“المصري الديمقراطي”.. ديمقراطية متأرجحة، انقسامات تتسع واعتقالات تتواصل

تتشابه تلك الوقائع مع ما جرى في داخل حزب الدستور، ليبقى الحزبان اللذان مُثلا كـ حزبي معارضة داخل الحركة المدنية المصرية، موضع جدل مستمر، وتظهر صورة توحي بأن الديمقراطية لم تعرف طريقها إلى داخل الأحزاب التي رفعت دومًا شعارها
Picture of شيماء حمدي

شيماء حمدي

أثارت وقائع داخل حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي الجدل ليلة أمس الجمعة، بعد تداول أنباء عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، تفيد باقتحام قوات من الشرطة المصرية المؤتمر العام غير العادي- حسب تسمية أعضاء من الحزب تحدثنا معهم- والقبض على أربعة من أعضائه، قبل أن يقرر الأمن إطلاق سراح أحد المقبوض عليهم والتحفظ على ثلاثة منهم، للعرض على النيابة صباح اليوم السبت.

والمؤتمر العام غير العادي وفقًا لقواعد الحزب، ينعقد دون دعوة رئيس الحزب، وقد قام عدد من الأعضاء بتلك الخطوة بعد تأجيل انتخابات رئاسة الحزب والمكتب السياسي والهيئة العليا والقيادة الحزبية الجديدة، لعدة أشهر، دون تحديد موعد للمؤتمر العام العادي، الذي كان من المفترض تدشينه في مايو الماضي، والتحضير له منذ ديسمبر 2023.

نوصي للقراءة: المعارضة تأكل نفسها.. هل تُطبّق الديمقراطية داخل مقر حزب الدستور؟ 

 

اعتقالات

تذكر منى عبد الراضي – أمين المرأة بالحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي- تفاصيل الدعوة والتحضير للمؤتمر العام غير العادي، وما تلاه من اقتحام قوات الأمن لمكان انعقاد المؤتمر، ثم القبض على بعض الأعضاء. تقول: “كان من المفترض الدعوة للمؤتمر العام العادي وفقًا للائحة في شهر يونيو الماضي – على أقصى تقدير-، لانتخاب قيادات الحزب الجديدة؛ بما فيها منصب رئيس الحزب والهيئة العليا، لكن هذا لم يحدث. فوجئنا بدخول أكثر من أربعة آلاف عضو جديد الحزب، ما أثار ريبة وقلق الأعضاء وتسبب في إعلان عدد منهم الاعتصام في مايو الماضي.

توضح في حديثها مع زاوية ثالثة أنه وخلال الأشهر القليلة الماضية فُصل عدد من أعضاء الحزب الداعمة لمحمود سامي – رئيس الهيئة البرلمانية بمجلس الشيوخ-، كرئيس للحزب، بدلًا عن فريد زهران، وهُدّد آخرون بالفصل. مشيرة إلى أن الدعوة للمؤتمر العاجل جاءت متوافقة مع اللائحة التي تتيح ذلك في حال وجود فساد أو قرارات خاطئة تتسبب فيها إدارة الحزب، إذ إنه وفي هذه الحالة يحق لثلث الهيئة العليا الدعوى لمؤتمر عاجل لسحب الثقة من القيادة الحالية، والدعوة إلى انتخاب قيادة جديدة، وهو ما حدث.

وتابعت أمين المرأة بالحزب المصري الديمقراطي: “في المرة الأولى، لم يكتمل بسبب عدم حضور 75% من الجمعية العمومية وفقًا للائحة، ولـ اكتمال نصاب الجمعية العمومية في المرة الثانية لا بد من حضور نسبة 50% في الساعتين المقررتين لذلك، ممن لهم حق التصويت والانتخاب، و30% في الساعة الثالثة وهو ما حدث بالفعل أمس الجمعة”.

