كيف حصل “السيسي”على أكثر من مليون توكيل شعبي في أقل من أسبوعين؟

تحقيق زاوية ثالثة عن الطرق التي حصل بها السيسي على مليون و130 ألف توكيل شعبي.
Picture of زاوية ثالثة

زاوية ثالثة

كانت إلهام عيدرواس وكيل مؤسسي حزب “العيش والحرية “تشكو في بث مباشر من أمام أحد مكاتب الشهر العقاري في منطقة المهندسين بمحافظة الجيزة في مصر، لعدم قدرتها على تحرير توكيل الترشح للمرشحة المحتملة حينها جميلة إسماعيل؛ في الوقت ذاته كان آلاف الداعمين للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي يحررون التوكيلات بسهولة تامة، والسيسي أكثر الحاصلين على توكيلات شعبية وأسرعهم. لقد كتبنا في زاوية ثالثة سابقًا أن “جمع التوكيلات للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي كان أسرع من الوقت الذي قد تقضيه في الحصول على وجبة غداء سريعة؛ حيث أنه استطاع جمع  25 ألف توكيلًا في 10 دقائق” وفق ما ذكره الإعلامي أحمد موسى”. استطاع السيسي الحصول على  مليونًا و130 ألف تأييد شعبي، بالإضافة إلى 424 تزكية برلمانية، وهو  ما يمثل أضعاف ما يطلبه قانون الانتخابات الرئاسية المصرية الذي يحصل المرشخ على 20 تزكية برلمانية، أو 25 ألف توكيل شعبي، بحد أدنى 1000 من كل محافظة، على أن لا يقوم أي مواطن أو نائب بتأييد أكثر من مرشح.

 

شهادات حية..كيف جمع السيسي التوكيلات؟

مي عمران (اسم مستعار)، هي واحدة ممن حرروا توكيلًا لترشح السيسي للانتخابات المقبلة. تقول لـ”زاوية ثالثة” إنها لم تذهب إلى مكتب التوثيق العقاري، كما لم تعلم عن تحرير استمارة باسمها إلا بعد تقدم الرئيس بأوراق ترشحه والتي ضمت عدد التوكيلات المذكور، ومن ضمنها توكيل باسمها.

تعمل “عمران” كمدرسة بأحد المعاهد القومية بمحافظة الجيزة (مدارس خصصت للجاليات الأجنبية في مصر إبان الاحتلال البريطاني، وأممّها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتخضع حاليًا لإشراف كامل من وزارة التربية والتعليم). وتدير تلك المدارس جمعية تعاونية يعين وزير التربية والتعليم رئيسها، ويرأسها حاليا محمد عبد الهادي قطب، وهو أحد الداعمين للرئيس السيسي ويظهر ذلك عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، والتي يبدو أنه خصصها لدعم السيسي في حملته الانتخابية.  

تضيف: “قبيل بدء الفصل الدراسي الجاري بأسبوع فقط، طلبت إدارة المدرسة من جميع العاملين، صورًا ضوئية من بطاقات الهوية الخاصة بهم، تحت مبرر تحديث البيانات. وهُددنا أنه في حال لم تُسلّم البطاقات فسوف يتم إيقاف رواتبنا؛ لذا شرعت أنا وزملائي بتنفيذ الأمر في اليوم الأول من الفصل الدراسي في الأول من أكتوبر الماضي”. مشيرة إلى أنها علمت من خلال تطبيقات التواصل الاجتماعي بعد ذلك بشأن المضايقات والانتهاكات التي تعرض لها داعمو المرشح المحتمل السابق أحمد الطنطاوي. أيضًا شاهدت بعض من مقاطع الفيديو المصورة والتي توثق اشتباكات ضد المرشح من طرف بعض مؤيدي السيسي. حينها وحسب وصفها: “دار في خلدي أن أحرر توكيلًا له؛ لكني تخوفت من أن أتعرض لمضايقات في عملي، خاصة أن إدارة المدرسة جمعت زملائنا للخروج في تظاهرات تأييد السيسي للترشح لفترة رئاسية ثالثة. حينها سألت إحدى الإداريات العاملات في المدرسة بشأن الأمر لأتفاجأ بتحرير توكيل فعلي باسمي للسيسي دون علمي،  وكشفت لي أن جمع صور الهويات الشخصية لم يكن الغرض منه تحديث البيانات، وإنما كان لجمع التوكيلات، ونصحتني بعدم إثارة المشاكل لأننا بنأكل عيش، والسياسة وجع دماغ”.

