في الواحدة من صباح يوم صيفي حار، احتضن علي زوجته وولده، قبل أن تحمل إليه حقيبة أعدت فيها أطعمة معلبة بسيطة وبعض زجاجات من المياه المثلجة، وملابس للعمل. ودّع العامل أسرته في عجالة، وغادر ليلتحق بسيارة كانت تنتظره على أطراف القرية، وعلى متنها عدد آخر من العمال الذين يحملون نفس سماته الجسدية، ومَلامحه السمراء التي دلت على أنهم يعملون في كد وشقاء.
تجمع العشرات من عمال غرابيل الذهب (يعملون في التنقيب واستخراج الذهب من المناجم والجبال)، يتحركون في جماعات صغيرة وسيارات تنقلهم عبر الدروب الجبلية باتجاه مناطق الجبال الواقعة بين البحر الأحمر وقنا، حيث تقع مناجم الذهب غير المعروفة بالنسبة لكثير من المواطنين، لكن المثير أن مقاولي عمال الغرابيل يحفظون تلك الدروب الجبلية الوعرة، يستخدمون حساباتهم الفلكية للسير في تلك الممرات، ومعهم عشرات العمال من الطبقة الكادحة.
في تلك الرحلة، يستخدم المقاولون سيارات متهالكة لنقل العمال إلى مناطق عملهم، دون حماية تذكر – حسب وصف عمال تحدثنا معهم-، يقولون إن كل منهم يحمل أمتعته وبعض من الماء والغذاء، إذ تمتد رحلة عملهم في تلك المناطق إلى نحو ثلاثة أشهر، لكنها تصبح عصيبة في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها مصر والعالم في السنوات الأخيرة.
“زاوية ثالثة” تكشف تفاصيل الرحلة الخاصة بعمال غرابيل الذهب.. فماذا يحدث معهم؟
نوصي للقراءة: عمال القابضة لمياه الشٌرب.. سُخرة وأجور أقلّ من الحدّ الأدنى
طبيعة قاسية وعمالة بلا حماية
حسب البيانات الرسمية، فإن هناك نحو 120 منجمًا استخدمتها القاهرة لاستخراج الذهب منذ عهد الدولة المصرية القديمة، وما زالت قائمة حتى الآن، وتتوزع بين أربعة قطاعات: القطاع الشمالي ويضم ثلاثة مواقع، والقطاع الأوسط ويضم 62 موقعًا، والقطاع الجنوبي الشرقي ويضم نحو سبعة مواقع للتنقيب، والقطاع الجنوبي ويضم 19 موقعًا، إضافة إلى مواقع غير معلن عنها.
يقول علي منسي – أحد مقاولي عمال غرابيل الذهب بمحافظة البحر الأحمر-، أنه يتم اختيار العمال حسب طبيعة العمل في كل منطقة، إذ تتحدد الصفات الجسمانية والسن وفقًا لذلك؛ ففي بعض المناطق في عمق الجبل يتطلب ذلك بعض الشباب من صغار السن، كي يتحملوا مشقة العمل بأدوات بدائية، خاصة وأنهم يعملون في الخفاء، ويتجنبون الدوريات الأمنية التي تنطلق بين الحين والآخر في الدروب الجبلية.
يشرح في حديثه إلى زاوية ثالثة: “نستخدم النار والحطب في كثير من الأحيان مع الاستعانة بوسائل إضاءة كبرى، لكن ليس بشكل دائم كي لا يفتضح أمرنا، أو نتعرض للنهب والسرقة من قبل ساكني الجبل من الصادر بحقهم أحكام جنائية، لأن أغلبهم من حاملي الأسلحة ولديهم رجال في تلك المناطق الجبلية الوعرة، ما قد يعرض حياة العمال للخطر.”
يضيف: “في بعض الأحيان قد تتعرض أسر العمال للتهديد من قبل جماعات التنقيب عن الذهب/ التجار الذين يديرون تلك التجارة، ويتمركز كثير منهم في مركز نجع حمادي، والسوق الذهبي أو سوق الصاغة بمحافظة قنا، ويعملون من خلال ورش خاصة بهم منذ عشرات السنين.”