تبين “عبد الراضي” أنهم حاولوا حجز قاعة لعقد المؤتمر في منطقة وسط القاهرة، لكنهم فوجئوا برفض أصحاب القاعات التأجير لهم بسبب خطاب أرسل لهم مُوّقع من رئيس الحزب فريد زهران، يحذرهم من التعامل مع هذه المجموعة أو التأجير لها، تحت ذريعة أن المجموعة خارجة عن الحزب، وأن السماح بعقد المؤتمر قد ينتج عنه “تكدير السلم والأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة”، ما دفع أصحاب القاعات برفض التأجير.

تستكمل حديثها: “استطعنا استئجار قاعة أفراح في محافظة الجيزة بحي المريوطية، وبعد انتهاء الأعضاء من التسجيل والإعلان عن اكتمال النصاب القانوني، اقتحمت قوة من أفراد الأمن القاعة دون أي اعتداء، وطالبونا بـ الفض والانصراف بشكل عاجل، وقاموا بغلق الكهرباء والمياه والباب الحديد”. مشيرة إلى أن الأمن أبلغهم بأن صاحب القاعة قد حرر بلاغًا ضدهم بدعوى الاقتحام والاعتداء على العاملين في القاعة، وهو ما لم يحدث قبل انعقاد المؤتمر أو وقت انعقاده، حسب تأكيدها.

تروي “عبد الراضي” تفاصيل ما تعرضوا له بعد ذلك، تقول: “حاولنا الخروج من القاعة وفوجئنا بأربع عربات نقل جماعي (ميكروباص) أمام باب القاعة، ثم قُبِض على أربعة أعضاء استمر التحفظ على ثلاثة منهم، والسؤال على عضو آخر يدعى”حسام” كان أحد المسؤولين عن التواصل والاتصال، وحجز المكان، وكان قد فُصل مؤخرًا من الحزب.

من جهته، يقول حسام الأزرق – عضو الحزب المفصول الذي تساءلت عنه قوات الأمن-، إنه نجا من محاولة القبض عليه بفضل الزملاء الذين تدخلوا ودافعوا عنه، ومنعوا الأمن عنه، لكن هناك ثلاثة آخرين قُبِض عليهم واحتجازهم دون داع أو ارتكاب جرم، سوى أن قيادات الحزب التي تدّعي انتمائها إلى المعارضة قررت استغلال سلطاتها وعلاقاتها، لإفشال المؤتمر رغم نفيهم علاقتهم بما حدث.

ويشير “الأزرق” في حديثه إلينا إلى صورة الأمين العام للحزب “باسم كامل” الذي نشرها على صفحته الشخصية على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وهو في حالة احتفال بعد نصف ساعة من هجوم الشرطة.

وهاجم عدد من أعضاء الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، بشكل خاص والنشطاء السياسيون بشكل عام، الأمين العام للحزب باسم كامل عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، بعد انتشار صورة له في أثناء احتفاله دون توضيح أو تعليق عليها، ما اعتبره البعض احتفالًا بالأحداث التي شهدها المؤتمر العام وأدت إلى القبض على ثلاثة من الأعضاء.

حاولت زاوية ثالثة التواصل مع باسم كامل – الأمين العام للحزب- عبر الاتصال الهاتفي، وإرسال رسالة نصية عبر منصة التواصل “واتساب”، للتعليق على الواقعة وما يتردد بشأنه، لكنه لم يرد حتى نشر هذا التقرير. أيضًا- حاولنا التواصل مع فريد زهران – رئيس الحزب، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية- للرد على مزاعم الخطاب المرسل لقاعات الأفراح والتحذير من التأجير لأعضاء الحزب، و اتهامهم بتكدير السلم العام والإضرار بالمصلحة العامة، لكنه لم يرد.

 

نوصي للقراءة: اتفقنا على أن لا نتفق.. كواليس انشقاقات المعارضة المصرية

مطالبات

يستنكر أحمد فوزي – المحامي الحقوقي، عضو الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي- القبض على ثلاثة من أعضاء الحزب، واصفًا ما حدث وما وصلت إليه الأمور داخل الحزب المصري الديمقراطي بـ “المؤسفة”. مطالبًا بسرعة إخلاء سبيلهم، بغض النظر عن أسباب القبض عليهم، وعن مشروعية المؤتمر  – إذا كان لائحي أو غير لائحي-، وبغض النظر عن أسباب الخلاف الموجودة في الحزب. مؤكدًا أنه سيقدم الدعم القانوني اللازم لحصولهم على حريتهم وإنقاذهم من دوامة الحبس الاحتياطي، وهو ما يهمه الآن.

