لبنان واعتبره انتهاكًا للسيادة، مثمنًا قرار تقديم مساعدات طبية، وطالب المجتمع الدولي بوقف الانتهاكات الإسرائيلية، وأكد دعم مصر لاستقرار ليبيا وتقديم العون للسودان، كما انتقد السياسات الإثيوبية بشأن سد النهضة، مبرزًا أهمية الأمن المائي المصري، وشكر الرئيس السيسي على قيادته الحكيمة، مؤكدًا دعم جهود إحلال السلام والتنمية في المنطقة.
نوصي للقراءة: جلسة برلمانية طارئة ضد تهجير الفلسطينيين إلى سيناء
ماذا ينتظر المصريون من البرلمان؟
يرتقب أن تشهد الدورة الخامسة نهاية الفصل التشريعي الثاني والأخير للبرلمان، مناقشة العديد من القوانين، في مقدمتها قانون الإجراءات الجنائية المُحال من جانب اللجنة التشريعية في دور الانعقاد الرابع، كما سيناقش المجلس، وفق أجندته التشريعية، قانون التعاون الموحد، كذلك مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون المرور الصادر بالقانون رقم 66 لسنة 1973، وتعديل بعض أحكام القانون رقم 5 لسنة 2010 بشأن تنظيم زرع الأعضاء البشرية، وتعديل بعض أحكام قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972، بتعديل بعض أحكام القانون رقم 175 لسنة 2018 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات الذي أحيل إلى لجنة مشتركة من لجان الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، الشئون الدستورية والتشريعية، والدفاع والأمن القومي.
وحول الأجندة التشريعية للمجلس خلال دور الانعقاد الجديدة، تقول النائبة إيرين سعد في حديثها إلى زاوية ثالثة إن “قانون الإجراءات الجنائية يأتي على رأس الأجندة التشريعية، وهو من أهم وأكبر القوانين ويتوقع استمرار مناقشته على نحو واسع، كما يتوقع أن يناقش المجلس قانون المسؤولية الطبية، الذي يُعتبر من القوانين المجتمعية الحيوية، ويفترض أن يعالج قضايا مهمة تتعلق بمسؤوليات الأطباء والممارسين الصحيين، ويهدف إلى حماية حقوق المرضى وضمان تقديم خدمات طبية آمنة وفعالة. إن إصدار هذا القانون سيعزز ثقة المواطنين في النظام الصحي.”
وتؤكد أن المجلس يعمل بجد على إعداد هذين القانونين، حتى خلال فترات الإجازة؛ ما يدل على الالتزام الحقيقي من الأعضاء لإخراج هذه التشريعات بأفضل صورة ممكنة، مشيرة إلى صعوبة التنبؤ بالأجندة التشريعية في الوقت الراهن، لكن بشكل عام يمكن القول إن الأجندة التشريعية حافلة بالعديد من القوانين.
من جانبه، يقول عبد المنعم إمام – عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل- في حديثه معنا إن قوانين الإجراءات الجنائية والعمل وقانون الانتخابات على رأس الأجندة التشريعية لمجلس النواب خلال دور الانعقاد الراهنة، كما يتصدر الملف الاقتصادي الاهتمام باعتباره أولوية للمواطن المصري في الوقت الراهن؛ لتخفيف الأعباء المالية على الشارع في ضوء الأزمات المتواترة.
ويضيف: “الملف الاقتصادي سيكون محور الاهتمام. لدينا توجه نحو نظام ضريبي جديد لتحقيق العدالة، وأتوقع أن تشمل التعديلات قوانين مهمة مثل قانون الضريبة على القيمة المضافة، والضريبة على الدخل. ومن الضروري أن نكون حذرين لأن أي زيادة في الضرائب ستؤثر سلبًا على المواطنين الذين يعانون من الأعباء المعيشية، هناك أكثر من 10 إلى 12 قانون متعلق بالاقتصاد ويأثرّون بشكل مباشر أو غير مباشر على المصروفات، وعلى كافة السلع والخدمات. يجب أن نكون واعين لتأثير هذه القوانين على حياة الناس اليومية. وأتمنى أن تنجح الحكومة في عدم زيادة الأعباء، بل تسعى للتخفيف عن المواطنين، خاصة في ظل الإجراءات التي تتبناها مصر مع صندوق النقد الدولي، كما يجب أن نبحث عن حلول حقيقية تخفف من الأعباء على الطبقات الأقل دخلًا، ومن المهم أن نأخذ بعين الاعتبار واقع المواطن الذي يعاني من ارتفاع الأسعار.”
