في انتخابات وُصفت بالأعلى مشاركة في تاريخ نقابة الصحفيين، نجح خالد البلشي، المحسوب على تيار الاستقلال والتوجه اليساري، في الاحتفاظ بمنصب نقيب الصحفيين للمرة الثانية على التوالي، بعد أن حسم الجولة لصالحه بفارق تجاوز 700 صوت عن منافسه الأبرز عبد المحسن سلامة، النقيب الأسبق ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، والمرشح المدعوم من السلطة.
وأعلنت اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات، برئاسة جمال عبد الرحيم عضو مجلس النقابة، أن إجمالي عدد المشاركين بلغ 6051 صحفيًا من أصل 10232 عضوًا، بنسبة مشاركة قاربت 60%، وهي الأعلى منذ تأسيس النقابة. وحصل البلشي على 3346 صوتًا، بنسبة بلغت 55% من إجمالي الأصوات، مقابل 2562 صوتًا لسلامة.
البلشي: سيرة نقيب جاء من قلب المعركة

المسيرة الصحفية
وُلد خالد محمد زكي البلشي عام 1972، وتخرّج في كلية الإعلام بجامعة القاهرة. بدأ مسيرته الصحفية في مجلة “روز اليوسف” عام 1998، ثم التحق بصحيفة “الدستور” سنة 2005 نائبًا لرئيس التحرير. في عام 2007 تولّى رئاسة تحرير صحيفة “البديل” المستقلة، واستمر بها حتى إغلاقها عام 2012.
بعد ثورة يناير 2011، اتجه البلشي إلى الصحافة الرقمية المستقلة، فأسس وأدار عدة مواقع إخبارية إلكترونية بارزة. أطلق صحيفة “البداية” الإلكترونية عام 2012، وترأس تحريرها لفترات متقطعة (2012–2013 ثم 2015–2018)، كما شغل منصب رئيس تحرير بوابة “الوادي” الإخبارية عام 2014. في عام 2018، أسس موقع “كاتب” وترأس تحريره، إلا أنه توقف بعد بضعة أشهر نتيجة التضييق. وفي عام 2020، شارك في إطلاق موقع “درب” الإخباري المستقل، الذي حجبته السلطات ضمن حملة واسعة طالت عشرات المواقع الإعلامية آنذاك.
على مدى مسيرته المهنية، عُرف البلشي بكتاباته الجريئة وتقاريره الاستقصائية المناصرة لحقوق المواطنين. ركزت مقالاته على قضايا الفساد والعدالة الاجتماعية والحريات العامة. كان من أبرز الأصوات الصحفية التي عارضت اتفاقية التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير لمصلحة السعودية عام 2016، مدافعًا عن مصرية الجزيرتين بقوة. هذا الموقف الوطني، إلى جانب مواقف ناقدة أخرى، جعل كتابات البلشي محط اهتمام وإشادة من أنصار حرية الصحافة، وفي الوقت نفسه عرضته لانتقادات وضغوط من المؤسسات الإعلامية الرسمية التي اعتبرت طرحه معارضًا للخطاب الحكومي.
نشاطه النقابي
انخرط خالد البلشي في العمل النقابي الصحفي منذ بدايات ثورة يناير. انتُخب عضوًا في مجلس نقابة الصحفيين المصريين في دورة 2013 واستمر حتى 2017، وتولى خلالها موقع وكيل النقابة ورئاسة لجنة الحريات بها. من خلال هذا الموقع، لعب دورًا بارزًا في الدفاع عن حقوق الصحفيين، حيث قاد تحركات لدعم الصحفيين المعتقلين ومناهضة القوانين المقيدة لحرية الإعلام.