بعد الواقعة، حاولت “عمران” البحث ومعرفة ما إذا كانت مدرستها الوحيدة التي جرى فيها جمع بطاقات الهوية لتحرير توكيلات، وذلك عبر اتصالها بصديقة تعمل في مدرسة بمحافظة الإسكندرية شمالي العاصمة، لتخبرها تكرار نفس السيناريو في كافة المعاهد والمدارس القومية البالغ عددها 40 مدرسة

مع إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن جدول الانتخابات الرئاسية في 25 سبتمبر 2023، أصدرت الحركة المدنية الديمقراطية بيان وصفت فيه المدي الزمني المطروح لاستكمال متطلبات الترشح، بأنه فترة قصيرة للغاية ورسالة جلية أن هناك محاولة لتعجيز المرشحين ومنعهم من جمع التوكيلات الشعبية المقرر عددها ب 25 ألف توكيل من 15 محافظة، بحد أدنى ألف توكيل من كل محافظة، وذلك في الوقت الذي تسابقت فيه الأحزاب المختلفة لإعلان تأييدها للرئيس السيسي وعلى رأسها؛ حزب مستقبل وطن و حماة وطن.

كان للحزبين دورًا بارزًا في عمليات الحشد للسيسي وجمع التوكيلات من المناطق الشعبية في كافة أنحاء الجمهورية؛ ومنها حي شبرا التاريخي في العاصمة القاهرة.

 

في “شارع الترعة” الموازي لشارع شبرا يعيش مايكل عبد الشهيد (اسم مستعار) والذي يملك محلًا لبيع الهدايا، وينشط خصيصًا في مواسم بعينها سنوية مثل: موسم “الكريسماس” و”شهر رمضان”. ورغم استعداده لموسم أعياد الميلاد والتي يتميز فيها بعرض منتجات موسمية؛ إلا أن عقله بات مزدحمًا بموسم آخر لا يأتي إلا كل ست سنوات؛ موسم الانتخابات الرئاسية.

يقول مايكل: “خلال السنوات الأخيرة اشتهر الشارع بزينته في المواسم والأعياد، فيقوم الأهالي بالحضور لالتقاط الصور التذكارية مع الفانوس العملاق أو شجرة عيد الميلاد المزينة، وهو ما دفع النائب البرلماني “إ.ط” لقيام كل عام بالحرص على التعاون معنا في تزيين الشارع، ووضع شجرة الميلاد أو فانوس كبير للحصول على صور تذكارية معه، مع وضع لافتة تهنئة كبيرة تحمل اسمه واسم الحزب الذي ينتمي إليه، وهو ما فتح الباب لي للتعرف على العاملين في مكتبه”

ويضيف مايكل ” أحد العاملين هناك جمعتني به علاقة طيبة، لذلك في الانتخابات البرلمانية للعام 2021 طلب مني مساعدته في جمع الأصوات لصالح نائبه، وهو ما حدث فعلا حيث جمعت له أصوات العديد من أهالي المنطقة والعاملين في المحلات؛ خاصة الفقراء الذين يحتاجون للمال أو السلع الغذائية”، مبررًا فعلته بأن النائب تكرر وأن فاز بدورة برلمانية سابقة وأنه يجب استغلال الحدث لجلب مزيد من السلع والمساعدات المالية لفقراء المنطقة، مضيفًا: “النائب سيدفع في كل الأحوال، فلماذا تذهب تلك الأموال لغيرهم؟”.