نوصي للقراءة: تحت وطأة التضخم: كيف تخلى مصريون عن سلع أساسية لمواجهة ارتفاع الأسعار؟
قنابل موقوتة تحت القبة
يثير قانون الإجراءات الجنائية، الذي أقرته اللجنة التشريعية بالمجلس في سبتمبر الماضي، حالة من الجدل المجتمعي بسبب نصوص يراها مراقبون وحقوقيون مقيدة للحريات، ومن بينها المادة (267) من مشروع القانون، الخاصة بحظر نشر أخبار عن وقائع الجلسات، والمادة (266)، التي تحظر نقل وقائع الجلسات أو بثها بأي طريقة، إلا بموافقة كتابية من رئيس الدائرة بعد إذن من النيابة العامة.
أيضًا- المادة رقم (15) التي تجيز لمحكمة الجنايات بدرجتيها أو محكمة النقض أن تقيم دعوى جنائية على الفاعل، إذا وقعت أفعال خارج الجلسة، من شأنها التأثير على الشهود أو الإخلال بأوامر المحكمة، والمادة (13) التي تفيد بإباحة الحق لمحكمة الجنايات أول درجة أن تضم متهمين جدد للدعوى وتحيلهم إلى النيابة العامة للتحقيق، إضافة إلى عدد من المواد التي اعتبرها البعض ضارة بالعدالة المتعلقة بالتوسع في صلاحيات جهات الضبط القضائي ومنحها صفة التحقيق في مراكز الاحتجاز.
من جهته، يرى الكاتب الصحفي والسياسي المصري خالد داوود، أنه من المفترض أن يمثل قانون الإجراءات الجنائية أولوية قصوى على أجندة البرلمان خلال دور الانعقاد الحالية، نظرًا لاتصاله المباشر بأزمة تتعلق بالحريات وإجراءات الحبس الاحتياطي والحقوق والحريات العامة، وكان يرتقب في ضوء مناقشات اللجنة التشريعية ومن قبلها لجنة الحوار الوطني، تقليص مساحة التضييق على الحريات وحقوق المواطنين، وتوفير ضمانات قانونية لمسألة الحبس الاحتياطي، لكن ما حدث، في ضوء المناقشات السابقة، هو توسيع للإجراءات التي تضع قيودًا على المواطنين، وبالتالي اختلفت أجندة الأولويات تمامًا وبات من الضروري خلال الأسابيع المقبلة طرح مناقشة عامة بهدف إعادة النظر في كافة التعديلات التي تم إجراؤها على القانون قبل نهاية دور الانعقاد الرابع.
ويقول “داود” في حديثه إلى زاوية ثالثة: “يجب إعادة النظر في كافة التعديلات و الالتزام بالتوصيات الصادرة من أعضاء مجلس الحوار الوطني فيما يتعلق بمواد الحبس الاحتياطي، ومنح القانون فرصة للمناقشة بشكل واسع، بعيدًا عن الطريقة التي تم طرحه ومناقشته بها داخل اللجنة التشريعية في دور الانعقاد الفائت، والبعد عن الاتهامات التي ساقتها اللجنة ضد كل من ينتقد القانون بمحاولة إثارة حالة من عدم الاستقرار أو التشكيك في وطنيته، وغيرها من الاتهامات التي وردت في بيانات اللجنة التشريعية المختلفة.”