واجه البلشي وزملاؤه في المجلس صدامًا تاريخيًا مع السلطة عام 2016، عندما اقتحمت قوات الأمن مبنى النقابة للقبض على صحفيين معتصمين داخله. وعلى إثر ذلك، أُحيل البلشي برفقة النقيب آنذاك يحيى قلاش وآخرين إلى المحاكمة العاجلة بتهمة “إيواء مطلوبين أمنيًا”، وصدر ضدهم حكم بالحبس سنة مع وقف التنفيذ. اعتُبر هذا الحدث سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ النقابة، وقد رفض البلشي دفع الكفالة اعتراضًا على الإجراء التعسفي، مما وضع السلطات في مأزق وزاد من شعبيته بين الصحفيين.
ظل البلشي ناشطًا في الدفاع عن زملائه عبر النقابة حتى بعد خروجه من المجلس في 2017. وخاض انتخابات التجديد النصفي عدة مرات لاحقة سعيًا للعودة إلى المجلس، لكنه لم يوفّق في الفوز بمقعد العضوية خلال دورات 2019 و2021. رغم ذلك، لم يتراجع عن العمل النقابي المستقل. وفي انتخابات مارس 2023، ترشح لمنصب نقيب الصحفيين بدعم من تيار استقلال الصحافة، وفاز بالمقعد في مفاجأة غير متوقعة على منافسه المدعوم من الحكومة، خالد ميري، بعد أن حصد 2450 صوتًا مقابل 2211 لميري.
خلال ولايته الأولى التي امتدت لعامين، ركز البلشي على تحسين الأوضاع المادية والمهنية للصحفيين، والدفاع عن حقوقهم، كما سعى لحل أزمات القيد وتوفير فرص عمل للمتعطلين. وفي مايو 2025، جدّد الصحفيون الثقة به نقيبًا لولاية ثانية، بفوزه بنسبة 55% من الأصوات متقدمًا على المرشح المحسوب على الحكومة عبد المحسن سلامة.
نشاطه السياسي ومواقفه
عُرف خالد البلشي بانخراطه في الشأن العام ومواقفه المعارضة للأنظمة المتعاقبة في مصر، مع حفاظه على استقلاليته عن أي تيار حزبي تقليدي. يُصنَّف سياسيًا ضمن التيار اليساري التقدمي، وقد انضم مؤخرًا للمكتب السياسي لحزب التحالف الشعبي الاشتراكي تعزيزًا لقناعاته الاجتماعية.
في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، شارك في حركة “كفاية” (2004–2005) التي كانت من أوائل حركات المعارضة الشعبية ضد التوريث والاستبداد. اتخذ موقفًا ناقدًا لسياسات نظام مبارك في كتاباته الصحفية. إبان حكم الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي، استمر البلشي في خطه المستقل المعارض لأي انتهاكات لحرية الصحافة. استضاف في يونيو 2013 أول مؤتمر صحفي لحركة “تمرد” داخل مقر النقابة، وهي الحركة التي قادت الاحتجاجات للإطاحة بمرسي.
مع تولي عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014، برز البلشي كأحد أبرز الأصوات الصحفية المعارضة. انتقد تقييد الحريات في عهده، واصطف مدافعًا عن القضايا الوطنية والحريات العامة، ورفض اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، رافضًا التفريط في تيران وصنافير. أدى ذلك إلى حملة تشويه رسمية ضده، شملت اتهامه بالانتماء لتيارات معادية للدولة، وتوقيفه أمنيًا أكثر من مرة ومنعه من الكتابة في الصحف القومية.
ورغم ميوله اليسارية المعلنة، يؤكد البلشي دومًا استقلاليته كنقيب لجميع الصحفيين. نجح في بناء صورة قيادي نقابي مستقل يدافع عن زملائه بغض النظر عن خلفياتهم السياسية.
مواقفه من حرية الصحافة والتعبير
يُعد البلشي من أبرز المدافعين عن حرية الصحافة في مصر خلال العقدين الأخيرين. تبنّى مواقف صريحة ضد الرقابة والقمع، واعتبر حرية التعبير حقًا أصيلًا للصحفي والمواطن. رفض سجن الصحفيين بسبب آرائهم، واعتبر ذلك خطًا أحمر لا يجوز تجاوزه. خلال رئاسته للجنة الحريات بالنقابة، نظم حملات للدفاع عن الصحفيين المعتقلين، وعقد مؤتمرات تضامن معهم.