بعد انقضاء الأسبوع الثالث من شهر سبتمبر تلقى مايكل اتصالا من صديقه العامل في مكتب إ.ط، يخبره أن لديه “مصلحة”، وكانت “المصلحة” تنقسم إلى جزئين الأول جمع أكبر عدد من صور بطاقات الرقم القومي من سكان الدائرة أو غيرها، والثاني جمع عدد كبير من الأهالي والعاملين في المحلات للتواجد أمام مكتب جزيرة بدران للتوثيق – الشهر العقاري- على أن يكون المتواجدين أمام المكتب من الاشخاص الذين يبدو على مظهرهم القوة، أو القدرة على دخول معارك سواء من النساء أو الرجال لتعطيل الدخول إلى المكتب، نظير 400 جنيه لليوم الواحد (13 دولار) بينما من حضر لمدة أقل من 3 ساعات يحصل على حقيبة مواد غذائية مكونة من أرز وسكر وزيت بعد تسليم توكيل تأييد الرئيس عبد الفتاح السيسي، ويحصل مايكل على 100 جنيه 3.24 (دولار) لكل واحد يذهب إلى المكتب، و50 جنيهًا فقط  (1.62 دولار) على كل صورة بطاقة رقم قومي، كان العرض مغرياً لمايكل الذي مازال يعاني من تبعات أزمة الدولار على عمله القائم بالأساس على الاستيراد، الأمر الذي دفعه للتفكير عدة مرات لتغيير نشاط محله، وللمرة الثانية برر لنفسه بأن نجاح السيسي محسوم سواء كان ذلك بمساعدته أو دونها، وحسب وصفه: “باقي المرشحين لم يكونوا خيارات جيدة، كما أن الطنطاوي الذي كان يسعى وقتئذٍ للحصول على توكيلات مؤيد من قبل جماعة الإخوان المسلمين والذين يستهدفون المسيحيين رأسًا” لذا أكمل في مساره وقبل الصفقة، لدعم تجارته.

لم يكن مايكل الوحيد الذي يفكر بنفس الطريقة، حيث شاركه محمد الحسني(اسم مستعار) صاحب “فرشة ملابس” في ممر الراعي الصالح بشارع شبرا، والذي جمع هو الآخر الكثير من توكيلات التأييد من حي الزاوية الحمراء حيث يسكن لصالح م.ج مسئول العمل الجماهيري بشمال القاهرة في أحد الاحزاب التى تحمل اسم وطن.

لم يكن مايكل الوحيد الذي يفكر بنفس الطريقة، حيث شاركه محمد الحسني(اسم مستعار) صاحب “فرشة ملابس” في ممر الراعي الصالح بشارع شبرا، والذي جمع هو الآخر الكثير من توكيلات التأييد من حي الزاوية الحمراء حيث يسكن لصالح م.ج مسئول العمل الجماهيري شمال القاهرة في أحد الأحزاب التى تحمل اسم وطن.

الحسني الذي وافق على الحديث معنا لكن باسم مستعار خوفًا من الاستهداف الأمني، قال إن غالبية الباعة الجائلين الذي لا يمتلكون محال تجارية يحتاجون للدعم من قبل شخص يستطيع حمايتهم من المحليات أو قسم الشرطة؛ البعض يدفع إتاوات والبعض الآخر مثله يقترب من أصحاب المناصب الذين يحتاجون لخدماته، خاصة الأحزاب السياسية المؤيدة للسلطة والتي تنشط معه وأمثاله في مواسم الانتخابات. ويحكي الحسني كيف تعرف على مسؤول العمل الجماهيري بالحزب، حين تعرض لمضايقات من أحد ملاك المحال الذين رغبوا في طرده لأنه يفترش بضاعته أمام المحل، وأوجز إلى أمين شرطة بمصادرة بضاعته، ما اضطره للجوء للحزب عبر أحد أصدقائه، وبالفعل استطاع حل المشكلة، ومنذ ذلك الوقت يستعين به في جمع ما يسميهم هو “الكومبارسات” الذين يظهروا في مظاهرات التأييد أو الجولات الانتخابية أو المؤتمرات.