يشرح في حديثه إلى زاوية ثالثة أسباب الانشقاق الذي يحدث في داخل الحزب، وما آلت إليه الأوضاع، يبين أن ذلك جاء نتيجة غياب ممارسة السياسة وطول فترة إغلاق المجال العام في مصر، إضافة إلى عدم انجذاب المواطنين للالتحاق في عضوية الأحزاب، إلى جانب صعوبة تأسيس أحزاب جديدة. كل هذا – حسب تعبيره- انعكس على الحزب المصري، وأحدث تغييرًا في تركيبته، ما أشعل الخلافات الداخلية.

في السياق نفسه، استنكر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية القبض على ثلاثة أعضاء من الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي. مشيرًا في بيان له إلى أن هذه الإجراءات تتعارض والحقوق الأساسية للأفراد وحرية التنظيم والتعبير.

وطالب المركز بالإفراج الفوري عن الأعضاء المحبوسين وضمان حقوقهم القانونية؛ بما في ذلك حقهم في الدفاع عن أنفسهم. معلنًا عن توجه فريق من المحامين – من بينهم محامو المركز المصري – إلى نيابة شبرامنت اليوم السبت، لمتابعة القضية وحضور التحقيقات مع المقبوض عليهم.

نوصي للقراءة: فريد زهران: نحن أمام انتخابات حقيقية..ولا أجيد خطاب المظلومية (حوار)

خلافات داخلية

يوضح مصدر من الحزب – فضّل عدم ذكر اسمه خوفًا من الملاحقة-، أن فريد زهران انتخب رئيسًا لحزب المصري الديمقراطي في عام 2016، وكان من المفترض انتهاء مدته بعد عامين فقط، طبقًا للائحة الحزب التي تنص على أن “مدة الدورة الانتخابية عامين، ويجوز للعضو الترشح لدورتين”، وحسب عضو الحزب فإن المؤتمر العام لم ينعقد خلال الفترة الماضية، نتيجة حالة التضييق والوضع الأمني المتردي في مصر.

يضيف عضو الحزب: “استمر الوضع حتى عام 2022، واحتسبت هذه الفترة كمدة انتخابية واحدة، ثم أعيد انتخاب زهران مجددًا لمدة رئاسية جديدة في المؤتمر العام للحزب 2022، لـ تنتهي ولايته في شهر مايو الماضي،  وعليه ليس له الحق في الترشح لدورة ثالثة، ما أزعج “زهران” والموالين له”.

يكمل: زهران تحجج بالإجهاد الذي أصابه وفريق حملته بسبب الانتخابات الرئاسية، الأمر الذي دفعه لتقديم طلب للهيئة العليا بتأجيل الانتخابات الداخلية للحزب، وبالفعل تمت الموافقة بالمخالف لنص اللائحة،  إذ إنه وفقًا للائحة، فإن المؤتمر العام فقط هو من يحق له إقرار تأجيل الانتخابات وليست الهيئة العليا. وعلى إثر القرار انقسم أعضاء الحزب ما بين مؤيد ورافض لوجود “زهران”. 

يتابع عضو الحزب: “اجتمعت الهيئة العليا خلال الفترة الماضية مرتين أو ثلاثة، لاتخاذ بعض القرارات والإجراءات، كان من بينها فصل أعضاء معارضين لـ زهران وتحذير آخرين من الفصل. في المقابل، سُمح بدخول عضويات جديدة وصلت إلى نحو 4300 عضو في شهرين”. وقد برر “زهران” ذلك بأن تلك العضويات قد جمعت في أثناء حملته الانتخابية.