من بين تلك المبادرات مؤتمر في يونيو 2014 ضد قانون التظاهر الصارم، والذي اقتحمه مؤيدون للرئيس لفضّه بالقوة. استخدم البلشي منابره الإعلامية مثل “البداية” و”درب” لنشر تقارير دورية عن أوضاع سجناء الرأي، وطالب بالإفراج عنهم. عند فوزه بمنصب النقيب عام 2023، صرّح بأن أولويته هي “رفع سقف حرية الصحافة والإفراج عن كل صحفي خلف القضبان بسبب رأيه”. في عام 2025، جدّد هذا الموقف بشعار: “عاشت حرية الصحافة… عاشت الصحافة حرة”.
في عام 2022، خضع لتحقيق رسمي بدعوى نشر “أخبار كاذبة” عبر حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، قبل أن تُغلق القضية لعدم كفاية الأدلة. حصل على جائزة نيلسون مانديلا للحريات لعام 2017 تكريمًا لجهوده في الدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان.
علاقته بالمؤسسات الإعلامية والسلطة السياسية
تميزت علاقة البلشي بالمؤسسات الإعلامية الرسمية والسلطة السياسية بالتوتر الدائم، نظرًا لتبنّيه نهج الصحافة المستقلة. عمل في مؤسسات خاصة ومواقع مستقلة، وتعرّضت المواقع التي أدارها للحجب بأوامر غير معلنة، ضمن حملة واسعة شملت حجب نحو 600 موقع منذ 2013. واجه ملاحقات قضائية عدة، بينها اتهامات في 2015 بالتحريض على التظاهر، قبل أن تُسقط التهم عنه.
رغم ذلك، حافظ على قناة تفاوض مع المؤسسات الرسمية عند الضرورة. فبعد توليه منصب النقيب، فاوض المجلس الأعلى للإعلام والحكومة لتحسين أجور الصحفيين وزيادة بدل التدريب، ونجح في تحقيق زيادات فعلية خلال 2023 و2024. لكنه واجه تهديدات حكومية متكررة، بينها التلويح بفرض الحراسة أو وقف الدعم عن النقابة في حال فوزه.
واجه هذه الضغوط معلنًا أن “كرامة الصحفيين واستقلال نقابتهم فوق أي اعتبار مادي”. وجاء فوزه وإعادة انتخابه تأكيدًا على أن إرادة الصحفيين الأحرار انتصرت على محاولات الترهيب الرسمي. واليوم، يُنظر إلى البلشي كشخصية فريدة في المشهد الإعلامي المصري: نقيب متعاون مؤسسيًا، لكنه لا يساوم على حرية الصحافة وكرامة أهلها، مستعد لتحمّل تبعات مواقفه دفاعًا عن الاستقلال النقابي.
على ضوء هذه الخلفية النقابية والمهنية، دخل البلشي سباق التجديد النصفي الأخير حاملاً خطابًا يُعلي من استقلالية النقابة، في مواجهة منافس حمل وعودًا خدمية ثقيلة الوطأة خاصة بعد إعلان عبد المحسن سلامة عن “حزمة اقتصادية غير مسبوقة” تشمل وعودًا بتخصيص وحدات سكنية وأراضٍ للصحفيين، ما أثار نقاشًا واسعًا داخل الأوساط النقابية. وقد قوبلت هذه الوعود بالتشكيك من قبل عدد من الصحفيين والنقابيين، لا سيما في ظل عدم صدور أي تأكيد رسمي من الجهات الوزارية المعنية، واعتبرها منتقدوها محاولة لحشد الأصوات باستغلال الأزمات المعيشية التي يعاني منها الصحفيون في السنوات الأخيرة.