وحسب “منسي” تشترك النساء أيضًا في عمليات توصيل حبيبات الذهب بعد استخلاصها وبيعها إلى التجار، الذين يحولونها إلى سبائك ذهبية، ويبيعونها في وقت ذروة ارتفاع سعر المشغولات الذهبية والسبائك.
حاولت زاوية ثالثة التوصل إلى معلومات عبر تحليل بيانات الصحف للتوصل إلى حالات القبض على عمال غرابيل الذهب، لكن الحادث الأشهر الذي أحدث بلبلة في الثلث الأول من العام الجاري، كان خبر إلقاء القبض على روماني عيسى – المعروف بـ إمبراطور الذهب في مصر-، إذ كشفت القضية عن حصوله وشريكه رجل الأعمال هشام الحاذق، على الذهب من خلال شراكة بينهما في منجم “حمش” الواقع في الصحراء الشرقية، قرب مدينة مرسى علم بمحافظة البحر الأحمر.
تبين من خلال التحقيقات، أن المدعوين قد استخدما طرقًا كيميائية، لاستخلاص كميات كبيرة من الذهب، في مخالفة للقوانين التي نظمتها السلطة بشأن ذلك. ما يكشف أن هناك أطرافًا فاعلة تترأس تلك التجارة المحرمة (ربما بالمخالفة لمهام وظيفتهما أيضًا).
ومن خلال الرصد لصحيفة الأهرام المصرية في الفترة من 2008 إلى العام الجاري 2024، تبين أن أغلب القضايا التي أعلن جهاز الشرطة عنها، تمركزت في منطقة أسوان والبحر الأحمر، خاصة مرسى علم. وتنوعت ما بين القبض على تشكيلات تعمل في التنقيب غير القانوني عن الذهب، وما بين مهربين على الطريق، يحملون في سيارات عشرات الأطنان من خام الذهب.
لوحظ من خلال رصدنا أنه في الفترة ما بين عامي 2008/ 2013 لم تكن هذه الظاهرة منتشرة بشكل كبير ولم تصدر المشهد الإعلامي، لكن اتضح في الفترة ما بين عامي 2013/ 2015، كثافة التنقيب السري وغير الشرعي عن الذهب خاصةً في جبال البحر الأحمر وقنا وأسوان، كما رصدنا خلال فترة البحث مابين عامي 2008/ 2024، القبض على نحو 1800 متهم؛ بينهم 23 يحملون جنسيات عربية.
وشهدت الفترة بين عامي 2016/ 2018 تصاعد عمليات التنقيب، وسجلت مصر عدة حوادث انهيارات لمناجم غير مرخصة، ويقدر عدد الوفيات جراء حوادث التنقيب غير المشروع في الفترة ما بين عامي 2017/ 2022، حسب الأخبار المنشورة في الأهرام، نحو 25 شخصًا، توزعوا ما بين مناطق: أسوان ومرسى علم وقرية قفط الجبلية في جنوب قنا.
نوصي للقراءة: لقمة العيش تحت أشعة الشمس: مخاطر بلا حماية لعمال التوصيل في مصر
حُفاة على جسر من الذهب
يشرح ناصر محمد سيد – أحد عمال غرابيل الذهب-، كيف يقومون بتنقيح الرمال و فرز الذهب. يقول إنهم يقومون بغربلة الرمال التي تحتوي على حبيبات ذهبية ومعادن أخرى، ويتم فصلها وغربلتها من خلال غرابيل مخصصة لهذا الشأن بعد أن يتم طحنه عبر طواحين صغيرة، وجمعها بـ “لودر” يتم إحضاره معهم.
يستكمل: “يسير الجميع في طريق جبلي واحد، ولا بد أن تكون تلك المجموعة متجانسة مع بعضها البعض ويعرفون بعضهم جيدًا، حرصًا على عنصر الأمن والسرية والاتفاق فيما بينهم، ولابد من إعداد الطعام والشراب بكميات تتناسب مع الوقت الذي قد تستغرقه الرحلة. نتحرك قبل آذان الفجر وتتكون المجموعة من نحو عشرة أفراد موزعة بين السائق وعمال الغرابيل والشيالين وعمال التركيب للآليات.”