ويضيف: “نتمنى من البرلمان أن يتمهل في النظر بالقانون ومناقشته بشكل واسع واستيعاب كافة الآراء، مع التأكيد على ضرورة الاستفادة من التوصيات الواردة من لجنة الحوار الوطني، وأيضًا التوصيات الخاصة بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، هناك إجماع على ضرورة مراجعة المواد المتعلقة بمواد الحبس الاحتياطي في سبيل حماية حقوق المواطنين، وليس وضع المزيد من القيود”.
في إطار الدعوة الأخيرة التي وجهت من جانب لجان الحوار الوطني بمناقشة تحويل الدعم العيني إلى دعم نقدي، يتوقع “داود” أن يطرح البرلمان القضية بشكل موسع، متمنيًا أن يتمهل البرلمان بمناقشة القضية، خاصة أنها تمس مصالح المواطن البسيط بشكل مباشر، فيما تشير التقديرات إلى أن نحو 70 مليون مواطن يتلقون الدعم العيني شهريًا، كلهم من أبناء الطبقات البسيطة؛ ما يحتم على البرلمان إعادة النظر في هذا المطلب خاصة في ضوء الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها المواطنين.
يُفترض على البرلمان المقبل، وفق داود، أن يبحث عن بدائل لزيادة مصادر الدخل دون فرض مزيد من الأعباء على المواطنين، من خلال رفع الأسعار أو إلغاء الدعم أو ما شابه من إجراءات، تمس الغالبية العظمى من محدودي ومتوسطي الدخل، كما يتم بحث آلية لمشاركة الفئات الأكثر دخلًا في تحمل النفقات المتعلقة بالأزمة الاقتصادية، مثلًا بحث فرض ضريبة على أرباح رأس المال، وهو أمر ضروري في ضوء تحمل الفقراء ومحدودي الدخل خلال الفترة الماضية الكثير من الأعباء المتعلقة بالأزمة، يتوجب على البرلمان إقرار تشريعات لإشراك الفئات الأكثر ثراء في هذه المنظومة، وفي المقابل التخفيف على الفئات الأكثر احتياجًا.
ويحذر البرلماني المصري ضياء الدين داود من أن يؤدي إلغاء الدعم العيني في حال إقراره إلى عواقب وخيمة تتعلق برفع منسوب الغضب وعدم رضاء المواطنين عن الأداء الحكومي، خاصة في ضوء الارتفاعات غير المسبوقة لأسعار السلع الأساسية، مشيرًا إلى أن عملية تحويل الدعم العيني على السلع والمنتجات، خاصة المواد الغذائية المرتبط أصلًا بسعر الدولار، يضع أمام المواطن أعباء إضافية تتعلق بطعامه بشكل أساسي، خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية التي يحتاجها المواطن بشكل أساسي.
وقال داود في تصريح سابق إلى زاوية ثالثة إن مطالب المواطنين في ثورتي 25 يناير و30 يونيو ارتبطت بشكل وثيق بتحقيق العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي، وانهيار تلك المنظومة يعني وضع الدولة برمتها في مواجهة المواطن. يضيف: “أظن أنه ليس هناك من يمكنه تحمل الكلفة الأمنية التي قد تترتب على وقوع أي نوع من حالات الهياج الاجتماعي نتيجة تدهور الظروف الاقتصادية، رغم أن الناس تحملت صدمات وزلازل وبراكين نتيجة الإدارة الخاطئة للملف الاقتصادي خلال السنوات الماضية.”
كما أكد ضياء الدين داود رفضه القاطع لمقترح تحويل الدعم العيني إلى نقدي، خلال طرحه في البرلمان منذ عام 2016، متوقعًا ألا تقدم الحكومة على مثل هذه الخطوة في القريب العاجل، نظرًا لما تحمله من تداعيات خطيرة على حالة السلم الاجتماعي، مستدلًا على ذلك بالتردد فيما يتعلق برفع سعر الخبز المدعم، وعدم قدرة الحكومة على إقرار الزيادات إلا بعد نحو ثلاث سنوات من المناقشات.