نوصي للقراءة: غزة تُعِيد نقابة الصحفيين إلى الواجهة السياسية
تصويت الصحفيين يفضّل الاستقلال على الوعود
شكّل التباين الجذري بين برنامجي المرشحين، عبد المحسن سلامة وخالد البلشي، محور الاستقطاب الأبرز في انتخابات التجديد النصفي لنقابة الصحفيين. ففي حين قدّم سلامة، النقيب الأسبق والمدعوم من السلطة، حزمة وعود انتخابية ركزت على البدل وزيادة الموارد، متعهدًا بتوفير وحدات سكنية وقطع أراضٍ وزيادة “غير مسبوقة” في بدل التدريب والتكنولوجيا، لجأ أيضًا إلى استخدام ملف الحريات كأداة دعائية رغم ما سجله تاريخه من تقييد واضح للحريات، خاصة خلال فترة توليه منصب النقيب بين 2017 و2019، وهي المرحلة التي شهدت إقرار قانون تنظيم الصحافة والإعلام، الذي اعتُبر لحظة فارقة في تضييق المجال العام، وسط نفيه المستمر لوجود صحفيين محبوسين على خلفية النشر.
في المقابل، تمحور برنامج خالد البلشي، النقيب الحالي، حول تعزيز استقلال النقابة واستعادة مساحاتها كمظلة مهنية وجماعية، مع تعهدات واضحة باستكمال ما بدأه في دورته السابقة، من إعادة النظر في لائحة صرف البدل لضمان شموله للصحفيين في الوكالات والمتقاعدين، واستكمال تثبيت الصحفيين بعقود مؤقتة، إضافة إلى إلزام المؤسسات الصحفية بتحسين الأجور.
أدى هذا التباين الحاد في الطرح إلى انقسام داخل الجمعية العمومية، عبّر عنه البعض بمعادلة “الكارنيه مقابل الجنيه”، في إشارة إلى المفاضلة بين الحفاظ على استقلال النقابة كمؤسسة مهنية، وبين الانجذاب للوعود المادية. وقد رجحت كفة الكارنيه في نهاية السباق الانتخابي، بما يشير إلى تمسّك غالبية الصحفيين بهوية نقابتهم المستقلة رغم الضغوط.
ولم تقتصر المفاجآت على فوز البلشي، بل شملت أيضًا صعود اثنين من أبرز ممثلي تيار الاستقلال إلى عضوية المجلس: محمد سعد عبد الحفيظ، الذي حافظ على مقعده للمرة الثالثة، والصحفية إيمان عوف المعروفة بمواقفها الداعمة لحرية الصحافة. وهو ما يعكس تحوّلاً نوعيًا في توازنات النقابة، وظهور كتلة جديدة من الصحفيين الشباب، أغلبهم خارج منظومة الصحف القومية التي توقفت فيها التعيينات، ما أضعف فاعلية الوعود المرتبطة بالدعم الحكومي، لحساب قضايا أكثر إلحاحًا تتعلق بوجود المهنة ومصيرها.
نوصي للقراءة: هل تنصف نقابة الصحفيين المصرية العاملين بالصحافة الإلكترونية؟
الشباب يحسمون المشهد
في تقييمه لنتائج انتخابات التجديد النصفي الأخيرة، يؤكد كارم محمود، عضو مجلس نقابة الصحفيين الأسبق، أن الجمعية العمومية شهدت أعلى نسبة مشاركة في تاريخها، في مؤشر على احتدام المنافسة، واتساع الهوة بين المتنافسين، وخصوصًا مع بروز كتلة شبابية لعبت دورًا حاسمًا في ترجيح الكفة.
ويشير محمود، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إلى أن ما ميز هذه الدورة عن سابقاتها هو الحضور اللافت للشباب، الذين لم يشاركوا فقط بأعداد كبيرة، بل فرضوا توجهًا مهنيًا جديدًا، كان الأكثر تأثيرًا في نتائج الاقتراع. ويعزو هذا التفاعل غير المسبوق إلى عاملين رئيسيين: تدهور أوضاع المهنة على المستويين المهني والاقتصادي، والتراجع العام في مناخ الحريات والفرص داخل المجالين السياسي والإعلامي. وبرأيه، وجدت هذه الكتلة الانتخابية في الانتخابات فرصة للتعبير عن غضبها وإرسال رسالة احتجاج واضحة.