يضيف: “يكون معنا جهاز البحث عن الذهب، ونتحرك من منطقة الفواخير بجبال البحر الأحمر حتى نصل إلى النقطة المحددة للنزول فيها بالجبل، وفي أغلب الأحيان يكون المقاول الشخص الوحيد الذي يعرف المكان المستهدف وطريق النزول إليه، وربما يصطحب معه دليل/ مرشد من أهالي المنطقة. في أغلب الأحيان لا نعرف المكان الذي نتجه إليه، إلا القليل منا الذين يعملون في تلك المهنة منذ عدة سنوات، ويتضح الطريق من خلال علامات وأرقام يضعها منقبو الآثار في تلك المناطق الجبلية، وهذا بالطبع لا يرى إلا في الصباح مع صعوبة الرؤية الليلة.”
يلتقط صابر علي الكسير – عامل آخر- طرف الحديث، ويضيف: “نصل في جماعات صغيرة إلى المكان المخصص، وبعد رحلة تستغرق ساعات قد تصل إلى نحو خمسة أيام، بسبب صعوبة التنقل بشكل مباشر، نقف للاستراحة وتناول الطعام وقضاء الحاجة، وبعد وصولنا للمكان المنشود ننتظر فرق الاستطلاع للتأمين، بعدها ننصب الخيام التي سوف نقيم بها.”
ويشير صادق عدلي – عامل غرابيل-، إلى أنهم يظلون دون استحمام لمدد طويلة، يتعرضون لمعيشة غير آدمية في الصحراء، ويبيتون في العراء في خيام من القماش. يصف أن برد الشتاء يكون قاسيًا في تلك الأوقات، فيما يتعرضون للإجهاد الحراري في نهار الصيف؛ لذا يفضلون العمل ليلًا في هذا الفصل من العام. إضافة إلى كل تلك المصاعب، فإنهم يواجهون أيضًا خطر لدغات العقارب والثعابين السامة.
يطالب بضرورة تقنين أوضاع العاملين في هذا المجال، حفاظًا على الثروات المعدنية والبشرية؛ ولكن هذا الأمر يتطلب ضرورة تكاتف الجهود، ودعم من السلطة حتى تنجح المبادرات التي يجب أن يتبناها الجميع.
يلتقط عامر محمد – أحد العمال-، طرف الحديث معنا، ويبين أنهم يصحبون معهم بعض أدوات/ وسائل طبية، خاصة الشعبية منها، يقومون بالحصول قبل الانطلاق على أعشاب طبية ضرورية، وربما يصحبهم حاوي (شخص متخصص في مواجهة الزواحف الخطرة والعقارب).
ويشير العامل إلى كونهم خارج منظومة الحماية الاجتماعية والتأمينية للدولة، باعتبارهم يعملون كفئة من فئات العمالة غير الرسمية المنخرطة في الاقتصاد الموازي للدولة. يضيف أنهم يعلمون أن مهنتهم غير قانونية؛ وبالتالي من يتعرض للإصابة أو الوفاة منهم لا يحصل على أية تعويضات هو أو ذويه، وقد تعرض بالفعل عشرات منهم لإصابات خطيرة أو للوفاة نتيجة عمليات الطحن والتنقيب والغربلة.
حسب وزير العمل المصري، محمد جبران، فقد اهتمت السلطة مؤخرًا بالدعوة لتسجيل العمالة غير المنتظمة في منظومتها، وقد أعلن عن تسجيل نحو مليونا و164 ألفًا و12 عاملًا، حتى سبتمبر الماضي 2024. وتمنح الوزارة لهؤلاء العمال، ست منح دورية سنوية، إضافة إلى منحتين في شهر رمضان وعيد الميلاد المجيد. كما تشدد من خلال قانون العمل رقم (12) لسنة 2003، على ضرورة حصول هؤلاء العمال على أجورهم، وتعويضات تصل إلى 200 ألف جنيه في حالة العجز أو الوفاة.