وهنا تجدر الإشارة إلى تحركات سياسية أخرى من جانب جهات رسمية بهدف التمهيد لإلغاء الدعم العيني، إذ أقيمت ندوة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، مساء الأحد، تحت عنوان: “كيف يشكل الدعم النقدي استهدافًا أفضل للمستحقين.. النقدي أفضل أم العيني”. والتي طرحت مميزات التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي، واستعرض الأهداف الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة بهذا التحول، وقد ركز المشاركون في الصالون على كيفية تحسين الكفاءة الاقتصادية من خلال الدعم النقدي، مؤكدين أنه يمكن أن يقلل من الهدر والفساد في نظام توزيع السلع، وقد أشاروا إلى أن الدعم العيني غالبًا ما يؤدي إلى مشاكل في التوزيع، مما ينعكس سلبًا على المستفيدين الفعليين. وأكد المتحدثون أهمية ضمان وصول الدعم النقدي إلى الفئات الأكثر احتياجًا، وهو ما يتطلب تطوير آليات فعالة لمراقبة توزيع الدعم.
نوصي للقراءة: مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد: خطوة نحو العدالة أم تقييد للحريات
غياب الدور الرقابي
خلال دور الانعقاد الماضي (أكتوبر 2023- يوليو 2024) أقر المجلس نحو (175) قانونًا تضمنت (1805) مادة؛ من أبرزها قانون زيادة علاوة غلاء المعيشة للموظفين، وزيادة المنحة الاستثنائية للعاملين في القطاع العام، وقانون منح تسهيلات للمصريين في الخارج، إضافة إلى تعديلات على بعض القوانين المتعلقة بالاستيراد والتأمينات الاجتماعية. وأقر المجلس قوانينًا متعلقة بالاستثمار وحماية الطفولة والتصالح في مخالفات البناء.
فيما يتعلق بالاتفاقيات الدولية، ناقش وأقر المجلس (38) اتفاقية تهدف إلى دعم المناطق الأكثر احتياجًا وتعزيز الاقتصاد الوطني، على الصعيد الرقابي، ناقش المجلس (2016) أداة رقابية خلال الجلسات العامة، وعقدت اللجان النوعية (2327) اجتماعًا، وناقشت (1782) طلب إحاطة، مع القيام بعدد من الزيارات الميدانية للوقوف على المشكلات الفعلية.
ويواجه أداء البرلمان المصري انتقادات كبيرة تتعلق بضعف الدور الرقابي، وعدم مواءمة التشريعات مع تطلعات الشارع المصري، فيما تشير استطلاعات الرأي، حديثًا إلى تراجع ثقة الشارع المصري في البرلمان، ويعزي استطلاع أجرته صحيفة أخبار الغد الأسباب في ذلك إلى التشريعات التي وصفت بأنها تستهدف زيادة العبء المالي على المواطن العادي، من خلال رفع أسعار الخدمات والمرافق الأساسية التي تمس الحياة اليومية لكل فرد في المجتمع المصري، كذلك أثارت قوانين أخرى جدلاً كبيرًا بسبب ما وصفه المشاركون في الاستطلاع بأنها قوانين تقيد حرية التعبير وتكبل حقوق المواطنين، ما خلق موجة من الغضب الشعبي تجاه النواب، إذ يرى المواطنون أن هذه القوانين لم تراعِ مصالحهم بقدر ما خدمت مصالح النخبة السياسية والحكومية.