حصل الحسني على 5 الآف جنيه (161.81 دولار) ، مقابل جمعه لصور بطاقات الهوية للمواطنين، كما حصل على 3 الآف جنيه نظير حشد ـ 20 شخصًا، تجمهروا أمام مكتب التوثيق في الزاوية الحمراء، وتنظيم جزء من مشاركة الحزب في مظاهرات 2 أكتوبر التى أعلن فيها الرئيس ترشحه.



قبل عدة أعوام اعتمدت عبلة هنداوي (اسم مستعار) على معاش “تكافل وكرامة”  الحكومي (يمنح من وزارة التضامن الاجتماعي لفئات محدودة الدخل تحت مظلة تطوير شبكات الأمان الاجتماعي)، كدخل ثابت إلى جانب كونها عاملة منزلية موسمية (تتحصل وفق شهادتها على 710 جنيهًا شهريًا)، وقد فوجئت في سبتمبر الماضي باتصال هاتفي من الموظف المسئول عن ملف تكافل وكرامة في وحدة التضامن الاجتماعي ببولاق الدكرور، ما أشعرها بالقلق، وفي اليوم التالي كانت أمام مكتب الموظف الذي أبلغها بضرورة تحرير توكيل تأييد للرئيس، وأن هذه هي التعليمات القادمة من الوزارة، وفي حالة رفضها سيتم وقف المعاش.

 حاولت أن تتملص من المسألة مدعية أنها لا تعرف الإجراءات جيدًا؛ لكنه أصر ومنحها وسيلة اتصال هاتفي بموظف آخر قال إنه “متطوع لمساعدة أمثالها”. وبالفعل اتصلت به لتفاجأ بأنه أحد العاملين في مكتب النائب “ح.م”، حيث طلب منها الاتصال به بعد عدة أيام مع بدء جمع التوكيلات، وبالفعل التقته أمام مكتب توثيق الدقي حيث حررت التوكيل.

تقول عبلة: “حين علم أنني أعمل في المنازل باليوميه طلب مني التواجد أمام المكتب مقابل الحصول على أجر يومي، وبالفعل تواجدت لثلاث أيام، وحصلت على 1000 جنيه” 

ترى عبلة أنها لم تفعل شئ خاطئ، بالنسبة لها هو عمل مثل أي عمل ضمن لها طعام أيام، أما الانتخابات والسياسة فهي ليست ضمن اهتماماتها؛ اهتمامها الوحيد يتمثل في تأمين قوت يومها وعائلتها، وليجلس على كرسي الرئاسة من يجلس؛ هي لا تبالي.

الفقر سلاح السلطة في مواجهة المواطنين
تعليقًا، قال الباحث الاقتصادي إلهامي الميرغني -نائب رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي- إن الاستغلال السياسي للفقراء في مصر ممتد عبر التاريخ الحديث من إسماعيل صدقي ومحمد محمود إلى مرحلة ما بعد حركة 23 يوليو وحتى اللحظة. لكن الفارق أن معدلات الفقر والبطالة بين المصريين تزيد باطراد بالتوازي مع زيادة حجم المال السياسي الموجه، مؤكدًا أن: “تدخل أجهزة الدولة لصالح مرشح محدد يتم التعامل معه كأمر واقع”..