يشير المصدر إلى أن عدد أعضاء الحزب وصلوا خلال سنوات منذ تأسيسه إلى ما يقارب أربعة آلاف عضو، منهم 950 عضوًا هم عدد أعضاء المؤتمر العام الذين لهم حق الانتخاب والتصويت، و200 عضو هم عدد الكوادر الفاعلة التي تحضر الاجتماعات وتتفاعل بشكل جاد، متسائلًا: “كيف أقنع زهران أكثر من 4300 عضو جديد بالانضمام للحزب في أثناء حملته الانتخابية التي استمرت لأسابيع قليلة، ولدينا المئات لم ينجح زهران في إقناعهم لعودة انخراطهم داخل الحزب؟”.

يتابع، الأزمة ليست فقط في العضويات الجديدة وعددها الكبير، لكن أيضًا في رغبة الهيئة العليا في ضم هؤلاء إلى الجمعية العمومية ومنحهم حق الانتخاب والتصويت، ما يغير من شكل الكتلة التصويتية داخل الحزب، دون مرورهم على “مدرسة الكادر” كما جرت العادة. مشيرًا إلى أن هناك أعضاء من العضويات الجديدة – محل الخلاف- كانوا أعضاء في أحزاب الموالاة والحزب الوطني المنحل (العهدة في هذه المعلومة على عضو الحزب، إذ لم نتمكن من التأكد من صحة انضمام أعضاء جدد ينتمون في الأساس لأحزاب الموالاة أو الحزب الوطني المنحل).

تنص المادة 27 من اللائحة الداخلية للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي على أن رئيس الحزب يدعو للمؤتمر العام لإجراء الانتخابات على المقاعد القيادية؛ بما فيها رئاسة الحزب، قبل انتهاء مدته بشهر أو اثنين – ما لم يقدم عليه زهران-، ما دفع الكتلة المعارضة داخل الحزب بمستويات سياسية مختلفة، من بينهم النائبة سميرة الجزار، وعضوي مجلس الشيوخ محمود سامي، وحنا جريس، و11 أمين محافظة، وغيرهم، للدعوة إلى مؤتمر عام غير عادي بعد جمع توقيعات بالموافقة من ثلث أعضاء الهيئة العليا تقريبًا، إذ وقع ما يقرب من 46 عضو بالهيئة العليا من أصل 132، وفقًا للائحة، بحسب عضو الحزب.

يوضح المصدر، أن المؤتمر أُجِّل قبل ذلك بسبب عدم اكتمال النصاب في المرة الأولى، واكتمل أمس الجمعة بحضور أكثر من ثلث الأعضاء – نحو 350 عضو-، واتفقت الجمعية قبل فضها على مطلب واحد وهو بطلان جميع قرارات الهيئة العليا من ديسمبر 2023.

مصدر آخر داخل الحزب المصري الديمقراطي، تحدث إلينا مؤكدًا أن الصراع الدائر حاليًا، يتمحور حول قيادة الحزب فقط، ولا علاقة له بالشأن السياسي. مشيرًا إلى أن الصراع يدور بين الرئيس الحالي المنتهية ولايته فريد زهران، وعضو مجلس الشيوخ، محمود سامي، الذي يرغب الترشح على رئاسة الحزب.

يؤكد أن هناك محاولات لرأب الصدع وحالة الشقاق التي نتجت عن الأزمة الداخلية والصراع على قيادة الحزب، وأن هناك محاولات لعقد الانتخابات الداخلية في أقرب وقت ممكن دون تحديد موعد نهائي حتى الآن.

تتشابه تلك الوقائع مع ما جرى في داخل حزب الدستور، ليبقى الحزبان اللذان مُثلا كـ حزبي معارضة داخل الحركة المدنية المصرية، موضع جدل مستمر، وتظهر صورة توحي بأن الديمقراطية لم تعرف طريقها إلى داخل الأحزاب التي رفعت دومًا شعارها. ليبقى التساؤل مفتوحًا: متى تصلح أحوال المعارضة المصرية؟

نوصي للقراءة: المعارضة تأكل نفسها.. هل تُطبّق الديمقراطية داخل مقر حزب الدستور؟ 

 

شيماء حمدي
صحفية مصرية، تغطي الملفات السياسية والحقوقية، وتهتم بقضايا المرأة. باحثة في حرية الصحافة والإعلام والحريات الرقمية.

Search