وفيما يتعلق بأداء البرلمان خلال الدورات السابقة، يرى خالد داود أن البرلمان، بسبب قوانين الانتخابات، التي تم انتخاب أعضاءه وفقًا لها، لم يقدم أي دور رقابي أو تشريعي، بشكل يسمح بمناقشة واسعة وحرة، وذلك نظرًا لـ تحكم أحزاب الموالاة بأغلبية داخل المجلس، وعلى مدار خمس سنوات لم يشهد البرلمان استجوابات أو اسئلة حقيقية للحكومة، وهو أمر غريب يحدث ربما للمرة الأولى، مضيفًا: “نأمل أن تكون من أولويات البرلمان في دور الانعقاد الأخيرة له إعادة النظر، ضمن أجندته التشريعية في قوانين الانتخابات، والمجالس النيابية والعودة للقائمة النسبية أملًا في أن يتم انتخاب أفضل ومتنوع خلال الانتخابات المقبلة، وإلا سنجد انفسنا أمام نسخة جديدة من البرلمان الحالي الذي يعتبر أن دوره قاصر فقط على إقرار الأجندة التي تطلبها منه الحكومة، دون ممارسة أي دور تشريعي ورقابي حقيقي، خاصة فيما يتعلق بقرارات الإنفاق الحكومي، التي باتت لها أولوية في ضوء الأزمة الاقتصادية التي نعيشها مؤخرًا.”
ويقول عضو المجلس الرئاسي لحزب المحافظين والقيادي بالحركة المدنية، طلعت خليل، إن البرلمان لم يتعامل بشكل جيد مع ما يمر به المواطن المصري من ظروف قاسية. المواطن تم الضغط عليه بالعديد من الأمور الاقتصادية لم يعالجها البرلمان بشكل جيد، ولاسيما من بعض الجهات الحكومية، دون أن يتم التعامل معها بشكل مناسب. مؤكدًا: “اليوم، لا توجد محاسبة لـ الحكومة على عدم جذب الاستثمارات؛ ما أدى إلى تفاقم معدلات البطالة بشكل خطير”.
ويضيف: “البرلمان لم يتعامل بشكل جيد مع قضايا حيوية مثل أزمة سد النهضة، لم نسمع عن أي تحرك من البرلمان تجاه هذه القضية التي تمثل أمن مصر القومي ومعركة الوجود، كما أن البرلمان لم يتصدى لمشكلات الديون والقروض التي تحصل عليها الحكومة، ودائمًا ما يوافق على القروض دون محاسبة، ما أدخلنا في أزمة غير مسبوقة في كيفية سداد هذه الديون، كذلك البرلمان لم يمارس دوره الرقابي على أداء الحكومة المترهل، في كافة نواحي الحياة سواء في ما يتعلق بالارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات أو في مسألة السفه الحكومي الذي يثقل الميزانية العامة للدولة في العلمين والمهرجانات.
ويتابع: “كما أن هناك قضايا خارجية تهدد الأمن القومي، مثل الأوضاع في السودان وغزة، لا يتعرض لها البرلمان من قريب أو من بعيد، رغم أهميتها الشديدة للأمن القومي المصري، كذلك لم نجد أي محاسبة لـ الحكومة على كيفية التعامل مع هذه الملفات.”
وفيما يتعلق بالأجندة التشريعية خلال دور الانعقاد الجديدة وعلى رأسها مناقشات قانون الإجراءات الجنائية يقول خليل: “فيما يتعلق بقانون الإجراءات الجنائية، فهذا القانون يأتي من بين القوانين السيئة التي تم إقرارها في السنوات العشر الأخيرة،يجب أن يهدف هذا القانون إلى حماية حقوق المتهم، لكن ما يحدث هو وضع رقابة غير طبيعية على المواطنين ومنح السلطات التنفيذية صلاحيات قضائية كبيرة، المواطن المصري يعاني بشدة، والبرلمان لا يتصدى لـ تحدياته. أتوقع أن تستمر هذه المشكلات في الأدوار القادمة، لكنني آمل أن نتمكن من تحقيق التغيير الإيجابي في المستقبل.”