ويضيف: “30 في المئة من المصريين فقراء، ما يمثل نحو 30 مليون مصري. كما أن نحو 70 في المئة من المصريين منتظمين في أعمال موسمية أو في القطاع الاقتصادي الموازي -غير الرسمي- أي ما يوازي نحو 20 مليون يطلق عليهم “أرزقية”، إضافة إلى نحو 5 ملايين أسرة تحصل على معاش كرامة (ما يمثل نحو 22 مليون مواطن)، وأيضًا آلاف الجنائيين الذين لا يزالون قيد المراقبة الشرطية الشهرية”. مشيرًا إلى أن كل تلك الفئات تمثل القاعدة الاجتماعية الرئيسية لعملية الاستغلال السياسي للفقراء، حيث يتم حشدهم بشكل مستمر. بدءًا من شبكات العلاقات ممتدة من أيام الاتحاد الاشتراكي إلى الحزب الوطني في عهد مبارك، ومستقبل وطن في عهد السيسي (رصدت حافلات نقل متعددة الأحجام، حشد فيها عشرات الآلاف من المواطنين لتحرير التوكيلات وإظهار احتفالات تأييد السيسي على نحو حاشد؛ في مقابل وجبة طعام ومبلغ من المال). متسائلا عن إمكانية رفض عامل فقير/ عامل يومية/ بائعات جائلات/ أصحاب محال تجارية صغيرة، لتحرير توكيل أو الانضمام لحشود التأييد الإجبارية. “الأمر ينطبق أيضًا على كافة العمال في كل الهيئات الحكومية والخاصة. وهذا هو جزء من الفساد السياسي الذي نعيشه منذ عقود، وفي ظل القبضة الأمنية مصير من يرفض السجن؛ لذا فالمواطن مسلوب الإرادة ويتحرك ضد مصالحه ومصالح الطبقة التي ينتمي إليها؛ بل إنه يؤيد رموز السياسات التي قادته للفقر وتعيد إنتاجه وهو لا يملك الوعي ولا القدرة اللازمة على المواجهة ولا يستطيع تحمل أعباء الرفض”. يقول ذلك.

معلقًا على المال السياسي المستخدم، يقول مختتمًا: “تعبئة رجال الأعمال تتم بأكثر من وسيلة منها لافتات الدعاية لمرشح الدولة. أو إجبار عمّالهم وموظفيهم وحشدهم لتأييد المرشح. إضافة إلى استخدام وسائل نقل شركاتهم للعمال إلى المؤتمرات الانتخابية ومقار الانتخاب ولجانها، بخلاف التبرع النقدي المباشر للحملات الانتخابية كي يتجنبوا بطش الدولة وأجهزتها وعدم التأثير على استثماراتهم”، مطالبًا بضرورة وقوف أجهزة الدولة على الحياد في أي استحقاق انتخابي، وتحديد سقف للإنفاق وشفافية في الاعلان عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية، والتعامل العادل مع كل المرشحين سواء في حرية الحركة او شرح رؤيتهم وبرامجهم، إن وجدت.


بالأمر المباشر

فوجئ المواطنون بحملات ممنهجة من قوات شرطية وأحزاب مقربة من السلطة أبرزها؛ مستقبل وطن وحماة الوطن، إضافة إلى مجموعات من الخارجين عن القانون، تهدف إلى إجبارهم على تسليم بطاقات الهوية الخاصة بهم. وتذكر الشهادات بأن المسؤولين في هيئات حكومية أجبروا مرؤوسيهم على تسليم بطاقاتهم الشخصية، تحت طائلة الفصل من العمل أو عقوباتٍ أخرى. أما في أوساط العمل الحر، فقامت مجموعات شرطية بجمع البطاقات من أصحاب المقاهي وعاملي جمع القمامة والباعة الجائلين، والمتسولين، وسائقي سيارات الأجرة وأصحاب الجراجات. وقد أُلزِمَ كل واحد منهم بجمع 10 بطاقات لمواطنين آخرين مثلما يحدث في كل عملية انتخابية.
في 15 سبتمبر الماضي، نشرنا تحقيقًا بعنوان “بالأمر المباشر: إجراءات قسرية استعدادًا للإنتخابات الرئاسية“. لقد علمنا حينها أن قوات الأمن المصرية تجمع هويات المواطنين في الأماكن الشعبية، وتحصل على صورة منها، لم نكن نعلم حينها لماذا يحدث ذلك قبل حتى أن يتم الإعلان عن موعد للانتخابات الرئاسية، وفي هذا التقرير  قال عماد (اسم مستعار حفظًا لسلامة المصدر الشخصية) في مقابلته مع “زاوية ثالثة” إنه فوجئ قبل يومين من الآن بحملة أمنية تداهم الشارع الذي يقطنه في منطقة إمبابة السكنية بالجيزة. وقد حاول الولوج إلى منزله خوفًا من أن تكون الحملة من ضمن حملات القبض العشوائي المنتشرة منذ أسابيع؛ لكنه فوجئ بسؤاله عن هويته الشخصية. وأضاف: “جمعت الحملة كل الهويات الشخصية للمارين بالطريق، وأيضًا أصحاب المحال والمقاهي وروادها، ثم أخبرونا أنهم سيحتفظون بها أو نسخة منها لحين إجراء الانتخابات الرئاسية”. ولم تكن الحملة التي لاحقت عماد وجيرانه الوحيدة؛ فتكررت في مناطق بوسط القاهرة أيضًا، خاصة مع بعض أصحاب المقاهي في مناطق الضاهر والوايلي. 