ورغم أن الحملات الانتخابية لم تخلُ من شعارات خدمية مغرية، تتعلق بزيادة البدل وتوفير مساكن وأراضٍ، يرى محمود أن الشباب لم ينخدعوا بهذه الوعود، بل قدّموا اعتباراتهم النقابية والمهنية على المغريات المالية، مفضلين التصويت لصالح من يدافع عن استقلال النقابة ومبادئها الأساسية.
ويلاحظ عضو مجلس النقابة الأسبق حدوث تحول جذري في الخريطة التصويتية، تمثّل في صعود دور الصحف الخاصة والمستقلة، وتراجع وزن المؤسسات القومية التي طالما حسمت نتائج الانتخابات السابقة. ويوضح أن هذا التحول لم يكن مفاجئًا، إذ بدأت ملامحه في الظهور منذ عامين، لكنه ظهر جليًا في هذه الدورة، بسبب توقف المؤسسات القومية عن تعيين صحفيين جدد منذ أكثر من 12 عامًا، ما أفقدها قدرتها على تشكيل كتلة تصويتية مؤثرة.
وفي قراءة أعمق لتركيبة المجلس الجديد، يرفض محمود النظر إليه كمجرد صراع ثنائي بين تيارين متواجهين، مشيرًا إلى تشكّل ثلاث كتل رئيسية: الأولى قريبة من النقيب خالد البلشي من حيث التوجه والرؤية، والثانية تمثّل التيار المعارض، أما الثالثة فهي كتلة وسطية، حريصة على تقديم أداء نقابي متزن، وتعمل على تلبية تطلعات الجمعية العمومية دون انحيازات حادة.
ويختم محمود تصريحه بالتأكيد على أن النقيب خالد البلشي نجح خلال دورته السابقة في الحفاظ على توازن داخلي داخل المجلس، وأنه استطاع التعاون مع مختلف الأطراف بعيدًا عن منطق الإقصاء، مرجحًا استمرار هذا النهج في فترته الجديدة.
نوصي للقراءة: نقابة الصحفيين في مواجهة التشريعات المقيدة للحريات
نقابة الصحفيين تطيح بالمركزية
ترى الكاتبة الصحفية منى عزت أن انتخابات التجديد النصفي الأخيرة شكّلت نقطة تحوّل حقيقية في تاريخ العمل النقابي، إذ كسرت القاعدة التقليدية التي لطالما احتكرت فيها المؤسسات القومية موقع النقيب. فعلى الرغم من وجود سوابق محدودة، إلا أنها المرة الأولى التي يُعاد فيها انتخاب نقيب لا ينتمي حاليًا لأي مؤسسة قومية لدورتين متتاليتين، ما يُعد، وفق عزت، كسرًا فعليًا لمعادلة كانت شبه مقدّسة.
وتعتبر عزت أن هذه الانتخابات تجاوزت منطق “التصويت العقابي” الذي وُصفت به الدورة السابقة، لتتحوّل إلى تصويت واعٍ مبني على أجندة واضحة للحقوق. فقد اختارت الجمعية العمومية خالد البلشي لا رفضًا لمرشح بعينه، بل تبنيًا صريحًا لخطاب نقابي يضع الكرامة واستقلالية النقابة في صدارة أولوياته.