في سياق متصل يعزو الكاتب البرلماني محمود نفادي، أسباب تراجع البرلمان عن دوره الرقابي إلى نظام الانتخابات، ويقول خلال ندوة عقدها مركز “رع” للدراسات في يناير الماضي إن “الأنظمة الانتخابية التي سارت عليها مصر، لم تفرز برلمانات قوية نتيجة أسباب مرتبطة بقدرة المجلس على القيام لدوره منفردًا، متوقعا نفادى أن انتخابات برلمان 2025 قد تجمع بين نظام القائمة المطلقة والنسبية والفردي، مؤكدًا أن تشكيل القائمة الوطنية الموحدة في انتخابات البرلمان الحالي، التي تضم 18 حزبًا، أثرت سلبيا على وجود معارضة حقيقية تحت قبة البرلمان، قائلا أن هذه القائمة لم تعكس حالة النخب السياسية الموجودة في مصر.”
نوصي للقراءة: اتفقنا على أن لا نتفق… كواليس انشقاقات المعارضة المصرية
انتقادات لملف الحقوق والحريات
يواجه البرلمان انتقادات تتعلق بالملف الحقوقي، فضلًا عن القوانين التي تمثل عبء اقتصادي على المواطنين، وتشير دراسة صادرة عن مركز ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان إلى أن مجلس النواب نجح فعليًا في تحقيق 9% فقط من المتوقع تحقيقه على مدار أكثر من عامين، فيما يتعلق بدوره وفق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، وذلك عن طريق الموافقة على ثلاثة تشريعات، وهو معدل بطيء للغاية، بينما نجح مجلس النواب في إثارة النقاش حول عدد 10 موضوعات أخرى، بما يمثل 30% من إجمالي الموضوعات المستهدفة، في حين لم يتم تسليط الضوء على حوالي 61% من إجمالي التشريعات المستهدفة، ما يعكس في النهاية وجود قصور ملحوظ في أداء مجلس النواب تجاه تحقيق الأهداف المطلوبة.
بالمقابل، تستهدف الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان إصدار وتعديل قرابة (33) تشريعًا يخدم تحقيق النتائج المستهدفة في المحاور الأربعة للاستراتيجية، لذلك تعتمد الدراسة على متابعة ما قام به مجلس النواب تجاه هذه التشريعات، سواء في مرحلة الاقتراح أو المناقشة أو الصياغة، وصولًا إلى القوانين التي صُدرت بالفعل، ما يؤدي إلى قياس مدى نجاح مجلس النواب في القيام بالدور المنوط به في تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية.
وتشير الدراسة إلى أنه بالرغم من قوة التمثيل الحزبي داخل مجلس النواب، فإن الاهتمام بالمسار التشريعي للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان جاء بعيدًا تمامًا عن اهتمام الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، فبينما استهدف المسار التشريعي للاستراتيجية الوطنية حوالي 33 تشريعًا، نجد أن مشروعات القوانين التي تم مناقشتها، سواء تم إصدارها أو لا زالت قيد المناقشة تبلغ (13 مشروع قانون)، ليتضح أن حزب واحد فقط هو من تقدم بمشروع قانون من القوانين المستهدفة في الاستراتيجية، وهو مشروع قانون تقنين أوضاع العاملين في الخدمة المنزلية، ومقدم من النائبة هالة أبو السعد عضو حزب مصر الحديثة.
ختامًا، يمثل دور الانعقاد الخامس من الفصل التشريعي الثاني للبرلمان المصري مرحلة مهمة، مع توقعات بأن تتركز المناقشات على قوانين حيوية مثل قانون الإجراءات الجنائية، الذي يحظى باهتمام واسع نظرًا لتأثيره المحتمل على الحريات. إلى جانب ذلك، تتصدر الأجندة ملفات اقتصادية ملحة تتعلق بمستقبل الدعم وسبل تعزيز العدالة الاجتماعية.
في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة التي يواجهها المواطنون، يترقب العديد من المصريين أداء البرلمان خلال هذه الدورة، وسط آمال بأن يكون هناك دور فاعل في الرقابة ومحاسبة الحكومة. كما ينتظر المواطنون من البرلمان أن يواصل مناقشة القضايا المرتبطة بحقوق المواطنين، والأمن القومي، والعمل على تحقيق تطلعات الشعب بما يسهم في إعادة بناء الثقة في المؤسسة التشريعية.