لقد كشف تقريرنا حينها أنه أصبح من المعتاد أن يتلقى الموظفون الحكوميون أوامرًا شبه يومية تتمحور حول انتخاب السيسي لفترة رئاسية ثالثة، مع التضييق شبه الكامل وعدم إتاحة أي فرصة للحديث حول مرشحين محتملين آخرين، ووجود تهديدات في حال التفكير في تحرير توكيل قانوني بالشهر العقاري لمرشح آخر. ولم تشعر شيماء (اسم مستعار) وهي موظفة حكومية، بأي غرابة من تلك التوجيهات؛ فحسب شهادتها فإن العملية أصبحت مكررة. في الانتخابات السابقة في العام 2018، كانت هناك توجيهات بالأمر المباشر لانتخاب الرئيس، والأدهى أن استمارات الدعم للسيسي توزّع على الإدارات والمكاتب، ويهدد من يرفض توقيعها بعقوبات إدارية قد تصل إلى حد الفصل من العمل.

 

يذكر أن 6 شخصيات عامة كانت قد أعلنت رغبتها في الترشح لمنصب الرئيس قبيل فتح باب التوكيلات الشعبية في مقار الشهر العقاري، الأول هو البرلماني السابق أحمد الطنطاوي الذي ألمح حول نيته للترشح في يناير الماضي، وخاض رحلة طويلة أطلق عليها رحلة الأمل، بدأت بعودته للقاهرة في مايو الماضي، ثم تدشين حملته الإنتخابية التى استطاعت جمع 14 ألف توكيل، بحسبما أعلن هو في مؤتمره الصحفي في 13 أكتوبر الماضي، معلنًا دراسة تحويل الحملة إلى حزب سياسي جامع يحمل اسم “تيار الامل”.

وخلال رحلة جمع التوكيلات تعرضت حملة الطنطاوي للعديد من المضايقات لمنع مؤيديه من تحرير التوكيلات الأمر الذي جعله يتقدم بشكاوي رسمية للهيئة الوطنية للانتخابات، قبل أن يعلن عن تدشين التوكيلات الشعبية، الامر الذي تسبب في القبض على 21 من أعضاء حملته وإحالته ومنسق حملته إلي المحاكمة.

ما عانى منه الطنطاوي عانت منه رئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل التى قررت الانسحاب قبل انتهاء مدة جمع التوكيلات، إلا أنها عانت من التضييق هي ومؤيديها، بينما حظى كل من عبد السند يمامة رئيس حزب الوفد وحازم عمر رئيس حزب الشعب الجمهورية بتأييد كتل أحزابهما البرلمانية التى تتجاوز العدد المطلوب، أما فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي فحصل على تأييد كتلة حزبه البرلمانية المكونة من 6 نواب، بالإضافة إلى دعم عدد أخر من النواب، أما أحمد الفضالي مؤسس تيار الاستقلال فرغم اعلانه رغبته الترشح إلا أنه لم يقوم بأي خطوات لذلك.
____________

طلب جميع أصحاب الشهادات في هذا التحقيق ذكر أسماء مستعارة، خوفًا من الترصد الأمني.

 

Search