تعليقًا، يؤكد المحامي أحمد عبدالغني – المتخصص في الشأن العمالي-، أنه يجب على المقاول أو صاحب العمل أن يقوم بتوفير الحماية للعامل، ويكون الأجر محدد، كما يجب أن يكون هناك عقد بين العامل والمالك. لكنه يشير إلى أن في حالة عمال الغرابيل لا تكون هناك ضمانات للعمال سواء من المقاول أو التجار، لعدم قانونية أعمالهم.
ينوه المحامي العمالي إلى أن العامل في هذه المهنة لا يتقاضى أي أجر ثابت، وهم يعون أنهم يقومون بأعمال غير قانونية، لذا يرتضون بالأجر الذي يحصلون عليه من المقاول أو صاحب العمل فقط.
نوصي للقراءة: عمال الخُردة في مصر بين ضياع الحقوق وغياب الرقابة
قفاي الأثر في رحلة الدهابة
يقول عماد أبو جبل – أحد قفاي الأثر بمحافظة قنا في صعيد مصر-، في حديثه إلى زاوية ثالثة: “نسير في الجبال في منطقة البحر الأحمر، وتحديدًا مرسى علم والغردقة والقصير ورأس غارب. وظيفتنا هامة جدًا بالنسبة لمن لا يجيدون معرفة الطرق الجبلية الوعرة، نقوم بتحديد الأماكن وأنواع الحيوانات التي تسكنها، والدروب التي يمكن للمركبات السير خلالها، حتى الوصول للمكان المستهدف.”
ويشير إلى أنه شهد وقائع العثور على أشخاص قضوا نحبهم، أثناء عملهم في الجبال، في أعمال الغربلة والتنقيب والتكسير والطحن.
ويشرح محمد الصغير – حاوي- في حديثه مع زاوية ثالثة، أنه يعمل بتلك المهنة منذ نحو 45 عامًا، ولديه تعويذة خاصة يتم إعدادها من الطب الشعبي تستخدم لعلاج الملسوع أو الملدوغ. يضيف: “أقوم بـ حوي أو تحصين المكان، عندما نكون بمنطقة جبلية ونعي أن هناك بعض الآفات والحيوانات والسامة نقوم بتحصين المكان حتى إذا اقتربت الحية أو العقرب لا تلدغ أو تلسع أي من العمال، وفي بعض الأحيان نقوم بتنظيف المكان بطريقة آمنة من خلال حصي استخدمها بها ما يسمى عندنا في الصعيد “الكرفة” وهي ذاتها التي نقوم بالعلاج من خلالها، فضلًا عن القسم الرفاعي الذي نحفظه عن ظهر قلب، والعمل بالجبل لا يخلو من مخاطر الإصابة اللسع أو اللدغ؛ لذا يعيش أغلبنا في مناطق جبلية ويرحل من مكان إلى آخر.”
تعليقًا، يؤكد مصطفي محمود إسماعيل – استشاري العلوم الجيولوجية والبيئية- في حديثه إلى زاوية ثالثة، أن هذا العمل غير قانوني، ومن يشترك به مجرم، إذ يعد اعتداء على ثروات الدولة. وحسب وصفه، فإن الذهب ملك لجميع المصريين، ولا يحق لبعض التجار أن يستولوا عليه وحدهم.
ويشير إلى مشروع المثلث الذهبي، الذي يمتد جزء منه ما بين طريق قنا – سفاجا بطول 160 كيلو مترًا، و جزء ثاني منه يمتد ما بين مدينتى قفط والقصير بطول 167 كيلو مترًا، وحسب رأيه، يمكن توسيع قاعدة المثلث يكون رأسه عند مدينة الزعفرانة شمالًا وقاعدته عند حلايب وأسوان، واصفًا إياه بأنه سلة للمعادن النفيسة والثمينة التي يستولي عليها المنقبون.