وتنتقد عزت الخطاب الانتخابي لعبد المحسن سلامة، الذي اعتمد – حسب قولها – على “مبالغة خدمية” تمثّلت في وعود بزيادة استثنائية في بدل التكنولوجيا، وتخصيص أراضٍ، وتقديم مزايا غير مسبوقة. واعتبر كثير من الصحفيين هذا الطرح استقواءً بالدولة، وخطابًا فوقيًا يختزل العلاقة بين المرشح والجمعية العمومية في منطق المنّة لا الشراكة. وتُقابل هذه الوعود بخطاب موازٍ قدّمه صحفيون استفادوا من خدمات في عهد البلشي، لكنهم ظلوا متمسكين بأن “الكرامة لا تُشترى”، وأن الخدمات تُنتزع بالتفاوض، لا تُقدَّم كأعطيات انتخابية.
وتلفت عزت إلى أن سلامة أعاد استدعاء خطاب هيمنة المؤسسات القومية، لا سيما عبر حديثه عن دور الأهرام وضرورة عودة “المؤسسات الكبرى” للسيطرة على النقابة. وهو خطاب – برأيها – سعت الجماعة الصحفية مرارًا لإسقاطه، ونجحت أخيرًا في إجهاضه تمامًا من خلال تبنّي رؤية بديلة تقوم على الديمقراطية والتعددية المهنية.
وتضيف أن هذه الانتخابات كانت مختلفة بامتياز، حيث دارت حول المواقف والمبادئ، لا المصالح الآنية. وقد عبّرت الجمعية العمومية عن خياراتها بوضوح، وهو ما أجمله البلشي بقوله: “يشرفني أن أكون مرشح الجمعية العمومية، لا مرشح الدولة… وأنا أتفاوض مع الدولة باسم الجمعية العمومية”. جملة، ترى عزت، أنها لخصت بدقة المنهج الذي التزمه البلشي خلال العامين الماضيين، وأعاد طرحه في حملته الانتخابية.
وتختم عزت بالإشارة إلى أن النتائج عكست حالة من التوازن، حيث اختارت الجمعية العمومية ستة أعضاء من خلفيات نقابية ومهنية متنوعة، ما يعكس حرصها على الإبقاء على توازن داخلي في تركيبة المجلس. وتُقر بأن العامل الخدمي لا يزال مؤثرًا، وقد لعب دورًا في نجاح بعض المرشحين، لكنه لم يكن كافيًا لحسم الاتجاه العام، الذي حسمته الجمعية العمومية لصالح خطاب الكرامة، لا منطق العطايا.
نوصي للقراءة: مطالب الصحفيين الإلكترونيين: نحو تعديل شروط القيد بالنقابة
النساء في نقابة الصحفيين: تمثيلٌ فاعل يتجاوز الرمزية
شهدت انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين مشاركة لافتة للصحفيات، إذ خاضت عشر مرشحات السباق الانتخابي من بين 43 متنافسًا على مقاعد المجلس، وهو ما يمثل أعلى حضور نسائي في تاريخ انتخابات النقابة. وتمكنت الصحفية إيمان عوف من انتزاع مقعد “تحت السن” بعد معركة انتخابية حادة، لتُجدد حضور الصوت النسائي داخل مجلس النقابة من موقع تمثيلي فاعل، لا رمزي.
رغم عدم فوز بقية المرشحات، إلا أن الأصوات التي حصلن عليها عكست تحوّلًا واضحًا في وعي الجمعية العمومية تجاه أهمية التمثيل النسائي، واعترافًا متناميًا بكفاءة الصحفيات في العمل النقابي. ويؤكد كارم محمود، عضو مجلس النقابة الأسبق، أن ما ميّز هذه الدورة لم يكن فقط عدد المرشحات، بل أيضًا ما حققنه من نتائج متقدمة، مشيرًا إلى أن الصحفية إيمان عوف – المعروفة بمواقفها الداعمة لاستقلال النقابة وحرية الصحافة – نجحت في الفوز، فيما حققت زميلتاها فيولا فهمي ودعاء النجار نتائج لافتة، رغم شدة المنافسة.