ينوه استشاري العلوم الجيولوجية والبيئية إلى أن المنطقة بها أكثر من 30 معدن؛ منها الفوسفات والحديد والذهب، مضيفًا: “بالمنطقة أكثر من 100 موقع للفضة فقط، إضافة إلى معادن أخرى مثل. المنجنيز، والكروم، والنيكل، والتيتانيوم، والنحاس، والرصاص، والقصدير، والكوارتز، والرمال البيضاء، والكبريت، والبوتاسيوم، والطينة الدياتومية، إضافة إلى مواد البناء من الرمال، والزلط، والحجر الجيري، والطفلة، والجبس، وخامات صناعة الأسمنت، وكذلك أحجار الزينة من رخام بأنواعه، والأحجار شبه الكريمة.”
يبين “إسماعيل” أنه عرض على محافظ قنا السابق، عادل لبيب، مشروع مقترح، يحمل العديد من الخرائط التي تؤكد أن مصر الدولة الثالثة في مصادر الحجر والرابعة في أحجار الزينة، والذي إن تم استثماره سيغير خريطة مصر الاقتصادية.
هذا ما يؤكده عباس منصور – رئيس جامعة جنوب الوادي الأسبق والخبير الجيولوجي-، في حديثه معنا، إذ يعلق: “المشروع سيحمي مصر من ظاهرة الاستغلال لبعض ثروات البلاد بشكل غير شرعي، كما يزيد من النشاط السياحي، خاصة أن محافظة قنا بها العديد من المناطق الأثرية سواء التي تعود إلى الدولة المصرية القديمة أو القبطية أو الإسلامية، إضافة إلى المجتمعات العمرانية التي يمكن أن تقام.”
نوصي للقراءة: بنص القانون.. هل تتأثر حقوق مصر بعد صفقة الاستحواذ على منجم السكري؟
أسباب توقف مشروع المثلث الذهبي
توقف مشروع المثلث الذهبي بحسب ما علمت زاوية ثالثة بعد واقعة ريجينى الطالب الإيطالي الذي قتل في عام 2016. وكانت الحكومة المصرية قد أوعزت لشركة “دابولونيا” الإيطالية عمل دراسة عن المشروع وتحديد أماكن استخراج المعادن التي يمكن استغلالها. وكان من المقرر للشركة عقد اجتماعًا لتحديد آليات التنفيذ؛ إلا أن قضية ريجيني قد أثرت على المشروع وأوقفته.
يعرض أحمد سلطان – المتخصص في شؤون النفط والطاقة-، في دراسة له، أهمية منطقة المثلث الذهبي بين قنا وسفاجا والقصير، يقول إن قاعدة المثلث على البحر الأحمر بطول 80 كيلومترًا ما بين سفاجا والقصير، ويشكل طريق قنا/ سفاجا ضلع المثلث بطول 164 كيلو مترًا، والضلع الثاني طريق قفط/ القصير بطول 174 كيلو مترًا.
يقام المشروع على ست مراحل، تستغرق المرحلة الأولى خمس سنوات، ويستغرق المشروع ككل 30 عامًا، وسعيت السلطة للاستفادة من المشروع بكل الطرق التي تحقق تنمية اقتصادية واجتماعية ومعدنية، إذ أن المنطقة تحوز وحدها على 72% من المعادن في مصر.
وقد طالب حمادة الجبلاوي –وكيل لجنة الطاقة– بضرورة حماية الثروة المعدنية وفتح ملف منقبي الذهب، ومنع استغلال العاملين في أي عمل غير مشروع، قد يكون يؤدي بهم إلى طريق الموت. كما طالب بضرورة بجدول زمني وخريطة كاملة بأماكن الذهب للطرح على المستثمرين، متسائلا: “هل وزارة البترول لديها معلومات عن الأماكن التي يتم البحث فيها، حتى لا تكرر أخطاء منح ما يزيد على 80 كيلو متر للبحث عن الذهب وفي النهاية تترك لـ الدهابة يبحثون فيها بدون أساس مدروس.”
وقد أعلن البرلمان المصري خلال اجتماعاته في أبريل من العام الجاري، مشروع موازنة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية المثلث الذهبي للسنة المالية 2024/2025، بإجمالي 32 مليون جنيه. وبلغ إجمالي مشروع موازنة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية المثلث الذهبي للسنة المالية الجديدة 32 مليون جنيه مقابل 10 ملايين جنيه في العام المالي الحالي 2023/2024، بزيادة 22 مليون جنيه. وخصص مشروع الموازنة مبلغ 9 ملايين و255 ألف بند الأجور، و 3 ملايين و954 ألف جنيه للمصروفات، و800 ألف جنيه الخامات والمواد والوقود وقطع الغيار، وبلغت جملة التكاليف والمصروفات 32 مليون جنيه.
نوصي للقراءة: استثمارات غير مسبوقة أم بيع أصول؟ نظرة على صندوق مصر السيادي بعد خمس سنوات
لا ضمانات صحية
بالعودة إلى عمال غرابيل الذهب كفئة من فئات العمالة غير المنتظمة، يعلق محمد أحمد صابر – طبيب بشري بمستشفى حكومي-، يقول إن العمالة غير المنتظمة المسجلة رسميًا من الممكن أن تتلقى علاجها لدى المستشفيات الحكومية؛ لكن عمال الغرابيل من الصعب أن يحصلون على ذلك، نظرًا لعدم قانونية أعمالهم وبالتالي لا يجوز تسجيلهم في وزارة العمل، لذا يلجأون للعلاج في حالة الإصابة للعيادات أو الأماكن غير الرسمية، خوفًا من الملاحقة.
وتشرح جوليت عياد – طبيبة بشرية بوحدة صحة حاجر الجبل، التابعة لإدارة نجع حمادي الصحية في محافظة قنا، بصعيد مصر-، أنها في أغلب الأحيان، تقابل مواطنين أصيبوا بلدغات العقارب والثعابين وهذه الطبيعة الجبلية التي يعيشون بها، ولكن إذا كان الحديث يدور حول عمال غرابيل الذهب، فإنها لم تصادفهم من قبل، نتيجة عملهم في المناطق الجبلية المتطرفة، خاصة وأنهم يلجأون للعلاج بالطرق الشعبية بدلًا عن العلاجات الحديثة.
يعقب أحمد عبد الغني – المحامي بالاستئناف والمتخصص في الشأن العمالي-، في حديثه إلى زاوية ثالثة، على الوضع القانوني لهؤلاء العمال والمنقبين، يقول إنه وفقًا للقانون رقم 141 لسنة 2017 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة والأحجار ذات القيمة، فقد فرضت عقوبات مشددة تصل إلى الحبس خمس سنوات وغرامة تصل إلى عشرة ملايين جنيه، لمن يستخلصون دون وجه حق أيًا من المعادن والأحجار مثل. الذهب والفضة والبلاتين.
يضيف المحامي العمالي أن بحسب المادة (22 مكرر) من القانون رقم 141 لسنة 2017، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسة ملايين جنية ولا تزيد على عشرة ملايين جنيه، كل من استخلص بغير حق أيا من المعادن الثمينة أو الأحجار ذات القيمة. و عاقبت المادة نفسها من القانون رقم 141 لسنة 2017 كل من أقام منشأة لذلك الغرض بنفس العقوبة، وفى جميع الأحوال يُحكم بمصادرة المضبوطات.
ورغم معرفتهم بالوضع القانوني المخالف؛ إلا أن هؤلاء العمال يشرعون في أعمالهم، سعيًا وراء الرزق – حسب حديثهم معنا-، إذ يتقاضون أجورًا تتراوح ما بين أربعة إلى خمسة آلاف جنيه، وربما تزداد حسب المدة التي يقضيها العامل ونسبة الخطورة والصعوبات التي يواجهها، رغم ذلك، يشتكون من أنهم يتعرضون لأخطار جمة، وفي المقابل يحصل التجار على حبيبات الذهب وحدهم، ويأمل عمال غرابيل الذهب في أن يكون هناك إطار قانوني وشرعي لعملهم، حتى لا يستمروا في تقديم مزيد من الضحايا أو التعرض للملاحقة القانونية.