وتتفق الكاتبة الصحفية منى عزت مع هذا التوصيف، معتبرة أن فوز عوف يمثل لحظة فارقة في نظرة الجماعة الصحفية للنساء داخل النقابة، لا سيما أن تصويت الجمعية العمومية لم يكن عاطفيًا، بل جاء تتويجًا لمواقف واضحة وسجل نقابي حافل، خاصة في قضايا الحريات والمهنية. وترى عزت أن هذا الفوز تجاوز منطق التمثيل الرمزي أو المجاملات، ليؤسس لدور حقيقي ومؤثر للصحفيات في صنع القرار النقابي.
وتعليقًا على هذه التطورات، قالت إيمان عوف، في حديثها إلى زاوية ثالثة، إن نتائج الفرز كشفت عن تحول نوعي في اتجاهات التصويت، حيث لاحظت أن العديد من الصحفيين والصحفيات منحوا أصواتهم لأكثر من مرشحة، وهو أمر لم يكن معتادًا في دورات سابقة، التي كانت فيها القوائم الانتخابية غالبًا تخلو من أي تمثيل نسائي أو تكتفي بواحدة رمزية.
وأشادت عوف بأداء عدد من المرشحات الأخريات، منهن شيرين العقاد، فيولا فهمي، ومحاسن السنوسي، مؤكدة أنهن قدّمن برامج انتخابية قوية وخضن منافسة جادة، خاصة في شريحة “فوق السن”، رغم صعوبة المعركة. ورأت أن هذه الدورة تمثل انفراجة جزئية في تمثيل النساء داخل النقابة، تفتح الطريق أمام حضور أوسع في المستقبل.
وتضيف عوف أن ما ميّز هذه الدورة هو امتلاك عدد من المرشحات لرؤى واضحة ومحددة، حيث تناولن قضايا مهملة مثل ظروف العمل الخاصة بالصحفيات، التمييز في الترقّي، إجازات الوضع، وبيئة العمل غير الآمنة. وقد طرحن مبادرات مثل “مدونات السلوك المهني” لتنظيم العلاقات داخل المؤسسات الصحفية، وهو طرح أثار جدلًا، لكنه حظي بترحيب ملموس من بعض الصحفيين الذين صوّتوا لمن دافعوا عنه بوضوح.
وتختتم عوف بالتأكيد على أن نتائج هذه الانتخابات ليست سوى بداية، مؤكدة أن الطريق مفتوح أمام وصول مزيد من الصحفيات إلى مجلس النقابة، شرط أن يتسلحن بالكفاءة، والوعي المهني، والحضور الفاعل، وهو ما يجعل من التمثيل النسائي داخل النقابة استحقاقًا طبيعيًا، لا استثناءً عارضًا.
نوصي للقراءة: خالد البلشي يتحدث لـ«زاوية ثالثة»: لن نقبل بقوانين تقيد حرية الصحفي في الشارع
الجمعية العمومية تُسقط التدخل الحكومي في انتخابات النقابة
اعتُبرت نتائج انتخابات التجديد النصفي لمجلس نقابة الصحفيين بمثابة رد مباشر من الجمعية العمومية على محاولات التدخل الحكومي في الشأن النقابي. فقد كشف الكاتب الصحفي هشام فؤاد عن وجود فريقين متمايزين داخل النقابة خاضا السباق الانتخابي الأخير: أولهما يضم رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير المعيّنين من قبل الهيئة الوطنية للصحافة، وتصدره المرشح عبد المحسن سلامة، منافس خالد البلشي، الذي يمثل التيار النقابي المستقل.
ويقول فؤاد، في حديثه إلى زاوية ثالثة، إن هذا الفريق استخدم أدوات ضغط متنوعة – من تهديدات مباشرة إلى وعود بالمنافع – في محاولة للتأثير على اختيارات الجمعية العمومية، مؤكدًا أن هذه الممارسات “موثقة ومعروفة”. وأضاف أن أجهزة رسمية مارست ضغوطًا على صحفيين في المحافظات، واستعانت بأحزاب موالية لدعم المرشح الحكومي، ما حوّل الانتخابات إلى معركة لم تكن نقابية خالصة، بل دخلت على خطها أطراف أمنية وحزبية.
في المقابل، مثّل الفريق الآخر صحفيين اختاروا الدفاع عن حرية واستقلال النقابة، رافضين الارتهان لأي سلطة. ويشير فؤاد إلى أن فوز خالد البلشي في منصب النقيب عبّر عن انحياز صريح لهذا التيار الذي يرفع شعار “الكرامة قبل الامتيازات”، معتبرًا أن تجربة سلامة السابقة، المتهمة بالتواطؤ في تمرير تشريعات مقيدة للحريات، تسببت في خسارته ثقة عدد كبير من الصحفيين، لا سيما أنه لم يتخذ موقفًا داعمًا تجاه الصحفيين المحبوسين خلال ولايته.
ولفت فؤاد إلى أن الحملة الانتخابية كشفت عن تدخل وزارات عدة لدعم المرشح الحكومي، مستشهدًا بلقاءات جرت بين سلامة وثلاثة وزراء خلال أيام الدعاية، وهو ما اعتبره “تدخلًا سافرًا” كان يستوجب الرد عليه. كما أشار إلى أن تدهور الوضع الاقتصادي حرم السلطة من استخدام “الرشى الانتخابية” التي كانت تلجأ إليها سابقًا، ما كشف هشاشة خطاب الوعود، في مقابل تمسّك الجمعية العمومية بتجربة نقابية ناجحة يُنظر إليها بوصفها صامدة ومستقلة.
كما استنكر فؤاد تجاهل شرط أساسي أقرت به الجمعية العمومية سابقًا، يقضي بعدم جواز الجمع بين عضوية المجلس الأعلى للإعلام ومنصب نقيب الصحفيين، وهو القرار الذي لم يُفعل، رغم إعادة تأكيده من الجمعية العمومية مؤخرًا.
وفي السياق ذاته، أشار محمود كامل، عضو مجلس النقابة، في بيان نشره على صفحته الرسمية، إلى “تجاوزات خطيرة” من قبل جهات رسمية تدخلت في الانتخابات. وقال إن بعض الصحفيين في المحافظات تلقوا “اتصالات وتهديدات موثقة”، وأن صفحات مجهولة المصدر نشرت خطابًا يحرّض على الانقسام بين الزملاء، في محاولة للتأثير على اختياراتهم.
وكتب كامل: “طال التدخل بعض الجهات الحكومية، وكذلك الهيئة الوطنية للصحافة، التي يفترض أن تكون مستقلة بحكم الدستور، لكنها عقدت اجتماعات مع رؤساء التحرير لدعم مرشح بعينه، وتم خلالها استخدام موارد مؤسسات قومية لتنظيم موائد دعائية، وصدرت تهديدات مباشرة وغير مباشرة لبعض الزملاء المؤقتين بعدم التعيين، في حال دعمهم للمرشح المنافس.”
وأُعلنت النتائج الرسمية فجر السبت 3 مايو، بعد انتهاء عمليات الفرز التي أشرفت عليها اللجنة القضائية المختصة، وأسفرت عن فوز ستة أعضاء هم: حسين الزناتي، أيمن عبد المجيد، محمد سعد عبد الحفيظ، محمد شبانة، محمد السيد الشاذلي، والصحفية إيمان عوف. وقد تنافس في الانتخابات 51 مرشحًا، بينهم 8 على منصب النقيب و43 على 6 مقاعد من مقاعد عضوية المجلس، التي يُنتخب نصفها كل عامين، وتبلغ مدة ولاية النقيب عامين.
وأنهى هشام فؤاد حديثه بالتأكيد على ضرورة أن تبقى الجمعية العمومية في موقع رقابي فاعل، وأن تمارس ضغطًا متواصلًا على المجلس المنتخب، لضمان الالتزام بقراراتها، وصون استقلال النقابة بعيدًا عن أي وصاية رسمية أو حزبية.